السهر ـ أضرار وآثار(بتاريخ 4-8-1428هـ)
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى :
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِهِ اللهُ فلا مضلّ لهُ، ومنْ يضللْ فلا هادي له، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه، أمّا بعدُ: فاتّقوا الله عبادَ اللهِ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).
عباد الله:
قال الله تعالى:[ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً](النبأ:10، 11)، وقال تعالى:[ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً](غافر:61).
لقد شرع الإسلامُ نظاماً متكاملاً يشملُ العمل والنوم، وما يحتاجُهُ الجسدُ، وأعطي كل شيءٍ حقّه، والنومُ نعمةٌ عظيمةٌ من نِعَمِ اللهِ، وله فوائد لا تحصى فهو حاجة ضرورية للجسم لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، ولكن الناس ولاسيما في الإجازات تتغير أحوالهم وتتبدل، فالفراغ نعمة، والصحة نعمة لكن هناك من لا يحسن استغلالهما، قال صلى الله عليه وسلم:(نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)(رواه البخاري).
عبادَ الله:
السهرُ مرضٌ يفتِك بالمجتمع، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، ولكنّ الناس لا يدركونَ آثاره، وغالباً ما يكونُ السّهر على أمر محرمٍ سواءً كان في ارتكابِ محرّمٍ أو تركُ واجبٍ ، وهنا ينبغي أن تتضافر الجهود لعلاج مثل هذا الأمر ليصلح حال المجتمع، فالناس في سفينة واحدة، فحذارِ حذارِ أن يخرقها السفهاء أو يتلاعب بها المجرمونَ الذين لا يُراقبون اللهَ، ولا يراعون الحقوقَ، ويريدون خلخلةَ بناء المجتمع ليبقى ضعيفاً هشّاً نهباً للأعداء والشهوات، والسّهر المحمود هو السّهر في طاعةِ الله، قال تعالى:[ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] (الذاريات:17، 18)، وأما ما عداهُ فهو إما سهر محرّم إذا كان على معصية، أو سهرٌ مباح إذا لم يترتب عليه ارتكاب محرم، ولا ترك واجبٍ ، وهذا الأولى تركُهُ لما فيه من ضياعِ الوقتِ بغيرِ فائدة.
عبادَ الله:
ولعلّ من أهمّ أسباب السهر قُرناءُ السّوء الذين يزينون السّهر على المعصية، وصدق حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول:(الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلِ) (رواه أبو داود)
فاحرص أخي المبارك على اختيار من يدلك على الخير ويبعدك عن الشر لتسلم وتفوز يوم يفرح أقوام ويخسر آخرون.
وأعظم أسباب السهر وأكثرها في هذه الأوقات المتأخرة القنوات الفضائية التي أصبحت تبثُّ العفن والمجون وتزين السوء والشهوات المحرمة بكل أشكالها وأنواعها، فإلى الله المشتكى.
عبادَ اللهِ:
وللسّهرِ أضرارٌ وأخطارٌ كثيرةٌ على الجسمِ والعقلِ والعواطفِ، فهو يضعف الذاكرة، ويقلّل الإحساس، ويكثُرُ معه الشرود والتفكير، ويورثُ القلقَ والاكتئابَ، ويورثُ ضعفَ عضلات الجسم، بل أثبت بعض الأطباء أن له آثاراً على جهاز المناعة لدى الإنسان، فتضعف مقاومة الجسم لسائر الأمراض بسبب السهر.
ولذا ينبغي أن تتضافر الجهود لتخفيف هذه الأخطار، وتوعية الناس حولها، وكل عليه مسؤولية حسب مكانته وجهده وموقعه، وربنا جل وعلا يقول:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](التحريم:6).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربّ العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العالمين، وأشهدُ أن محمداً عبد الله ورسوله الذي كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها إلا بما فيه خير ونفع صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على التعاون على كل ما فيه خير للبلاد والعباد، وأنتم أيها الشباب احرصوا على النوم في الليل ولو جزءاً يسيراً لأن نوم الليل لا يغني عنه شيء، واحذروا من سهر الليل كلّه، ففي ذلك أضرارٌ عظيمةٌ عليكم في العاجلِ والآجلِ ، فضلاً عن ضياعِ حقوق كثيرة لوالديكم وأهليكم، وكذلك ضياع واجبات مثل الصلوات، فبعض الشباب يسهر إلى ما بعد طلوع الشمس وينام إلى قبل المغرب، ويضيع صلا ة الفجر والظهر والعصر، وهذا أمر تشكوا منه بعض الأمهات.
أيها المؤمنون: وأحياناً يتعذر بعض الناس ويقول لا يأتيني النوم بالليل، ونحن نقول إن الجسم على ما تعود، فمن نام بالنهار سيستغني عن نوم الليل، وكذلك العكس، فعوّد جسمك النوم بالليل، وهنا سيكون أمراً معتاداً، بل هو الأصل لأن اللّيل للسكن، والنهار للمعاش وطلب الرزق.
لقد أثبتت بعض الدراسات أن من أهم أسباب ضعف النظر لدى الرجال والنساء مشاهدة الشاشة، فلنحرص على رعاية أولادنا قبل أن يداهمهم الخطر.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يصلح أحوال المسلمين، وان يقيهم الشرور والفتن.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 4/8/1428هـ .