السلام ( آداب وأحكام )
عبدالرحمن المقيبلي
1435/02/20 - 2013/12/23 18:28PM
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا،ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه . وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاتَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
إخوة الإسلام
لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , استقبله الأنصار استقبالا عظيما , وأقبلوا عليه من كل حدب وصوب
كل يريد أن ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم , ويفوز بشرف الصحبة والسبق إلى الإسلام
وكان من ضمن هذه الجموع الغفيرة رجل يقال له عبدالله بن سلام رضي الله عنه
والذي وصف لنا أول لقاء له مع النبي صلى الله عليه وسلم
فقال رضي الله عنه
لما قدم النبي المدينة انجفل الناس قِبله،( أي توجهوا إليه ) وقالوا: قدم رسول الله، قدم رسول الله، قدم رسول الله. فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذّاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)).
فاسمعوا رعاكم الله : كيف كانت أول كلمة قالها صلى الله عليه وسلم (أفشوا السلام )
فكانت أول كلمة سمعت في المدينة المنورة , وأول أرشاد وتوجيه نبوي ( أفشوا السلام )
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبارة خفيفة على اللسان ولكنها عظيمة عند الرحمن
هي طريق للخير وطريق إلى جنة عرضها السموات والأرض
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا , وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا , أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " رواه مسلم
وقال صلى الله الله عليه وسلم (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض فأفشواالسلام بينكم)
والسلام هو تحية المؤمنين في الجنة , قال تعالى (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)
وقال (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ *سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ )
{لاَيَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلام)
والسلام عباد الله : تجارة رابحة وغنيمة باردة , وزيادة في الحسنات ورفعة في الدرجات
قال صلى الله عليه وسلم (من قال :السلام عليكم كتبت له عشر حسنات ، ومن قال السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ، ومن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة "
وبالسلام تغفر الذنوب وتمحى السيئات , وتستجلب الرحمات
فعن أبي شريحهانىء بن يزيد قال قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمِلٍ يُدْخِلُنِيالْجَنَّةَ، قَالَ :
(إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ،وَحُسْنُ الْكَلامِ) رواه الطبراني وصححه الألباني
(إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ،وَحُسْنُ الْكَلامِ) رواه الطبراني وصححه الألباني
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولتفخروا أيها المؤمنون بهذه الشعيرة العظيمة، ولتعتزوا بها، فإن اليهود يحسدونكم عليها
قال : ((إن اليهود ليحسدونكم على السلام والتأمين)) وفي رواية: ((ما حسدكم اليهود على شيء , ما حسدوكم على السلام والتأمين)).
فما أعظم فضل السلام , وما أعلى قدره , وما أغفلنا عن هذه الشعيرة , التي اتخذناها عادة أكثر منها عبادة
ولذا كان الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على تحقيق ذلك الفضل واكتساب خيره
فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمر بالسوق لا لحاجة ، إلا ليلقي السلام على الناس جميعا صغيرهم قبل كبيرهم . ويقول :" إنما نغدو من أجل السلام فنسلم على من لقيناه "
كما أن في السلام معاشر المسلمين بركة من الله تعالى للعبد وأهله
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ ؛ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ » رواه الترمذي وصححه الألباني
فينبغي لنا جميعا ألا نترك هذه السنة وأن لانفرط في هذه البركة , وأن نعود أنفسنا وأهل بيتنا على السلام في حال دخولنا لبيوتنا
وبادر بالسلام أيها المؤمن : على من عرفت وعلى من لم تعرف
ولتكن لك البداية بالسلام . لتفوز بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ) رواه ابوداوود وصححه الألباني
أيها المؤمنون : هل تعلمون من هو أعجز الناس ومن هو أبخل الناس
قال صلى الله عليه وسلم :«أعجز الناس من عجز في الدعاء ، وأبخل الناس من بخل بالسلام» رواه الطبراني وصححه الألباني
فيالها من صفحة قبيحة أن توصف بالبخل , وأن تفرط في هذه العبادة العظيمة
إخوة الإسلام
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث العظيم الذي يبين فضل السلام أيضا
((( إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ المُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْه ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ ؛ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَر )) رواه الطبراني وصححه الألباني
ولقد صدق من قال :
يطيب المقام ببدء السلام.. فتصفو النواياويحلو الكلام
وتلكم سجاياأناس كرام... فردوا التحاياولو بابتسام
سلام عليكمفردوا السلام.. لأنه عنكميزيل الملام
يشد الوثاقبحبل الوئام .. ويلغي الشقاقوينسي الخصام
فهبوا جميعاوأفشوا السلام .. تحية ربيلكل الأنام
وتلكم سجاياأناس كرام... فردوا التحاياولو بابتسام
سلام عليكمفردوا السلام.. لأنه عنكميزيل الملام
يشد الوثاقبحبل الوئام .. ويلغي الشقاقوينسي الخصام
فهبوا جميعاوأفشوا السلام .. تحية ربيلكل الأنام
أيها المؤمنون
اعلموا أن للسلام آدابا ينبغي للمؤمن أن يتأدب بها , وأن يحرص على تطبيقها في حياته
وإليكم جملة من هذه الآداب
أولا : ينبغي إفشاء السلام وإظهاره وإعلانه بين الناس ، حتى يكون شعاراً ظاهراً بين المسلمين، لا يخص به فئة دون أخرى ، أو كبيراً دون صغير, وأن يسلم على من يعرف ومن لايعرف
كما قال صلى الله عليه وسلم (وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)).
ثانيا : الأفضل في الابتداء بالسلام , أن يسلم الصغير على الكبير ، والماشي على الجالس ، والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) رواه البخاري
ثالثا:
من آداب السلام أن يكون بأحسن الألفاظ وأكمل السلام وأفضله هو قولك : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أما رد السلام فيكون مثل السلام أو أفضل منه, فإذا سلَّم المسلِّم بالأقل, فقال مثلا: السلام عليكم فالراد يرد بمثله أو يزيد: ورحمة الله, أو ورحمة الله وبركاته, وإذا سلَّم بالسلام الكامل فيرد كاملًا، ولا يرد بأنقص منه,
قال سبحانه وتعالى(وإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً )
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (أي: إذا سلّم عليكم المسلِّم فردوا عليه أفضل مما سلَّم، أو ردوا عليه بمثل ما سلّم، فالزيادة مندوبة, والمماثلة مفروضة) اهـ كلامه رحمه الله
رابعا: من آداب السلام أيضا أنه إذا دخل المسلم مكاناً فيه أناس أيقاظا وآخرون نائمون
فإنه يخفض صوته بالسلام فيسمع اليقظان ولا يوقظ النائم ,
كما جاء في الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء من الليل يسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان) رواه مسلم
خامسا : من السنّة إعادة السلام فإذا كان اثنان يسيران مثلا في طريق ثم اضطرا للافتراق بسبب جدار أو شجرة مثلا ثم التقيا بعد ذلك مباشرة سن لهما أن يسلما
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر, ثم لقيه فليسلم عليه» رواه أبو داود
سادسا : من السنة إلقاء السلام على الصبيان: وذلك لتعويدهم وتدريبهم منذ الصغر على آداب الشريعة، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم، وقال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله))
سابعا : السلام على القوم عند الخروج من المجلس:
فكما أنه يسن السلام عند دخول المجلس، فكذلك من السنة أن يسلم إذا أراد الخروج من المجلس
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)) رواه ابوداود وصححه الألباني
فما أعظم هذا الدين , الذي يربينا في كل شي , ويعلمنا لكل شيء فيه سعادتنا في الدنيا والآخرة
اللهم اجعلنا ممن يتأدب بآدابه , ويفوز بأجره وثوابه
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
إخوة الإسلام
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
ليست مجرد عبارة اتخذناها عادة , إنما هي عبادة لله تعالى لها أحكام ينبغي للمؤمن أن يعرفها , وفيها ما يجوز وما لا يجوز
وإليكم جملة من أحكام السلام : مصدرها فتاوى اللجنة الدائمة وفتاوى الأئمة الأعلام كابن باز وابن عثيمين رحمهم الله تعالى
وهي على صيغة سؤال وجواب , ليسهل معرفتها ويتيسر إدراكها
فأرعني سمعك رعاك الله
السؤال الأول: ما حكم السلام ورده أثناء خطبة الجمعة ؟
الجواب لا يجوز السلام اثناء الخطبة , ولا يجوز رد السلام على من سلم عليك اثناء الخطبة
فإذا سلم عليك أحد فصافحه باليد فقط ولا تتكلم برد السلام، وترد عليه السلام بعد انتهاء الخطبة الأولى أو الثانية
السؤال الثاني / ما الحكم اذا كنت أقود السيارة وأسلم على الناس برفع اليد أو بالبوري ؟ أو بإضاءة النور ؟ ونحو ذلك
الجواب : لا يجوز السلام بالإشارة فقط باليد أو منبه السيارة , ونحوهما
أما إذا كان المسلم عليه لا يسمعك فلا بأس بالإشارة باليد مع التلفظ بالسلام
فترفع يدك بالسلام وتقول السلام عليكم حتى لو كنت متيقنا ومتأكدا بأنه لن يسمعك سلامك
السؤال الثالث : ما حكم السلام على الكافر؟ يعني: إذا قال المسلم للكافر: (السلام عليكم) هل يجوز أم لا؟
الجواب : لا يجوز ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام) رواه مسلم
السؤال الرابع / ما حكم من دخل على مجموعة أناس مسلمون وكفار ماذا يقول في السلام؟
إذا دخل على مجموعة فيهم أخلاط من المسلمين والمشركين فإنه يجوز السلام عليهم ناويًا المسلمين منهم
السؤال الخامس / ما حكم رد السلام على الكافر؟ يعني: إذا قال الكافر: السلام عليكم، سواء مباشرة أو في الجوال ونحوه ماذا نرد عليه ونقول؟
الجواب : نرد عليه ونقول ( وعليكم ) لا نقول وعليكم السلام
لحديث أنس رضي الله عنه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم
وفي رواية : أن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم قال قولوا وعليكم.
( رواه مسلم)
السؤال السادس/ ما حكمإلقاء السلام على تارك الصلاة؟
لا يجوز إلقاء السلام عليه ولا رد السلام عليه إذا سلم؛ لأنه يعتبر مرتدا عن الإسلام.
السؤال السابع / إذا قال المذيع في الإذاعة أو التلفاز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , فهل يلزم السامع له أو المشاهد الرد عليه من باب أن رد السلام واجب؟
الجواب" رد السلام في مثل هذا من فروض الكفاية ; لأنه يسلم على جم غفير فيكفي أن يرد بعضهم , والأفضل أن يرد كل مسلم سمعه لعموم الأدلة "
الجواب" رد السلام في مثل هذا من فروض الكفاية ; لأنه يسلم على جم غفير فيكفي أن يرد بعضهم , والأفضل أن يرد كل مسلم سمعه لعموم الأدلة "
فينبغي للمؤمن إذا سمع لفظ السلام أن يرد السلام
وختاما : نسأل الله عزوجل أن يوفقنا للقيام بعبادته وأن نجتهد في هذه العبادة وأن ندرك فضائلها ونطبق أحكامها , ونتأدب بآدابها
المرفقات
380.doc
المشاهدات 3525 | التعليقات 2
بارك الله فيك
ياشيخ زياد
وجزاك الله خيرا
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
جزيت خيرا الشيخ المقبلي على ما أقبلت به علينا من مكانة هذه الشعيرة وهذه الخاصية بنا نحن المسلمين وكم نستهين بها وأجرها وآثارها رغم ما يترتب عليها من الفضل العظيم.
اللهم اجعلنا من أهل السلام وأدخلنا دار السلام وحبننا إلى ربنا السلام
نود أن تكتب اسمك حتى نغير لك من صديق الخطباء إلى خطيب
تعديل التعليق