السُّــفُّــودُ

د صالح بن مقبل العصيمي
1437/08/09 - 2016/05/16 14:38PM
السَّـــفُّــودُ
الْـخُطْبَةُ الأُولَى
إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ، تَـحَدَّثْنَا فِي جُـمْعَةٍ مَاضِيَةٍ عَنْ رُوحِ العبدِ المؤمنِ ومَا ينالُـهَا مِنَ الكرامَةِ والتكرِيـمِ بعدَ الموتِ، واليومَ نتحدثُ عنِ الروحِ المعاندَةِ، والتِـي لرَبِّـهَا ولرسُولِـهَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُشَاقَّــةٌ، وللمُؤمنينَ والمسلمينَ مُـحارِبَةٌ، تلكَ النفسُ الجحُودَةُ لأنُعمِ اللهِ عَليهَا، فَلَهَا مَعَ مَرَاحِلِ الاحتِضَارِ قِصَّـةٌ أُخرَى، وحِكَايَةٌ مُـختلِفَةٌ عنِ تِلْكَ الروحِ المؤمنةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ ". قَالَ: " فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ)، رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وفِي رِوَايَةٍ بِسَنَدٍ حسنٍ: (نَزَلَتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ، فَانْتَزَعُوا رُوحَهُ، كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ الشِّعْبِ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ، وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ مَعَ الْعُرُوقِ، فَيَلْعَنُهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ، إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللهَ: أَنْ لَا تَعْرُجَ رُوحُهُ مِنْ قِبَلِهِمْ) فَانظُرْ إِلَى دِقَّةِ هَذَا الوصفِ لشدةِ النَّزْعِ. وفِي رِوَايَةٍ: (وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ، قَالَ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ، وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ "، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}؛ فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: " اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ". ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ، فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} " فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ) رَواهُ أَحْـمَدُ بسندٍ صَحِيحٍ. فانظُروا إِلى هَذِهِ الرُّوحِ الـخبيثَةِ، كَيفَ تَـجِدُ المعانَاةَ عندَ خُروجِهَا، وهذِهِ هِيَ البدايَةِ، وَمَا بعدَهَا أَشَدُّ وأَنْكَى، مِشوَارٌ مِنَ العذابِ لَا نِـهَايَةَ لَهُ. قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) يَا لِعِظَمِ هَذَا الوصْفِ القُرْآنِي:ِّ (فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ)! أَيْ كُرُبَاتِهِ وَسَكَرَاتِهِ. (وَلَوْ تَرَى) تقديرُهُ: لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا، كِنَايَةً عَنِ التَّعنِيفِ فِي السِّيَاقِ والشِّدَّةِ فِي قَبْضِ الأَرواحِ، (وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِم) أَيْ بِالضَّرْبِ والعَذَابِ حَتَّـى تَـخْرُجَ أَنْفُسُهُمْ مِنَ أَجْسَادِهِمْ. (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) فَــنَــفْسُهُ اليومَ خَائِفَةٌ خَوفًا عَظِيمًا، وأَصَابَـهَا الوَجَلُ، وَلِـمَ لَا يَـحْصُلُ ذَلِكَ وَقَدْ بَشَّرَتْهُ الملائِكَةُ بالعذابِ والنَّكَالِ والـجَحِيمِ؟ وَتَفَرَّقَ رُوحُهُ في جَسَدِهِ لِتَزْدَادَ مُعَانَاتُهُ فِي سَكْرَتِهِ، فَرُوحُهُ مَا زَالَتْ تَعْصِي وَتَأْبَى الْـخُرُوجَ؛ خَوْفًا مِـمَّا أَمَامَهَا. وَلَكِنْ يَسْتَمِرُّ ضَرْبُـهَا حَتَّـى تَـخْرُجَ الرُّوحُ الْـخَبِيثَةُ من الجسدِ الخبيثِ، ومِنْ هذِهِ اللحظَاتِ القاسِيَةِ عَلَيهَا يَبْدَأُ مِشْوَارُ النَّدَمِ؛ فَكُلُّ كَافِرٍ عِنْدَ اِحْتِضَارِهِ يَتَمَنَّـى لَو كَانَ مُؤْمِنًا. وَيَرْجِعُ إِلى الدُّنيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فَهُمْ لَا يَكُفُّونَ عَنْ طَلَبِ الرَّجْعَةِ فِي كُلِّ مَرَاحِلِ الآخِرَةِ: عِنْدَ الاِحْتِضَارِ، وَيَوْمَ النُّشُورِ، وَوَقْتَ العَرْضِ عَلَى الْـجَبَّارِ، وَحِيـنَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ، وَهُمْ فِي غَمَرَاتِ عَذَابِ الْـجَحِيمِ. لَقَدْ تَوَاصَلَتِ الشَّدَائِدُ عَلَيْهِمْ: شِدَّةُ السَّكْرَةِ، وَشِدَّةُ نَزْعِ الرُّوحِ، وَشِدَّةُ قَبْضِهَا. أَهْوَالٌ تَعْقُبُهَا أَهْوَالٌ. وَتَسْتَمِرُّ مُعَانَاتُـهَا عِنْدَ الصُّعُــودِ بِـهَا إِلَى السَّمَاءِ؛ فَتَلْقَى التَّـوْبِيخَ حِينَمَا تَتَسَاءَلُ الْـمَلَائِكَةُ: مَنْ هَذِهِ الرُّوحُ الخبيثَةُ؟ فَيُعَرَّفُ لَـهُمْ بِأَقْبَحِ أَسْـمَائِهِ التِـي تُزْعِجُهُ إِذَا نُودِيَ بِـهَا فِي الدُّنْيَا وَتُـحْزِنُهُ، مَزِيدٌ مِنَ التَّعْذِيبِ وَالتَّوْبِيخِ، ثُـمَّ تَطْلُبُ الْمَلائِكَةُ الَّتِـي تَـحْمِلُهَا مِنْ خَزَنَةِ السَّمَاءِ الإِذْنَ لِـهَذِهِ الرُّوحِ الْـخَبِيثَةِ، بِالدُّخُولِ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَيَأْتِي الرَّدُّ بِالرَّفْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ).
فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ " رَوَاهُ أَحمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاودَ وَغَيـرِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: (وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ). قَالَ شَيْخُ الإِسْلَاِم، رَحِـمَهُ اللهُ: وَهَذَا صَرِيحٌ بِإِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَى الْـجَسَدِ، وَبِاخْتِلَافِ أَضْلَاعِهِ؛ يَـتَـبَـيَّـنُ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى الرُّوحِ والجسَدِ مُـجْتَمِعَـيْـنِ. وَفِي رِوَايَةٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: (ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِي يَدِهِ مِرْزَبَةٌ، لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَابًا، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ اللهُ كَمَا كَانَ، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ ". قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: " ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ وَيُمَهَّدُ مِنْ فُرُشِ النَّارِ).
وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ عَذَابَ السَّمُومِ!
جَعَلَنِـي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المقبولِينَ، ونَفَعَنِـي وَإِيَّاكُمْ بِالقرآنِ العظيمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.











الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ، بَيْنَمَا الْـمُؤْمِنُ فِي قَبْـرِهِ يُقَالُ لَهُ بَعْدَ الْـمُسَاءَلَةِ، وَتَعْذِيبِ مَنْ شَاءَ اللهُ لَهُ أَنْ يُعَذَّبَ: نَـمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ؛ فَإِنَّ لِلْكَافِرِ حَالَةٌ أُخْرَى؛ فَالعَذَابُ عَلَيْهِ مُسْتَمِرٌّ، قَالَ تَعَالَى: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) فَالْـمَرَّةُ الأُولَى مَصَائِبُ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَغَيْـرِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِي الْقَبْـرِ. أَمَّا عَذَابُ الآخِرَةِ فَذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) وَمِـمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّـهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) فَهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ صَبَاحًا وَمَسَاءً إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَقَالَ تَعَالَى:(مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) أَيْ بَعْدَ إِغْرَاقِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْـرِ. وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُ! وَفِي تَفْسِيـرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)؛ قَالَ اِبْنُ عِبَّاسٍ: (إِنَّهُ عَذَابُ الْقَبْـرِ).
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قُذِفُوا فِي النَّارِ. اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ!
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.


المرفقات

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

غير مشكولة.docx

غير مشكولة.docx

مَشْكُولَةٌ.pdf

مَشْكُولَةٌ.pdf

المشاهدات 1829 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا