السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ 3 قَتْلُ النَّفْسِ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ).
عِبَادَ اللهِ: جَاءَ التَّحْذِيرُ فِي هَذَا الحَدِيثِ مِنْ سَبْعِ كَبَائِرَ مُوبِقَاتٍ مُهْلِكَاتٍ؛ تُهْلِكُ صَاحِبَهَا.
وَمِنْ هَذِهِ الكَبَائِرِ: قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيرِ حَقٍ؛ وَهُوَ مُوبِقَةٌ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }[النساء 93]
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]
وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ... ) الخ [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيرِ حَقٍ خُرُوجٌ مِنَ السَّعَةِ إِلَى الضِّيقِ، وَمِنَ العَافِيَةِ إِلَى البَلَاءِ وَمِنَ الأَمْنِ إِلَى الخَوْفِ، وَمِنْ رَغَدِ العَيْشِ إِلَى نَكَدِهِ.
قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيرِ حَقٍ سَبَبٌ لِخُسْرَانِ القَاتِلِ، وَحَسْرَتِهِ وَنَدَامَتِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ القَاتِلِ مِنْ ابْنَي آدَمَ: { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[المائدة 30] وَقَالَ بَعْدَهَا: { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }[المائدة31]
وَقَدْ حَرَّمَ الإِسْلَامُ أذِيَّةَ الأَنْفُسِ المَعْصُومَةِ بِأَيِّ أَذَىً، حَتَّى لَوْ كَانَ بِاللِّسَانِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
وَخَطَبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ؛ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا،...) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ...) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَحَاذِرُوا هَذَا الذَّنْبَ، وَأَسْبَابَهُ وَعَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ حُرْمَتَهُ، وَقُبْحَهُ وَشَنَاعَتَهُ، وَسُوءَ عَاقِبَتِهِ رَبُّوهُمْ عَلَى كَرِيمِ الأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ التَّعَامُلِ، وَالعَفْوِ وَالتَّسَامُحِ، وَالتَّوَاضُعِ، حَذِّرُوهُمْ السِّبَابَ، وَالتَّنَابُزَ بِالْأَلْقَابِ وَالكَلَامَ الفَاحِشَ البَذِيءَ؛ فَلَكَمْ كَانَتْ هَذِهِ الأُمُورُ بِدَايَةَ كَثِيرٍ مِنَ المَشَاكِلِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ تَصِلُ بِهِمْ إِلَى القَتْلِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا أَيِسَ إِبْلِيْسُ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ لَجَأَ إِلَى هَذِهِ؛ كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ اعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ الاِعْتِدَاءُ عَلَى المُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الاِعْتِدَاءُ عَلَى المُعَاهَدِينَ مِنَ الكُفَّارِ؛ لِقَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]
أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ العَظِيمِ وَسَائِرِ الذُّنُوبِ.
وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أَمَّا بَعْدُ:
فَلْتَعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ-: أَنَّ هُنَاكَ أَسْبَابًا لِجَرِيمَةِ القَتْلِ فَجَنِّبُوهَا أَنْفُسَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ.
فَمِنْ هَذِهِ الأَسْبَابِ: تَنْشِئَةُ الأَوْلَادِ عَلَى الكِبْرِ، وَالتَّعَالِي عَلَى الخَلْقِ، وَالتَّفَاخُرِ بِالأَحْسَابِ، وَالطَّعْنِ فِي الأَنْسَابِ، وَاحْتِقَارِ الآخَرِينَ، وَالاِسْتِهَانَةِ بِدِمَائِهِمْ.
وَمِنَ الأَسْبَابِ: الغَضَبُ، وَهُوَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَسَبَبُ كَثيرٍ مِنَ الشُّرُورِ، وَلِهَذَا أُمِرَ مَنْ غَضِبَ بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }[فصلت 34] قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ، وَالعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ؛ عَصَمَهُمُ اللهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ.
وَالإِنْسَانُ إِنَّمَا يُمْدَحُ بِمُلْكِهِ لِنَفْسِهِ، وَكَظْمِهِ لِغَيْظِهِ؛ قَالَ تَعَالى عَنْ عِبَادِهِ المُتَّقِينَ: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[آل عمران 134] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]
وَمِنْ أَسْبَابِ جَرِيمَةِ القَتْلِ: تَعَاطِي الخُمُورِ وَالمُخَدِّرَاتِ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا؛ فَهِيَ أُمُّ الخَبَائِثِ، وَأَسَاسُ كَثِيرٍ مِنَ الجَرَائِمِ.
وَمِنَ الأَسْبَابِ: الطَّمَعُ وَحُبُّ المَالِ الَّذِي يُعْمِي البَصَائِرَ فيَسْرِقُ السَّارِقُ، وَيَقْتُلُ القاتلُ، وَيُخَاصِمُ الرَّجُلُ الخُصُومَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الحَقَّ مَعَ خَصْمِهِ؛ كُلُّ هَذَا وَغَيْرُهُ لِيَحْصُلَ عَلَى المَالِ.
وَمِنَ الأَسْبَابِ: إِهْمَالُ السِّلَاحِ فِي أَيْدِي الصِّغَارِ وَالسُّفَهَاءِ ومَنْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، وَلَا يُدْرِكُ الخَطَرَ، فَلِأَدْنَى مُشْكِلَةٍ يَشْهَرُ سِلَاحَهُ، وَلَرُبَّمَا اسْتَخْدَمَهُ، ثُمَّ نَدِمَ هُوَ وَأَهلُهُ حَيْنَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.
وَمِنَ الأَسْبَابِ: مُتَابَعَةُ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ، وَأَفْلَامِ الجَرِيْمَةِ وَأَلْعَابِ العُنْفِ.
عِبَادَ اللهِ: كُونُوا يَدًا وَاحِدَةً، لِلْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الجَرِيمَةِ المُوبِقَةِ، تَجَنَّبُوا أَسْبَابَهَا، وَجَنِّبُوهَا مَنْ تَحْتَ رِعَايَتِكُمْ، مِنْ أَوْلَادِكُمْ أَوْ طُلَّابِكُمْ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ وَيَحْفَظَ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِنَا، وَدُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَآخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا وَأَنْ يُجَنِّبَنَا صَغِيرَ الذُّنُوبِ وَكَبِيرَهَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1736978210_3حديث ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ.... ) 1446.pdf
1736978225_3حديث ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ.... ) 1446.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق