السباق بالدراجات النارية للشيخ/ محمد بن سعيد باصالح
ياسر دحيم
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: من نعم الله على أهل هذا العصر: نعمةُ وسائل النقل والمواصلات الحديثة التي قرَّبت المسافات، وجعلت المدينة الكبيرة كالحارة الصغيرة، وصيَّرت العالــَمَ الواسع كالقرية الواحدة، وأصبحت الأماكنُ البعيدة التي لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس قريبةً يمكن الوصول إليها بدون جُهدٍ وفي أقرب وقت.. إنها نعمة عظيمة، فبعدما كان الناس يسافرون على الجمال ويحملون الأثقال ويبقون ليالي وأيامًا في الطريق حتى يصلوا إلى البلد الذي يريدون، أصبحوا اليوم يصلون إلى تلك البلاد في ساعات قليلة.
ومن هذه الوسائل العصرية: الدراجاتُ النارية التي تقطع المسافات الطويلة في وقت قصير، ويتنقَّل الإنسان بها داخلَ المدينة كيفما يريد، ويصل إلى المكان الذي يريد في لحَظاتٍ معدودة.
فهذه نعمة من الله.. إلا أن هذه النعمة قد تتحول إلى نقمة؛ بالتهور وعدم الالتزام بالنظم والقوانين وقواعد السلامة.
وعندنا شباب، حوَّلوا الدراجات النافعة إلى مراكب للموت، يتسابقون بها في طول البلاد وعرضها، داخل المدينة وخارج المدينة، يجوبون الشوارعَ كالبرق الخاطف، يستعرضون مهارتهم وقدرتهم على التحكم بالدراجة، ويخاطرون بأرواحهم مقابلَ ثمنٍ بخس؛ مقابلَ مدحٍ من فلان أو إشادةٍ من فلان أو إعلان عن فوز في قروب من قروبات الموت الدامي.. فهناك قروبات تنظِّم هذه المسابقات وتدعو الشباب الطائش إلى المغامرات.
وفي سبيل الوصول إلى نشوة النصر والإعلان عن الفوز تتلف الأنفس وتزهق الأرواح وينفطر قلب الأم ويتهشم فؤاد الأب.
يا شباب، هل الحياة رخيصة إلى هذا الحد؟ ! هل الأم الحنون رخيصة إلى هذا الحد ؟! هل الوالد الحليم رخيص إلى هذا الحد؟ ! ما هذا الاستهتار .! لا احترام لوالد ولا شفقة على أم ! .
وليت الذي يموت يموتُ وحده ! لكنه يموت بموته خلق كثير.. فقد يُردِي معه بهذا الطيش بريئًا لا علاقة له بالسباق.. وقد يموت أبوه أو أمه من الصدمة أو يقضي أحدهما أو كلاهما بقية العمر في أحزان..
أخي الشاب: هذا الطيش قد يقتلك وقد يقتل غيرك وقد يصيب غيرَك بعاهةٍ مستدامة وتشويهاتٍ خَلقية لا علاج لها وأنت مسئول ومحاسب على كل ذلك.
وليس الموتُ نهايةَ المطاف بل هو بدايةُ الحساب، وموطنُ السؤال، تُسأَلُ عن موتك بهذه الطريقة وموت غيرك وإصابتِك للآخرين وتُسأَلُ عن فجيعة والدتك وحزن والدك.. تسأل عن مخالفتك لشريعة الله، وإضاعتك للأمانة، كما تُسأَلُ عن جميع أعمالك؛ دقيقِها وجليلِها وأولــِها وآخرِها وعلانيتِها وسرِّها..
ولو أنَّا إذا مـِتنا تــُرِكْنا ** لكان الموتُ راحةَ كلِّ حيِّ
ولكنَّا إذا مــِتنا بُعِثْنا ** ونُسْأَلُ بعدها عن كلِّ شيءِ
فيا من أمهله الله إلى هذه الساعة: بادر إلى الطاعة، وسابق الريح في الوصول إلى رضا ربِّك ومحبة خالقِك، واطلب رضا والديك من قبل فوات الأوان، من قبل أن يُهالَ عليهم التراب، ويتوقف الكُتَّاب عن الكتاب.
اتقوا الله يا شباب، وعودوا إلى الله يا أحباب، واتركوا هذا التهور وهذا السفاهات والتفاهات التي تظنون أنها تجعل لكم قيمة في المجتمع وشهرة في البلاد، فليس الأمر كما تتوهمون، بل هي تقلل من شأنكم ومن قيمتكم، فإن أردتم القدْرَ والمكانة والعزَّ والكرامة فعليكم بالإيمان والتقوى والاستقامة قال الله جل وعلا: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قل: آمنت بالله ثم استقم)) وقال ابن تيمية: ((غاية الكرامة لزوم الاستقامة)).
يا شباب: إنكم تمشون في الطريق الخطأ. تبحثون عن المجد والكرامة في مقلب القُمامة، وعن لذة السعادة في طريق الشقاوة، وما السعادة إلا مع الله، ولا كرامة لمن عصى الله، عودوا إلى الله، وكونوا أبطالًا حقيقيين.
واتقِ اللّهَ فتقوى اللّه ما ** جاورتْ قلبَ امرئٍ إِلا وصلْ
ليس من يقطعُ طُرْقاً بطلاً ** إنما من يتقي اللّهَ البطلْ
يا شباب: لقد أضعتم البوصلة التي تهديكم وتوصلكم إلى بر الأمان، أضعتم الدينَ والتقوى والمروءة، وأضعتم الصلاة وبرَّ الوالدين، وتركتم القيمَ والمبادئ والأخلاق الإسلامية وركبتم الموضات الغربية الغريبة.
أين أنتم من ابن عباس وابن عمر ؟! أين أنتم من أسامة بن زيد ؟! أين أنتم من سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاووس بن كيسان ؟! أين أنتم من أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ؟! أين أنتم من القُدُوات الحقيقية والمــــــُـــثــــُل العُليا؛ الذين ملأوا السماء نورًا والأرض عدلًا؟.
عودوا إلى الله، فالإسلام ينتظركم، وأمَّتُكم تنتظركم، وأُسُركُم تنتظركم، فلا شيءَ يُدخِلُ السرورَ على الأبوين والأسرة مثل توبتِك وهدايتِك وعودتِك إلى مولاك الذي خلقك.
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تبارك ربنا وتعاليت نستغفرك ونتوب إليك..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين..
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أيها المسلمون:، من الأخطاء الفادحة: المشيُ بالدراجة في الليل بدون ضوء، وإطلاقُ الأصوات العالية والمزعجة، وعكسُ الخط، والتجاوزُ بسرعة جنونية، أو من جهة اليمين، وركوبُ ثلاثةٍ أو أربعة فوق الدراجة أو أسرة كاملة، والمشيُ بدراجة بلا فرامل وغير ذلك من المخالفات.
فحافظوا على أنفسكم يا شباب، وحافظوا على أرواحكم، فالروح أمانة، منحك الرحمنُ إياها وأكرمك بها، سيسألُك عنها إذا ضيَّعتَها، فاعملوا لأنفسكم وأهليكم ما ينفعكم في الدنيا واجتهدوا فيما ينفعكم في الدار الآخرة..
واعملْ لدارِ البقاء رضوانُ خازنــُها ** الجارُ أحمدُ والرحمنُ بانِيها
قصورُها ذهبٌ والمــِسكُ طينتُها ** والزعفرانُ حشيشٌ نابتٌ فيها
اللهم ارحمنا برحمتك وأنزل علينا عافية من عافيتك وشفاءً من شفائك وارفع عنا البلاء والوباء وعافنا من كل داء وبارك لنا في بلادنا وصحِّحها ونَقِّ هواءها وماءها وبارك لنا فيما أعطيتنا يا رب العالمين.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..