اَلشَّحْنَاء وَالْبَغْضَاءِ وَالْخُصُومَةِ
سعود المغيص
الخطبة الأولى :
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد عِبادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالى واعلموا أنَّه لا أرْوَحَ للمرء، ولا أطْرَدَ لِهمومه، ولا أقرَّ لِعينه، مِن أنْ يعيشَ سليم القلب، قد فارقته أثقالُ الضَّغينة، وزالت عنه نِيرانُ الأحقاد، وابتعد عنه سُمُّ الحسد وشُرورُه، وليس أمرَضَ للقلب، ولا أتلَفَ للأعصاب، ولا أشغلَ للذهن، ولا أوجعَ للنفس مِن أنْ يَمتلئ القلب حقدًا، ويكتظَّ الصدر كُرهًا، وينتفخَ صاحبُه نُفرةً وشحناء ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ )
عباد الله : نِهَايَاتٌ مُؤلِمَةٌ لِقِصَصِ عُقُوقٍ وَمَوَاقِفِ هَجرٍ وَمُصَارَمَةٍ ، تَحدُثُ في مُجتَمَعِنَا وَتَدُومُ أَشهُرًا أَو سَنَوَاتٍ ، بِدَايَتُهَا اختِلافٌ في وُجهَاتِ النَّظَرِ ، ثم كَلِمَاتٌ كَالشَّرَرِ ، ثم ارتِفَاعٌ لِلأَصوَاتِ وَحِدَّةٌ وَخِصَامٌ ، ثم تَبَادُلٌ لِلاتِّهَامِات ، وَيَخرُجُ بَعدَ ذَلِكَ مِنَ المَنزِلِ ابنٌ ، لِيَبدَأَ قِصَّةَ عُقُوقٍ لا تَكَادُ تُصَدَّقُ ، يَهجُرَ أَبَاهُ الَّذِي رَبَّاهُ ، أَو يَقطَعَ أُمَّهُ الَّتي حَمَلَتهُ وَوَلَدَتهُ وَأَرضَعَتهُ ، وَأَزَالَتِ الأَذَى عَنهُ يَومًا بِيَدِهَا
وَأَخٍ وَعَمٍّ وَخَالٍ لا يُسَلَّمُ عَلَيهِم ، وَرَحِمٍ مَقطُوعَةٍ لا تُوصَلُ ، وَقَرَابَةٍ مَهجُورَةٍ لا تُزَارُ ، وَابنِ عَمٍّ مَصرُومٍ وَجَارٍ مَحرُومٍ ، وَزَمِيلٍ مَبغِيٍّ عَلَيهِ وَصَدِيقٍ مَنسِيّ لا يَتَّصِلُ فِيهِ وَلا يُسَلِّمُ عَلَيهِ وَلا يَسأَلُ عَنهُ ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُم قَد يَجتَمِعَانِ في مَقبَرَةٍ ، وَيَرَيَانِ مُسلِمًا يُدفَنُ أَمَامَهُمَا وَقَد يَكُونُ قَرِيبًا ، وَعُيُونًا تَذرِفُ الدَّمعَ حَزَنًا لِلفِرَاقِ ، وَأَلَمًا عَلَى مُرِّ الوَدَاعِ ، وَحَنَاجِرَ مَبحُوحَةً مِنَ البُكَاءِ ، وَمَوقِفًا تَرِقُّ فِيهِ القُلُوبُ وَمَعَ هَذَا ، تَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا يَتَسَلَّلُ عَنِ الآخَرِ لِوَاذًا ، حَتَّى لا يُعَانِقَهُ أَو يُصَافِحَهُ فَأَيُّ نُفُوسٍ هَذِهِ النُّفُوسُ ؟! وَأَيُّ قُلُوبٍ يَحمِلُهَا بَعضُ النَّاسِ ؟!
وَتَسأَلُ القَاطِعَ بَعدَ ذَلِكَ : لِمَ تَظَلُّ قَاطِعًا لِرَحمِكَ هاجرًا لِقَرَابَتِكَ ؟ فَيُجِيبُكَ بِأَنَّهُ لم يَجِدْ مِن قَرَابَتِهِ إِلاَّ القَطِيعَةَ وَالإِسَاءَةَ وَالجَهلَ عَلَيهِ ، فَهُوَ يُعَامِلُهُم بِمِثلِ مَا يُعَامِلُونَهُ بِهِ ، وَلَعَلَّهُ لم يَنتَبِهْ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ عِبَادَةٌ مَأمُورٌ بها وَمُثَابٌ عَلَى فِعلِهَا وَمُعَاقَبٌ عَلَى تَركِهَا ، وَلَيسَت مُكَافَآتٍ يَصرِفُهَا المَرءُ بِرَغبَتِهِ لِمَن وَجَدَ مِنهُ مِثلَهَا ، وَيَبخَلُ بها عَمَّن لا يُعجِبُهُ تَعَامُلُهُ ، بَل إِنَّ القَاطِعَ قَد يَجهَلُ أَنَّهُ كُلَّمَا اشتَدَّ القَرِيبُ في القَطِيعَةِ وَبَالَغَ في الأَذَى وَالعَدَاوَةِ ، كَانَت صِلَتُهُ أَعظَم أَجرًا ، وَفَضلُ اللهِ عَلَى الصَّابِرِ الوَاصِلِ أَعَمَّ ، وَنَصرُهُ لَهُ أَشَدَّ وَنِعمَتُهُ عَلَيهِ أَتَمَّ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم ، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرشِ تَقُولُ : مَن وَصَلَني وَصَلَهُ اللهُ ، وَمَن قَطَعَني قَطَعَهُ اللهُ "وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " مَن سَرَّهُ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ ، وَأَن يُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ " وَ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " مَا مِن ذَنبٍ أَحرَى أَن يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ في الدُّنيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ في الآخِرَةِ ، مِنَ البَغيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ "وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا ، وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبدَأُ بِالسَّلامِ " وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثٍ ، فَمَن هَجَرَ فَوقَ ثَلاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ " وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : ( مَن هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفكِ دَمِهِ )
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، أن يؤلِّف بين قلوبنا، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،...
أقول قولي هذا ..
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً .
أَمَّا بَعدُ عباد الله :
إن الوَاجِبُ عَلَينَا أَن نُوَسِّعَ صُدُورَنَا وَنَتَقَبَّلَ بَعضَنَا ، وَأَلاَّ نُصَعِّدَ الخِلافَ حَتَّى لا يَكُونَ خِصَامًا وَجَدَلاً ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يُنتِجُ إِلاَّ العَدَاوَةَ وَالنُّفرَةَ ، وَالهَجرَ وَالقَطِيعَةَ ، وَمِن ثَمَّ نُحرَمُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَنُحَمِّلُ قُلُوبَنَا شَرًّا عَظِيمًا ، وَنُعَرِّضُ أَنفُسَنَا لِمَقتِ اللهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ .
وَإِنَّهُ لَو لم يَكُنْ في مُصَارَمَةِ المُسلِمِ لأَخِيهِ إِلاَّ أَنَّهُمَا جَمِيعًا يُحرَمَانِ المَغفِرَةَ مِنَ اللهِ تَعَالى بِسَبَبِ مَا بَينَهُمَا مِنَ الشِّقَاقِ وَالهِجرَانِ ، لَكَفَى بِهِ زَاجِرًا لِلقُلُوبِ الحَيَّةِ وَرَادِعًا لها عَنِ الاستِمرَارِ في هَذِهِ المَعصِيَةِ الكَبِيرَةِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَيَومَ الخَمِيسِ ، فَيُغفَرُ لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحَا ، أَنظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحَا ، أَنظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحَا .
فَاتَّقُوا اللهَ وَاحذَرُوا طُغيَانَ النُّفُوسِ وَكِبرَهَا وَعُلُوَّهَا وَهَوَاهَا ، "
اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنا، وانْفَعْنا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَفَقِّهْنا فِي دِينِكَ يا ذا الجَلَالِ والإكْرَامِ .
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛
اللَّهُمَّ الْطُفْ بِحَالِ إِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِيْنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلِسْطِينَ ، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين يارب العالمين ..
اللهم اجمع كلمة إخواننا في السودان ، وجنبهم شر الفتن ماظهر منها وما بطن ..
اللهم بلغنا رمضان ، وأعنا على صيامه وقيامه .
اللهم أنت الله لا اله الا انت ، أنت الغني ونحن الفقراء
أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ القَانِطِينَ ،
اللّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللّهُمَّ أغِثْنَا ، اللّهُمَّ أغِثْنَا ؛ اَللَّهُمَّ اِسْقِنَا وَأَغِثْنَا ، اَللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ ، وَبِلَادَنَا بِالخَيْرَاتِ وَالأَمْطَارِ والْغَيْثِ الْعَمِيمِ ،
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
( عِبَادَ اللهِ اذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .