الشهادتان وما تقتضيان

محمد بن عبدالله التميمي
1444/07/23 - 2023/02/14 20:36PM

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذل وكبِّره تكبيرا، أشهد ألا إله إلا الله وحده فلا شريكَ له ولا مثيل ولا نظيرا، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله وخليلُه أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن رأس التقوى توحيد الله، توحد الله تعالى في ربوبيته، وأن توحد الله في أسمائه وصفاته وأفعاله، وأن توحد الله في ألوهيته وعبادته فتؤمن بالله ربا وخالقا ومالكا ومدبرا ومعبودا بالحق دون ما سواه، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، فالعبادة حقُّ الله لا يشرَكُه فيها أحدٌ لا ملَكٌ مقرَّب ولا نبيٌ مرسَل، فهي حق الله الخالص، كما قال الله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾، والرسلُ دَعَوا الناسَ إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، فالتوحيد حق الله على العبيد، والإيمان بالله يكون بالنطق بالشهادتين بأن يشهد العبد لله تعالى بالوحدانية، ويشهدُ لنبيَّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم بالرسالة بلسانه، ويعتقد معناهما بقلبه فيرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

ولا بد من الالتزام والإتيان بحقوق الإيمان والتوحيد ومقتضياته وملزوماته، وهي أداء الفرائض والواجبات، وترك المحرمات محبة لله وخوفًا ورجاء وتَعَبُّدًا لله تعالى.

عباد الله.. إن لكل عبادة أصلان لا تصح إلا بهما:

الأصل الأول: إخلاص العبادة لله تعالى وهو أن يريد بها وجه الله دون غيره، وهذا الأصل هو مقتضى شهادة أن لا إِلٰهَ إلا الله، وإذا تخلَّف حلَّ محلَّه الشرك الأكبر.

الأصل الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو التأسي والاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وهذا الأصل هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، وإذا تخلَّف حلَّ محلَّه البدَع.

وهاتان الشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله هما أصل الدين وأساس الملة، بهما يدخل الإنسان في الإسلام وبهما يخرج من الإسلام، ومن كان آخر كلامه لا إِلٰهَ إلا الله دخل الجنة، فهاتان الشهادتان سببٌ مقتضٍ لدخول الجنة وللنجاة من النار، وكل واحدة من الشهادتين شاملة للأخرى بالضرورة.

عباد الله.. إنه يُشتَرَطُ في الشهادتين العلمُ بمعناهما من النفي والإثبات، فـ(لا إِلٰهَ) نفيٌ، و(إلا الله) إثبات، فمعنى (لا إله إلا الله): لا معبود حقٌّ إلا الله، والمراد: البراءة مما يعبد من دون الله، وإفراد الله بالعبادة، ولا بد أن يوقن القلب بمعناها يقينًا يزول معه الشك والريب، بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما، ويكون صادقا في قولها، بحيث يُواطئُ قلبُه لسانَه ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾.

كما يُشترَطُ المحبةُ لهذه الكلمة، ولما اقتضته ودلَّت عليه، ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها، وبُغضُ ما ناقض ذَلِكَ، وأصل هذه المحبة وأساسها دون شك: محبة الله سبحانه ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتفرع عن هذه المحبة محبة المؤمنين والولاء لهم وبغض الكافرين والبراءة منهم، قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».

عباد الله.. واعلموا أنه يُشترط قبول ما دلت عليه كلمة التوحيد من إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، وأن يلتزم بذلك ويرضى به. فقبولُ كلمة التوحيد يقتضي بالضرورة: أن يقبل الإسلام كلَّه أخباراً وأحكاماً، فيقابل الأخبار بالتصديق، ويقابل الأحكام بالالتزام، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.

والانقياد لما دلت عليه كلمة التوحيد من المعنى المنافي لترك العمل بمقتضاها، بأن يعبدَ الله وحده، وينقادَ للشريعة، ويؤمنَ بها، ويعتقدَ أنها الحق؛ فمَن لم يخلص العبادة لله تعالى ويتبرأ من الشرك فهذا لا تنفعه لا إِلٰهَ إلا الله ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾، ولا يتنافى هذا مع حصول التقصير بترك بعض الواجبات، وإنما يتنافى هذا بالترك الكامل، فيمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤدِّ واجبًا ظاهرًا لا صلاةً ولا زكاةً ولا صيامًا ولا غيرَ ذلك من الواجبات.

ثبتنا الله وإياكم على التوحيد، ووفقا لتحقيقه وتخليصه مما ينافيه ويُنقصُه والتجريد، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدَ بنَ عبدالله صلى الله عليه وسلم تسليما مزيدا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا من الإسلام بأوثق عُرَاه "شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، واعلموا أنه لا يكون مَن شَهِدَ أنْ لا إله إلا الله مؤمنًا حتى يَشْهَدَ أن محمدًا رسول الله، مع التزامه فيها بالعلم بقلبه أن محمدَ بنَ عبدِ الله بنِ عبدِ المطلب القرشيَّ المكيَّ ثم المدنيّ: نبيٌّ ورسولٌ من عند الله إلى الناس، وأن يُوقنَ القلبُ بمعناها، يقيناً يزول معه الشك والريب، قال صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ بها عبدٌ غير شاكٍّ فيها إلا دخل الجنة»، وأن يؤمنَ بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس، والعرب والعجم، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»، ولا بد من الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأكمل الله به الدين، فنشهد له عليه الصلاة والسلام بالبلاغ المبين وأنه ترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ونؤمن بأنه خاتم النبيين فلا نبي بعده.

كما أنه من حقوق شهادة أن محمدا رسول الله ومقتضياتها: تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه، وطاعته بامتثال ما أمر به، والكفُّ والانتهاء والاجتناب لما نهى عنه من المحارم والآثام، واتباعُ شريعته والتزام سنته فلا يُعبدَ اللهُ إلا بما شرعه رسول الله.                                           

 

 

 

* الخطبة مختصرة من كتاب "التوحيد الحق" لفضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي

المرفقات

1676396192_الشهادتان وما تقتضيان.docx

1676396193_الشهادتان وما تقتضيان.pdf

المشاهدات 389 | التعليقات 0