السلام يا أمة الإسلام (2) أحكامه وآدابه- مع الحديث عن التوسط وعدم الغلو 11-3-1436
أحمد بن ناصر الطيار
1436/03/10 - 2015/01/01 15:50PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه, ومن سار على سّنته إلى يوم الدين:
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ الحديث في الجمعة الماضية، كان عن السلام وفضلِه ومكانتِه، وبقي الحديثُ عن أحكام السلام ومسائلِه وآدابِه.
معاشر المسلمين: السّنَّةُ رفعُ الصوتِ عند السلام, قال ابن عمر رضي الله عنه: "إذا سلمت فأسمع، فإنها تحيةٌ من عند الله".
قال النووي رحمه الله: أقلُّه أنْ يرفع صوته بحيث يُسْمِعُ المسلَّمَ عليه, فإن لم يُسْمِعُه: لم يكن آتيا بالسنة. ا.ه
ويستثنى من رفع الصوت بالسلام, ما إذا دخل على مكان فيه أيقاظٌ ونيام, فالسنة فيه ما ثبت في صحيح مسلم , عن المقداد رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء من الليل, فيسلم تسليما لا يوقظ نائما, ويسمع اليقظان".
ورَدُّ السَّلَامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ, فَإِنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند قول الحسن البصري : ((السلام تطوع ، والرد فريضة)) .
وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أن الرد واجب على من سَلَّمَ عليه, فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالف أمر الله تعالى في قوله: ( إِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا). ا.ه
قال بعض العلماء: إنما كان الرد واجبًا؛ لأن السلام معناه الأمان، فإذا ابتدأ به الْمُسْلِمُ أخاه فلم يجبه, فإنه يَتَوَهَّمُ منه الشر، فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه.
ولا بأس بالمعانقة عند المصافحة، وتسن عند القدوم من السفر، أو طولِ الفراق.
ومن آداب السلام ما ثبت في الصحيحين, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي, وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ, وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ, والصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ".
والحكمةُ في تسليمِ الصغير على الكبير: لأجل حق الكبير, لأنه أُمر بتوقيره والتواضعِ له، وأما تسليمُ القليل على الكثير: فلأجل حقّ الكثير؛ لأن حقهم أعظم، وأما تسليمُ المار على القاعد: فلشَبَهِه بالداخل على أهل المنزل، وأما تسليمُ الراكب: فلئلا يتكبر بركوبه, فيرجعُ إلى التواضع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وإذا لم يسلم الصغير فسلّم أنت أيها الكبير؛ لأنه قد يكون الصغير في تلك الساعة غافلاً لاهياً، وقد يكون جاهلاً, فأنت سَلِّمْ لتعلمه، ولهذا كان من هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أنه يسلم على الصبيان إذا مر بهم, تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام, وتعليماً للأمة. ا.ه
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, السّلَامُ عِنْدَ الْمَجِيءِ إلَى الْقَوْمِ, وَالسّلَامُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُمْ, وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلّمْ ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلّمْ, وَلَيْسَتْ الْأُولَى أَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ.
ومن بدأك بالكلام قبل السلام فلا تجبه. فقد استأذن رجلٌ على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال: أأَلِج؟ فقال لخادمه: اخرج لهذا فعلمه, فخرج عليه فقال: قل: السلام عليكم أأدخل".
وأما حديث: (السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ) فرواه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مُنْكَرٌ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ والألبانيُّ بِالْوَضْعِ.
قال ابن القيم رحمه الله: وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ ضَعِيفًا ، فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسّؤَالِ قَبْلَ السّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ. ا.ه
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ, لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ, وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ: السّلَامُ عَلَيْكُمْ.
وَكَانَ هَدْيُهُ انْتِهَاءَ السّلَامِ إلَى " وَبَرَكَاتُهُ ", فلا يزيد عليها لفظًا آخر.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, أَنْ يُسَلّمَ ثَلَاثًا, كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ: أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتّى تُفْهَمَ عَنْهُ, وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ سَلّمَ ثَلَاثًا.
قال ابن القيم رحمه الله: وَلَعَلّ هَذَا كَانَ هَدْيَهُ فِي السّلَامِ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ, الّذِينَ لَا يَبْلُغُهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ, أَوْ هَدْيَهُ فِي إسْمَاعِ السّلَامِ الثّانِي وَالثّالِثِ, إنْ ظَنّ أَنّ الْأَوّلَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِسْمَاعُ .. وَمَنْ تَأَمّلَ هَدْيَهُ: عَلِمَ أَنّ تَكْرَارَ السّلَامِ كَانَ مِنْهُ أَمْرًا عَارِضًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. ا.ه
ولا يكفي الرد بالإشارة، بل ورد النّهيُ عنها، لكنّه مخصوصٌ بمن قَدِرَ على اللفظ حسًّا وشرعًا.
فأمّا من لا يقدر شرعًا كالْمُصلي, ومن لا يقدر حسًّا كالبعيدِ والأخرس والأصم: فيجوزُ لهمُ الردّ بالإشارةِ.
واعلموا معاشر المسلمين: أن العلماءَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الرّدّ عَلَى اليهود والنصارى, فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ, قال ابن القيم رحمه الله : وَهُوَ الصّوَابُ.
وقال في موضع آخر: لو تحقق السامع أن الذمي قال له: سلامٌ عليكم, فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية, وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام, فإن هذا من باب العدل, والله يأمر بالعدل والإحسان, وقد قال تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها).
وأما ابْتداؤهم بالسلام فلا يجوز, ولكن يجوز ابتداؤهم بهذه الصيغة: السّلَامُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى؛ لِمَا صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, أَنّهُ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ بذلك, وقال موسى وهارونُ عليهما السلامُ لفرعون: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}.
ولا تُقال هذه الصيغةُ للمُسْلم.
والحكمة من ابتداء أهل الكتاب بهذه الصيغة : استمالةُ قلوبِهم, وإشعارهمُ بالإيمان بشرطه، وهو الاهتداء, وهذا منتفٍ في حق المؤمن ، فإنه من المهتدين قطعاً ، فلم يَجُزْ إِلْقَاءُ هذا اللفظ المحتمل عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم. بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله الذي هذّبنا بالإسلام, وأنعمَ علينا بشرائع الإيمان, وأشهد أن لا إله إلا الله الكريمُ الْمَنَّان, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى ما فيه كرامةُ الإنسان, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:
أيها المسلمون: مَنْ مرّ على مجموعةٍ من الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فلْيُسلّم عليهم, وينوي بسلامه بأنه للمسلمين, فقد ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ مَرّ عَلَى مَجْلِسٍ, فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ.
وإذا قال لك إنسانٌ: بلغ سلامي إلى فلان, فهي أمانةٌ لا بد أن تُبَلِّغَها, إلا أن تكون ناسيًا.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, إذَا بَلَّغَهُ أَحَدٌ السّلَامَ عَنْ غَيْرِهِ: أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُبَلِّغِ, كَمَا فِي السّنَنِ أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إنّ أَبِي يُقْرِئُكَ السّلَامَ, فَقَالَ لَهُ: عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السّلَامُ.
فهذه يا أمة الإسلام أحكامُ وفضائلُ السلام, فلْنطبّقها ولْنعمل بها, ولْنتذكّر بأنّ السلام مُشتقٌّ من السلام والأمان, فدينُنا دين السلام والعدل, فلا ينبغي أنْ نُقصّر أو نغلوَ فيه, {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه سميع مجيب.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ الحديث في الجمعة الماضية، كان عن السلام وفضلِه ومكانتِه، وبقي الحديثُ عن أحكام السلام ومسائلِه وآدابِه.
معاشر المسلمين: السّنَّةُ رفعُ الصوتِ عند السلام, قال ابن عمر رضي الله عنه: "إذا سلمت فأسمع، فإنها تحيةٌ من عند الله".
قال النووي رحمه الله: أقلُّه أنْ يرفع صوته بحيث يُسْمِعُ المسلَّمَ عليه, فإن لم يُسْمِعُه: لم يكن آتيا بالسنة. ا.ه
ويستثنى من رفع الصوت بالسلام, ما إذا دخل على مكان فيه أيقاظٌ ونيام, فالسنة فيه ما ثبت في صحيح مسلم , عن المقداد رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء من الليل, فيسلم تسليما لا يوقظ نائما, ويسمع اليقظان".
ورَدُّ السَّلَامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ, فَإِنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند قول الحسن البصري : ((السلام تطوع ، والرد فريضة)) .
وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أن الرد واجب على من سَلَّمَ عليه, فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالف أمر الله تعالى في قوله: ( إِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا). ا.ه
قال بعض العلماء: إنما كان الرد واجبًا؛ لأن السلام معناه الأمان، فإذا ابتدأ به الْمُسْلِمُ أخاه فلم يجبه, فإنه يَتَوَهَّمُ منه الشر، فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه.
ولا بأس بالمعانقة عند المصافحة، وتسن عند القدوم من السفر، أو طولِ الفراق.
ومن آداب السلام ما ثبت في الصحيحين, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي, وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ, وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ, والصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ".
والحكمةُ في تسليمِ الصغير على الكبير: لأجل حق الكبير, لأنه أُمر بتوقيره والتواضعِ له، وأما تسليمُ القليل على الكثير: فلأجل حقّ الكثير؛ لأن حقهم أعظم، وأما تسليمُ المار على القاعد: فلشَبَهِه بالداخل على أهل المنزل، وأما تسليمُ الراكب: فلئلا يتكبر بركوبه, فيرجعُ إلى التواضع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وإذا لم يسلم الصغير فسلّم أنت أيها الكبير؛ لأنه قد يكون الصغير في تلك الساعة غافلاً لاهياً، وقد يكون جاهلاً, فأنت سَلِّمْ لتعلمه، ولهذا كان من هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أنه يسلم على الصبيان إذا مر بهم, تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام, وتعليماً للأمة. ا.ه
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, السّلَامُ عِنْدَ الْمَجِيءِ إلَى الْقَوْمِ, وَالسّلَامُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُمْ, وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلّمْ ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلّمْ, وَلَيْسَتْ الْأُولَى أَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ.
ومن بدأك بالكلام قبل السلام فلا تجبه. فقد استأذن رجلٌ على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال: أأَلِج؟ فقال لخادمه: اخرج لهذا فعلمه, فخرج عليه فقال: قل: السلام عليكم أأدخل".
وأما حديث: (السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ) فرواه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مُنْكَرٌ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ والألبانيُّ بِالْوَضْعِ.
قال ابن القيم رحمه الله: وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ ضَعِيفًا ، فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسّؤَالِ قَبْلَ السّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ. ا.ه
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ, لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ, وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ: السّلَامُ عَلَيْكُمْ.
وَكَانَ هَدْيُهُ انْتِهَاءَ السّلَامِ إلَى " وَبَرَكَاتُهُ ", فلا يزيد عليها لفظًا آخر.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, أَنْ يُسَلّمَ ثَلَاثًا, كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ: أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتّى تُفْهَمَ عَنْهُ, وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ سَلّمَ ثَلَاثًا.
قال ابن القيم رحمه الله: وَلَعَلّ هَذَا كَانَ هَدْيَهُ فِي السّلَامِ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ, الّذِينَ لَا يَبْلُغُهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ, أَوْ هَدْيَهُ فِي إسْمَاعِ السّلَامِ الثّانِي وَالثّالِثِ, إنْ ظَنّ أَنّ الْأَوّلَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِسْمَاعُ .. وَمَنْ تَأَمّلَ هَدْيَهُ: عَلِمَ أَنّ تَكْرَارَ السّلَامِ كَانَ مِنْهُ أَمْرًا عَارِضًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. ا.ه
ولا يكفي الرد بالإشارة، بل ورد النّهيُ عنها، لكنّه مخصوصٌ بمن قَدِرَ على اللفظ حسًّا وشرعًا.
فأمّا من لا يقدر شرعًا كالْمُصلي, ومن لا يقدر حسًّا كالبعيدِ والأخرس والأصم: فيجوزُ لهمُ الردّ بالإشارةِ.
واعلموا معاشر المسلمين: أن العلماءَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الرّدّ عَلَى اليهود والنصارى, فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ, قال ابن القيم رحمه الله : وَهُوَ الصّوَابُ.
وقال في موضع آخر: لو تحقق السامع أن الذمي قال له: سلامٌ عليكم, فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية, وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام, فإن هذا من باب العدل, والله يأمر بالعدل والإحسان, وقد قال تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها).
وأما ابْتداؤهم بالسلام فلا يجوز, ولكن يجوز ابتداؤهم بهذه الصيغة: السّلَامُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى؛ لِمَا صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, أَنّهُ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ بذلك, وقال موسى وهارونُ عليهما السلامُ لفرعون: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}.
ولا تُقال هذه الصيغةُ للمُسْلم.
والحكمة من ابتداء أهل الكتاب بهذه الصيغة : استمالةُ قلوبِهم, وإشعارهمُ بالإيمان بشرطه، وهو الاهتداء, وهذا منتفٍ في حق المؤمن ، فإنه من المهتدين قطعاً ، فلم يَجُزْ إِلْقَاءُ هذا اللفظ المحتمل عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم. بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله الذي هذّبنا بالإسلام, وأنعمَ علينا بشرائع الإيمان, وأشهد أن لا إله إلا الله الكريمُ الْمَنَّان, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى ما فيه كرامةُ الإنسان, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:
أيها المسلمون: مَنْ مرّ على مجموعةٍ من الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فلْيُسلّم عليهم, وينوي بسلامه بأنه للمسلمين, فقد ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ مَرّ عَلَى مَجْلِسٍ, فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ.
وإذا قال لك إنسانٌ: بلغ سلامي إلى فلان, فهي أمانةٌ لا بد أن تُبَلِّغَها, إلا أن تكون ناسيًا.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, إذَا بَلَّغَهُ أَحَدٌ السّلَامَ عَنْ غَيْرِهِ: أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُبَلِّغِ, كَمَا فِي السّنَنِ أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إنّ أَبِي يُقْرِئُكَ السّلَامَ, فَقَالَ لَهُ: عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السّلَامُ.
فهذه يا أمة الإسلام أحكامُ وفضائلُ السلام, فلْنطبّقها ولْنعمل بها, ولْنتذكّر بأنّ السلام مُشتقٌّ من السلام والأمان, فدينُنا دين السلام والعدل, فلا ينبغي أنْ نُقصّر أو نغلوَ فيه, {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه سميع مجيب.
المرفقات
625.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق