الشتاء فضائل وأحكام

الخطبة الأولى: الشِّتَاء فضائل وأَحْكَام

إِنَّ الْـحَمْدَ للـهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمالِنا مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 أَمَّا بَعْدُ: فأوصيكم ...فاتَّقُوا اللـهَ وَرَاقِبُوهُ فَإِنَّ تَقْوَاهُ أَفْضَلُ مُكْتَسَبٍ وَطَاعَتَهُ أَعْلَى نَسَبٍ.

عن الْـحَسَن الْبَصْرِيِّ قال: "نِعْمَ زَمَانُ الْـمُؤْمِنِ الشِّتَاءُ، لَيْلُهُ طَوِيْلٌ يَقُومُهُ، وَنَهَارُهُ قَصِيْرٌ يَصُومُهُ"

عباد الله: إنَّ للـهِ سننًا كونيَّةً لا تختلِفُ، تدلُّ على أنه هو الخالقُ المُدَّبِّرُ، والإلهُ المُستحقُّ للعبادةِ، ومن تلك السُّنَنِ تعاقبُ فصولِ السَّنَةِ، ونحنُ في هذه الأَيامِ نعيشُ فصلَ الشِّتَاءِ، وللشِّتاءِ فضائلُ :

منها: أَنَّ الشتاءَ ربيعُ المُؤمنِ: ليلُه طويلٌ، فيغتنمُه بالقيامِ، ونهارُه قصيرٌ وباردٌ، فيغتنمُه بالصيامِ، وقد ذُكِرَ في هذا المَعنى أَخبارٌ عنِ النبيِّ ﷺ، لا تخلو من مقالٍ، وعن أَنسٍ t قال: قال أبو هُرَيْرَةَ: «أَلا أَدُلُّكم على الغنيمةِ الباردةِ؟» قال: قلنا: وما ذلك يا أبا هُرَيْرَةَ؟ قال: «الصومُ في الشِّتَاءِ» أخرجه البَيْهَقيُّ في السُّنَنِ الكبرى.

وكان التابعيُّ الجليلُ: عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثيُّ يقولُ إِذا جاءَ الشِّتَاءُ: «يا أَهلَ القرآنِ، قد طالَ اللَّيلُ لصلاتِكم، وقَصُرَ النَّهارُ لصومِكم» أَخرجَه الإمامُ أَحمدُ في الزُّهْدِ.

فَلْيَكُنْ لَنَا -عِبَادَ اللـهِ- نَصِيْبٌ مِنْ هَذَا الْفَضْلِ فِي بُيُوْتِنَا، بِصِيَامِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْـخَمِيْسِ وَنَحْوِهَا، وَقِيَامِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَقَلُّهَا الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ .

ومِن فضائلِ الشِّتاءِ: أنَّ المَشقَّةَ الحاصلةَ من بَرْدِه بابٌ من أبوابِ رفعِ الدرجاتِ، وحطِّ السيِّئاتِ، والأَجْرُ على قَدْرِ النَّصَبِ، وإنَّ ممَّا يَشُقُّ على الناسِ في الشتاءِ الغُسْلَ والوُضُوءَ والمَشْيَ إلى الصلاةِ، وهي من المَكَارِهِ التي ترفعُ الدرجاتِ، وتَمْحُو السيِّئاتِ، قال ﷺ: «ألَا أَدُلُّكم على ما يَمْحُو اللَّـهُ به الخَطَايا، ويرفعُ به الدَّرَجَاتِ؟» قالوا: بلى يا رسولَ اللَّـهِ، قال: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ على المَكَارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطَا إِلى المَساجِدِ، وانتِظَارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكمُ الرِّبَاطُ» أَخرجه مسلمٌ، من حديثِ أبي هريرةَ رضي اللَّهُ عنه.

قَالَ النَّوَوِيُّ: "وَإِسْباغُ الوُضوءِ إِتْمامُهُ، وَاَلْـمَكارِهُ تَكونُ بِشِدَّةِ البَرْدِ وَأَلَمِ الجِسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ".

ولَا بَأْسَ مِنْ تَسْخينِ الْـمَاءِ لِدَفْعِ بَرْدِهِ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْعِبادَةِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ حُصولِ الثَّوابِ المَذْكورِ فِي حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السّابِقِ.

قَالَ اِبْنُ عُثَيْمينَ: (أَنْ يَشُقَّ الْإِنْسانُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَذْهَبَ يَتَوَضَّأَ بِالماءِ الْبارِدِ، وَيَتْرُكَ السَّاخِنَ، أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الماءَ، وَيَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَتَوَضَّأَ بِالماءِ الْبارِدِ؛ لِأَنالَ هَذا الْأَجْرَ، فَهَذا غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّ اللـهَ يَقُولُ:(مَا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) ، فَالْإِنْسانُ لَيْسَ مَأْمُورًا وَلَا مَنْدُوبًا إِلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَضُرُّهُ، بَلْ كُلَّمَا سَهُلَتْ عَلَيْهِ الْعِبادَةُ فَهُوَ أَفْضَلُ، لَكِنْ إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْأَذَى وَالْكُرْهِ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيارِهِ).

وَمِمَّا يَجْدُرَ لَفْتُ النَّظَرِ إِلَيْهِ: الْـحَذَرُ مِنْ تَرْكَ غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ كَتَرْكِ بَعْضِ الْوَجْهِ أَوِ الْكَعْبَيْنِ، أَوِ الْمِرْفَقَيْنِ لا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ اللِّبَاسِ عَلَيْهِمَا، وَمشَقَّةِ حَسْرِ الْأَكْمَامِ عَنْهُمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِيعَابِ الْأَعْضَاءِ بِالْغَسْلِ، فَإِنَّ تَرْكَ ذَلِكَ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ ؛ فَلَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ r مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ r: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عبادَ اللَّـهِ: ومِن فضائلِ الشِّتاءِ: أَنَّ فيه تذكيرًا بنعمِ اللَّـهِ على العبدِ، فعندما يرى العبدُ ما مَنَّ اللَّـهُ به عليه من وسائلِ التَّسْخِينِ والتَّدْفِئَةِ، بينما حُرِمَ منها كثيرٌ من الناسِ: تَذَكَّرَ نعمةَ اللَّـهِ عليه؛ فشكرها، وتحدَّثَ بها وذَكَرَها؛ امتثالًا لأمرِ اللَّـهِ تعالى في قولِه: (يـٰأَيُّها ٱلنَّاسُ ٱذكُرُواْ نِعمَةَ ٱللَّـهِ عليكم) وفي قولِه: (يـٰأَيُّها ٱلذين ءَامنُواْ ٱذكُرُواْ نِعمَةَ ٱللَّـهِ عليكم)، واعلموا أنَّ الذِّكْرَ في هاتينِ الآيتينِ يكونُ بالقلبِ، كما يكونُ باللِّسانِ.

عباد الله: نَتَذَكَّرُ عِنْدَ اسْتِخْدَامَ وَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ أَنَّ هُنَاكَ إِخْوَانًا لَنَا فِي الدِّينِ لَا يَجِدُونَ وَلَا الْقَلِيلَ مِنْ هَذَا، ومِن أبْوابِ الخَيرِ التي تُفتحُ للنّاسِ في فَصْلِ الشّتاء، بابُ الصّدقةِ والإنفاق، فإنّه بابٌ عظيمٌ في كلِّ حين، وهو في وقتِ الحاجةِ وشدّةِ البردِ وغلاءِ الأسعارِ أكثرُ أجرًا، يقولُ ابنُ عُثيمينَ : واعلموا أنّ للصّدقةِ في أيّامِ الحاجةِ وأيّامِ الشّتاءِ شأنًا كبيرًا، فإنّ الصّدقةَ كلما كانت أنفعَ للخلقِ وأخلصَ للرّبِّ، كانت أفضلَ وأعظمَ أجرًا.

فَمَا الَّذِيْ يَمْنَعُكُ أَيُّهَا الـمُؤْمِنُ أَنْ تَكُونَ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ، كَأَنْ تَضَعَ مَعَكَ بَعْضَ الْـمَلَابِسِ النَّظِيْفَةِ الْـمُنَاسِبَةِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأَجْوَاءِ، أَوْ تُخَصِّصَ مَبْلَغًا يَسِيرًا مِنَ الْـمَالِ لِمَا يُسَمَّى بِكِسْوَةِ الشِّتاءِ، قال r: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا عَلَى عُرْيٍ، كَسَاهُ اللَّـهُ مِنْ خُضْرِ الْـجَنَّةِ...» أبو داود .

معاشرَ المُسلمين: ومن فضائل الشِّتاءِ: أَنَّ فيه تذكيرًا بالآخرةِ، فشدَّةُ البَرْدِ تُذَكِّرُ المُؤمنَ بنارِ جهنَّمَ، قال ﷺ: «قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسُ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدتُّم من بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِن نَّفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدتُّم من حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فمِن نَّفَسِ جَهَنَّمَ» أخرجه البُخاريُّ ومُسلمٌ، من حديثِ أبي هريرةَ رضي اللَّهُ عنه.

فإذا كانت شدَّةُ البَرْدِ نَفَسٌ من أنفاسِ جَهَنَّمَ؛ فكيف بِبَرْدِ جهنَّمَ نفسِها؟!

فإذا مسَّك البَرْدُ -يا عبدَ اللَّـهِ- فتذكَّر بَرْدَ جَهنَّمَ وزَمْهَرِيرَها، واسعَ في أَسبابِ النَّجاةِ منها . أجارنا الله وإياكم من النار .

فاتقوا الله عباد الله واعرفوا نعمة الله عليكم واشكروه "وقليل من عباديَ الشكور "  بارك الله لي ولكم ...

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية : الشتاء فضائل وأحكام

الحمد لله ...أما بعد :  فيا عِبَادَ اللهِ: إنَّ لِلشِّتَاءِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً :

فَمِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ: جَوَازُ الْـجَمْعِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ مَعَ شِدَّةِ الْبَرْدِ إِذَا كَانَ مَصْحُوبًا بِرِيَاحٍ شَدِيدَةٍ أَوْ ثُلُوجٍ عَائِقَةٍ أَوْ أَمْطَارٍ غَزِيرَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يُصَلِّى فِي بَيْتِهِ كَالْـمَرْأَةِ وَالْـمَرِيضِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ مِنْ أَجْلِ الْـمَطَرِ أَوْ مِنْ أَجْلِ الْبَرْدِ الَّذِي يُبِيحُ الْـجَمْعَ.

وَيُبَاحُ لِلْمُؤْمِنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِبْسُ الْقُفَّازَيْنِ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ من بردٍ أو غيره، خِلَافًا لِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِهِ بِلِثَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الصَّلاَةِ، إِلَّا إِنِ احْتَاجَ لَهُ الْـمُصَلِّي لِاِتِّقَاءِ هَوَاءٍ بَارِدٍ  أو نحوه .

وَمِنْ أَحْكَامِ الشِّتَاءِ: الرُّخْصَةُ فِي الْـمَسْح عَلَى الْـخُفَّيْنِ فَيَنْبَغِيْ عَلَى الـمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ شُرُوْطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ فِي مَوْضِعٍ أَوْ وَقْتٍ ﻻَ يَجُوزُ لَهُ الْـمَسْحُ فِيْهِ فَالصَّلَاةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ.

