السودان وجزاء الإحسان-22-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري(خط كبير)

محمد بن سامر
1444/10/21 - 2023/05/11 17:11PM

السودان وجزاء الإحسان-22-10-1444ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

أَمَّا بَعْدُ: فلَمَّا اشتدَّ الأَذى عَلى أَصحَابِ رَسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَمَ-فِي مَكةَ، وبَلَغوا غَايةَ البَلاءِ، خَاصةً الفُقراءَ والضُّعفَاءَ، أَشفَقَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَمَ-عَليهِم، فَقَالَ لَهم: "لَو خَرَجتُم إلى أَرضِ الحَبشةِ؛ فَإنِّ بهم مَلِكًا لا يُظلُمُ عِندَه أحدٌ، وَهيِ أَرضُ صِدقٍ، حَتَى يَجعلَ اللهُ لَكم فَرَجًا مِـمَا أَنتُم فِيهِ"، فَخَرجَ المُسلمونَ إلى أَرضِ الحَبَشةِ مـَخافةَ الفِتنةِ، وفِرارًا إلى اللهِ بِدينِهم، فَكَانَتْ أَولَ هِجرةٍ في الإسلامِ، فَأَرسلَتْ قُريشٌ وَفدًا إلى النَّجاشي-رَحِمَهُ اللهُ تعالى-بِالهَدايا لأجلِ أن يُسَلِّمَ لَهم هَؤلاءِ الذينَ لَجأوا إلى بِلادِهِ، فأرسل النَّجاشيُّ إلى المُسلمينَ فَحَضروا، وَكَانوا قَدْ أَجمعوا-اتفقوا- عَلى الصِّدقِ،‏ فَقَرأَ عَليهِ جَعفرُ بنُ أبي طالبٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-أولَ سُورةِ مَريمَ، فَبَكَى النَّجاشيُّ حتَّى اخْضَلَّتْ-ابْتَلَّتْ-لِحيتُه، وبَكَتْ أَساقِفتُه حتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُم حِينَ سَمِعوا الآياتِ، وقَالَ النَّجاشيُّ: "إنَّ هَذا والذي جَاءَ بِهِ عِيسى لَيَخرجُ مِنْ مِشكاةٍ وَاحدةٍ، انطَلِقَا، فَلا واللهِ لا أُسْلِمُهُم إليكُما، وَقَالَ للمُسلمينَ‏:‏ اذهبوا فأنتم شُيُومٌ-آمِنونَ-بِأَرضي مَنْ سَبَّكم غَرِم، مَنْ سَبَّكم غَرِم، مَنْ سَبَّكم غَرِم"، فَمَكَثوا فِي بِلادِهِ بِأمنٍ وأَمانٍ مدةً من الزمانِ.

فَسَجَّلَ التَّاريخُ هَذا الجَميلَ الذي قَدَّمَتهُ أفريقيا لأهلِ الجَزيرةِ العربيةِ وللإسلامِ والمُسلمينَ، وما يَزالُ دَيْنًا في أعناقِنا على مَرِّ الدُّهورِ والسِّنينَ، نَتَذكَّرُه في كَلِّ حَاجةٍ تـَمُرُّ بإخوانِنا في البِلادِ الإفريقيةِ، فَتَمتدُّ اليَدُ طَاعةً وقُربةً، ونَجدةً وحَميَّةً، فَأهلُ الوفاءِ لا يَنسَونَ مَعَ تَعاقبِ النَّهارِ واللَّيلِ، وَلا خَيرَ فيمنْ أنكرَ المَعروفَ والجَميلَ. 

ومن يُسدِ مَعروفًا إليكَ فَكُنْ لَهُ*

                  شَكُورًا يَكُنْ مَعروفُهُ غَيرَ ضَائعِ

وَلا تَبخَلَنْ بِالشُّكرِ وَالقَرْضَ فَاجزِهِ*

                       تَكُنْ خَيرَ مَصنُوعٍ إِليهِ وَصَانعِ

إخواني: إنَّ مَا نراهُ اليَومَ في بِلادِ السُّودانِ، مِن تَقَاتلِ الأهلِ والأصحَابِ والإخوانِ، إِنَّهُ لَشيءٌ يَجعلُ الحَليمَ حَيرانًا، ولا يَجدْ لَهُ العَاقلُ سَبَبًا ولا بُرهانًا، فَكَيفَ يَكونُ هذا في بِلادِ الطِّيبةِ والسَّماحَةِ؟ وَمن هَذا الذي يُريدُ أنْ يُفسِدَ عَلى أهلِهِ أفَراحَه؟ فَبَعدَ سِنواتٍ مِن الحَصارِ والعُزلةِ الاقتصاديَّةِ، مَرَّتْ البِلادُ بِـمُظاهراتٍ وَأَزماتٍ سِياسيةٍ، وهَا هيَ اليومَ في فوضى واضطراباتٍ أمنيَّةٍ، فَمنْ هو الرَّابحُ والخَاسرُ في هَذهِ الحُروبِ الأهليَّةِ؟

الخَاسرُ في هَذهِ الحَربُ هو المُواطنُ السُّودانيُّ مِن رِجالٍ وأطفالٍ ونِساءٍ، والخَاسرُ فِيها كُلُّ حَبيبٍ لِهَذهِ البِلادِ مِن أقَاربَ وأصدِقاءٍ، والخَاسرُ فِيها هِيَ الأمَّةُ الإسلاميةُ التي كَانتْ تَنتظرُ للسُّودانِ السَّلامَ والصَّفاءَ، والخَاسرُ فيها هو المُنتَصرُ مِنْ كِلا الفَريقينِ على الأحِبَّةِ والأشقاءِ، والرَّابحُ فيها هُم الأعداءُ والأعداءُ والأعداءُ.

فَلو دَرى القَـومُ بِالسُّودانِ أَينَ هُمُ*

                   مِنَ الشُّعوبِ قَضَوْا حُزنًا وإشفَاقا

جَهلٌ وفَقـرٌ وأَحـزابٌ تَعـيثُ بِهِ*

                   هَدَّتْ قُوى الصَّبرِ إرعَادًا وإبراقَا

إنَّ الـَّتحـزُّبَ سُمٌّ فَـاجعـلوا أَبَدًا*

                      يَـا قَـومُ مِـنكُـم لِهـذا السُّمِّ تِرْيـاقا

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أما بَعْدُ:

فَيَنبَغي أن نَسألَ أنفُسَنا: مَاذا يُرادُ اليَومَ بِالإسلامِ والمُسلمينَ؟ ولِماذا هَذِه الغَفلةُ عَنْ مَكرِ الكَائدينَ؟ فَكُلما أوشَكَ السَّلامُ والصَّفاءُ أن يَسودَ فِي بِلادٍ، جَاءَ مَن يَزرعَ الفِتنَةَ والتَّحريشَ بينَ العِبادِ، فَاينَ العُقلاءُ؟

لِي فِيكَ يَا لَيْلُ آهَاتٍ أُرَدِّدُهَا*

                    أَوَّاهُ لَوْ أَجْدَتِ الْمَحْزُونَ أَوَّاهُ

إِنِّي تَذَكَّرْتُ وَالذِّكْرَى مُؤَرِّقَةٌ*

                            مَجْدًا تَلِيدًا بِأَيْدِينَا أَضَعْنَاهُ

أَنَّى اتَّجَهْتَ إِلَى الإِسْلاَمِ في بَلَدٍ*

                  تَجِدْهُ كَـ (الصَّقْرِ) مَقْصُوصًا جَنَاحَاهُ

كَمْ صَرَّفَتْنَا يَدٌ كُنَّا نُصَرِّفُهَا*

                         وَبَاتَ يَحْكُمُنَا شَعْبٌ مَلَكْنَاهُ

اِسْتَرْشَدَ الْغَرْبُ بِالْمَاضِي فَأَرْشَدَهُ*

                          وَنَحْنُ كَانَ لَنَا مَاضٍ نَسِينَاهُ

إخواني: ما زَالتْ هَذهِ البِلادُ يدًا حانيةً على إخوانِها، تُعينُهم في الأزَماتِ، وتُواسيهم في النَّكباتِ، وتُغيثُهم في الكُرُباتِ، وتـَمسحُ الدَّمعاتِ، تَفعلُ ذلكَ بِواجبِ الدِّينِ والعُروبةِ والإنسانِ، وتَرجو أَنْ تَرى العَالمَ في سَلامٍ وَمَودةٍ وأمانٍ، واليَومَ إخوانُكم يَحتَاجونَ المُساعدةَ في السُّودانِ، فَهلْ جَزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانُ؟

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللهم أصلحْ لنا وللمسلمينَ ديننَا ودنيانا وآخرتَنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً لنا منْ كلِّ شرٍ.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللهمَّ إنَّا نستَودعُكَ السُّودانَ وأَهلَهُ، احفظْ بِلادَهم مِنْ شَرِّ الأَشرارِ، وكَيدِ الفُّجَّارِ، وَشَرِّ طَوارقِ اللَّيلِ والنَّهارِ، واحفظ بِلادَهم مِنْ عَبَثِ العَابثينَ، وكَيدِ الكَائدينَ، وعُدوانِ المُعتدينَ، واحقِنْ دِماءَهم، وألِّفْ بينَ قُلوبِهم، وأصلحْ ذَاتَ بينِهم، واهدِهم سُبلَ السَّلامِ، اللهمَّ مَنْ أَرادَ بِلادَهم وبِلادَ المُسلمينَ بِسوءٍ فَأشغلهُ بنَفسِهِ، وَرُدَّ كَيدَهُ في نَحرِهِ، واجعلْ تَدبيرَه تدميرَه، اللهمَّ أَمِّنِ السودانيينِ في أَوطَانِهم، وأَصلحْ وُلاةَ أُمورِهم، اللهمَّ اجعلْ لنا ولَهُم وللمُسلمينَ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخرجًا، ومِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، ومِنْ كُلِّ بَلاءٍ عَافيةً، ومِنْ كُلِّ عُسرٍ يُسرًا، ومِنْ كُل دَاءٍ شَفاءً.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.

المرفقات

1683814793_السودان وجزاء الإحسان-22-10-1444ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1683814794_السودان وجزاء الإحسان-22-10-1444ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1157 | التعليقات 0