السنة والعقل
د صالح بن مقبل العصيمي
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ...
قَالَ تَعَالَى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، فَمَا أَحَلَّ اللهُ أَكْلَهُ أَوْ شُرْبَهُ؛ فَهُوَ طَيِّبٌ، وَمَا حَرَّمَهُ فَهُوَ خَبِيثٌ. وَيَجِبُ تَصْدِيقُ الْأَخْبَارِ الْغَيْبِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،حَتَّى لَوْ لَمْ يَلْمَسْهَا الْإِنْسَانُ فِي وَاقِعِ الْأَمْرِ، فَلَا يَرِدُهَا بِعَقْلِهِ لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهَا هَوَاهُ وَمِزَاجَهُ وَعَقْلَهُ. وَنَضْرِبُ مَثَلًا عَلَى ذَلِكَ بِمَنْ رَدُّوا حَدِيثَ إِبَاحَةِ رَسُولِ اللهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، لِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ، الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، رّدُّوهُ بِدَعْوَى أَنَّه يَتَنَافَى مَعَ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَهُوَ – وَاللهِ- لَا يَتَنَافَى إلّا مَعَ الْعُقُولِ السَّقِيمَةِ. وَلِي مَعَ هَذَا الْـحَدِيثِ وَقَفَاتٌ:
الأولى: يُعْتَبَـرُ هَذَا الْـحَدِيثُ مُعْجِزَةً مِنْ مُعْجِزَاتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَإِخْبَارُهُ عَنْ أَمْرٍ غَيْبِيٍّ بِأَنَّ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ دَواءً وَعِلاَجًا لبعض الأمراض، كَمَا بَيَّـنَ أَنَّهُ مُبَاحٌ بِأَصْلِهِ حَتَّى لِغَيْرِ التَّشَافِي وَالتَّدَاوِي.
الثانية: لَوْ كَانَتْ الْمَسَائِلُ عَقْلِيَّةً، وَلَيْسَتْ هُنَاكَ نُصُوصٌ شُرَّعِيَّةٌ، لَكَانَ أَكْلُ لُحُومِ وَشُحُومِ وَأَكْبَادِ، وَكَرْشِ الْإِبِلِ أَشَدَّ قُبْحًا مِنْ شُرْبِ أَبْوَالِهَا، وَلَكِنَّ اللهَ طَيَّبَ لَنَا الْـجَمِيعَ.
الثَّالِثَةُ: مُشْكِلَةُ مَنْ يَرُدُّ هَذَا الْـحَدِيثَ تَكْمُنُ فِي قِيَاسِهِ الآدَمِيِّ عَلَى الْحَيَوَانِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ. فالْبَهائِمُ تُؤْكَلُ لُحُومُهَا وَأَكْبَادُهَا، وَشُحُومُهَا، بِعَكْسِ الْإِنْسَانِ؛ فَأَكْلُهُ مُحَرَّمُ قَطْعًا. فَمَثَلَا: لَوْ شَرِبَ - أَعَزَّكُمُ اللهُ- إِنْسَانٌ مِنْ بَوْلِ إِنْسَانٍ؛ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَعَ حُرْمَتِهِ وَقَذَاذَتِهِ وَقُبْحِهِ؛ إلا أنه أَقَلُّ قبحًا وَقَذَاذَةً منْ أَكْلَ كَبِدِهِ وَكِلْيَتَيْهِ وَنُخَاعِهِ، وَكَرْشِهِ؛ فَهَذِهِ أَقْبَحُ مِنْ شُرْبِ بَوْلِهِ.
الرَّابِعَةُ: تُـحِلُّونَ وَتَسْتَسِيغُونَ أَكْلَ كَبِدَ الْـحَيَوَانِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ دَمٍ مُتَجَمِّدٍ، وَتُـحَرِّمُونَ شُرْبَ بَوْلِهِ بحجة أنها تخَالِفُ الْفِطْرَةَ السَّلِيمَةَ؟ فَمَا هَذَا التَّنَاقُضُ؟! فَالَّذِي أَحَلَّ لَنَا أَكْلَ الْكَبِدِ هُوَ الَّذِي أَحَلَّ لَنَا شُرْبَ الْبَوْلِ. فَعَلَيْكُمْ بِاجْتِنَابِ الْـجَمِيعِ أَوْ قُبُولِهِ، أَمْ أَنَّهَا أَهْوَاءٌ، وَأَذْوَاقٌ وَأَمْزِجَةٌ هَـمُّهَا رَدُّ السُّنَّةِ؟
الْخَامِسَةُ: لَمْ يُجْبِرُنَا الْإِسْلَامُ عَلَى أَكْلِ أَوْ شُرْبِ مَا تَعَافُهُ أَنْفُسُنَا، وَلَكِنْ نَهَانَا عَنِ عَيْبِهِ، وَفِي الْـحَدِيثِ: «مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الْسَادِسَة: لَوْ جَاءَ حَدِيثٌ نَبَوِيُّ يَـحُثُّ عَلَى أَخْذِ أَمْصَالٍ عِلَاجِيَّةٍ طِبِيَّةٍ، مِنَ الْحَشَرَاتِ وَالْحَيَّاتِ، أَوْ أَمَرَ بِسَحْقِ الْحَشْرَاتِ لِصُنْعِ لِقَاحَاتٍ طِبِيَّةٍ؛ أَظُنُّ أَنَّ أُصُولَهُمْ الْعَقْلِيَّةَ سَتَرْفُضُهَ؛ بِدَعْوَى أَنَّهَ مُخَالِف لِلْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، لكن حِينَمَا جَاءَتْ هذه الإرشادات مِنَ الْغَرْبِ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْجَازَاتٌ طِبِيَّةٌ وَعِلْمِيَّةٌ تَدُلُ عَلَى تَخَلُّفِنَا وَتَقَدُّمَهُمِ. وَمَا أَكْثَرَ مَا عَيَّرُونَا بِذَلِكَ، فَالْإِسْلَامُ كُلَّمَا جَاءَ بِإِعْجَازٍ سَخِرُوا مِنْهُ، فَبَوْلُ الْإِبِلِ قَذَارَةٌ، أَمَّا أَمْصَالُ الْحَشَرَاتِ وَالثَّعَابِينِ فَقِمَّةُ الطُّهْرِ وَالنَّظَافَةِ، وَإِلَى اللهِ الْـمُشْتَكَى.
الْسَابِعَة: مِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ الْعَسَلُ ؟ أَلَيْسَ مِن رَحِيقِ النَّحْلِ؟ وَهِيَ مِنَ الْحَشَرَاتِ، فَهَلْ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ تُنَافِي أَكْلَ رَحِيقِ النَّحْلِ؟ أَمْ قَبِلْتَهَا وَاِسْتَسَغْتَهَا وَتَلَذَّذْتَ، وَتَدَاوَيْتَ بِـهَا ؟ فَلِمَاذَا لَا يَرُدُّونَهَا بِعُقُولِهِمْ ؟! لَوْ كَانَتْ لَـهُمْ عُقُولٌ سَوِيَّةٌ لَسَاوَوا بَيْـنَ الْـجَمِيعِ فِي الْـحِلِّ وَالْإِبَاحَةِ.
عِبَادَ اللهِ، كَذَلِكَ رَدَّ بَعْضُ الْمَفْتُونِيـنَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً». وَلَنَا مَعَ هَذَا الْـحَدِيثِ وَقَفَاتٌ:
أولًا: الْحَديثُ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَلَا مَجَالَ لِلَطَعْنِ فِي أَحَادِيثِهِ.
ثانيًا: الرَّسُولُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَكَّدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فِي الذُّبَابِ ضَرَرًا، وَهَذَا إِعْجَازٌ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِأَنَّ الضَّرَرَ يُوجِدُ فِي جَنَاحٍ مِنْهُ، وَأَنَّ فِي الْجَنَاحِ الآخَرِ عِلاَجًا لِهَذَا الضَّرَرِ.
ثالثًا: رَدُّهُم هَذَا الْـحَدِيثَ، بِزَعْمِهِمْ مُخَالَفَتِهِ لِلْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ؛ فَأُحَاوِرُ الْعَقْلَ بِالْعَقْلِ، فَأَقُولُ: وهَلْ الْحَدِيثُ يُقْبَلُ عِنْدَهُمْ لَوْ جَاءَ بِلَفْظِ:" إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ "؟ فَلْنْطَبِّقِ الْحَدِيثَ لَوْ جَاءَ بِهَذِهَ اللَّفْظَةِ (فَلْيُهْرِقْهُ)، ثُمَّ لِنَنْظُرْ هَلْ هَذَا يَنْسَجِمُ مَعَ يُسْرِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاحَتِهِ، أَمْ أَنَّ فِيهِ آصَارٌ وَأَغْلَالٌ ؟ رَحِـمَنَا اللهُ وَرَفَعَهَا عَنَّا!
رابعًا: لَوْ كَانَ الْحَديثُ، قَدْ جَاءَ بِلَفْظَةِ (فَلْيُهْرِقْهُ)؛لَشَقَّ عَلَى غَالِبِ النَّاسِ؛ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ؛ فَالذُّبَابُ مُنْتَشِرٌ وَخَاصَّةً فِي الْـمَزَارِعِ وَالْـبَرَارِي، وَلَمَا اِسْتَطَاعُوا أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً، وَلَا لَبَنًا، وَلَا عَسَلًا، وَمَا اِسْتَطَاعُوا أَنْ يَأْكَلُوا طَعَامًا، إِلَّا نَادِرًا؛ لِأَنَّهُ مَا إِنْ يَفْتَحْ أَحَدُهُمْ إِنَاءَ الطَّعَامِ، أَوْ قِرْبَةَ الْمَاءِ إِلَّا وَيُحِيطُ بِهَا الذُّبَابِ مِنْ كُلَّ جَانِبٍ، وَمَا إِنْ يَسْكُبْهُ فِي الْإِنَاءِ إِلَّا وَأَحَاطَ بِهِ الذُّبابُ إِحَاطَةَ السُّوَارِ بِالْمِعْصَمِ، وَهَكَذَا سَيَسْكُبُ مَا فِي الْقِرْبَةِ، وَسَيُهْرِقُ مَا فِي الْإِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، فَهَلْ هُنَاكَ مَشَقَّةٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ؟ وَهَكَذَا كُلَّمَا حَلَبَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً، أَوْ نَاقَةً، سَيُوَاجِهُ نَفْسَ الْمُشْكِلَةِ؛ فَالذُّبَابُ لَا يُمَنَعُهُ شَيءٌ فِي الصَّحَارِي، وَالْمَزَارِعِ، وَاِلْأَمَاكِنِ الْمَكْشُوفَةِ، وَيَسْتَحِيلُ فِي الْغَالِبِ مَنْعُهُ.
خَامِسًا: هَبْ أَنَّ أَحَدًا اِشْتَرَى إِنَاءً مُلِئَ بِعَسَلٍ، أَوْ سَمْنٍ غَالِ الثَّمَنِ، وَمَا إِنْ فَتَحَهُ إِلَّا وَوَقَعَ الذُّبَابُ فِيهِ، أَتُرَى هَذَا الَّذِي يَدَّعِي أَنَّه عَاقِلُ هَلْ سَيُهْرِقُهُ أَمْ سَيُعِيدُ النَّظَرَ فِي فَهْمِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ؟ أَظُنُّهُ – إِنْ كَانَ عَاقِلًا- سَيُعِيدُ النَّظَرَ، وَسَيُصْبِحُ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ مَقْبُولًا بِلَا حَرَجٍ. اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
**********
———— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:—————
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ...
سادسًا: لَقَدْ فقدَ مَنْ أَنْكَرَ الْحَدِيثَ جُزْءًا مِنْ عَقْلِهِ، حَيْثَ نَظَرَ إِلَى الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِكُوبٍ مِنَ الْمَاءِ، أَوْ الشَّاي، رَخِيصِ الثَّمَنِ؛ يَكْثُرُ فِي زَمانِنَا؛ فَلَا يَجِدُ غَضَاضَةً فِي إِهْرَاقِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي مَنْطِقَةٍ عَزَّ فِيهَا الْمَاءُ، أَوْ كَانَ وُقُوعُ الذُّبَابِ فِي شَيْءٍ غَالِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ لَمَا تَرَدَّدَ لَحْظَةً فِي غَمْسِهِ، وَلَوَجَدْنَاهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُهْرِقَهُ مُعَظِّمًا الْحَدِيثَ، فَلَقَدْ قَاسَ الْأُمُورَ بِعَقْلِهِ مِنْ زَوَايَا ضَيِّقَةٍ .
قُلْ لِلَّذِي يَدَّعِي فِي الْعِلْمِ مَعْرِفَةً***
عَرَفْتَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ
سابعًا: لَمْ يَبْعَثِ اللهُ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الْحَاضِرَةِ فَقَط، أَوْ الْمَنَاطِقِ الَّتِي عَزَّ فِيهَا الذُّبَابُ وَنُدُرَ، بَلْ أَرْسَلَهُ اللهُ، عّزَّ وَجَلَّ، إِلَى الْعَالِمِ بِأَسْرِهِ، وَإِلَى الدُّنْيَا كَافًّةً، مِنْ زَمَنِهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، شَامِلًا كُلَّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، رَحْـمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَيُرَاعِي أَحْوَالَ الْجَمِيعِ، فَلَا تُقَاسُّ الْأُمُورُ بِعَقْلِ بَشَرٍ وَإِلَّا هَلَكَ النَّاسُ.
ثامِنًا: الْحَديثَ لَمْ يُوجِبْ عَلَينَا أَنْ نَشْرَبَ مَا فِي الإِنَاءِ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فيه، وَإِنَّـمَا الْأَمْرَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ نَفْعَلَهُ هُوَ أَنْ نَغْمِسَهُ فِي الإنَاءِ، فَإِنَّ الْغَمْسَ قَدْ أَزَالَ الضَّرَرَ وَالْخَطَرَ، وَمِنْ ثَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَسْأَلَةَ أَنَّكِ تَشْرَبَهُ أَوْ لَا تَشْرَبَهُ تَعُودُ لَكَ، فَالْإِسْلَاُم لَمْ يُوجِبْ عَلَيكَ شُربَ مَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ وُقُوعِ الذُّبابِ فِيهِ، فَمِنْ بَابَ أَوْلَى عَدَمُ إِيجَابِهِ عَلَيْكَ بَعْدَ وُقُوعِ الذُّبابِ.
تَاسِعًا: كَمَا لَمْ يَأْمُرْكَ الْحَديثُ بِأَخْذِ الذُّبَابِ عُنْوَةً؛ لِتَضَعْهُ فِي إِنَائِكَ، وَلَمْ يَحُثَّكَ عَلَى جَعْلِ أَوَانِيَكَ عُرْضَةً لِلْذُّبَابِ، إِنَّمَا جَعَلَهُ حَلًّا لَكَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الْإِنَاءِ رَغْمًا عَنْكَ، فَحَلَّ الْحَدِيثُ مُشْكِلَتَك ؛ فَاشْكُرِ اللهَ عَلَى التَّيْـسِيـرِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.
المرفقات
1660246462_خُطبة الجمعة بعنوان السنة والعقل.pdf
1660246472_خُطبة الجمعة بعنوان السنة والعقل.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق