السُّنَّةِ مفسّرة للْقُرْآنِ – الطَّعْن فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ

محمد البدر
1443/01/18 - 2021/08/26 00:56AM
خُطْبَةِ عَنْ(السُّنَّةِ مبيّنة ومفسّرة للْقُرْآنِ – وَ الْحَذَرِ مِنْ الطَّعْن فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ)

الْخُطْبَةِ الأُولَى:  

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾وَقَالَ تَعَالَى:﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾وَقَالَﷺ:« أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ وَلاَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ وَلاَ لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فكلاهما وحيٌ من عند الله تعالى أي السنة والقرآن. فالسنة إما أنْ تؤكِّد ما جاء في القرآن، أو تُبيِّنه، أو تستقل بتأسيس أحكام لم يُسْبَقْ لها ذِكرٌ في القرآن،ولولا بيان السُّنة للقرآن لبقيت هناك نصوص وآيات يعجز البشر عن فهم معاني الغالبية العظمى منها، ولَعَجَزوا كذلك عن استنباط الأحكام الشرعية منها؛ لأن القرآن الكريم فيه الأصول العامة للأحكام الشرعية من العبادات والمعاملات والأخلاق وغيرها، وجاءت مُحكمَةً لكنها تحتاج إلى ما يوضِّح معانيها، ويبيِّن مجملها قَالَ الإمَامِ ابنِ القَيِّمِ- رَحِمَهُ اللهُ:(وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الطَّيِّبُ يَشْتَدُّ نَكِيرُهُمْ وَغَضَبُهُمْ عَلَى مَنْ عَارَضَ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِﷺبِرَأيٍ , أَوْ قِيَاسٍ , أَوْ اسْتِحْسَانٍ , أَوْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَيَهْجُرُونَ فَاعِلَ ذَلِكَ، وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَضْرِبُ لَهُ الْأَمْثَالَ، وَلَا يُسَوِّغُونَ غَيْرَ الِانْقِيَادِ لَهُ , وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّلَقِّي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَلَا يَخْطُرُ بِقُلُوبِهِمْ التَّوَقُّفُ فِي قَبُولِهِ , حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ عَمَلٌ , أَوْ قِيَاسٌ ,أَوْ يُوَافِقَ قَوْلَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، بَلْ كَانُوا عَامِلِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ﴾وَأَمْثَالُهَا.فَدُفِعْنَا إلَى زَمَانٍ إذَا قِيلَ لِأَحَدِهِمْ: ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّﷺأَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. يَقُولُ: مَنْ قَالَ بِهَذَا , وَيَجْعَلُ هَذَا دَفْعًا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ، أَوْ يَجْعَلُ جَهْلَهُ بِالْقَائِلِ بِهِ حُجَّةً لَهُ فِي مُخَالَفَتِهِ , وَتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلَوْ نَصَحَ نَفْسَهُ , لَعَلِمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ سُنَنِ رَسُولِﷺبِمِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ.وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ عُذْرُهُ فِي جَهْلِهِ؛إذْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى مُخَالَفَةِ تِلْكَ السُّنَّةِ، وَهَذَا سُوءُ ظَنٍّ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، إذْ يَنْسُبُهُمْ إلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مُخَالَفَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِﷺ.وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ عُذْرُهُ فِي دَعْوَى هَذَا الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ جَهْلُهُ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِمَنْ قَالَ بِالْحَدِيثِ، فَعَادَ الْأَمْرُ إلَى تَقْدِيمِ جَهْلِهِ عَلَى السُّنَّةِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ. أ. هـ

فالسنة محفوظة، وأنها ستبقى محفوظةً ما بقي دينُ الإسلام، إلى قيام الساعة.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ... 


الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:

عِبَادَ اللهِ :من عظيم مِنَّة الله تعالى وتمام حفظه لدينه أن قيَّض لحفظ السنة رجالًا، هيّأهم لتحمّل تلك المهمة الجليلة الشاقة، فحرروا قواعد علوم الحديث دراية ورواية، وميزوا صحيح الحديث من ضعيفه، كما وضعوا معايير وقواعد يُعرف بها متى يكون الحديث مقبولا أو مردودا، بل أسسوا علوما مبتكرة برأسها كعلم المصطلح وعلم علل الحديث وعلم الرجال والجرح والتعديل،ومن جملة هؤلاء الجهابذة الذين حفظوا السنة وصانوها عن انتحال المبطلين وتجاسر الجاهلين الإمامان: البخاري(ت:256هـ)،ومسلم(ت:261هـ)-رحمهما الله- وقد اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز صحيحا البخاري ومسلم، وقد تلقتهما الأمة بالقبول،ولا يخفى على القاصي والداني مكانة الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ الجعْفِيِّ البُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - وسعة اطلاعه ونفوذ بصيرته وشدة احتياطه في صحيحه، ويليه في تلك المكانة الإِمَامِ مُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ القُشَيْرِيِّ النَّيْسَابُوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ –قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم ابْنُ تَيْمِيَةَ- رَحِمَهُ اللهُ:فَإِنَّ جُمْهُورَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِمَّا يُقْطَعُ بِأَنَّ النَّبِيَّﷺقَالَهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ; وَلِأَنَّهُ قَدْ تَلَقَّاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى خَطَأٍ..إلخ .فليحذر المؤمن من مسالك أهل البدع والغواية من الطعن في الصحيحين، والتهوين من شأنهما؛ يتوسلون بذلك إلى هدم أحكام السنة النبوية وترك الاهتداء بنورها؛ قَالَ تَعَالَى:﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾وأمرهﷺ:هو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله.قَالَ ﷺ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.ألا وصلوا..

 
المرفقات

1629941392_السُّنَّةِ مبيّنة ومفسّرة للْقُرْآنِ – وَ الْحَذَرِ مِنْ الطَّعْن فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.pdf

المشاهدات 579 | التعليقات 0