الصبر على أقدار الله
أحمد علي أحمد
1434/03/19 - 2013/01/31 18:34PM
الصبر على أقدار الله
الحمدلله الذي وعد الصابرين أجرهم بغير حساب، وأثاب الشاكرين على النعم بدوامها والازدياد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من غير شك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا .... )
عباد الله: المصائب والامتحانات أمر لا بد منه في هذه الحياة، فمن منّا لم تنزل به مصيبة أو بلاء؟! من منا لم يفقد حبيبًا أو صديقا أو قريب, من منا لم يتعرض لألم أو هم أو مرض؟! كذلك جرت سنة الله تعالى أن يبتلي عباده بالخير والشر، فيبتليهم بالمصائب تارة وبالنعم تارة أخرى فيبتلي عباده بالشدة والرخاء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والطاعة والمعصية، حتى يتبين الشاكر من الكافر والصابر من الجازع ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) .
الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع والأمراض والقواصم، فبينما الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب إذ هو يفاجأ بخبر مرضه أو وفاته، وبينما الإنسان في صحة وعافية إذ هو يفاجأ بمرض يكدّر حياته ويقضي على آماله, وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ابتُلوا بالأذى والأمراض فصبروا وكان عاقبة صبرهم حسنا، فأسوتنا وقدوتنا محمد r لاقى أشد البلاء فصبر واحتسب, فقد ماتت زوجته الوفيّة خديجة t، ثمّ مات بعض بناته، ومات ابنه إبراهيم، فلم يزد على أنْ قال " إنّ العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرْضى ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون " .
وفقد يعقوبُ يوسفَ u ومكث على ذلك عقودًا من السنين فلم يزد على أنْ قال في أول الأمر ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) وبعد أنْ كبر وضعف فقد ابنًا آخر فقال ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) وأحاط المرض بأيوب u ثماني عشرة سنة وهو يتقلّب في مرضه حتى رفضه القريب والبعيد فابتلي في جسده وسائر بدنه, حتى تساقط لحمه فلم يبق إلا العصب والعظام فقالت له امرأته لما طال وجعه: يا أيوب لو دعوت ربك يفرج عنك فقال قد عشت سبعين سنة صحيحا فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) .
عباد الله: ليعلم كل مصاب وكل مبتلى علم اليقين, أنّ كل مصيبة وقعت هي بقدر الله تعالى وقضائه, فقد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ( ما أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) بالابتلاء يُرفع شأن الأخيار ويعظم أجر الأبرار, يقول سعد بن أبي وقاص t قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال " الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه " رواه البخاري وكلما كانت المصيبة أعظم كان الأجر عند الصبر عليها أكبر قال r " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء " .
فيامن ابتلي بفقد حبيب أو صديق أو قريب, يا من ابتلي بهم أو فقر أو مرض, ابشر بالأجر والثواب, وتكفير الخطايا والسيئات " ما من مسلم يصيبه أذًى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به من سيئاته كما تُحط الشجرة ورقها " متفق عليه " ما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " " ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه " وقال r لامرأة من الصحابيات " أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الحديد والفضة " " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة " ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة " " صداع المؤمن وشوكة يشاكها أو شيء يؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ويكفر عنه بها ذنوبه " " إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر -يريد عينيه- عوضته منهما الجنة " " ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " وقال للنساء " ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة: واثنين فقال: واثنين " وأتت النبي r امرأة ومعها صبي لها مريض فقالت: يا نبي الله، ادعُ الله له فلقد دفنت ثلاثة فقال " لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنْ النَّار " أي امتنعت بمانع وثيق من النار .
فهذه الأحاديث بشرى للمؤمن يحتسب من أجلها المؤمن, المصائب التي تصيبه, فيصبر عليها ويحتسب ثوابها عند الله, فيا من أصابته المصيبة احمد الله، واحتسب مصيبتك وارض بما قدر الله لك، وكن من الصابرين ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب ) .
عباد الله: ومن السنة عند وقوع المصيبة قول " إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها " فمن دعا بذلك حصل له الأجر وعوضه الله خيرا , تقول أم سلمة t سمعت رسول الله r يقول " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها " قالت: ولما توفي أبو سلمة قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله r ثم عزم الله علي فقلتها قالت: فتزوجت رسول الله r .
اعلم أيها المبارك: أن الله ما ابتلاك إلا ليطهِّرك ويرفع درجتك " إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها " فأدم التعلق بحبل الله، وتعرف عليه في الرخاء يعرفك في الشدة، اشتكى عروة بنُ الزّبير t مرضا في رجله، فقطعوها من ركبته وهو صامِت لم يأن، وفي نفس الليلة سقَط ولدٌ له مِن سطحٍ فمات، فلما أخبروه بذلك قال: اللهمّ لك الحمد، كانوا سبعةً مِن الولد فأخذتَ واحدًا وأبقيتَ ستّة، وكان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا وأبقيتَ ثلاثًا، فإن كنتَ قد أخذتَ فلقد أعطيتَ، ولئن كنتَ قد ابتليتَ لقد عافيتَ . وأتت امرأة النبي r تشتكي له من البلاء والمرض وقالت: إني أصرع وإني أتكشّف، فادع الله تعالى لي؟ قال " إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك " فقالت :بل أصبر ثم قالت: إني أتكشّف فادع الله أن لا أتكَّشف فدعا لها .
فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها *** صـبر الكـريم فإن ذلـك أسـلــــــــــم
وإذا ابتليت بكربة فالبس لهـا *** ثوب السـكوت فإن ذلك أسـلم
اللهم اجعلنا ممن إذ ابتليَ صبر، وإذا أنعمَ عليه شكر، وإذا أذنب استغفر ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن ....
الحمد لله على ....
عباد الله: اعلموا أنه لا كاشف للبلاء إلا الله, ولا رافع للبلوى سواه, فأكثروا من الدعاء, واسألوه كشف الضر والبلاء, أيها المريض, أيها المديون, أيها المكروب, أيها المظلوم, أيها المُعسرُ, أيها المهموم, أيها الفقيرُ, أيها المحروم, يا من يبحث عن السعادة الزوجية, يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية, يا من يريد العمل والوظيفة, يا كلُ محتاج, يا من ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت, لماذا لا تشكوُ أمرك إلى اللهِ وهو القائل ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) لماذا لا نرفعُ إليه حاجاتنا وهو القائل ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) .
أين نحن من الشكوى إلى لله، أين نحن من الإلحاح والتضرعِ إلى الله؟ واللهِ لا شفاء إلا بيد الله، ولا كاشفَ للبلوى سواه، ولا توفيق ولا فلاح ولا سعادةَ ولا نجاح إلا من الله فيا من بليت بمصيبةٍ أو بلاءٍ، ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمعَ والبكاء، وألحَ على اللهِ بالدعاء, يقول شريح رحمه الله: ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان له فيها ثلاث نعم: أنها لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم مما كانت, وأن الله رزقه الصبر عليها إذ صبر
ولرب نازلة يضيق بها الفــــــــــــــــــــــــــتى *** ذرعا وعند الله منها مخـرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكان يظنها لا تفرج
ثم صلوا ......
المرفقات
الصبر على أقدار الله.doc
الصبر على أقدار الله.doc