الشامل في حسن التعامـــل ( خطبة جمعة )
محمد بن سليمان المهوس
1438/02/08 - 2016/11/08 13:36PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / خُلُقٌ عَظِيمٌ يُورِثُ التَّقْوَى وَالْوَرَعَ ، وَيَقُومُ عَلَى الْيُسْرِ وَالسَّمَاحَةِ وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَالصَّفْحِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ ، وَهُوَ دَلِيلُ حُبِّ الْعَبْدِ لِلْخَيْرِ وَلِلْغَيْرِ ، إِنَّهُ خَلْقُ حُسْنُ التَّعَامُلِ وَالّذِيِ يَشْمَلُ حُسْنُ الْتَّعَامُلِ مَعَ اللَّهِ بِالْعَمَلِ عَلَى تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ،وَتَرْكِ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )) [ رَواهُ مُسْلِمٌ ]
وَحُسْنُ الْتَّعَامُلِ مَعَ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى، وَالنَّبِيِّ الْمُجْتَبَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَتِهِ بِمَا أَمَرَ ،وَتَصْدِيقِهِ بِجَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ , وَأَخْبَارِ مَا سَيَأْتِي ، وَفِيمَا أَحَلَّ مِنْ حَلَالٍ , وَحَرَّمَ مِنْ حَرَامٍ ، وَالْإِيمَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ كُلّهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ تَعَالَى ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )) واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ ، وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ قَالَ تَعَالَى ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ))قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: (( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى )) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ]
وَحُسْنُ الْتَّعَامُلِ لِلصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ الْأَطْهَارِ ؛ بِأَنْ نَعْرِفَ لَهُمْ مَكَانَتَهُمْ وَقَدْرَهُمْ ، وَأَنْ نُحِبَّهُمْ قُرْبَى إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَنْ نُدَافِعَ عَنْهُمْ جَمِيعًا وَنَعْرِفَ فَضْلَهُمْ ، وَنَتَعَلَّمَ أَخْبَارَهُمْ وَمَحَاسِنَهُمْ وَسِيَرَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ - وَنَكُفَّ اللِّسَانَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ؛ هُمْ بَشَرٌ يُصِيبُونَ وَيُخْطِئُونَ ، وَلَا يَكُونُ حَدِيثُنَا دَائِمًا عَنْ أَخْطَائِهِمْ ،قَالَ تَعَالَى ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ))
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ )) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - وَتَمَثَّلُوا هَذَا الْخُلُقَ الطَّيِّبَ الْمُبَارَكَ الَّذِي يُورِثُ خِصَالَ الْخَيْرِ كُلِّهَا.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .
عِبَادَ اللهِ / وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْخَلْقُ الطَّيِّبُ الْمُبَارَكُ :حَسَنُ الْتَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِ مَنَازِلِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)) فَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَنَا وَشُؤُونَنَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ )) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِى عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ )) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
وَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ لَهُمَا وَالرَّحْمَةِ بِهِمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا )) قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ((الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ .. الْحَدِيث )) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
وَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ الزَّوْجَةِ ،كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((اسْتَوْصُوُا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا . . الْحَدِيثُ ))[ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
وَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ كِبَارِ السِّنِّ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْحَامِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا ، وَكَانَ لا يَأْتِيهِ أَحَدٌ إِلا وَعَدَهُ ، وَأَنْجَزَ لَهُ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ ، وَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ ، فَقَالَ : إِنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتِي يَسِيرَةٌ ، وَأَخَافُ أَنْسَاهَا ، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَصَلَّى [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَحُسْنِهِ الْأَلْبَانِيِّ ] فَاتَّقُوُا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَحْسِنُوا تَعَامُلَكُم تَفُوزُوا بِرِضَى رَبِّكُمْ ،وَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَ رَبُّكُمْ فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / خُلُقٌ عَظِيمٌ يُورِثُ التَّقْوَى وَالْوَرَعَ ، وَيَقُومُ عَلَى الْيُسْرِ وَالسَّمَاحَةِ وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَالصَّفْحِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ ، وَهُوَ دَلِيلُ حُبِّ الْعَبْدِ لِلْخَيْرِ وَلِلْغَيْرِ ، إِنَّهُ خَلْقُ حُسْنُ التَّعَامُلِ وَالّذِيِ يَشْمَلُ حُسْنُ الْتَّعَامُلِ مَعَ اللَّهِ بِالْعَمَلِ عَلَى تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ،وَتَرْكِ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )) [ رَواهُ مُسْلِمٌ ]
وَحُسْنُ الْتَّعَامُلِ مَعَ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى، وَالنَّبِيِّ الْمُجْتَبَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَتِهِ بِمَا أَمَرَ ،وَتَصْدِيقِهِ بِجَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ , وَأَخْبَارِ مَا سَيَأْتِي ، وَفِيمَا أَحَلَّ مِنْ حَلَالٍ , وَحَرَّمَ مِنْ حَرَامٍ ، وَالْإِيمَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ كُلّهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ تَعَالَى ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )) واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ ، وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ قَالَ تَعَالَى ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ))قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: (( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى )) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ]
وَحُسْنُ الْتَّعَامُلِ لِلصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ الْأَطْهَارِ ؛ بِأَنْ نَعْرِفَ لَهُمْ مَكَانَتَهُمْ وَقَدْرَهُمْ ، وَأَنْ نُحِبَّهُمْ قُرْبَى إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَنْ نُدَافِعَ عَنْهُمْ جَمِيعًا وَنَعْرِفَ فَضْلَهُمْ ، وَنَتَعَلَّمَ أَخْبَارَهُمْ وَمَحَاسِنَهُمْ وَسِيَرَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ - وَنَكُفَّ اللِّسَانَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ؛ هُمْ بَشَرٌ يُصِيبُونَ وَيُخْطِئُونَ ، وَلَا يَكُونُ حَدِيثُنَا دَائِمًا عَنْ أَخْطَائِهِمْ ،قَالَ تَعَالَى ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ))
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ )) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - وَتَمَثَّلُوا هَذَا الْخُلُقَ الطَّيِّبَ الْمُبَارَكَ الَّذِي يُورِثُ خِصَالَ الْخَيْرِ كُلِّهَا.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .
عِبَادَ اللهِ / وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْخَلْقُ الطَّيِّبُ الْمُبَارَكُ :حَسَنُ الْتَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِ مَنَازِلِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)) فَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَنَا وَشُؤُونَنَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ )) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِى عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ )) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
وَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ لَهُمَا وَالرَّحْمَةِ بِهِمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا )) قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ((الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ .. الْحَدِيث )) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
وَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ الزَّوْجَةِ ،كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((اسْتَوْصُوُا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا . . الْحَدِيثُ ))[ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
وَحُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَ كِبَارِ السِّنِّ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْحَامِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا ، وَكَانَ لا يَأْتِيهِ أَحَدٌ إِلا وَعَدَهُ ، وَأَنْجَزَ لَهُ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ ، وَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ ، فَقَالَ : إِنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتِي يَسِيرَةٌ ، وَأَخَافُ أَنْسَاهَا ، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَصَلَّى [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَحُسْنِهِ الْأَلْبَانِيِّ ] فَاتَّقُوُا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَحْسِنُوا تَعَامُلَكُم تَفُوزُوا بِرِضَى رَبِّكُمْ ،وَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَ رَبُّكُمْ فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .
المرفقات
الشامل في حسن التعامل.doc
الشامل في حسن التعامل.doc
المشاهدات 2767 | التعليقات 3
بارك الله فيك ونفع بك الاسلام و المسلمين
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
قاسم الهاشمي
وفقك الله
تعديل التعليق