السِّيَاجُ المُجْتَمَعِي 1442/11/15ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَىٰ إحسانِه ، والشُكر لَهُ عَلَىٰ توفيقِه وامتنانِه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تعظيمًا لشأنِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الدَّاعي إِلَىٰ رضوانِه وجِنانِه ، والمُحذِّرُ مِن سخطِهِ ونيرانِه ، عليهِ أفضلُ صلاةٍ وأتمُّ تسليمٍ ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) وبعد ..
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : جَاءَ الإِسْلَامُ العظيمُ وما كانَ يدعو لفضيلةٍ وبِرٍّ ومَصلحةٍ بارَكَهُ وعزَّزَه ، وما كانَ يدعو إِلَىٰ رذيلةٍ وعُنصريَّةٍ وقطيعةٍ ومَفسدةٍ حارَبَهُ وقضَى عليه ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا بُعثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارمَ الأخْلَاقِ ) ، وما فتِئَ أعداءُ الأُمَّةِ فِي الدَّاخل والخارج يَحرصُون عَلَىٰ إضلال المُسْلِمِيْنَ والتَّلبيسِ عليهم، فسلَكُوا بِهِم كُلَّ طريق، فتارةً بِبَثِّ الشُّبهات فِي دِين الله عَزَّ وَجَلَّ ، وتارةً بتيسير طُرق الشَّهوات، وكان مِن أعظم الطُّرق الَّتِي اتَّخَذُوها لإضلال النَّاسِ عَنْ دِينهِم ؛ بأن زهَّدُوا النَّاس في عاداتهم وتقاليدهم الَّتِي تُعتَبرُ خادمةً للدِّين وسياجًا للفضيلة ، ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : إِنََّ كُلَّ مُحافظٍ عَلَى عاداتِهِ وتقاليدِه يفتَخَرُ بها ، ويُدافِعُ عنها ويتمسَّكُ بمَضامينها إِنَّمَا هُوَ شخصٌ عزيزٌ بنفسِه كريمٌ بذوقِه واثِقٌ مِن سلَفِهِ وتاريخه ، وفي المُقابل كُلُّ شخصٍ يُحارب تِلكَ العاداتِ والتقاليدَ فهو مُنهزِمٌ فِي نفسِه، عديمُ الثِّقةِ فِي ذاتِه ، خفيفُ العقل تقودهُ الشهوةُ الخاطفة والموضَةُ المُزيَّفة ، قد فتح لأعداء الأُمَّة الحِصنَ الْأَوَلُ فدخلوا فيه عَلَىٰ أهل الإِسْلَامِ ، فأفسدُوا وغيَّرُوا ، فأيُّ خيانةٍ وجنايةٍ جناها ذلكَ الشخصُ عَلَىٰ دِينِهِ وأُمَّتِهِ ومُجتَمعِه !؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : تأمَّلُوا حالَ النِّساء فِي المُجتمعات الَّتِي تخفَّفَت مِن العادات والتَّقاليد ، وهوَّنَت مِن الأعراف ، وسخِرَت بالتَّقاليد ، كيف الحالُ فِيهَا ؟! فقد نُزِعَ الحِجابُ كلُّهُ أَوْ بعضُه ، وتجرَّأَتِ المرأةُ فيهِ عَلَىٰ ما لا يليقُ بها مِن مُخالطة الرِّجال الأجانبِ فِي كُلِّ الأحوال والخروج فِي كُلِّ الأوقات ، فلا دينَ يمنعُها ولا عادةَ تخشى عواقِبَها.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: العاداتُ والتقاليدُ مُحفِّزٌ عَلَىٰ صِلَة الأرحام ، والتعاوُنِ والتآزُرِ بين أفراد المُجتمع ، يجمعُ المُتفرِّقين ، ويُرتِّبُ المُتبعثرين ، ويُعينُ عَلَىٰ نوائب الدَّهر ، العاداتُ والتقاليدُ حافظٌ للذَّوْق العام مِن التَّفسُّخِ والعُرْي والانحلال والتخفُّف السَّاقِط ، فلا يُمكِنُ لشابٍّ فِي مُجتمِعٍ مُحافظٍ أن يخرُجَ حاسِرَ الرَّأس ، فضلًا عَنْ كونهِ يخرجُ مُبدِيًا نصفَ فخذهِ إنَّهَا الأعرافُ التي تحكُمُ التّصرُّفاتِ الشاذَّةَ والمُمارساتِ الساقِطةَ ، بل هُوَ مِن أقوى الأنظمة الَّتِي تُسيطرُ عَلَىٰ المُجتمعات ، فَتحِدُّ مِنَ الجُرأةِ على مُمتلكات الآخرين والتعدِّي عَلَىٰ حقوقِهِم ، فكم مِن شخصٍ لا يُحَرِّمُ حرامًا، ولا يُنزجرُ بآيَةٍ ، ولا يخافُ الولوغَ فِي كبيرة ، لا يمنعهُ مِن أموال النَّاس وأعراضِهِم إِلَّا الخوفُ مِن العادةِ وانتهاكِ العُرف فِي الأسواق والمُجمعات كما يُرى فِي المُدن الكبيرة مِن غيرِ خوفٍ مِن الله ، ومن غيرِ حياءٍ مِن النَّاس .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: العاداتُ والتقاليدُ تدعو إِلَىٰ تمكُّنِ الأخلاق الإسلاميّة العظيمةِ فِي قلوب النَّاس ، انظُروا إِلَىٰ تلك المُدُنِ الكبيرةِ والبُلدان المُتطوِّرة الَّتِي أعرضَت عَنِ العادات، وسخِرَت بالأعراف ؛ كيف تمكَّنَت مِن أهلها الماديَّةُ المقيتةُ ، وتلاشَت روحُ الجماعة ، وترسَّخَت روح السلبيَّة ، وتقطَّعَت أواصرُ المحبَّة ، وانقطعت أخلاقُ النَّخوةٍ والكرامةِ إِلَّا ما شاء اللهُ.
عباد الله: كيف يُجادِلُ مُجادِلٌ بعد هذِه المصالح العظيمة الَّتِي تحويها الأعرافُ والتَّقاليد ؟! إنَّهَا النُّفُوسُ المريضةُ ، والعقولُ السَّقيمةُ ، والأذواقُ السَّاقطةُ ، وسُفهاء الرِّجال ومَعدُومو المروءة ، هُم مَنْ يُنافحونَ لأجل تنحيَةِ الأعراف وتحجيمها، فخُذوا حِذْرَكم أَيُّهَا الْمُسْلِمُون مِن أُولَئِكَ الَّذِينَ يُريدون هدمَ البناء مِن أصلِه ، ولا تُفرِّطُوا بما فِي مُجتمعكم اليومَ مِن مُكتسَبَاتٍ عظيمة ، لو أنفقت الدّولُ الغربية عَلَيهَا ملءَ الأرض ذهبًا ما استطاعت أن تَستعيد خُلُقًا فاضلًا أَوْ عادةً مُستقيمةً أَوْ فضيلةً قائمةً ، ذلكَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِم وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَبَعْد :
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : هل تستطيعُ تلك الشعوبُ المُتحضِّرَةُ أن تُعيد الحِجابَ بعدما فُسِخ ؟! هل تستطيعُ تلك الشعوبُ المُتقدِّمَة أن تُرجِع الحياءَ بعدما مُسِخ ؟! هل تستطيعُ تلك الشعوبُ المُتطوِّرة أن تُعيدَ توازُنَ البيوت بأن تقرَّ المرأةُ فِي بيتِها عِنْد أولادِها وزوجِها وقد خرَجت وتمرَّدَت ؟! لا يستطيعون، نعم ، إنَّهُم لا يستطيعون ولو تنازلوا عَنْ جَمِيع ثرواتِهِم ومواردِهِم ومَصانعهم وجامعاتِهِم ؛ لأنَّ القيمَ والأخلاق لا تُقدَّرُ بثمن ، كيف لا وهيَ وحيُ الْأَنْبِيَاء وميراثُ المرسلين ؟! أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .
المشاهدات 1097 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
يوسف العوض
عضو نشطمستفادة
تعديل التعليق