الشُّــــكـــرُ بَعْدَ العَـــشْــــرِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/12/12 - 2021/07/22 15:54PM

الحمدُ للهِ لا مانِعَ لما وهَبَ، ولا واهبَ لما سلَبَ، وأشهَد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، المرجوُّ لكشفِ الكُرَبِ، وأشهدُ أنّ نبيَّنا محمَدًا عبدُ اللهِ ورسولُه الأسوَةُ في كمالِ الأدَِب، صلّى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ ذوي الرُّتَبِ، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ المنقَلَبِ، أما بعدُ:{فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

لو أَحسنَ إليكَ إنسانٌ، فأخرجَكَ منْ ضائقةٍ، أو قضَى لك حاجةً، أو حتى عامَلَك بلُطفٍ، فإنك لا تَنسَى جَميلَه، بل قد تقولُ له: إنيْ عاجزٌ عنْ شُكرِك!

هذا مع بَشَرٍ، وفي أمرٍ قد لا يَتكررُ، فكيفَ بربِ الأربابِ، العزيزِ الوهابِ؟! الذي يقولُ: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}. ويقولُ: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}. بلْ حتى شُكرُكَ لربِكَ نعمةٌ تحتاجُ لشُكرٍ.

وإنَّ أعظمَ نِعَمِهِ الهدايةُ للإسلامِ والسُنةِ، والنجاةُ من الشركِ والبدعةِ: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}

ألا إننا ببلادِنا نَنعمُ بنعمتَي التوحيدِ والسُنةِ، فلنكُنْ شاكرينَ حقًا: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[يوسف38] فالحمدُ للهِ الذي جعلَنا موحِّدينَ متِّبعينَ، ولم يجعلْنا يهودَ ولا نصارَى، ولا طوّافينَ على قبورٍ.

إخوةَ الإسلامِ: إن مِن أحبِّ الأعمالِ إلى اللهِ -تعالى-: شكرَه وحمدَه، والثناءَ عليهِ بما هو أهلُه، لاسيما في ختامِ الأعمالِ الصالحةِ. ولذا يتكررُ الأمرُ بالشكرِ دُبُرَ العباداتِ.

ففي الحجِ قال إبراهيمُ بعدَ بنائهِ للبيتِ: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[إبراهيم37].

وبعدَ الهديِ والأضاحيْ، قالَ اللهُ -سبحانَه-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الحج36].

وبعدَ آياتِ الصيامِ، قالَ الملكُ العلّامُ: (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة185].

وبعدَ آيةِ أحكامِ الوضوءِ والطهارةِ، قالَ: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة6].

وفي صيغةِ التكبيرِ التي سنُكررها إلى غروبِ شمسِ اليومِ في آخرِها الحمدُ، بل شُرعَ للمصلي قبلَ السلامِ من كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ يقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

بل أَمَرَنا ربُنا بالشكرِ مع العبادةِ مُطلقًا، كما قالَ: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وكُنْ مِنَ الشَّاكِرِيْنَ)[الزمر66]. فكلُ عبادةٍ هو مَن هدَى إليها، وهو مَن وفَّقَ لأدائِها، وهو مَن يَقبلُها، وهو مَن يُثيبُ ويُضاعِفُ عليها، وهو مَن يَتجاوزُ عن التقصيرِ في أدائِها. ثم لَا يُدْخِلُنَا الْجَنَّةَ بِأعْمَالِنَا، بل يَتَغَمَّدُنا اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ.

ولو قالَ قائلٌ: كيفَ أعرِفُ أني شاكرٌ؟ والجوابُ باختصارٍ: كلما كنتَ ذاكرًا صرتَ شاكرًا؛ فـ(الذكرُ رأسُ الشكرِ، فما شَكرَ اللهَ –تعالى- مَن لم يَذكُرْه)([1]).

وأفضلُ الدعاءِ أن تَقُولَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". فتَجمعُ (بينَ الذكرِ والشكرِ، كما جمعَ -سبحانَه وتعالَى- بينَهما في قولِه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة152] فالذكرُ والشكرُ جِماعُ السعادةِ والفلاحِ)([2]).

ولمَّا قَالَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: إِلَهِي كَيْفَ أَشْكُرُكَ وَأَصْغَرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِكَ لَا يُجَازِي بِهَا عَمَلِي كُلُّهُ، فَأَوْحَى اللهُ –تَعَالَى- إِلَيْهِ: يَا مُوسَى! الْآنَ شَكَرْتَنِي([3]).
الحمدُ للهِ حقَ حمدِه، والشكرُ له أتمَ شُكرِه، وصلَى اللهُ وسلمَ على محمدٍ قائدِ أمةِ الحَمّادينَ. أما بعدُ:

أمَا وقد قضَى المسلمونَ مَناسِكَهم ونَسائِكَهم، وعاشَ معاشرُ المسلمينَ عَشرَهم، فلنَذكُرْ نعمةَ اللهِ علينا.

فاشكرُوا وأبشِرُوا - أيُها المُهريقُونَ للهِ دماً ثَجاجاً والعائدُونَ من مكةَ حُجاجاً.

ويَا مَنْ صُمْتُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ: اشْكُرُوا اللهَ -تعالى- حِينَ هَدَاكُمْ لَهُ، وَأَعَانَكُمْ عَلَى صِيَامِهِ.

ويَا مَنْ ذَبَحْتُمْ أَضَاحِيكُمْ: اشْكُرُوا ربَّكم عَلَى مَا رَزَقَكُمْ لأَثْمَانِهَا، وَمَا هَدَاكُمْ لِتَعْظِيمِهِ بِذَبْحِهَا، وَمَا تَمَتَّعْتُمْ بِه مِنْ لَحْمِهَا.

وَيَا مَنْ تَعَبَّدْتُم أَيَّام العَشْرِ: اشْكُرُوا مَولاكُم، إِذْ هَدَاكُمْ وَأَعَانَكُمْ عَلَى الشَّوَاغِلِ، وعَلَى النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ.

وَيَا مَنْ حَجَجْتُمْ: اشْكُرُوا اللهَ -تعالَى- حِينَ اخْتَارَكُمْ لِحَجِّ بَيْتِهِ أو لِتنظيمِ حُجاجِهِ، من بين مليارِ مسلمٍ.

ويا أيُها الواقفُ بعرفةَ أو الصائمُ عرفةَ: استأنِفا عملَكُما فقد كُفيتُما ما مضَى، وإنما الشأنُ فيما بقِي. فإن زللتَ بسيئةٍ "فأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا" وكلُ حسنةٍ فسبيلُها المضاعفةُ والتكثيرُ، وكلُ سيئةٍ فسبيلُها المغفرةُ والتكفيرُ، ولا يَهلِك على اللهِ إلا هالكٌ.

·         تقبل اللهُ ذِكرَنا وشُكرَنا وثجَنا وحَجَنا وما قدَمْنا لأنفسِنا من خيرٍ.

·         اللهم وأعِدْ علينا بركةَ هذهِ الأيامِ المباركاتِ السالفاتِ.

·         اللهم لك الحمد؛ أنعمتَ علينا بالمالِ فضحَينا، وأعنتَنا على ذكرِك وشكرِك فسجدْنا لك وحدَك وصلَينا. فاللهم زِدْنا ولا تنقُصنا من فضلِك.

·         اللهم ومَن لم يَقدِرْ أن يَحجَ أو أن يُضحِيَ فبفضلِك ضاعِف له الأجورَ.

·         اللهم قد أجبتَ دعواتٍ بيومِ عرفةَ أنت أعلمُ بحصرِها، اللهم اجعلْ لنا بكرمِك من إجابةِ تلك الدعواتِ أوفرَ النصيبِ.

·         ربَنا أوزِعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَ صالحًا ترضاه وأدخِلنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ.

·         الَّلهم ارزقنا ووالدِينا وأولادَنا وأهلِينا عَيشًا قارَّا، ورِزقًا دارَّا وعملًا بارًا.

·         اللهم احمِ حِمانا، واخذُل عِدانا.

·         اللهم اجعلْ مليكَنا ووليَ عهدِهِ وجنودَنا في ضَمانِك وأمانِك وإحسانِك.

·         وصلِ اللهُم وسلِم على نبيِنا محمدٍ.



([1])الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 67)
([2])الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 68)
([3])حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 56)

المرفقات

1626969229_الشكر بعد العشر.docx

1626969240_الشكر بعد العشر.pdf

المشاهدات 2862 | التعليقات 1

جزاك الله خيراً أيها المبارك

خطبة في وقتها تكتب بماء العيون