السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ: التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ

مبارك العشوان 1
1441/06/11 - 2020/02/05 09:23AM

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ... وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا...مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ).

أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالْجِهَادِ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَّنَ فَضَائِلَهُ، وَمَا أعَدَّ لِلْمُجَاهِدِينَ مِنَ النَّعِيْمِ؛ قَالَ تَعَالَى: { انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } التوبة 41

وَقَالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِيـــنَ } الصف10 ـ 13

الْجِهَادُ ذِرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ، وَمَنْزِلَتُهُ فِي الْأَعْمَالِ عَالِيَةٌ؛ وَلَمَّا قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟  قَالَ: ( لَا تَسْتَطِيعُونَهُ، قَالَ فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.   

عِبَادَ اللهِ: الآيَاتُ وَالْأَحَادِيْثُ فِي فَضْلِ الجِهَادِ، وَذَمِّ تَرْكِهِ أَكْثَرُ مِنْ أنْ تُحْصَرَ.

وَفِي هَذَا الحَدِيْثِ العَظِيْمِ - حَدِيْثِ السَّبْعِ المُوبِقَاتِ -، يُحَذِّرُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ ( التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ) وَهُوَ: الفِرَارُ يَومَ الجِهَادِ وَلِقَاءِ العَدُوِّ فِي الحَرْبِ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }الأنفال15-16 قَالَ الْإِمَامُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: يِأْمُرُ اللّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِيْنَ بِالشَّجَاعَةِ الإِيْمَانِيَّةِ، وَالقُوَّةِ فِي أَمْرِهِ، وَالسَّعْيِ فِي جَلْبِ الأَسْبَابِ المُقَوِّيَةِ لِلْقُلُوبِ وَالأَبْدَانِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الفِرَارِ إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ؛ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الأَحَادِيْثُ الصَّحِيْحَةُ وَكَمَا نَصَّ هُنَا عَلَى وَعِيْدِهِ بِهَذَا الوَعِيْدِ الشَّدِيْدِ. وَمَفْهُومُ الآيَةِ: أَنَّ المُتَحَرِّفَ لِلْقِتَالِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْحَرِفُ مِنْ جِهَةٍ إِلَى أُخْرَى، لِيَكُونَ أَمْكَنَ لَهُ فِي القِتَالِ، وَأَنْكَى لِعَدُوِّهِ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ دُبُرَهُ فَارًّا  وَإِنَّمَا وَلَّى دُبُرَهُ لِيَسْتَعْلِي عَلَى عَدُوِّهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ مِنْ مَحَلٍّ يُصِيْبُ فِيْهِ غِرَّتَهُ، أَوْ لِيَخْدَعَهُ بِذَلِكَ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ المُحَارِبِيْنَ، وَأَنَّ المُتَحَيِّزَ إِلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُ وَتُعِيْنُهُ عَلَى قِتَالِ الكُفَّارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ... الخ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنَ الكَبَائِرِ الَّتِي جَاءَ هَذَا الحَدِيثُ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهَا: ( قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ )

الْقَذْفُ هُنَا هُوَ: الرَّمْيُ بِفَاحِشَةِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ.

وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ: أَيْ رَمْيُ النِّسَاءِ العَفَائِفِ الغَافِلَاتِ عَنِ الفَوَاحِشِ بِالفَاحِشَةِ، بِأَنْ يَقُولُ لَهَا:  يَا زَانِيَة، أَوْ مَا يُشْبِهُهُا مِنَ الكَلِمَاتِ؛ وَمِثْلُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ المُحْصَنِ.

القَذْفُ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ؛ حَرَّمَهَا اللهُ جَلَّ وَعَلَا وَتَوَعَّدَ فَاعِلَهَا بِجُمْلَةٍ مِنَ العُقُوبَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيــــمٌ } النور 4-5

هَذِهِ عُقُوبَاتٌ دَنْيَوِيَّةٌ؛ يُعَاقَبُ بِهَا القَاذِفُ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ.   

أَوَّلُهَا: أَنْ يُقَامَ عَلَيهِ الحَدُّ؛ بِأَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً.

الثَّانِي: سُقُوطُ عَدَالَتِهِ، وَعَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَبَدًا.

الثَّالِثُ: وَصْفُهُ بِالْفِسْقِ؛ إِلَّا إِذا تَابَ وَأْصْلَحَ.

أَمَّا فِي الآخِرَةِ؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } النور 23، 25

يُعَاقَبُ القَاذِفُ بِالطَّرْدِ وَالإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا .

وَيُلْعَنُ لَعْنًا مُتَوَاصِلًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

وَيُعَذَّبُ عَذَابًا عَظِيمًا. 

وَتَشْهَدُ عَلَيهِ جَوَارِحُهُ؛ يُنْطِقُهَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيءٍ.

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: وَاحْذَرُوا هَذِهِ المُوْبِقَةَ، اِحْفَظُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَلْسِنَتَكُمْ؛ وَتَنَزَّهُوا عَنِ الوَقِيْعَةِ فِي أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ... حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ... اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المشاهدات 2297 | التعليقات 0