السعي في مرضات الله

عايد القزلان التميمي
1437/02/29 - 2015/12/11 04:28AM
الحمد لله جنته في طاعته وناره في معصيته ورحمته لمن آمن وعمل صالحا ونقمته لمن جحد به وارتكب السيئات ((إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ )) وأشهد أن لا إله إلا الله بيده ملكوت كل شيء فإن أراد إسعادَ عبده فهو السعيد وإن سعى في ضُرِّه كلُّ جبار عنيد فأحكامه هي النافذة وإرادته الماضية ((قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا )) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا أما بعد فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن .
أيها المؤمنون : كتب معاويةُ إلى عائشة - رضي الله عنهما - أنِ اكتُبي لي كتابًا توصيني فيه، ولا تُكثري عليَّ؛ فكتبتْ إليه: "سلامٌ عليك، أما بعد، فإني سمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ))، وسلام عليك"؛ رواه الترمذي [والحديث إسناده صحيح]. وفي رواية : ((مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عليه الناس)) [وسنده صحيح أيضا، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من التمس رضا الناس)) التمس يعني: طلب، وقوله عليه الصلاة والسلام (كفاه الله مؤونة الناس) والمقصود كفاه الله تعالى شر الناس وأذاهم .
عباد الله : إن أحق من نسعى في مرضاته ونرجو برَّه وخيراته هو ربنا وإلهنا , الذي كل شيء في قبضته , وكل مخلوق في ظل رحمته , من بيده الملك والسلطان يعطيه من يشاء ويسلُبُه من يشاء : ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
فهذا شأن ربنا وسلطانه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويذل من يشاء ويُعز من يشاء , فلماذا نرضي فريقا من الناس بمخالفة أمره والسعي في غضبه , وما الناس إلا عبيد لله ضعفاء عجزة أذلاء , يد الله آخذةً بنواصيهم , وحُكْم الله العدل نافذٌ فيهم .
فعجباً لقومٍ يتقربون للمسئولين والكبراء , بِفِعل ما يُحبون ويشتهون , وإن أغضبوا ربهم , يطلبون من وراء ذلك وظيفةً أو مالاً أو جاهاً وسلطاناً , وما علموا أن الله قد يحرمهم مما أرادوا ورغبوا, ويحرمهم فضله ورضوانه فخسروا دينهم ودنياهم ((لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ))
وبعض الناس يجلس إلى أحد كبار القوم ويسمع منادي الله يُنادي للصلاة فيستمر بالحديث والجلوس ويتساهل بتأخير الصلاة وترك الجماعة والله يقول ((إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ))
عباد الله إن من يعمل على إرضاء الناس بسخط الله ظنًا منه أنهم سينفعونه فلن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ:

(( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ))


[رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]

عباد الله الكثير منا يجلس في مجالس يسمع فيها من الغيبة والنميمة ونهش لأعراض المسلمين والتنابز بالألقاب ويكون فيها بعض من الأفعال المحرمة ولكن البعض بل الكثير لا يُنكر على أصحابه وأقاربه المنكر فيجاملهم ارضاء لهم , فمن فعل ذلك فقد التمس رضا الناس بغضب وسخط الله .
أيها المسلمون : إن علامة الإيمان الحق , أن تفعل ما يُرضي الرب وإن سخط الخلق , فعلامة الإيمان الحق أن تكون أوامر الله أول ما تسمع ونواهيه في مقدمة ما تترك ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))
أيها المؤمنون : من سعى في مرضاة الله بإغضاب غيره , كان الله معه ويُعينه ويكفيه شر خلقه , ومن سعى في مرضاة غيره بإغضاب ربِّه , فقد خالف امر الله حيث قال سبحانه ((أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ))
أيها المسلم : فاعلم أن رضا جميع الناس غاية لا تدرك في الغالب, ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه، ودع الناس وما هم فيه.
قال ابن رجب-رحمه الله-: فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب فهو تراب فكيف يُقَدِّم طاعة من هو تراب على طاعة رب الأرباب ؟ أم كيف يُرضى التراب بسخط الملك الوهاب ؟ إن هذا لشيء عُجاب. نعوذ بالله من سخطه وعقابه، وغضبه،
يا عبد الله : إن الحياة الدنيا محدودة والحياة الأخرى ممدودة فأرض من بيده خير الحياتين والسعادة فيهما ((وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ))
بارك الله لي ولكم .....
المرفقات

خطبة - السعي في مرضات الله.doc

خطبة - السعي في مرضات الله.doc

المشاهدات 2347 | التعليقات 1

الخطبة الثانية : الانتخابات البلدية
الحمدُ للهِ وحدَه وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنمحمداً عبدُه ورسولُه أدَّى الأمانةَ وبلَّغَ الرِّسالةَ صلى اللهُ عليه وسلمَ .. أما بعد: فيا عباد الله ستنطلق بمشيئة الله في يوم غد مسيرة الانتخابات البلدية في بلادنا الغالية، لتكشف مدى الوعي الحضاري والخُلق الإسلامي الذي يتمتع به مجتمعنا، وهذه الانتخابات ليست هي التجربة الأولى بالطبع، ولكن من الطبيعي أن تكون التجربة الأنضج والأوسع، أو هكذا ينبغي أن تكون.
عباد الله اعلموا أن صلاح الذات ليس مؤهلا وحده لتولي أمور الناس كما أن صاحب المطامع الشخصية وضعيف الأمانة ورقيق الديانة لا يولَّى ولو كان خبيرا بالأنظمة والتعليمات قادرا على القيادة ومن هنا نعود إلى القرآن لنجد فيه شرطين مهمين لمن يولى المسئولية ((إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ))
فالقوة والأمانة شرطان لأي رجل يريد أن يتولى أي منصب .
عباد الله : إن الواقعية مطلب والمصداقية شرط للمُرَشَّح ولابد أن يكون المرشح عند حسن الظن من مرشحيه , يُنفِّذ ما وَعَدَ بِه ويعتذر عما تجاوز حدوده وصلاحياته .
أيها المسلمون من يريد أن يُرشح أحد من المرشحين للمجلس البلدي فعليه أن يتجاوز في ترشيحه حدود العشيرة ودائرة القبيلة والأهواء الشخصية وأن يضع الأمانة في موقعها .وأن يبحث عن مرضاة الله والابتعاد عن سخطه وغضبه وأليم عقابه , وعليك أن تختار الأكفأ والناصح والقوي الأمين .
عباد الله إن الترشيحات لوحة كاشفة لتوجهات المجتمع ومؤشر لوعيه ومُحَدِد لنوع ثقافتهم , فليكن المُرَشَّحون من خيار الناس عدلا وحكمة ودراية .وإن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو عين الحكمة .
ومن الظلم أن نضع الرجل في غير موضعه والله كما قسّم أرزاق الناس وأخلاقهم قسّم كذلك قدراتهم ومواهبهم .
عباد الله اعلموا أن الصوت أو التصويت أمانة وأن تصويتك لذلك الشخص تزكية له، فيجب أن توضع في مكانها، وتؤدى كما يرضي الله عز وجل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}