السَّبْعِ الْمَثَانِي 5 رَبِيعَ ثَانِي 1442
محمد بن مبارك الشرافي
السَّبْعِ الْمَثَانِي 5 رَبِيعَ ثَانِي 1442
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَقد جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رَضَيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي, فَقَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللهُ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ), ثُمَّ قَالَ لِي (لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي, فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ, قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهَا الْفَاتِحَةُ, أُمُّ الْقُرْآنِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي, أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي كِتَابِ رَبِّنَا, وَأَحَدُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ, نَقْرَؤُهَا وَجُوبَاً كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَةَ عَشَرَ مَرَّةً عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ, بِعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ, فِيهَا عِلْمٌ عَظِيمٌ وَخَيْرٌ كَبِيرٌ, اشْتَمَلَتْ عَلَى بَيَانِ التَّوْحِيدِ وَالْعَقِيدَةِ, وَحَوَتْ ذِكْرَ الْمُتَّقِينَ وَالْفُجَّارَ, وَتَضَمَّنَتْ طَلَبَ الْهِدَايَةِ وَالتَّعَوُّذَ مِنَ الْغِوَايَةِ, إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الْفَاضِلَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ. وَإِنَّهُ لَيَقْبُحُ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَجْهَلَ مَعَانِيَ أَيِّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ, فَكَيْفَ بِهَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ التِي هَذِهِ مَنْزِلَتُهَا!
وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِإِذْنِ اللهِ نَتَعَرَّضُ لِبَعْضِ مَعَانِيهَا عَلَى سَبِيلِ الاخْتِصَارِ وَالتَّبْسِيطِ لَيَسْهُلَ عَلَى الْجَمِيعِ مَعْرِفَتُهَا .
وَلَكِنْ قَبْلَ مَعَانِي الْفَاتِحَةِ هُنَاكَ ذِكْرٌ يُسَنُّ لَنَا أَنْ نَقُولَهُ قَبْلَ الْبَدْءِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ سَوَاءً كَانَ الْفَاتِحَةَ أَوْ غَيْرَهَا, وَهُوَ الاسْتِعَاذَةُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم),
فَمَعْنَى (أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ): أَسْتَجِيرُ وَأَتَحَصَّنُ بِاللهِ وَحْدَهُ مِنْ كُلِّ عَاتٍ مُتَمَّرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، يَصْرِفُنِي عَنْ طَاعَةِ رَبِّي، وَتِلَاوِةِ كِتَابِهِ, وَمَعْنَى "الرَّجِيمِ" أَيْ: الْمَطْرُودِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ: سُمِّيَتْ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ بِهَذَا الاسْمِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَتُسَّمَّى السَّبْعَ الْمَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ أُخَر.
وَمَعْنَى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ: أَبْتَدِئُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مُسْتَعِينَاً وَمُتَبَرِّكَاً بِكُلِّ اسْمِ للهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَقُوْلُهُ سُبْحَانَهُ {الحَمْدُ للهِ} أَيْ جَمِيعُ الْمَحَامِدِ مُسْتَحَقَّةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الثَّنَاءَ عَلَى اللهِ بِصِفَاتِهِ التِي كُلُّهَا أَوْصَافُ كَمَالٍ، وَبِنِعِمَهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الدِّينِيِّةِ وَالدُّنْيَوِيِّةِ، وَفِي ضِمْنِهِ أَمْرٌ لَنَا أَنْ نَحْمَدَه سُبْحَانَهُ, فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ وَحْدَهُ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {رَبِّ العَالَمِينَ} أَيْ: الْمُنْشِئُ لِلْخَلْقِ الْقَائِمُ بِأُمُورِهِمْ، الْمُرَبِّي لِجَمِيعِ خَلْقِهِ بِنِعِمَهِ، وَلِأَوْلِيَائِهِ بِالإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أَيْ: أَحْمَدُ رَبَّ الْعَالَمِينَ الذِي هُوَ رَحْمَنٌ وَرَحِيمٌ, وَمَعْنَى {الرَّحْمَنِ} أَيْ: ذُو الرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ الذِي وَسِعَتْ جَمِيعَ الْخَلْقِ ، وَمَعْنَى {الرَّحِيمِ} أَيْ ذُو الرَّحْمَةِ الْوَاصِلَةِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ, وَلا سِيَّمَا الْمُؤْمِنِينَ، وَالرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى يَتَضَمَّنَانِ إِثْبَاتَ صِفَةِ الرَّحْمَةِ للهِ تَعَالَى كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أَيْ: الْمَالِكُ الْمُتَصَّرِّفُ فِي يَوْمِ الدِّينِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الأَعْمَالِ.
وَفِي قِرَاءَتِنَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ لِهَذِهِ الآيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَوَاتِنَا تَذْكِيرٌ لَنَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ، وَحَثٌّ عَلَى الاسْتِعْدَادِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْكَفُّ عَنِ الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} فَفِيهِ التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ وَالافْتِقَارُ التَّامُّ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ عَزَّ وَجَلَّ, وَمَعْنَى الآيَةِ الْكَرِيمَةِ: يَا رَبَّنَا إِنَّا نَخُصُّكَ وَحْدَكَ بِالْعِبَادَةِ ، وَنَسْتَعِينُ بِكَ وَحْدَكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا، فَالأَمْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ، لا يَمْلِكُ مِنْهُ أَحَدٌ مِثْقَالَ ذَرِّةٍ . وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئَاً مِنَ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالدُّعَاءِ وَالاسْتِغَاثَةِ وَالذَّبْحِ وَالطَّوَافِ إِلَّا للهِ وَحْدَهُ، وَفِيهَا شِفَاءُ الْقُلُوبِ مِنْ دَاءِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللهِ، وَمِنْ أَمْرَاضِ الرِّيَاءِ وَالعُجْبِ وَالْكِبْر.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} مَعْنَاهُ: دُلَّنَا وَأَرْشِدْنَا وَوَفِّقْنَا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَثَبِّتْنَا عَلَيْهِ حَتَّى نَلْقَاكَ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتِقِيمِ هُوَ دِينُ الإِسْلَامِ الذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وَجَاءَ عَنْ سَيِّدِ الأَنَامِ مُحمَّدٍ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ, وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ الْمُوصِلُ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ وَجِنَّتِهِ، فَلا سَبِيلَ إِلَى سَعَادَةِ الْعَبْدِ إِلَّا بِالاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أَيْ: اهْدِنَا طَرِيقَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَهُمْ أَهْلُ الْهِدَايَةِ وَالاسْتِقَامَةِ.
وَهَذَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ دُعَاءٌ مِنْ أَنْفَعِ مَا يَكُونُ, وَلَيْتَنَا نَسْتَحْضِرُهُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ الْعَظِيمَةَ فِي صَلَوَاتِنَا, فَاسْتَشْعِرْ أَنَّكَ تَطْلُبُ مِنْ رَبِّكَ أَنْ يَدُلَّكَ وَيُوَفِّقَكَ لِسُلُوكِ طَرِيقِ هَؤُلاءِ الأَخْيَارِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ, وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْهُدَى والدِّينِ, عَلَيْهِمْ جَمِيعَاً رَحْمَةُ اللهِ.
وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} هَذَا تَعَوُّذٌ مِنَّا بِاللهِ أَنْ لا يَجْعَلَنَا مِمَّنَ سَلَكَ طَرِيقَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ, وَهُمُ الْيَهُودُ وَكُلُّ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ.
وَكَذَلِكَ تَعَوَّذٌ بِاللهِ مِنَ طَرِيقِ الضَّالِّينَ، وَهُمُ النَّصَارَى وَكُلَّ مَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُمْ، مِنَ الذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا وَضَلُّوا الطَّرِيقَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقُولَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ: آمِينْ, وَمَعْنَاهَا: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ. وَلَيْسَتْ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ, وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ كِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ, لَكِنَّ قَوْلَهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ, وَإِذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ اسْتُحِبَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَقُولَ آمِينَ وَيَجْهَرَ بِهَا, وَكَذَلِكَ الْمَأْمُومُونَ يَقُولُونَ آمِينَ, وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا, فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ: غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَخَيْرِكَ, أُقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمْ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الرَّسُولِ الْمُلْهَم, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَلِمَنْ هُدَاهُ تَعَلَّم!
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ الْفَاتِحَةِ وَقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ حَدِيثٌ عَظِيمٌ, فِيهِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخَاطِبُ كُلَّ مُصَلٍّ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا وَيُجِيبُهُ, وَلَكِنْ لا يَكُونُ هَذَا إِلَّا لِمَنْ أَلْقَى قَلْبَهُ لِصَلاتِهِ وَقِرَاءَتِهِ, وَلَيْسَ لِلْغَافِلِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ ، وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ, فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ {مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلِيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلْ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَأَمَّا حُكْمُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا الْعِظَام, فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ اَلصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ اَلْقُرْآنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌ لِلإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ, وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , وَسَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلاةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ, فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضاً قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ) قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ (لاَ تَفْعَلُوا إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّأححا وَصَحَّحَهُ جَمْعُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (1). وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَلاةُ الْفَجْرِ وَهِيَ جَهْرِيَّةٌ.
اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً صَالِحًا, اللهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللهُمَّ أعطنا ولا تحرمنا اللهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا, اللهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا , اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ, وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ, وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ, اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس لكنه صرح بالتحديث فزال المحذور, ولذا فقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي عليهم رحمة الله.
المرفقات
السَّبْعِ-الْمَثَانِي-5-رَبِيعٍ-ثَانِ
السَّبْعِ-الْمَثَانِي-5-رَبِيعٍ-ثَانِ
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق