السماحة في الحياة الزوجية سر السعادة الأبدية
الشيخ السيد مراد سلامة
أما بعد : أيها الأحباب أحباب رسول الله صلى الله عليه و سلم نقف اليوم في ظلال السماحة التي جاءت بها الحنيفية السمحة لنتعرف على السماحة في الحياة الزوجية و على أشكالها و ألوانها مع تطبيقاتها
أولا: السماحة في الاختيار على أساس الدين
أمة العقيدة و السماحة : من سماحة الإسلام اختيار الزوجة دون النظر إلى حالتها المالية او الجمالية و إنما
أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام لا ينظر إلى الحسب ولا الجمال ولا المال و إنما ينظر إلى الإيمان و التقوى و هذا من سماحة التشريع الإسلامي و قد بين الله تعالى ذلك في القرآن الكريم فقال الله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221]
{ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ } أي إياكم أن تنخدعوا بالمعايير الهابطة النازلة ، وعلى كل منكم أن يأخذ حكم الله : { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } لأن إعجاب الإنسان بالمرأة بصرف النظر عن الإيمان سيكون إعجابا قصير العمر .
إن عمر الاستمتاع بالجمال الحسي للمرأة إن جمعنا لحظاته فلن يزيد مجموعه عن شهر من مجموع سنوات الزواج . فكل أسبوع يتم لقاء قد يستغرق دقائق وبعدها يذبل الجمال ، وتبقى القيم هي المتحكمة ، ونحن نجد المرأة حين تتزوج ، ثم يبطئ الحمل فإنها تعاني من القلق وكذلك أهلها .
إن الرجل إن كان قد تزوجها للوسامة والقسامة والقوام والعينين ، فهذا كله سيبرد ويهدأ بعد فترة ، ثم توجد مقاييس أخرى لاستبقاء الحياة ، وعندما يلتفت إليها الإنسان ولا يجدها فهو يغرق في الندم؛ لأنها لم تكن في باله وقت أن اختار
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع ميزان الاختيار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ : " تُنكح الْمَرْأَة لأَرْبَع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بِذَات الدَّين تربت يداك " ([1]) مُتَّفق عَلَيْهِ
المثال التطبيقي للسماحة في الاختيار
و هذا لمثال التطبيقي من واقع المدينة الفاضلة المبنية على السماحة الايمانية عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جُلَيْبِيبٍ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهَا ، فَقَالَ : حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : فَنَعَمْ إِذًا ، قَالَ : فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا ، فَقَالَتْ : لاَهَا اللَّهُ إِذًا ، مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ جُلَيْبِيبًا ، وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ ؟ قَالَ : وَالْجَارِيَةُ فِي سِتْرِهَا تَسْتَمِعُ ، قَالَ : فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ ؟ إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لَكُمْ فَأَنْكِحُوهُ ، فَكَأَنَّهَا جَلَّتْ عَنْ أَبَوَيْهَا ، وَقَالاَ : صَدَقْتِ ، فَذَهَبَ أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَدْ رَضِينَاهُ ، قَالَ : فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُهُ ، فَزَوَّجَهَا ، ثُمَّ فُزِّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، فَرَكِبَ جُلَيْبِيبٌ ، فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ قَتَلَهُمْ ، قَالَ أَنَسٌ : فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَمِنْ أَنْفَقِ بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ. ([2])
روى الخطيب البغدادي رحمه الله أن سعيد بن اسماعيل الواعظ رحمه الله سئل أي أعمالك أرجى عندك ؟ فقال إني لما ترعرعت وأنا بالري وكان يريدونني على التزويج فأمتنع ، فجاءتني امرأة فقالت : يا أبا عثمان قد أحببتك حبا قد أذهب نومي وقراري ، وأنا أسألك بمقلب القلوب وأتوسل به إليك إلا تزوجتني . فقلت ألك والد ؟ قالت نعم ، فأحضرته فاستدعى بالشهود فتزوجتها ، فلما خلوت بها فإذا هي عوراء عرجاء شوهاء مشوهة الخلق ، فقلت : اللهم لك الحمد على ما قدرته لي ، وكان أهل بيتي يلومونني على تزويجي بها
- فكنت أزيدها برا وإكراما وربما احتبستني عندها ومنعتني من حضور بعض المجالس ، وكأني كنت في بعض أوقاتي على أحر من الجمر وكنت لا أبدي لها من ذلك شيئا فمكثت على ذلك خمس عشرة سنة ، فما شيء أرجى عندي من حفظي إليها ما كان في قلبها من جهتي .
ثانيا السماحة في تخفيف المهور
أيها الأحباب :و من صور السماحة في الإسلام أن دعا إلى تخفيف المهور و عدم المغالاة فيها تيسيرا للزواج وإحصانا للمجتمع من الوقوع في معصية الله تعالى
علم علمني الله وإياك أن الإسلام لم يحدد مهرا معينا للمرأة، ولكنه حث على التيسير في أمور الزواج ورغب في ذلك أشد الترغيب.
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً "أخرجه أحمد.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِى أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئاً ».
زاد في رواية :... قَالَ قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. قَالَ « عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا ». قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِى بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ ». قَالَ فَبَعَثَ بَعْثاً إِلَى بَنِى عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ. ".([3])
قال النووي في شرح مسلم: " معنى هذا الكلام: كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج "([4]).
وقد كان المهر أحيانا في عهده صلى الله عليه وسلم شيئا معنويا رائعا فتأملوا سماحة الإسلام ويسره تلك السماحة التى غفلنا عنها و شددنا على انفسا و على أبنائنا و بناتنا ، عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ : " جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت : يَا رَسُول الله ! جِئْت أهب نَفسِي لَك فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فصعّد النّظر فِيهَا وَصَوَّبَهُ ! ثمَّ طأطأ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ [ رَأسه ] ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَة أَنه لم يقْض فِيهَا شَيْئا جَلَست ، فَقَامَ رجل من أَصْحَابه فَقَالَ : يَا رَسُول الله ! إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة فزوجنيها ، فَقَالَ : فَهَل عنْدك [ من ] شَيْء ؟ فَقَالَ : لَا وَالله يَا رَسُول الله ! فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى أهلك فَانْظُر هَل تَجِد شَيْئا ؟ فَذهب ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا وَالله يَا رَسُول الله [ مَا وجدت شَيْئا ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ : انْظُر وَلَو خَاتم من حَدِيد ، فَذهب ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا وَالله يَا رَسُول الله ] ، وَلَا خَاتم من حَدِيد ! وَلَكِن هَذَا إزَارِي ؟ - قَالَ سهل : مَا لَهُ رِدَاء - ، [ فلهَا نصفه ] فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ : مَا تصنع بإزارك ؟ إِن لبِسَتْه لم يكن عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْء ، وَإِن لبِسْتَه لم يكن عَلَيْك [ مِنْهُ ] شَيْء ؟ فَجَلَسَ الرجل حَتَّى إِذا طَال مَجْلِسه قَامَ فَرَآهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ موليا ، فَأمر بِهِ فدُعي فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : مَاذَا مَعَك من الْقُرْآن ؟ قَالَ معي سُورَة كَذَا [ وَسورَة ] كَذَا - عَددهَا . فَقَالَ : تقرؤهن عَن ظهر قَلْبك ؟ قَالَ : نعم ، قَالَ : اذْهَبْ فقد مُلَّكتها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن " مُتَّفق عَلَيْهِ ، وَاللَّفْظ لمُسلم . وَفِي لفظ : " قَالَ انْطلق فقد زوجتكها ! فعلِّمها من الْقُرْآن " . وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ : " مكناكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن ". ([5]).
ثالثا: السماحة في بيت الزوجية
و بعدما يتم بناء الأسرة فإن الإسلام يأمرنا بالسماحة في الحياة الزوجية و لقد عبر الله تعالى عن تلك السماحة فقال سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]
فهذه هي ثلاثية الحياة الزوجية مبناها على السماحة وهي المودة سكن ورحمة
و لقد جاءت الوصايا النبوية بالسماحة و الرفق بالزوجة ،فها هو من علم الدنيا السماحة و الوفاء صلى الله عليه وسلم يأمرنا ويوصينا بالنساء عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((... واستَوْصُوا بالنِّساء خيراً، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهبْتَ تُقِيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزَلْ أعوجَ، فاستَوْصُوا بالنِّساءِ خيراً )). رواه البخاري ومسلم([6]) .
قال النووي: (( استوصوا بالنساء: فيه الحثُّ على الرِّفق بالنساء واحتمالِهنّ )) ([7]) .
وقال ابن حجر: (( معناه: اقبَلوا وصيَّتي فيهنَّ، واعمَلوا بها، وارفُقوا بهنَّ، وأحسنوا عِشْرتَهُنَّ )) ([8]) .
منهج السماحة في بيت النبوة
و لم تكن تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم أقوالا فحسب لا والله بل كانت تترجم في كل حركة من حركاته صلى الله عليه وسلم عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ :مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم خَادِمًا لَهُ قَطًّ ، وَلا امْرَاةً لَهُ قَطُّ ، وَلا ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ "؛([9]) رواه النسائي.
سماحة تجعله صلى الله عليه وسلم لا يتكبر و لا يستنكف أن يخدم أهله و يساعدهم في عمل بيت الزوجية وسُئلت عما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصنَع في أهلِه، قالت: "كان في مِهنَة أهلِه فإذا حضَرت الصلاة قام إلى الصلاة"؛([10]) رواه البخاري،
سماحة تجعله صلى الله عليه وسلم يفهم نفسية زوجته و يعلم من خلالها إن كانت راضية عنه أو غضبى منه صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحَين عَنْ عُرْوَةَ ،عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِني لأعلم إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ : فَقُلْتُ : وَمِنْ أيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : أمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لا . وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى ، قُلْتِ : لا . وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ . قَالَتْ : قلْتُ : اجَلْ . وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ.. ([11])
غض الطرف عن بعض نقائصها:
ومن سماحة الإسلام مع المرأة ألا يقف معها على الواحدة فيعد لها الزلات و الأخطاء بل ينبغي عليه أن يتغافل فإنه إن كره منها خلقا رضي أخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك - يبغض - مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"..([12]) (رواه مسلم).
- يناديها بأفضل أسمائها التي تحبها:
و من سماحته صلى الله عليه وسلم أنه كان يناديها بأحب أسمائها و يداعبها عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: "يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام" فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته".([13]). (رواه البخارى).
ملاطفة الزوجة بإطعامها:
و من السماحة مع الزوجة ملاطفتها عند تنال الطعام و هذا مما يزيد الحب و يديم العشرة بين الرجل وزوجته عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك".. ([14]) (رواه البخاري).
رابعا :السماحة عند الاختلاف و الشقاق
أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إذ يقول - بأبي هو وأمِّي -: ((لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كَرِه منها خُلُقًا، رَضِي منها خُلُقًا آخَرَ))؛ ([15]) أي: لا يُبغض مؤمن مؤمنة.
إنَّه مِنهاج يجب اتِّباعُه في جميع العلاقات بيْن الناس، وأخَصُّ هذه العلاقات ما جاء هذا النصُّ فيه بخصوصه، وهو العلاقة بيْن الزوج وزوجته، فمَن ذا الذي سلِم من عيوب ونقص؟!
مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ وَمَنْ لَهُ الْحُسْنَى فَقَطْ
فقابِل - أيها المبارك - النقصَ الذي تراه إمَّا في الخَلْق أو الخُلُق بكثير من الكمالات، تصفُ لك الحياة، وتزُلِ السَّوءات.
عباد الله: إنَّ الخير العظيم قد يكون في طِيَّات الكُره والمضض، كما قال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]؛ قال ابن عبَّاس في هذه الآية: هو أن يَعْطِف عليها، فيُرزقَ منها ولدًا، ويكون في ذلك الولدِ خيرٌ كثير. ([16])
وقال السعدي - رحمه الله -: "أي: ينبغي لكم - أيها الأزواج - أن تُمسِكوا زوجاتكم مع الكراهة لهنَّ، فإنَّ في ذلك خيرًا كثيرًا، من ذلك: امتثال أمر الله، وقَبولُ وصيته التي فيها سعادةُ الدنيا والآخرة.([17])
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد
خامسا :السماحة عند الطلاق
إخوة الإسلام و من سماحة الإسلام السماحة عند الطلاق و أن يتفرقا بمعروف و إحسان دون أن يسئ أحدها إلى الأخر ودون أن يشهر أحدهما بالأخر كما نرى و كما نشاهد من نشر للأسرار الزوجية بعد الطلاق و من ذم و رمي بالبهتان مما يود الحقد و العداوة و البغضاء بين الناس
واسمع أخي لأحد السلف رحمه الله يوم أراد أن يطلق زوجته لأمر ما، فقيل له: ما يسوءك منها؟
قال: أنا لا أهتك ستر زوجتي، ثم طلقها بعد ذلك، فقيل له: لِمَ طلَّقتها؟ قال: ما لي وللكلام عن امرأة صارت أجنبية عني.
فمن صور السماحة أيها الأحباب السماحة عندما تستحيل الحياة الزوجية فشرع الله تعالى الطلاق و حثنا على أن نلتزم تعليمه في الطلاق فأمرنا إذا طلقنا أن نطلق بإحسان قال الله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وقال تعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 231]
و يقول سبحانه {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 236]
يقول الشيخ محمد رشيد رضا :إن في هذا الطلاق غضاضة وإيهاما للناس أن الزوج ما طلقها إلا وقد رابه منها شيء، فإذا هو متعها متاعا حسنا تزول هذه الغضاضة ويكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها، والاعتراف بأن الطلاق كان من قبله; أي: لعذر يختص به، لا من قبلها; أي: لا لعلة فيها; لأن الله تعالى أمرنا أن نحافظ على الأعراض بقدر الطاقة، فجعل هذا التمتيع كالمرهم لجرح القلب لكي يتسامع به الناس، فيقال: إن فلانا أعطى فلانة كذا وكذا فهو لم يطلقها إلا لعذر، وهو آسف عليها معترف بفضلها; لأنه رأى عيبا فيها أو رابه شيء من أمرها، ويقال: إن سيدنا الحسن السبط متع إحدى زوجاته بعشرة آلاف درهم وقال: ((متاع قليل من حبيب مفارق))([18])
وقال سبحانه و تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [البقرة: 237]
يقول الشعراوي- ولنا أن نتذكر دائما في مثل هذه المواقف قول الحق : { وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ } فحتى في مقام الخلاف الذي يؤدي إلى أن يفترق رجل عن امرأة لم يدخل بها يقول الله : { وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ } أي لا تجعلوها خصومة وثأراً وأحقاداً ، واعلموا أن الحق سبحانه يجعل من بعض الأشياء أسباباً مقدورة لمقدور لم نعلمه . وهذه المسألة تجعل الإنسان لا يعتقد أن أسبابه هي الفاعلة وحدها .([19])
تلك هي بعض مظاهر السماحة داخل الأسرة المسلمة فبالسماحة تدوم المودة و يرفرف الحب على الأسرة و بالسماحة ينال المسلم و المسلة السعادة الأبدية ......
الدعاء ..............................
[1] -أخرجه البخاري (5090) ، ومسلم (1466)
[2] - أخرجه أحمد 3/136(12420) . وعَبْد بن حُمَيْد (1245.
[3] - أخرجه مسلم (1424) (75).
[4] - شرح النووي على مسلم (9/ 211)
[5] - البخاري (8/ 696 رقم 5030)، ومسلم (2/ 1040 رقم 1425) [76].
[6] - البخاري: كتاب النكاح - باب الوَصاة بالنساء (5186)، ومسلم: كتاب الرضاع - باب الوصية بالنساء 2: 1091 حديث 60 (1468)
[7] - (( شرح صحيح مسلم )) 10: 58.
[8] - (( فتح الباري )) 6: 424 عند شرح حديث (3331)
[9] - أخرجه : مسلم 7/80 ( 2328 ) ( 79 ) .
[10] - أخرجه البخاري 2/ 162 (676) المسند 6/ 121، ومسلم 4/ 1794 (2294
[11] - أخرجه أحمد (6/61 ، رقم 24363) ، والبخارى (5/2004 ، رقم 4930) ، ومسلم (4/1890 ، رقم 2439) .
[12] - أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أخرجه في الصحيح 2/ 1091، كتاب الرضاع (17)، باب الوصية بالنساء (18)، الحديث (61/ 1469).
[13] - أخرجه البخاري في بدء الخلق (3217)، وفي الاستئذان (6249). وفي فضائل الصحابة (3768)، وفضل عائشة (6201)، ومسلم (2447)، والنسائي في الكبرى (8358).
[14] - البخاري في الأدب المفرد ج 1/ ص 264 حديث رقم: 752
[15] - مسلم (2/ 1091 رقم 1469) [63].
[16] - تفسير ابن كثير / دار طيبة (2/ 243)
[17] - تفسير السعدي (ص: 172)
[18] - تفسير المنار (2/ 341)
[19] - تفسير الشعراوي (ص: 640)
المرفقات
في-الحياة-الزوجية-سر-السعادة-الأبدية
في-الحياة-الزوجية-سر-السعادة-الأبدية