وَشُرُوْطُ الْـمَسْحِ عَلَى الْـخُفَّيْنِ أَرْبَعَةٌ: أَنْ يَكُونَ الْـخُفُّ طَاهِرًا، وَأَنْ يَلْبَسَ الْـخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْـمُدَّةِ الْـمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْـحَدَثِ الْأَصْغَرِ. ويجوزُ المَسحُ على الخفِّ المخرَّقِ مطلقًا كما هو مذهبُ طائفةٍ من أهل العلم .

وَالْـمُدَّةُ الْـمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا هِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا لِلْمُسَافِرِ.

 وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ. وَمَنْ كَانَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ.

وَتَبْتَدِئُ مُدَّةُ الْمَسْحِ بَعْدَ أَوَّلِ مَسْحَةٍ بَعْدَ حَدَثٍ، وَإِنِ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْـمَسْحِ وَمَا زَالَ الْعَبْدُ عَلَى طَهَارَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى أَنْ يُحْدِثَ. وَأَنْ يَكُونَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، ﻻَ فِي الـْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. وإذا خلعَ الخفَّ أو الجوربَ فلا تبطلُ صلاتُه على الصحيحِ من أقوالِ أهل العلم .

ويَجُوزُ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الرُّخَصِ لِمَنْ لَبِسَ الْـخُفَّيْنِ مُطْلَقًا سَواءٌ كَانَ الْـجَوُّ حَارًّا أَوْ بَارِدًا، رِجَالًا أوْ نِسَاءً.

ومَنْ كُسِرَ عَظْمُهُ أُوْ جُرِحَ جَسَدُهُ فَاحْتَاجَ إِلَى رَبْطِهِ أَوْ لَصْقِهِ بِشَيْءٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ هَذَا الشَيْءِ والْـمَسَحِ عَلَيْهِ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الْعُضْوِ سَوَاءٌ فِي الْوُضُوءِ أوِ الْغُسْلِ حَتَّى يَبْرَأَ في البرد وغيره.

عباد الله: مِمَّا أَكْرَمَ اللـهُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَصَّهَا بِهِ أَلَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ؛ فَفِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إِذَا تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ، أَوِ الْغُسْلُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ. وَلَيْسَ التَّعَذُّرُ هُوَ فَقْدُ الْـمَاءِ فَحَسْب، وَإِنَّمَا حَتَّى مَعَ وُجُودِهِ لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، كَمَا يَحْدُثُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْـمَاءُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، وَيَخْشَى الضَّرَرَ شِبْهَ الْـمُحَقَّقِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ حِينَئِذٍ لِلْحَرَجِ، وهَذَا عِنْدَمَا يَكُونُ فِي الْأَمَاكِنِ الْـمَكْشُوفَةِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ ولَا يَجِدُ مَكَانًا يُسَخِّنُ فِيهِ الْـمَاءَ وَيَغْتَسِلُ فِيهِ، أَمَّا فِي الْبُيُوتِ فَإِنَّ تَسْخِينَ الْـمَاءِ مُتَيَسِّرٌ فِي الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ لِلتَّيَمُّمِ سَبَبٌ صَحِيحٌ حِينَئِذٍ...

عباد الله: إِنَّ مِمَّا تَقْتَضِيهِ الْـمُنَاسَبَةُ :التَّنْبِيهَ إِلَى مَا يُوقِدُهُ النَّاسُ فِي الشِّتَاءِ مِنَ النِّيرَانِ، أَوِ الْمِدْفَأَةِ، فَيَجِبُ تَوَخِّي الـْحَذَرَ؛ فَقَدْ أَرْشَدَ نَبِيُّكُمْ r إِلَى إِطْفَاءِ النَّارِ قَبْلَ النَّوْمِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ t قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْـمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ r، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِمَا تُسَبِّبُهُ مِنَ الاحْتِرَاقِ أَوِ الاخْتِنَاقِ.

ثم صلوا ...

المرفقات

1641555352_خطبة الشتاء وفضائل وأحكام-نواف.doc

1641555352_خطبة الشتاء وفضائل وأحكام-نواف.pdf

المشاهدات 512 | التعليقات 0