السفارة الإيرانية.. هادف ومستهدف // أمير سعيد
احمد ابوبكر
1435/01/19 - 2013/11/22 02:46AM
سماع أخبار عن مظاهرات حول قصر الرئاسة اللبناني مثلما حصل خلال الأعوام الماضية، أو سقوط صواريخ بمحيطه كما حدث منذ شهرين لا يثير عجباً كبيراً لدى قطاعات من الشعب اللبناني أو المتابعين لشأن بلدهم، لكن الاقتراب من السفارة الإيرانية في الضاحية الجنوبية لبيروت يعد حالة استثنائية، إذا ما كان هذا الاقتراب عبر سيارات أو عناصر تتزنر بالمتفجرات؛ فلم تألف الضاحية تلك الجرأة من غير ساكنيها أو من غير طائفتها، لاستهداف البقعة الأكثر قدرة في لبنان على امتلاك قراره السياسي؛ فاستحكامات الأمن، وعيون جهاز الاطلاعات الإيراني تبقى شاخصة، وعناصر الحرس الثوري، وميليشيا "حزب الله" جاهزة دوماً للتعامل مع أي غريب يثير قلقهم، والظرف الإقليمي الذي تمر به لبنان وسوريا يجعل من اختراق تلك الحجب التي تفصل اللبنانيين عن حكام بلدهم الحقيقيين ضرباً من ضروب المستحيل..
غير أن التفجيرين قد حدثا بالفعل في الضاحية وفي منطقة ثرية منها تسكنها شخصيات إيرانية ولبنانية متنفذة، وعلى مقربة من السفارة الإيرانية، والعشرات قد سقطوا ما بين قتيل وجريح في عملية تبدو مباغتة لمعظم اللاعبين في المنطقة؛ فالأنظار لم تكن متجهة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، مع أن لبنان لم يكن غائباً عن المشهد، والاستهداف المباشر للسفارة الإيرانية كان مستبعداً في نظر البعض مع أنها في قلب الحدث وإحدى أهم دوائر تصنيع القرار الطائفي في المنطقة، على أن هذا "الاستبعاد" في تقدير حجم التحديات الأمنية لم يكن لدى الجميع؛ فقلة كانت تعرف التحدي جيداً لكنها لم تفعل ما ينبغي فعله حياله إما عمداً أو "سهواً"؛ فلقد كشف مصدر أمني لصحيفة مقربة من النظامين الإيراني والسوري، وهي "السفير" اللبنانية "عن ورود معلومات شبه موثّقة للأجهزة الأمنية الرسمية، سبقت تفجيري الأمس في محيط السفارة الإيرانية بأيام قليلة، مفادها أن السعودي المنضوي في «كتائب عبدالله عزام» أحمد السويدي «يحضّر لعمل إرهابي يستهدف مقراً ديبلوماسياً موالياً للنظام السوري في لبنان" هذه المعلومات التي قال المصدر ذاته إنها قد "تقاطعت مع معلومات من مخبرين وأجهزة أمنية أجنبية، تحذر من خطة يشرف عليها القيادي البارز في «كتائب عبدالله عزام» السعودي ماجد الماجد، بالتنسيق مع السويدي، تهدف إلى الضغط على «حزب الله» لسحب مقاتليه من سوريا" [السفير20نوفمبر].
هذه المعلومات إن صحت؛ فمعناها أن السفارة الإيرانية ذاتها كانت تعلم بأن ثمة تفجير قادم، وأنه ربما حصل الانفجار بعيداً عنها عمداً (ما يشير إلى ضلوعها به)، أو أنها أعدت له ما تجهضه إلى حد ما، وهو ما يعني بالضرورة إلى اختراق ما أدى إلى تسرب تلك المعلومة إليها..
لكن مهما يكن من أمر؛ فإن مثل هذه العمليات تثير تساؤلات مزمنة من قبيل:
- لماذا يعتري معظم هذه العمليات الفشل في بلوغ أهدافها؟ ولماذا تصيب من غير المعنيين أكثر مما تسعى إليه؟
- ما جدوى تلك العمليات إذا ما تمت مراكمتها في بلد أو توزعت في بلدان؟ هل تحدث تأثيراً؟ تحقق هدفاً؟ تقيم دولة؟ تبني مشروعاً؟
- ما سبب الاهتمام الزائد بتحرير "أسرى" المجموعة أو الخلية دون غيرهم من "الأسارى"؟ وهل نجحت إحدى تلك العمليات في الضغط على جهة ما للتعاطي مع مطالب المفجرين؟ بحيث يمكن "تفهم" تكرارها بالمطلب ذاته؟
- ما الآثار السلبية التي يمكن أن تحدثها مثل هذه العمليات.. وما الآثار الإيجابية الممكنة لها؟
- هل تخدم مثل هذه التفجيرات مشروعاً مقاوماً في بلد ما مثلاً؟ بمعنى هل يمكن أن تضيف شيئاً للمقاومتين السورية والفلسطينية؟ هل تنعكس بشيء ما يغير موازين القوى في معركة حلب أو ريف دمشق أو الساحل أو حمص أو تؤثر إيجاباً في غزة أو الضفة مثلا؟
- هل تحدث مثل هذه العمليات "نكاية" في العدو؟ وما نسبة نجاحها مقارنة بتلك التي تنفذها فصائل مقاومة فلسطينية معروفة؟
الخ
تحديداً، ما الذي يمكن تؤثر به إيجاباً لأهل السنة في لبنان؟
ربما الثابت، أنه عقب حصولها أفادت إيران منها بطريقين:
الأول: أن كل أذنابها في لبنان تقريباً قد عزفوا على وتر واحد، وهو ضرورة تغيير حكومة ميقاتي لتصير أكثر ملاءمة للظرف الحالي، وهو ظرف تسيطر فيه ميليشيا "حزب الله" على الدولة اللبنانية لكنها لا تحكم سيطرتها بالكامل على الحكومة.
الثاني: أنها وهي تجلس "ضاحكة" على مائدة واحدة مع الوفود الغربية، مثلما أظهرت الصور، تود أن تسوق لذاتها ـ كما الديكتاتوريات العسكرية العربية ـ على أنها والغرب تكافحان "الإرهاب" في كل من سوريا ولبنان..وبصورة أوضح، هي لا تريد ترسيخ هذا المعنى لدى أجهزة الاستخبارات الغربية، فالأخيرة تعرف حقيقة ما يجري إلى حد بعيد، لكنها تريد أن تقدم الذريعة أمام رأي عام يرمق فاحصاً التحول الغربي والإيراني تجاه بعضهما البعض على نحو مريب.
هذا قد يعني أن إيران ربما ضالعة في التفجير أو سكتت عنه بعد تحييد آثاره التفجيرية، لكن هل هذه هي الحقيقة فعلاً؟!
ثمة احتمالان، أحدهما أن إيران أو سوريا ليستا بعيدتين عن العملية، ورواية المصدر الأمني على جهالتها يمكن أن تومئ من خفي إلى هذا الاحتمال إن صدقت..
والثاني أن العملية من محض جهد أصحابها، كجماعة سنية تنتهج هذا السبيل، وتراه ناجعاً ويحقق لها ما تصبو إليه، بدليل احتفائها به إن تبنته، ونعته بـ"الغزوة".
كلا الاحتمالين لا يقود إلى بلوغ حد كافٍ من الاقتناع بجدوى مثل هذه العمليات من الناحيتين العسكرية والسياسية بغض النظر عن مناقشة قضية مشروعيتها من عدمها، غير أن أصحابها ربما تشبثوا باحتمال ثالث، وهو أنهم ربما كانوا يدركون أن العملية أخفقت، لكن بمقدورهم أن يحاجوا مخالفيهم بالقول: "فماذا لو كانت نجحت؟"
نعم، لو كانت نجحت على نحو مكافئ لما حصل في العام 1983 عندما تم تفجير مقر المارينز الأمريكي في بيروت والذي أسفر عن مقتل وجرح المئات وأدى إلى إصدار الرئيس الأمريكي ريجان قراره بسحب جنوده من العاصمة اللبنانية إلى السفن الرابضة قبالتها، لربما أدت هذه إلى تحريك الراكد في ملف المساندة الإيرانية لنظام بشار الأسد، لكن حتى لو تحصلت هذه النتيجة فخيار طهران استراتيجي ومصيري فيما الخيارات كانت لدى ريجان متعددة..
وإذا سلمنا بتطابق نتائجهما الافتراضية؛ فكيف يمكن افتراض قدرة مجموعات صغيرة تنفذ عملياتها كل فترة طويلة ويعتريها الخلل كثيراً على تنفيذ "عملية مثالية" في مضمونها العسكري؟!
أعتقد أن إثارة تلك التساؤلات قد تقود إلى استجلاء ما يحيط ببعض هذه العمليات من ألغاز..
غير أن التفجيرين قد حدثا بالفعل في الضاحية وفي منطقة ثرية منها تسكنها شخصيات إيرانية ولبنانية متنفذة، وعلى مقربة من السفارة الإيرانية، والعشرات قد سقطوا ما بين قتيل وجريح في عملية تبدو مباغتة لمعظم اللاعبين في المنطقة؛ فالأنظار لم تكن متجهة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، مع أن لبنان لم يكن غائباً عن المشهد، والاستهداف المباشر للسفارة الإيرانية كان مستبعداً في نظر البعض مع أنها في قلب الحدث وإحدى أهم دوائر تصنيع القرار الطائفي في المنطقة، على أن هذا "الاستبعاد" في تقدير حجم التحديات الأمنية لم يكن لدى الجميع؛ فقلة كانت تعرف التحدي جيداً لكنها لم تفعل ما ينبغي فعله حياله إما عمداً أو "سهواً"؛ فلقد كشف مصدر أمني لصحيفة مقربة من النظامين الإيراني والسوري، وهي "السفير" اللبنانية "عن ورود معلومات شبه موثّقة للأجهزة الأمنية الرسمية، سبقت تفجيري الأمس في محيط السفارة الإيرانية بأيام قليلة، مفادها أن السعودي المنضوي في «كتائب عبدالله عزام» أحمد السويدي «يحضّر لعمل إرهابي يستهدف مقراً ديبلوماسياً موالياً للنظام السوري في لبنان" هذه المعلومات التي قال المصدر ذاته إنها قد "تقاطعت مع معلومات من مخبرين وأجهزة أمنية أجنبية، تحذر من خطة يشرف عليها القيادي البارز في «كتائب عبدالله عزام» السعودي ماجد الماجد، بالتنسيق مع السويدي، تهدف إلى الضغط على «حزب الله» لسحب مقاتليه من سوريا" [السفير20نوفمبر].
هذه المعلومات إن صحت؛ فمعناها أن السفارة الإيرانية ذاتها كانت تعلم بأن ثمة تفجير قادم، وأنه ربما حصل الانفجار بعيداً عنها عمداً (ما يشير إلى ضلوعها به)، أو أنها أعدت له ما تجهضه إلى حد ما، وهو ما يعني بالضرورة إلى اختراق ما أدى إلى تسرب تلك المعلومة إليها..
لكن مهما يكن من أمر؛ فإن مثل هذه العمليات تثير تساؤلات مزمنة من قبيل:
- لماذا يعتري معظم هذه العمليات الفشل في بلوغ أهدافها؟ ولماذا تصيب من غير المعنيين أكثر مما تسعى إليه؟
- ما جدوى تلك العمليات إذا ما تمت مراكمتها في بلد أو توزعت في بلدان؟ هل تحدث تأثيراً؟ تحقق هدفاً؟ تقيم دولة؟ تبني مشروعاً؟
- ما سبب الاهتمام الزائد بتحرير "أسرى" المجموعة أو الخلية دون غيرهم من "الأسارى"؟ وهل نجحت إحدى تلك العمليات في الضغط على جهة ما للتعاطي مع مطالب المفجرين؟ بحيث يمكن "تفهم" تكرارها بالمطلب ذاته؟
- ما الآثار السلبية التي يمكن أن تحدثها مثل هذه العمليات.. وما الآثار الإيجابية الممكنة لها؟
- هل تخدم مثل هذه التفجيرات مشروعاً مقاوماً في بلد ما مثلاً؟ بمعنى هل يمكن أن تضيف شيئاً للمقاومتين السورية والفلسطينية؟ هل تنعكس بشيء ما يغير موازين القوى في معركة حلب أو ريف دمشق أو الساحل أو حمص أو تؤثر إيجاباً في غزة أو الضفة مثلا؟
- هل تحدث مثل هذه العمليات "نكاية" في العدو؟ وما نسبة نجاحها مقارنة بتلك التي تنفذها فصائل مقاومة فلسطينية معروفة؟
الخ
تحديداً، ما الذي يمكن تؤثر به إيجاباً لأهل السنة في لبنان؟
ربما الثابت، أنه عقب حصولها أفادت إيران منها بطريقين:
الأول: أن كل أذنابها في لبنان تقريباً قد عزفوا على وتر واحد، وهو ضرورة تغيير حكومة ميقاتي لتصير أكثر ملاءمة للظرف الحالي، وهو ظرف تسيطر فيه ميليشيا "حزب الله" على الدولة اللبنانية لكنها لا تحكم سيطرتها بالكامل على الحكومة.
الثاني: أنها وهي تجلس "ضاحكة" على مائدة واحدة مع الوفود الغربية، مثلما أظهرت الصور، تود أن تسوق لذاتها ـ كما الديكتاتوريات العسكرية العربية ـ على أنها والغرب تكافحان "الإرهاب" في كل من سوريا ولبنان..وبصورة أوضح، هي لا تريد ترسيخ هذا المعنى لدى أجهزة الاستخبارات الغربية، فالأخيرة تعرف حقيقة ما يجري إلى حد بعيد، لكنها تريد أن تقدم الذريعة أمام رأي عام يرمق فاحصاً التحول الغربي والإيراني تجاه بعضهما البعض على نحو مريب.
هذا قد يعني أن إيران ربما ضالعة في التفجير أو سكتت عنه بعد تحييد آثاره التفجيرية، لكن هل هذه هي الحقيقة فعلاً؟!
ثمة احتمالان، أحدهما أن إيران أو سوريا ليستا بعيدتين عن العملية، ورواية المصدر الأمني على جهالتها يمكن أن تومئ من خفي إلى هذا الاحتمال إن صدقت..
والثاني أن العملية من محض جهد أصحابها، كجماعة سنية تنتهج هذا السبيل، وتراه ناجعاً ويحقق لها ما تصبو إليه، بدليل احتفائها به إن تبنته، ونعته بـ"الغزوة".
كلا الاحتمالين لا يقود إلى بلوغ حد كافٍ من الاقتناع بجدوى مثل هذه العمليات من الناحيتين العسكرية والسياسية بغض النظر عن مناقشة قضية مشروعيتها من عدمها، غير أن أصحابها ربما تشبثوا باحتمال ثالث، وهو أنهم ربما كانوا يدركون أن العملية أخفقت، لكن بمقدورهم أن يحاجوا مخالفيهم بالقول: "فماذا لو كانت نجحت؟"
نعم، لو كانت نجحت على نحو مكافئ لما حصل في العام 1983 عندما تم تفجير مقر المارينز الأمريكي في بيروت والذي أسفر عن مقتل وجرح المئات وأدى إلى إصدار الرئيس الأمريكي ريجان قراره بسحب جنوده من العاصمة اللبنانية إلى السفن الرابضة قبالتها، لربما أدت هذه إلى تحريك الراكد في ملف المساندة الإيرانية لنظام بشار الأسد، لكن حتى لو تحصلت هذه النتيجة فخيار طهران استراتيجي ومصيري فيما الخيارات كانت لدى ريجان متعددة..
وإذا سلمنا بتطابق نتائجهما الافتراضية؛ فكيف يمكن افتراض قدرة مجموعات صغيرة تنفذ عملياتها كل فترة طويلة ويعتريها الخلل كثيراً على تنفيذ "عملية مثالية" في مضمونها العسكري؟!
أعتقد أن إثارة تلك التساؤلات قد تقود إلى استجلاء ما يحيط ببعض هذه العمليات من ألغاز..