الصبر
أيمن عرفان
1433/07/20 - 2012/06/10 08:54AM
[font="]الصبر[/font]
تعالوا بنا نتعرف أكثر على الصبر وماذا قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم، الصبر هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، وعلى ذلك فالصبر أربعة أقسام:-
القسم الأول: الصبر على الطاعة: وذلك بالامتثال لأوامر الله عز وجل، مهما تكلف العبد فيها من مشقة أو جهد، كالصبر على الصيام والقيام وأداء الفرائض المختلفة.
القسم الثاني: الصبر عن المعاصي: وذلك باجتناب كل ما نهى الله عنه وكل ما يعرض الإنسان لغضب الله.
القسم الثالث: الصبر على النعمة: وذلك بمعرفة مصدرها، ألا وهو فضل الله عز وجل، والعمل فيها بطاعة الله عز وجل، حتى لا تطغي صاحبها أو تنسيه، يقول الله عز وجل: { كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} (العلق 7،6)، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من فتنة الغنى كما يستعيذ بالله من فتنة الفقر.
القسم الرابع: الصبر على البلاء: وذلك بالرضا بالقضاء والقدر، فمن المعروف أن الحياة الدنيا دار امتحان، فالإنسان موجود في هذه الدنيا ليمتحن هل يستحق دخول الجنة أم أنه يستحق دخول النار، وابتلاءات الدنيا من هذه الامتحانات، والأحاديث النبوية التي وردت في هذا الباب كثيرة ، نبدأها بمجموعة من الأحاديث تبين لنا صوراً متعددة من الصبر:-
(1) أول صورة من صور الصبر الصبر على الفقر، نستمع إلى حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا فيه أن الصبر بالتصبر، بمعنى أن الصبر من الممكن أن يكون خلقاً مكتسباً، فالإنسان من الممكن ألا يكون في نفسه صابراً ولكنه يعود نفسه الصبر حتى يمن الله عز وجل عليه بالصبر فيصبح الصبر خلقاً من أخلاقه، روى الإمامان البخاري ومسلم في صَحيحيهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ). ما يكون عندي من خير أي من مال، ومن يستعفف أي يمتنع عن السؤال فإن الله يجازيه عن استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته، ومن استغنى بالله عن من سواه فإن الله يعطيه ما يغنيه عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس، ومن يعالج نفسه بالصبر فإن الله يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له، ولما كان الصبر له الجزاء العظيم عند الله والفضل في الدنيا قال النبي وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ).
(2) ومن صور الصبر الصبر على فقد الأحبة، روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ). إذا قبضت المقصود قبض الروح وهو الموت ، صفيه أي الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان، احتسبه أي صبر على فقده طالباً الأجر من الله، فالاحتساب هو طلب الأجر من الله، فالصبر على فقد الأحبة باب من أبواب الجنة.
(3) ومن صور الصبر الصبر على المرض ، روى البيهقي بإسناد صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِى الْمُؤْمِنَ فَلَمْ يَشْكُنِى إِلَى عُوَّادِهِ أَطْلَقْتُهُ مِنْ إِسَارِى ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَمَلَ ». وقوله فلم يشكني إلى عواده دليل على أنه صبر ليس فيه شكوى وهذا هو الصبر الجميل، (أطلقته من إساري) أي من ذلك المرض (ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه) الذي أذهبه الألم (ودما خيرا من دمه) الذي أذهبه الألم (ثم يستأنف العمل) أي يكفر المرض عمله السئ ويخرج منه كيوم ولدته أمه ثم يستأنف وذلك لأن العبد لما تلطخ بالذنوب ولم يتب طهره من الدنس بتسليط المرض فلما صبر ورضي أطلقه من أسره بعد غفره ما كان من إصره ليصلح لجواره بدار إكرامه فإذا شكى لم ينل هذه المثوبة. هذا بالنسبة للمرض الذي يصيب الشخص الواحد وكذلك الصبر على الأمراض والأوبئة المختلفة التي قد تنتشر بين الناس فتهلكهم، روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ). والطاعون قال البعض أنه يقصد به كل وباء عام ينتشر بين الناس، وقال البعض هو مرض معين له أعراض محدده من الأورام وغيرها.
(4) ومن صور الصبر على الأمراض أيضا الصبر على فقد البصر بالذات، روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ). ومن الصبر على المرض أيضا الصبر على ما قد يصيب الإنسان من حالات الصرع المختلفة، روى الإمامام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ. فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَا). وهنا نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لها إن شئت صبرت وأدعو الله أن تكوني من أهل الجنة بل قال إن شئت صبرت ولك الجنة ، وكأن هذا ليس خاصاً بهذه المرأة بل هو عام لكل من أصيب بمثل ما أصابها فصبر احتساباً لوجه الله الكريم، والحديث كذلك يبين أن من أفضل العلاجات الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، وأن ذلك لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب والتداوي.
(5) ومن صور الصبر الصبر على إيذاء الناس، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود قال: (قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. قُلْتُ: أَمَّا أَنَا لَأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ). لَمَّا كَانَ يَوْم حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَة يؤلف قلوبهم للإسلام، اعتمادا على أن المؤمن القوي الإيمان يكفيه إيمانه وثقته بالله، ولكن أحد الأنصار لم يكن الإيمان قد تمكن من قلبه، وقد كان في المدينة منافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، فقال: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. طبعاً إذا لم يكن رسول الله يعدل فمن يعدل؟ الكلمة عظيمة ولذلك حينما سمعها عبد الله بن مسعود غضب من ذلك وأخبر بها رسول الله، فصعب الأمر على رسول الله وغضب أن من بين المسلمين من يقول هذا الكلام، ولكنه صبر وبين لنا أن الصبر على إيذاء الناس من شيم الأنبياء والصالحين. وفي الصحيحين عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود قال: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). قال العلماء: كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل.
(6) ومن صور الصبر الصبر في المعركة وفي الجهاد في سبيل الله، روى الإمامان البخاري ومسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ). حِكْمَة النَّهْي أَنَّ الْمَرْء لَا يَعْلَم مَا يَئُول إِلَيْهِ الْأَمْر ، وَهُوَ نَظِير سُؤَال الْعَافِيَة مِنْ الْفِتَن، فإذا حدث اللقاء بالفعل فعلى الإنسان أن يتحلى بالصبر فله بذلك إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
(7) ومن صور الصبر الصبر على ظلم الحاكم الظالم الذي يستأثر بخيرات البلاد لنفسه ولأقاربه ومعارفه، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ حَتَّى تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا قَالَ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي). يقطع من البحرين أي يجعل منها أراض للأنصار حتى يقوم الأنصار بزراعتها. فرفضت الأنصار حتى يأخذ المهاجرين مثل ما أخذ الأنصار محبة منهم لإخوانهم المهاجرين ، وإيثاراً لهم بالخير، فإذا بالنبي يبشر أنه سيأتي حكاماً يستأثرون بالخير لهم ولذويهم، فإذا طالك من ظلمهم فالصابر على ذلك له أجره.
أما عن فضل الصبر وجزاء الصابرين فأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كثيرة:-
(1) بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الصبر على الابتلاءات مهما كانت صغيرة تكفير عن السيئات، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ). قَوْله (مِنْ نَصَب) هُوَ التَّعَب، قَوْله: (وَلَا وَصَب) مَرَض، وَقِيلَ هُوَ الْمَرَض اللَّازِم. قَوْله: (وَلا أَذًى) هُوَ أَعَمّ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: هُوَ خَاصّ بِمَا يَلْحَق الشَّخْص مِنْ تَعَدِّي غَيْره عَلَيْهِ. قَوْله: (وَلَا غَمّ) وَهُوَ مَا يُضَيِّق عَلَى الْقَلْب. وروى الترمذي بإسناد صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).
(2) وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الابتلاءات في الدنيا من علامة حب الله عز وجل للعبد، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ). مَعْنَاهُ يَبْتَلِيه بِالْمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا، فذلك من فضل الله عز وجل على عبده الصالح، وروى الإمام الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وروى الإمام الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).
ثم نختم بنصيحتين من نصائح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته تتعلق بالصبر:
النصيحة الأولى: أن الإنسان مهما بلغ به البلاء مبلغه فينبغي عليه ألا يدعو على نفسه أو يتمنى الموت، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي). فالإنسان منا لا يدري أين المصلحة وأين الخير، ربما هو لا يزال في حاجة إلى تكفير بعض الذنوب بهذا البلاء فليصبر حتى يطهره الله عز وجل من خطاياه بالصبر على هذا البلاء.
النصيحة الثانية: أن الإنسان عليه أن ينتبه للأمر من بداية المصيبة أو الابتلاء، فالصبر في أول المصيبة هو الصبر الذي يؤجر عليه الإنسان، أما ما يكون بمرور الأيام والشهور فهذا ليس من باب الصبر وإنما من باب النسيان، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي. وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى).