الشباب والانحراف-1--14-10-1439هـ-عبدالله الطوالة-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1439/10/14 - 2018/06/28 23:46PM
أما بعد: فالوصيةُ بتقوى اللهِ، وَصِيَّةِ اللهِ لَلأَوَّلَيْنِ وَالآخَرِيْنِ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
     فإنَّ مِنِ أعزِ ما يرجوه الإنسانُ، ومِنْ أكبرِ ما يطمحُ إليه في دنياه، أنْ يرزقه اللهُ ذريةً طيبةً، وولدًا صالحًا يَبرُهُ ويدعو له؛ قال-تعالى-: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.
     الأبناءُ والبناتُ مصابيحُ البيوتِ، وقرةُ العيونِ، وبهجةُ الدنيا، ونبضُ الحياةِ، وهبةُ المنانِ، وبِذْرةُ اليومِ، وثمرةُ الغدِ، وأملُ المستقبلِ، بنجاحِهم يُقاس تقدمُ الأممِ، وبسواعِدهم يُبنى العزُ والمجدُ، وصدق الله: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾، وقال-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنه عملُه إلا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له"
     والأبناءُ والبناتُ أمانةٌ الله في أعناقِ الآباِء، ووديعتُه بين أيديهم، وتربيتُهم والعنايةُ بهم، فريضةٌ ومسئوليةٌ من أعظم المسؤولياتِ، والتربية صناعةُ الإنسان، وتشكيلُ لعقيدتِه ودينِه، وتوجيهٌ لفكرِه، وتهذيبٌ لسلوكِه، وتقويمٌ لأخلاقِه، قال-تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، وقال ابنُ عمرَ-رضي الله عنهما-لرجلٍ: "أَدِبِ ابنَك؛ فإنَّك مسؤولٌ عن ولدِك: ماذا أدبْته؟ وماذا علمْته؟ وإنه مسؤولٌ عن برِك وطاعتِه لك".
     والتربيةُ الصحيحةُ هي التي تبنِي في نفس الولدِ-ذكرًا أو أنثى-الفضائلَ، وتصونُه عن الرذائلَ، التربيةُ رعايةٌ شاملةٌ لشخصيةِ الإنسانِ، بهدفِ إيجادِ فردٍ متوازنٍ، يعبدُ اللهَ ويعمرُ الأرضَ ويستعدُ للآخرةِ، والشبابُ هم ثروةُ الأمّةِ الغاليةِ وأملُها، وكنزُها الثمينُ ومستقبلُها، وانحرافُهم من أعظمِ ما يَشغلُ المهتمين والغيورين، ومن أهمِّ القضايا التي تُقلِق الآباءَ والمربِّين، فمنحرفُ اليومِ هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركه عنايةُ الله.
     والمتأملُ في شؤونِ بعضِ الشبابِ-هدانا الله وإياهم-، يلاحظُ بسهولةٍ ووضوحٍ مدى ازديادِ مستوىِ الانحراف بينهم، وأبرزُها: هجرُ الصلواتِ والمساجدِ، وعقوقُ الوالدينِ، وسوءُ الأخلاقِ مع القريبِ والبعيدِ، وتعاطي الموادِ الممنوعةِ من: دخانٍ وشيشةٍ ومخدراتٍ، كما يُلاحظ تزايدًا كبيرًا في ارتكابِهم جرائمَ القتلِ والشرفِ والزنا والتحرشِ، وانحرافِ عقائدِهم، بأفكارِ الملحدينَ والكفارِ التي تشككُ في ثوابتِ الإسلامِ وأُسسِه، ويقعُ أغلبُ ذلك منهم تقليدًا أعمى لغيرِهم، وصدَق رسولُنا محمدٌ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-القائلُ: "لتتبعُنَّ سَننَ الذين مِن قَبلِكم، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذِراع، حتى لو دخَلوا جحرَ ضبٍّ لاتَّبعتموهم، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: فمن؟؛ ومن أدلةِ ذلك انتشارُ الظواهرِ الشاذةِ والغريبةِ في الهيئاتِ واللباسِ، كظاهرةِ القزعِ التي انتشرت في أوساطِ بعضِ الشباب، والقزعُ هو حلقُ بعضِ الرأسِ وتركُ بعضِه، وهو حرامٌ، ويزدادُ تحريمُه إذا كان تشبهًا بالكفارِ.
     ويلاحظُ المتأملُ أن زاويةَ الانحرافِ تزدادُ اتِّساعًا حين ينشأُ الشابُ بلا حصانةٍ، ويتلقى فكرًا بلا مناعةٍ، وحين تتكون شخصيّتهُ بلا تربيّةٍ ولا انضباطٍ، وإنك لا تجني من الشوكِ العنبَ، والمرءُ حين يرى مشاهِدَ المنحرفينَ والمتمردينَ على الآدابِ والقِيَمِ، والشاردينَ عن طريقِ الصوابِ، يتساءلُ بمرارةٍ: مَنْ رَبَّى هؤلاء؟ مَنِ المسؤولُ عن إنتاجِ هذا الجيلِ؟، ولا شك أنَّ السببَ هو التقصيرُ أو الإهمالُ في التربيةِ، ومع الأسفِ والألمِ، فإنَّ جيلا مُغَيًّبًا بهذا التدنيِ والانحرافِ، والانفلاتِ الأخلاقيِ، واهتزازِ الثوابتِ، وغيابِ الهدفِ، لا يرفعُ أُمةً، ولا يدافع عن حَرمٍ أو أهلٍ أو وطنٍ، بل هو وبالٌ على مجتمعِه، وعِبءٌ ثقيلٌ عليه، إذًا فلا بد من وقفةٍ جادةٍ مع أنفسِنا ومع طُرقِ تربيتِنا لأبنائِنا وبناتِنا، قال النبيُ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، وقال: "ما نحلَ-ما أعطى-والدٌ ولدَه أفضلَ من أدبٍ حسنٍ".
     قال الإمامُ ابنُ القيمِ-رحمه اللهُ-: "كم ممن شقي ولدهُ وفلذة ُكبدهِ في الدنيا والآخرةِ بإهمالِه، وتركِ تأديبِه، وإعانتِه على شهواتِه، ويزعم أنه يُكرمُه وقد أهانَه، وأنه يرحمُه وقد ظلمَه، ففاتَه انتفاعُه بولدِه، وفوَّت عليه حظَّه في الدنيا والآخرة، وإذا تفكرتَ في فسادِ الأولادِ رأيتَ أن عامَّتَه مِنْ قِبَل الآباء"، وقال الإمامُ الغزاليُ-رحمه اللهُ-: "إن الصبيَ أمانةٌ عند والديه، وقلبُه الطاهرُ جوهرةٌ نفيسةٌ، خاليةٌ من كل نقشٍ، وهو قابلٌ لكلِ ما يُنقشُ فيه، فإنْ عُّوِدَ الخيرَ نشأَ عليه وسَعُدَ في الدنيا والآخرةِ، هو وكلُّ معلمٍ له ومؤدبٍ، و إنْ عُّوِدَ الشرَ وأُهمِلَ إهمالَ البهائمِ شقيَ وهلكَ، وكان الوزرُ في رقبةِ مربيه والقيّمِ عليه".
     أستغفر الله...
الخطبة الثانية
     أما بعد: فالتربيةُ ليستْ توفيرَ الطعامِ واللباسِ والمسكنِ، فقدْ قالَ اللهُ-عزَّ وجلَّ-: "نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ"، بل هي تكليفٌ بتنشئتِهم على الإيمانِ والعملِ الصالحِ، قال الله-عزَّ وجلَّ-: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾، ثم إنَّ العنايةَ بالأولادِ مسلكُ الأخيارِ، وطريقُ الأبرارِ، ولا تفْسُدُ الأمةُ وتهلِكُ إلا حين تفسُدُ أجيالهُا، ولا ينالُ الأعداءُ من أمةٍ إلا إذا نالوا من أبنائِها وبناتِها.
     وفي كتابِ اللهِ إخبارٌ عن الصالحين وأنبياءِ اللهِ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-أنهم دعوا ربهم بصلاحِ ذرياتِهم قبلَ وجودِهم، وبعدِ مجيئِهم، ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾، ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾، ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ للحديث بقية ...
     يا ابنَ آدمَ، عشْ ما شئتَ فإنك ميتٌ، وأحبِبْ من شئتَ فإنك مفارقُه، واعمل ما شئتَ فإنك مجزيٌ به، البرُ لا يبلى، والذنبُ لا يُنسى، واللهُ لا يموت، وكما تدين تُدان.
المرفقات

والانحراف-15-10-1439هـ-عبدالله-الطوالة-الملت

والانحراف-15-10-1439هـ-عبدالله-الطوالة-الملت

المشاهدات 980 | التعليقات 0