الشائعات
تركي بن عبدالله الميمان
الشائعات
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوْهُ، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْخَيرِ، والنَّجَاةِ مِنَ الشَّرِّ! قال U: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
عِبَادَ اللهِ: رُبَّ كَلِمَةٍ جَرَىَ بِهَا اللِّسَان؛ هَلَكَ بِهَا الإِنْسَان! وَرُبَّشَائِعَة؛ كانَتْ سَبَبًا في وُقُوعِ كَارِثَة!
والمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ، لا تَنْطَلِي عَلَيْهِ الشَّائِعَات، ولا يَبْنِي على الظُّنُونِ والتَّخَرُّصَات، بَلْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَن الاِسْتِرْسَالِ مَعَهَا، وأَمَرَ بِقَتْلِهَا في مَهْدِهَا! قال ﷺ: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ!).
وَمِنْ آفَاتِ الشَّائِعَات: أَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الفِتْنَةِ في الدِّيْن: فَهِيَ السَّبَبُ في تَسْوِيقِ الأَحَادِيثِ المَكْذُوبَة، والأَخْبَارِ المَوْضُوعةِ: على رَسُولِ اللهِ ﷺ، وأَصْحَابِهِ والتَّابِعِين، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ السَّلَفِ الصَّالحِيِن، وتَشْوِيهِ سُمْعَتِهِم!
وَنَشْرُ الشَّائِعَات: أُسْلُوبٌ قَدِيمٌ، اِسْتَعْمَلَهُ المُنَافِقُونَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَقَدْ كَانَوا يَنْتَهِزُونَ كُلَّ فُرْصَةٍ لِبَثِّ شَهَوَاتِهِمْ، وَتَمْرِيْرِ شُبُهَاتِهِمْ؛ لِلْطَّعْنِ في الإِسْلَامِ، ونَبِيِّ الإِسْلَامِ (سَيّدِ الأَنَام)، عَبْرَ بَوَّابَةِ الشَّائِعَات: كَمَا وَقَعَ في حَادِثَةِ الإِفْكِ! قالَ I: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾. قال السِّعْدِي: (فَإِذَا كانَ هَذَا الوَعِيدُ؛لِمُجَرَّدِ مَحَبَّةِ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ، وَاسْتِحْلَاء ذَلِكَبِالقَلْبِ؛ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: مِنْ إِظْهَارِهِ وَنَقْلِهِ؟!).
وَفِي أَوْقَاتِ الفِتَنِ: تَنْشَطُ الدِّعَايَةُ، وَتَكْثُرُ الإِثَارَةُ؛ وَهُنَا يَأْتِي دُوْرُ الإِشَاعَة! وَلِذَا جَاءَ الوَعِيدُ الشَّدِيْدُ؛ لِمَنْ يَنْشُرُوْنَ الشَّائِعَاتِ المُرْجِفَةِ في صُفُوفِ المُسْلِمِينَ! قال U: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾.
وَلـمَّا كانَ بَعْضُ النَّاسِ: يَتَفَاعَلُ مَعَ الَّذِينَ يُرَوِّجُوْنَ الشَّائِعَات؛ جَاءَ القُرْآنُ لِيُحَذِّرَهُمْ مِنْ ذَلِك، وَيُوَجِّهَهُمْ إلى تَسْدِيْدِ القَوْلِ، وَعَدَمِ إِلْقَائِهِ على عَوَاهِنِه! قال U: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا﴾.
وَالمَشَارَكَةُ في نَقْلِ الشَّائِعَةِ (قَبْلَ التَّحَقُّقِ مِنْهَا): مُشَارَكَةٌ في الإِثْمِ والكَذِب! قال ﷺ: (كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا: أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ!). قال النووي: (فَإِنَّهُ يَسْمَعُ -فِي العَادَةِ- الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ؛فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ! وَالكَذِبُ: هُوَ الإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ، وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّد).
وَمِنْ أَسْبَابِ دَفْعِ الشَّائِعَة: الرُّجُوعُ إلى القَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ: وَهِيَحُسْنُ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِ، وأَنَّ الأَصْلَ فِيهِ البَرَاءَة؛ فَلَا يَجُوزُ اتِّهَامُهُ بِمَا لَيسَ فِيهِ، وَإِلَّا تَعَرَّضَ المُتَّهِمُ لِلْإِثْمِ! قال I: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْماً مُبِينًا﴾. يقولُ ابْنُ عُثَيْمِين: (إِيَّاكَ وَسُوْءَ الظَنِّ بِمَنْ ظَاهِرُهُ العَدَالَةُ، أَمَّا مَنْ ظَاهِرُهُ غَيْرُ العَدَالَةِ؛ فَلَا حَرَجَ أَنْ يَكُونَ في نَفْسِكَ سُوْءَ ظَنٍّ بِهِ، لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ: عَلَيْكَ أَنْ تَتَحَقَّقَ؛ لِأَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يُسِيءُ الظَنَّ بِشَخْصٍ؛ بِنَاءً عَلَى وَهْمٍ كَاذِبٍ لَا حَقِيْقَةَ لَهُ!).
وَمِنْ أَسْبَابِ السَّلامَةِ مِنَ النَّدَامَةِ: التَّأَكُّدُ مِنْ صِحَّةِ (النَّقْلِ وَالخَبَرِ)،قَبْلَ أَنْ تَبْنِيَ عَلِيْه (الحُكْمَ والأَثَر)؛ فَرُبَّ شَائِعَةٍ كَانَتْسَبَبًا في هَدْمِ أُسْرَةٍ، وَتَقْطِيْعِ مَوَدَّةٍ، وَتَمْزِيقِ مَحَبَّةٍ، وتَشْوِيهِسُمْعَةٍ! قال ﷻ: ﴿فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
أَمَّا بَعْدُ: فَمِنْ أَسْبَابِ الوِقَايَةِ مِنْ الشائعات: التَّثَبُّتُ فِيْمَا يُنقَلُ مِنَ الأَخْبَارِ والأَحْوَال، أو فِيْمَا يُتَدَاوَلُ في رَسَائِلِ الجَوَّال، أو فِيْمَا يُنسَبُ إلى الشَّرْعِ مِنَ الفَضَائِلِ والأَعْمَال! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.
وَمِنْ طُرُقِ النَّجَاةِ مِنَ الشَّائِعَات: عَدَمُ الخَوْضِ فِيْهَا بِلَا عِلْمٍ، وَتَرْكُ الأَمْر لِأَهْلِهِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ بالتَّثَبُّتِ في الأَخْبَار، قَبْلَ نَشْرِهَا وإِذَاعَتِهَا، خُصُوْصًا مَا يَتَعَلَّقُ بِـأَمْنِ النَّاسِ وَخَوْفِهِم! قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.
وَمِنْ الوِقَايَةِ مِنَ الشَّائِعَاتِ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ، فَهُوَ الحِصْنُالحَصِينُ، والدِّرْعُ المَتِينُ، في مُوَاجَهَةِ المُرْجِفِيْنَ والمُخَذِّلِيْنَ، فَإِنَّ المُؤْمِنِينَ حَقًّا: لا يُبَالُوْنَ بِالحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ، ولا تَهُزُّهُمُ الهَجْمَةُالإِعْلَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ بِاللهِ وَاثِقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ! ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾.
قال ابنُ كَثِير: (تَوَعَّدَهُمُ النَّاسُ وَخَوَّفُوْهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ، فَمَا اكْتَرَثُوا لِذَلِكَ! بَلْ تَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ؛ فكَفَاهُمْ مَا أَهَمَّهُمْ، وَرَدَّ عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ أَرَادَ كَيْدَهُمْ).
*******
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab
المرفقات
1703057810_(الشائعات) نسخة للطباعة.pdf
1703057810_(الشائعات) نسخة مختصرة منزوعة الحواشي.pdf
1703057810_(الشائعات) خط كبير.pdf
1703057811_(الشائعات) نسخة مختصرة منزوعة الحواشي.docx
1703057811_(الشائعات) خط كبير.docx
1703057811_(الشائعات) نسخة للطباعة.docx