الصَّبْرُ عَنِ المعْصِيَةِ

سليمان بن خالد الحربي
1442/08/15 - 2021/03/28 18:28PM

 

الخطبة الأولى:

إنَّ الحَمْدَ للهِ نحْمَدُه ونَسْتَعينُه ونَسْتَغْفِرُه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وسيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عَلَيْه وعَلَى آلِه وأصحَابِهِ، ومَنْ سارَ على نهجِه، واقْتَفى أثَرَهُ إِلَى يومِ الدِّينِ، وسلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بعْدُ:

فاتَّقُوا الله -أيُّهَا المسْلِمون-{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المحْسِنِينَ} [يوسف: 90].

مَعْشَر الإِخْوَةِ: كمْ يَرِقُّ قَلْبُكَ وتَدْمَعُ عَيْنُكَ وأنت تَرَى مَنِ ابْتُلِيَ بِذَنب، وهو يَخْشَى عَاقِبَتَهُ، يُصَارِعُ التَّوْبَةَ مِنْه، وهو مُتَمَكِّنٌ مِنْه، كم هُمُ الَّذِين حَاولُوا تَرْكَ المخَدِّرَاتِ والخُمُورِ وأَنْوَاعِ الشرور، ولَكِنَّهُم يَعُودُونَ، وكم هُمُ الذين حَاولُوا مِرارًا تَرْكَ النظرِ المحَرَّمِ، من صور المومِسَاتِ الخَبِيثَاتِ، والأفلام الهابِطات، ومَعَ ذلِكَ لا زَالُوا في الحَرَامِ سَامِدِينَ، وكَمْ هُمُ الذِينَ فُتِنوا بالمال الحَرامِ وأَكْلِهِ، وأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ، وتَضْيِيعِ أَمْوَالهِم، وهُوَ يُرِيدُ أنْ يُقْلِعَ عَن ذَنْبِهِ لكِنَّ حُبَّ المالِ يُنَازِعُهُ.

كلُّ هؤلاءِ وغيرهم، بَلْ وكُلُّ مَنْ لم يَقَعْ مِنْهُمْ بحاجَةٍ إلى أَصْلٍ مَتِينٍ عَظِيمٍ، إيَّاكَ أَنْ تَغْفَلَ عنه، أو تَبْدَأَ بِغَيْرِهِ أَلَا وهو الصَّبْرُ عن المعْصِيَةِ حَالُكَ أنت الآن هو الصَّبْرُ على المعصية، وهَذَا عَجِيبٌ وغريب، كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى ما يَضُرُّكَ وأنت لا تريده؟ فأنْتَ صابرٌ عَلَى المعْصِيَةِ كَمَا وَصَفَ الله كُفَّارَ قُرَيْشٍ بقوله: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان:42].

فَهُمْ صَابِرُونَ عَلَى المعْصِيَةِ يُنَازِعُونَ المواجَهَةَ الَّتِي في نُفوسهم من دَوَاعِي الْفِطْرَةِ ونَاصِعِ الحُجَّةِ بِدَوَاءِ الصَّبْرِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، فَهُمْ اسْتَخْدَمُوا الصَّبْرَ فِي غَيْرِ مَا هُوَ مَحْمُودٌ، فَإذَا كُنْتَ صَابِرًا على المعصية على ما فِيكَ مِنْ دَواعِي الإيمانِ، ومُنَازَعَةِ الخَوْفِ من الرَّحْمَنِ بسبب مُغَالَبَةِ الهوى، فَأَبْدِلهَا بالصَّبر عَنْهَا وحُبِّهِا ومُعَاقَرَتِهَا بِسَبَبِ حُبِّ اللهِ، وخَوْفِ عِقَابِه.

إنَّ الصبرَ عن المعصية عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وحِينَمَا نَقُولُ عِبَادَةً عَظِيمَةً يَلُوحُ أَمَامَ نَاظِرِنَا ما رواه الشيخان في السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ»([1]).

تَأَمَّلُوا هَؤلاءِ السَّبْعَةَ اجتَمَعُوا في الصَّبْرِ عنِ المعْصِيَةِ، فالإمامُ العادل صَبَرَ عن سطوةِ الملْكِ، وجَبَرُوتِ النَّفْسِ وظُلمِهَا، والشابُّ الذِي نَشَأ في طَاعَةِ الله صَبَرَ عن صَبْوَةِ الشبابِ ومُرَاهَقَتِهِ، وَقِلَّةِ حِلْمِهِ، والرَّجُلُ المعَلَّقُ قَلْبُهُ في المساجِدِ صَبَرَ عَنْ مَلَذَّاتِ الدنيا وَلهْوِهَا، وتَعَلَّقَ في المسجْدِ، والرَّجُلُ الَّذِي دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ حُسْنٍ وجَمَالِ، ما الَّذِي خَلَّصَهُ إلا الصَّبْرُ عنِ المعْصِيَةِ، والرَّجلانِ اللذَانِ تَحَابَّا فِي الله اجتمعا عليه، وتَفَرَّقَا عَلَيْهِ امْتَثَلا أَمْرَ اللهِ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]،  فَصَبَرَا عَلَى ذَلِكَ مَعَ دَواعي النفسِ وحُظُوظِهَا، والرَّجُلُ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفَاهَا صَبَرَ عنْ مُنازعةِ الرِّيَاءِ وَحُبِّ المدِيحِ والثَّنَاءِ، وكَذَلِكَ الرَّجُلُ الذي ذكرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ صَبَرَ عن نَفْسِ الدَّاعِي السَّابِقِ

لَيْتَكَ تعلمُ أَيُّهَا الصَّابِرُ أنك مجاهدٌ في سبيل الله، أَوَلَا تَرْضَى بِأَجْرِ المجاهدين، أَوَلَا تَرْضَى بمَنَازِلهِمْ، إنَّ صَبْرَكَ عَنِ المعصِيَةِ كُلَّمَا قَوِيَ الدَّاعِي كُلَّمَا عَظُمَ أَجْرُ جِهادكِ، فَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ والمعْصِيَةِ جِهَادٌ من أَعْلَى مَقَاماتِ المجاهدين، بَلْ هُوَ أَوَّلُ أنواعِ الجِهَادِ ولهَذَا ابْتَدَأَ بِه النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاه الإمام أحمدُ في مُسْنَدِه بإسْنَادٍ جَيِّدٍ من حَدِيثِ فُضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ قال: سمعت رسول الله يقول: «المجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ»([2]). وفي رواية: «مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ»([3]). فهذا الصبر عن المعصية مع قوة الداعي، هو جِهَادُ نَفْسٍ، وهَوَى، وشيطان، وهُوَ أَفْرَضُ الجهادِ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، {جَاهَدُوا فِينَا} أي: فِي طَلَبِ مَرْضَاتِنَا. قال الجُنَيْدُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا} أهْوَاءَهُمْ، {فِينَا} بالتَّوْبَةِ، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ} سُبُلَ الإخْلاصِ([4]).

وقال عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنه- لمن سألَهُ عن الجهادِ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا، وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا»([5]). وعن عَلِىِّ بنِ أبي طالبٍ قال: «أَوَّلُ مَا تُنْكِرُونَ من جِهَادِكم أَنْفُسَكُمْ»([6]). وقالَ إبراهيمُ بنُ أبي عَبْلَةَ لقوم جاءوا منَ الغَزْوِ: «قَدْ جِئْتُمْ منَ الجِهَادِ الأصغرِ، فمَا فَعَلْتُمْ فِي الجهادِ الأكَبْرِ؟». قَالُوا: وما الجهادُ الأكبرُ؟ قال: «جِهَادُ القَلْبِ»([7]). وقَالَ أَبُو بكرٍ الصِّدِّيق -رضي الله عنه- في وَصِيَّتِهِ لعُمَرَ حين استَخْلَفَهُ: «إنَّ أَوَّلَ مَا أُحَذِّرُكَ نَفْسَكَ الَّتِي بَيْنِ جَنْبَيْكَ»([8]).

أَعُوذُ بالله منَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالملَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:22 - 24].

بَاركَ اللهُ لي ولَكُم في القرآنِ العظيم، ونَفَعَنِي وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكر الحكيم، أقولُ ما سمِعْتُم، وأَستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولَكُم ولِسائرِ المسْلِمِينَ مِن كُلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاسْتغفِرُوه وتُوبوا إليْهِ؛ إنَّه هو الغفور الرَّحيمُ.


الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ لَهُ على تَوْفِيقِهِ وامتِنَانِه، وأشهَدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ؛ تَعْظِيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه الدَّاعي إلى جنَّته ورِضوانِه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِه وأصحابِه وأعوانه، أَمَّا بعْدُ:

أيُّهَا الإخْوَةُ حِينَمَا نَتَكَلَّمُ عنِ الصَّبْرِ عَنِ المعصية فنحنُ نَتَكَّلمُ عن عَائِدَةٍ عَظِيمَةٍ، فَلَيْسَ تَكْلِيفًا لا فَائِدَةَ فِيهِ ولا مُكَافَأةً، فَعَائِدَتُهُ في الدُّنْيَا الإِعَانَةُ والنَّصْرُ والمعِيَّةُ، فهَا هُوَ يقول -عز وجل-: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

وعَائِدَتُهُ في الآخِرَةِ أَجْرُ الجِهَادِ والصَّبْرِ وهم يُوَفَّوْنَ أَجْرَهُمْ بِغيرِ حسابٍ، وفي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ المشهورِ في وَصَيَّةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- لابنِ عَبَّاسٍ «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»([9]).

فالنَّصْرُ مَنُوطٌ بالصَّبْرِ فَإِنْ أَردت أنْ تَنْتَصِرَ عَلَى هَذِهِ المعصية فتَسَلَّحْ بالصَّبْرِ، قال الحافظ ابن رجب([10]): «وَهَذَا فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ الظَّاهِرِ، وَهُوَ جِهَادُ الْكُفَّارِ، وَكَذَلِكَ جِهَادُ الْعَدُوِّ الْبَاطِنِ، هُوَ جِهَادُ النَّفْسِ وَالْهَوَى، فَإِنَّ جِهَادَهُمَا مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ ... فَهَذَا الْجِهَادُ يَحْتَاجُ أَيْضًا إِلَى صَبْرٍ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ وَشَيْطَانِهِ، غَلَبَهُ وَحَصَلَ لَهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ، وَمَلَكَ نَفْسَهُ، فَصَارَ عَزِيزًا مَلِكًا، وَمَنْ جَزَعَ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى مُجَاهَدَةِ ذَلِكَ، غُلِبَ وَقُهِرَ وَأُسِرَ، وَصَارَ عَبْدًا ذَلِيلًا أَسِيرًا فِي يَدَيْ شَيْطَانِهِ وَهَوَاهُ، كَمَا قِيلَ:

إِذَا المرْءُ لَمْ يَغْلِبْ هَوَاهُ أَقَامَهُ


 
بِمَنْزِلَةٍ فِيهَا الْعَزِيزُ ذَلِيلُ

 

قَالَ ابْنُ المبَارَكِ: «مَنْ صَبَرَ، فَمَا أَقَلَّ مَا يَصْبِرُ، وَمَنْ جَزَعَ فَمَا أَقَلَّ مَا يَتَمَتَّعُ».

فَقَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ» يَشْمَلُ النَّصْرَ فِي الْجِهَادَيْنِ: جِهَادِ الْعَدُوِّ الظَّاهِرِ، وَجِهَادِ الْعَدُوِّ الْبَاطِنِ، فَمَنْ صَبَرَ فِيهِمَا، نُصِرَ وَظَفِرَ بِعَدُوِّهِ، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ فِيهِمَا وَجَزِعَ، قُهِرَ وَصَارَ أَسِيرًا لِعَدُوِّهِ أَوْ قَتِيلًا لَهُ.

لكنَّ المشْكِلَةَ تَقَعُ فِي الهَزِيمَةِ السَّاحِقَةِ وهُوَ يَظُنُّ نَفْسَهُ أَقْوَى النَّاسِ وأشجَعَ الناس، فلا واللهِ فأَشْجَعُهُمْ مَنِ انتصرَ عَلَى نَفْسِهِ وهَزْمِهَا، والحَرْبُ سِجَالٌ تَغْلِبُ وتُغْلَبُ، أمَّا أنْ تَكُونَ مَهْزُومًا فما ذُقْتَ طَعْمَ الانتصارِ.

ولِيُعْلَمَ أنَّ للنَّصرِ أسبَابًا فَلَيست عَزِيمَةً وحَمَاسًا يَكْتَفِي بِهِ كُلُّ مَنْ أَرَادَ الانتصارَ على هذه المعصية والصبر عنها، بَلْ لا بُدَّ من إعدادِ واسْتِعْدَادٍ وتَضْحِيَّاتٍ، فَقُلْ لِي كَيْفَ بِرَجُلٍ يُرِيدُ تَرْكَ الدُّخان أو المخدِّرات وهو لا زَالَ فِي رُفْقَةٍ تُعَاقِرُ هَذَا المحَرَّمَ وقَدْ تَبَلَّدَ إِحْسَاسُهُمْ عن محاسَبَةِ أنْفُسِهِمْ، وأَنْتَ منَّ اللهُ عَلَيْكَ بحياةِ الضَّمِيرِ كَيْفَ تُسَاوِي نَفْسَكَ بِهِمْ، عَبَثًا تحاولُ أنْ تَتْرُكَ هذا المحرَّمَ وأنت في رُفْقَتِهِمْ، ثُمَّ المصيبةُ -وهو الواقع- إذَا كَانُوا سَيَتَهَكَّمُونَ بِكَ إن حاولتَ تَرْكَهُ ويَخْذُلُونَكَ.

ومن أعظم الأسباب الحِرْصُ على الفَرَائضِ من الصلوات الخمس، وبِرُّ الوالِدَيْن وغيرها، فما تَقَرَّبَ العَبْدُ بِشَيءٍ أَحَبَّ إلى اللهِ مِمَّا افْتَرَضَهُ عَلَيْهِ، وليَبْحَثْ عن رُفْقَةٍ بَعِيدَةٍ عن مُعَاقَرَةِ هذه المعصِيَةِ، اترُكْهُمْ لله، وتَذَكَّرْ كُلَّ لحظة أنك ما تركتهم إلا لله، فأنتَ فَرَرْتَ إلى الله، أفَتَرَى مولاكَ يَرُدُّكَ ولا يُعِينُكَ.

 إن رَبَّكَ قَرَّبَ أرضًا ثَابِتَةً جامدةً لا تَتَحَرَّكَ بأَعَيُنِنَا من أجل أن يَقْبَلَهُ كما في قصة الرجل الذي قَتلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا([11])، أَفَيَرُدُّكَ أنتَ، أحْسِنِ الظَّنَّ باللهِ، واعقِدِ العَزْمَ، وابْذُلِ الأسْبَابَ، فقَوَافِلُ التَّائِبِينَ زَرَافَاتٌ، وما أَكْثَرَ مَنْ أقْلَعَ عن ذَنْبٍ يَظُنُّ أنَّهُ لَنْ يَتْرُكَهُ.



([1]) أخرجه البخارى (1/234، رقم 629)، ومسلم (2/715، رقم 1031).
([2]) أخرجه الترمذي (4/165، رقم 1621) وقال: حسن صحيح.  وأحمد (6/20، رقم 23997).
([3]) أخرجه أحمد (6/21، رقم 24004).
([4]) ذكره ابن القيم في الفوائد (ص 59).
([5]) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (4/35).
([6]) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/489).
([7]) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (6/438).
([8]) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/490).
([9]) أخرجه الإمام أحمد (2803)، والترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، بابٌ، رقم (2516).
([10]) جامع العلوم والحكم (1/490- 489).
([11]) أخرجه مسلم (4/2119، رقم 2766).

المشاهدات 926 | التعليقات 0