السفرُ-19-12-1444هـ-مستفاد من موقع الدرر السنية (خط كبير)
محمد بن سامر
السفرُ-19-12-1444هـ-مستفاد من موقع الدرر السنية
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
جاءَ في صحيحِ مسلمٍ-رحمه اللهُ تعالى-منْ حديثِ عبداللهِ بنِ عمرَ-رضي اللهُ عنهما-: "أنَّ رَسولَ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-كانَ إذَا اسْتَوَى علَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قالَ: سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا، وَما كُنَّا له مُقْرِنِينَ، وإنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ وَالأهْلِ، وإذَا رَجَعَ قالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ".
عبادَ اللهِ: السَّفَرُ فيه المَشقَّةُ والعَناءُ، ومِن رَحمةِ اللهِ-سُبحانَه-أنْ خلَقَ لعِبادِه ووفَّقَهم لصُنعِه ما يَركَبونَه في البَحرِ مِنَ السُّفُنِ، وفي البَرِّ مِنَ الإبلِ والخيلِ والسَّيَّاراتِ، وفي الجَوِّ مِنَ الطَّائراتِ، فتَحمِلُهم على ظُهورِها للوُصولِ إلى غاياتِهم بلا عَناءٍ ومَشَقَّةٍ، فإذا استَقَرُّوا عليها تَذكَّروا نِعمةَ اللهِ-تعالَى-عليهم بتَيسيرِه وتَذليلِه لهم تلك المراكِبَ.
وفي هَذا الحَديثِ يُعلِّمُ عبْدُ اللهِ بنُ عُمرَ-رَضيَ اللهُ عنهُما-بعضَ أَصْحابِه دُعاءَ السَّفرِ؛ فأخبَرَهم أنَّ رَسولَ اللهِ-صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-كان إذا رَكِبَ واستَقرَّ عَلى ظَهرِ بَعيرِه-جملِهِ، ويدخُلُ فيه كلُّ أنْواعِ الدوابِّ الَّتي تُركَبُ والوَسائلُ الحَديثةُ- خارجًا مِنَ المَدينةِ إِلى سَفرٍ ما، يذكُرُ اللهَ ويَقولُ: "اللهُ أَكبرُ"، ثَلاثَ مرَّاتٍ، وتَكبيرُه-صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-عندَ الاسْتِواءِ والارْتفاعِ فوقَ الدابَّةِ استِشْعارٌ لكِبرياءِ اللهِ-عزَّ وجلَّ-، وأنَّه أكبَرُ من كلِّ شيءٍ، فيُكبِّرُه ليَشكُرَ له ذلك، فيَزيدَه من فَضلِه. ثُمَّ يَقولُ: "سُبحانَ الَّذي سخَّر لَنا هَذا"، فَجَعلَه هذا المركوبَ مُنقادًا لَنا، "وَما كنَّا له مُقْرِنينَ"، وما كنَّا نُطيقُ قَهرَه واستِعمالَه لوْلا تَسخيرُ اللهِ-سُبحانَه وتعالَى-إيَّاه لَنا، "وَإنَّا إِلى ربِّنا لَمُنقلِبونَ"، وإنَّا إلى رَبِّنا-بعدِ مماتِنا-لصائرونَ إليه راجِعونَ، فإنَّ الإنْسانَ لَمَّا رَكِبَ مُسافرًا عَلى ما ذَلَّـلَـهُ اللهُ له، كأنَّه يَتذكَّرُ السَّفرَ الأَخيرَ مِن هَذه الدُّنيا، وَهوَ سَفرُ الإنْسانِ إلى اللهِ-عزَّ وجلَّ-إذا ماتَ، وحَمَلَه النَّاسُ على أَعناقِهم.
عبادَ اللهِ: ثُمَّ بَعدَ ذَلك أَثنَى النَّبيُّ-صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-عَلى اللهِ ودَعاهُ؛ فقالَ: "اللَّهمَّ إِنَّا نَسْألُكَ في سَفرِنا هَذا البِرَّ والتَّقْوى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ"، والبِرُّ: هو الْتِزامُ الطَّاعةِ، والتَّقْوى: البُعدُ عنِ المَعصيةِ، فيَمْتثِلُ الأَوامرَ ويَجتنِبُ النَّواهيَ، ثُمَّ سَألَ ربَّه أنْ يَرزُقَه مِنَ العَملِ ما يَرضَى بِه عنْهُ، وسأَلَهُ تَهوينَ السَّفرِ وتَيسيرُه، وأنْ يُقرِّبَ لَه مَسافةَ ذَلك السَّفرِ، ثُمَّ أتْبَعَ دُعاءَه بقولِه: "اللَّهُمَّ أَنتَ الصَّاحبُ في السَّفرِ"، تَصحَبُني في سَفَري، فتُيسِّرُه وتُسهِّلُه عليَّ، "والخَليفةُ في الأَهلِ" مِن بَعْدي، فتَحوطُهم بِرعايتِكَ وعِنايتِكَ؛ فهوَ-جلَّ وعَلا-معَ الإِنسانِ في سَفرِه، وخَليفتُه في أَهلِه؛ لأنَّه بكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ.
ثُمَّ استَعاذَ-صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-مِن بعضِ ما يُصيبُ الإِنسانَ في السَّفرِ، وَمِنها "وَعْثاءُ السَّفرِ"، شِدَّتِه ومَشقَّتِه وتَعَبِه، "وكآبةُ المَنظَرِ"، مِن كلِّ مَنظرٍ يُعْقِبُ الكآبةَ عندَ النَّظرِ إِليهِ، "وسُوءُ المُنقلَبِ"؛ برؤيةِ ما يَسوؤُه في أَهلِه وَمالِه. وفيه أيضًا: أنَّ النَّبيَّ-صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-استَعاذَ مِنَ الحَوْرِ بعدَ الكَوْرِ-مِنَ النُّقصانِ بعدَ الزِّيادةِ وتَغيُّرِ الحالِ مِنَ الطَّاعةِ إلى المَعصيةِ-، وتَعوَّذَ أيضًا مِنَ الظُّلمِ؛ فإنَّه يَترتَّبُ عَليه دُعاءُ المَظلومِ؛ فإنَّه ليس بينَه وبينَ اللهِ حِجابٌ، كما في الصَّحيحَينِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فكان إذا رجَعَ-صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-قالَ تلكَ الجُمَلَ المَذكورةَ، وقالَ بعدَهنَّ: "آيِبونَ"، راجِعونَ مِنَ السَّفرِ بالسَّلامةِ، "تائِبونَ"، مِنَ المَعصيةِ إلى الطَّاعةِ، "عابِدونَ، لربِّنا حامِدونَ"، مُثْنونَ عليه تعالَى بصِفاتِ كَمالِه وجَلالِه، وشاكِرونَ له على نِعَمِه وأفْضالِه. والمَعْنى: أنَّنا في طَريقِ عَودَتِنا إلى بَلَدِنا ومَوْطِنِنا وأهْلِنا، وقدْ عَقَدْنا العَزْمَ على العَوْدةِ إلى اللهِ، والتَّوْبةِ الصَّادِقةِ المُقْتَرِنةِ بالأعْمالِ الصَّالحةِ؛ مِنَ الشُّكرِ للهِ، والمواظَبةِ على عِبادتِه، والتَّقرُّبِ إليه بالصَّلاةِ، وكَثرةِ السُّجودِ.
فهوَ-صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ-في كُلِّ حالِه يَتذكَّرُ العِبادةَ، وأنَّه عبْدٌ للهِ-سُبحانَه وتعالَى-.
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللهم أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
المرفقات
1688622781_السفرُ-19-12-1444هـ-مستفاد من موقع الدرر السنية.docx
1688622781_السفرُ-19-12-1444هـ-مستفاد من موقع الدرر السنية.pdf