السباق إلى دمشق / مجاهد ديرانية
احمد ابوبكر
1434/11/26 - 2013/10/02 03:49AM
الحلقتان الماضيتان من هذه الثلاثية تمهيد لهذه المقالة، وهي جوهر القصيد. إذا كان التحالف الأميركي الدولي جاداً في فرض “النظام السوري الجديد"، وإذا كان لا يبالي بإغراق سوريا في حرب طويلة لتحقيق ذلك الهدف، فهل من سبيل لإفشال مخططه الخبيث؟ نعم، إذا عرفنا “المفتاح" الذي يحتاجون إليه للبدء بتنفيذ مخططهم، وهو نفسه الذي نحتاج نحن إليه لقطع الطريق عليهم. ما هو؟ إنه “السيطرة على دمشق".
أكملُ هنا من حيث انقطعت في المقالة السابقة.
-12-
تسقط الدول عندما تسقط عواصمها، وكذلك الأنظمة، لذلك فإن سفاح سوريا كدّس في دمشق أربعة أعشار القوة التي يملكها وفرّقَ ستة الأعشار الباقية في أنحاء البلاد. هذا ما يقوله المراقبون العسكريون الذين درسوا توزيع القوات العسكرية النظامية خلال السنتين الماضيتين، وهم يقولون أيضاً إن النظام استصفى أفضل قواته المجرمة فحبسها في العاصمة ولم يخرجها منها إلا في النوادر. لماذا صنع ذلك كله؟ لأنه أدرك تلك الحقيقة جيداً: إذا سقطت دمشق خسر الحرب.
هذه الحقيقة البديهية يدركها الآخرون أيضاً، والأميركيون هم خير من يعرفها، ولعلكم تذكرون أنهم -لمّا غَزَوا العراق قبل عشر سنوات- اندفعوا إلى بغداد غيرَ عابئين بأي موقع على الطريق وسلكوا طرقاً صحراوية لتجنّب حرب المدن، فطوَوا المسافة بين أم قصر وبغداد في أيام قليلة، وعندما وصلت الدبابات الأميركية أخيراً إلى جسر الجمهورية في بغداد سقط نظام صدام الذي قاوم كل العواصف والأعاصير والأنواء طوال ثلث قرن.
وما نظام القذافي عنا ببعيد، فهو أيضاً لم يسقط -بعد كل الدمار والدماء- إلا عندما دخل الثوار إلى طرابلس. وقبل العراق وليبيا شواهد من التاريخ لا تحصى، كسقوط فرنسا يوم دخل الألمان باريس في الرابع عشر من حزيران سنة 1940، وسقوط سايغون -في آخر نيسان 1975- الذي وضع نهاية لحرب استمرت عشرين سنة وكلفت نحو مليونَي قتيل.
-13-
سوف يسقط نظام الأسد عندما تسقط دمشق. هذا أمر مفهوم تماماً وليس هو محل السؤال. السؤال المهم: في يَد مَن ستسقط دمشق عندما ينهار النظام؟ هنا مربط الفرس كما يقولون.
لدينا ما يدعو إلى القلق، بل إلى الخوف الحقيقي، من سقوط دمشق في أيدي قوات موالية للتحالف الغربي وليس في أيدي المجاهدين والثوار. منذ آذار 2012 بدأت تتسرب من شمال الأردن أخبار تتحدث عن إنشاء غرفة عمليات أميركية ومعسكرات خاصة يجري فيها تدريب جماعات من الثوار السوريين على يد مدربين أردنيين وأميركيين، وتكوين وحدات خاصة من المقاتلين الدروز الذين تم استقطابهم من محافظة السويداء، وأيضاً عن تخزين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي تدفقت على الأردن مؤخراً، وتجهيز قوات خاصة أردنية لتنفيذ مهمات قتالية في العمق السوري. وأخيراً فقد صار معروفاً الآن أن الولايات المتحدة وحلفاءها قطعوا شوطاً كبيراً في تأسيس قوة مستقلة عن الجيش الحر، وهي ما يسمى “الجيش الوطني"، وقد نُشر عنه وقيل فيه ما يغني عن إعادة الكلام في هذا المقام.
بالنظر إلى الوضع الميداني المتهالك لقوات النظام في الجبهة الجنوبية، ولا سيما بعدما فقد النظام خط الدفاع الثاني عن العاصمة (الحراك-علما-داعل)، فإننا نستطيع استنتاج الحقيقة التالية: أي قوة منظمة وحسنة التسليح يمكنها أن تجتاح حوران وصولاً إلى بوابات دمشق الجنوبية في أقل من نصف يوم. ولكن خطة من هذا النوع لا تبدو منطقية في الوقت الراهن لأن تلك القوة ستواجه نيراناً مكثفة حالما تصل إلى دمشق، وقد يتسبب ميزان القوى في فنائها كلياً أو جزئياً. لا تنسوا الحقيقة التي ذكرتها آنفاً: إن النظام ما زال يحتفظ بأربعة أعشار قوته الكلية في العاصمة، وهي الصفوة من بين قواته جميعاً. كيف ستحل القوات المهاجمة هذه المعضلة؟
-14-
بما أنني ما زلت أتوقع أن تنفذ الولايات المتحدة الضربة العسكرية على سوريا (عاجلاً أو آجلاً) فإنني أبني عليها مسار الأحداث المتوقعة بالصورة الآتية: سوف تؤدي الضربات الصاروخية إلى تعطيل سلاحَي الطيران والصواريخ بسبب الدمار الكبير في المطارات واستهداف منصات إطلاق الصواريخ، بما فيها المنصات الثابتة والمتحركة التي تحمل الصواريخ البالستية (صواريخ فوغ وسكود) والصواريخ الضادة للطائرات (منظومات سام)، وسوف تلحق الضربات أيضاً دماراً كبيراً بقوات النخبة التي تدافع عن العاصمة، وذلك باستهداف ألوية الحرس الجمهوري ومقرات وثكنات الفرقتين الثالثة والرابعة، ومرابض المدفعية على جبلَي قاسيون شمال دمشق والمانع جنوبها، وسوف تستهدف الضربات أيضاً ما تبقى من مواقع لجيش النظام في حوران وتدمر خط الدفاع الأخير عن دمشق، وهو خط إزرع-الشيخ مسكين-نوى، ويضم معسكرات اللواء الضخم 61 والألوية المساندة: 62 و72 و82.
كل ما سبق لا يحتاج إلى أكثر من يومين من القصف المركز بصواريخ كروز ذات القدرة التدميرية العالية، وبعدها تستطيع أي قوة الوصول من الحدود الجنوبية إلى دمشق واحتلالها بالكامل في أقل من ست ساعات.
-15-
الذي أخشاه حقيقة هو الترتيبات الخفية التي يُحتمَل (بل يغلب على الظن) أن يكون التحالف الغربي قد رتبها لاحتلال دمشق، على الطريقة العراقية.
لقد مضت عشر سنوات على سقوط بغداد وما يزال سقوطها لغزاً غريباً إلى اليوم، لغزاً لم تتكشف حقائقه رغم الكثير مما كُتب فيه، ولعل أقرب التفسيرات إلى الحقيقة هي التي تحدثت عن اختراق أميركي لبعض كبار ضباط الجيش العراقي، وقد ذكر اللواء الركن وفيق السامرائي -في كتابه “حطام البوابة الشرقية"- وذكر غيرُه من مؤرّخي غزو العراق تفصيلات مذهلة في هذا الشأن.
هل يُستبعَد أن يكون للأميركيين عملاء (طابور خامس) داخل النظام، من الأجهزة العسكرية والأمنية والسياسية؟ ليس هذا ببعيد أبداً. إذا التقت قوة غازية من خارج العاصمة مع قوة من العملاء في داخلها فإن دمشق ستسقط في عدة ساعات.
-16-
لو بدأت الضربات العسكرية على النظام، سواء أكان هذا في الغد القريب أم البعيد، فسوف تكون الساعات والأيام التالية أياماً مصيرية في حاضر سوريا ومستقبلها، لأن القوة التي تسيطر على دمشق هي القوة التي ستحدد نظام سوريا الجديد.
هنا تأتي المسؤولية الكبرى التي تتحملها الكتائب المقاتلة في دمشق وريفها القريب، الغوطتين الشرقية والغربية والمنطقة الجنوبية والقلمون ووادي بردى. هذه الكتائب تبلغ اليوم عشرات أو مئات بلا مبالغة، بعضها يعمل بتنسيق مع البعض الآخر من خلال تجمعات وتحالفات أو عبر اللقاء في غرف العمليات المشتركة، وبعضها الآخر يتحرك باستقلال تام منفصلاً عن الآخرين. هذا التفرق هو مفتاح الفشل، وهو المقدمة التي ستوصل إلى ضياع دمشق وضياع الثورة.
ما الحل؟ الحل هو البدء الفوري بإجراءات عملية ميدانية لتوحيد الكتائب كلها في جيش واحد، “جيش دمشق وريفها". ليس فقط التنسيق والاتفاق على العمل المشترك ضمن غرفة عمليات موحدة، بل الاتحاد الكامل الذي يذيب الكيانات المتعددة القديمة ويعيد صَبّها في كيان موحد جديد.
-17-
لو نجحت كتائب دمشق وريفها في الاتحاد الكامل بسرعة وبلا إضاعة المزيد من الوقت فإنها قد تملك الوقت الكافي للانتصار في المعركة الفاصلة الكبرى، معركة دمشق. سيكون عليها أولاً اتخاذ إجراءات وقائية لتجنب خطر الضربة الأميركية (أرجو مراجعة مقالة “الضربة الأميركية: الهدف والمُستهدَف")، ثم سيتوجب عليها تحديد الأهداف الإستراتيجية في دمشق -كهيئة الأركان والمقرات الأمنية والقصور الرئاسية والإذاعة والتلفزيون ومصرف سوريا المركزي والمصارف التجارية ومحطات الكهرباء والمياه وشبكات الاتصال- وتوزيع تلك الأهداف على المجموعات المقاتلة بحيث تقوم كل منها بالتقدم المباشر إلى هدفها وتأمين السيطرة الكاملة عليه قبل سقوطه في يد قوات خارجية لا قدّر الله.
سيكون جيش دمشق مكلفاً أيضاً بحماية العاصمة من الفوضى الأمنية التي تعقب سقوط الأنظمة، ومن جماعات اللصوص وقطاع الطرق وأمراء الحرب التي يتستر بعضها باسم الجيش الحر. تلك الجماعات سوف تستغل حالة الفراغ الأمني فتسطو على الممتلكات العامة وتهدد المدنيين وتعيث الفساد، ولا يُستبعَد أن يكون كثير منها أداة في يد القوات الغازية لتنفيذ خطط تخريبية تشتت طاقة فصائل الجيش الحر وتَحول بينها وبين تنفيذ أهدافها.
إنه يومٌ آتٍ ولو بعد حين. قد تضرب أميركا النظام في وقت قريب وقد تضربه في وقت بعيد، وقد يستمر النظام بالتآكل البطيء وصولاً إلى الانهيار الذاتي. لا بد من إعداد خطة كاملة لذلك اليوم المشهود، خطة تضمن الوصول إلى الأهداف الإستراتيجية في العاصمة والسيطرة عليها، لأن السباق إلى العاصمة هو السباق إلى سوريا، والفائز في السباق هو الطرف المنتصر في الحرب.
المصدر: الزلزال السوري
أكملُ هنا من حيث انقطعت في المقالة السابقة.
-12-
تسقط الدول عندما تسقط عواصمها، وكذلك الأنظمة، لذلك فإن سفاح سوريا كدّس في دمشق أربعة أعشار القوة التي يملكها وفرّقَ ستة الأعشار الباقية في أنحاء البلاد. هذا ما يقوله المراقبون العسكريون الذين درسوا توزيع القوات العسكرية النظامية خلال السنتين الماضيتين، وهم يقولون أيضاً إن النظام استصفى أفضل قواته المجرمة فحبسها في العاصمة ولم يخرجها منها إلا في النوادر. لماذا صنع ذلك كله؟ لأنه أدرك تلك الحقيقة جيداً: إذا سقطت دمشق خسر الحرب.
هذه الحقيقة البديهية يدركها الآخرون أيضاً، والأميركيون هم خير من يعرفها، ولعلكم تذكرون أنهم -لمّا غَزَوا العراق قبل عشر سنوات- اندفعوا إلى بغداد غيرَ عابئين بأي موقع على الطريق وسلكوا طرقاً صحراوية لتجنّب حرب المدن، فطوَوا المسافة بين أم قصر وبغداد في أيام قليلة، وعندما وصلت الدبابات الأميركية أخيراً إلى جسر الجمهورية في بغداد سقط نظام صدام الذي قاوم كل العواصف والأعاصير والأنواء طوال ثلث قرن.
وما نظام القذافي عنا ببعيد، فهو أيضاً لم يسقط -بعد كل الدمار والدماء- إلا عندما دخل الثوار إلى طرابلس. وقبل العراق وليبيا شواهد من التاريخ لا تحصى، كسقوط فرنسا يوم دخل الألمان باريس في الرابع عشر من حزيران سنة 1940، وسقوط سايغون -في آخر نيسان 1975- الذي وضع نهاية لحرب استمرت عشرين سنة وكلفت نحو مليونَي قتيل.
-13-
سوف يسقط نظام الأسد عندما تسقط دمشق. هذا أمر مفهوم تماماً وليس هو محل السؤال. السؤال المهم: في يَد مَن ستسقط دمشق عندما ينهار النظام؟ هنا مربط الفرس كما يقولون.
لدينا ما يدعو إلى القلق، بل إلى الخوف الحقيقي، من سقوط دمشق في أيدي قوات موالية للتحالف الغربي وليس في أيدي المجاهدين والثوار. منذ آذار 2012 بدأت تتسرب من شمال الأردن أخبار تتحدث عن إنشاء غرفة عمليات أميركية ومعسكرات خاصة يجري فيها تدريب جماعات من الثوار السوريين على يد مدربين أردنيين وأميركيين، وتكوين وحدات خاصة من المقاتلين الدروز الذين تم استقطابهم من محافظة السويداء، وأيضاً عن تخزين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي تدفقت على الأردن مؤخراً، وتجهيز قوات خاصة أردنية لتنفيذ مهمات قتالية في العمق السوري. وأخيراً فقد صار معروفاً الآن أن الولايات المتحدة وحلفاءها قطعوا شوطاً كبيراً في تأسيس قوة مستقلة عن الجيش الحر، وهي ما يسمى “الجيش الوطني"، وقد نُشر عنه وقيل فيه ما يغني عن إعادة الكلام في هذا المقام.
بالنظر إلى الوضع الميداني المتهالك لقوات النظام في الجبهة الجنوبية، ولا سيما بعدما فقد النظام خط الدفاع الثاني عن العاصمة (الحراك-علما-داعل)، فإننا نستطيع استنتاج الحقيقة التالية: أي قوة منظمة وحسنة التسليح يمكنها أن تجتاح حوران وصولاً إلى بوابات دمشق الجنوبية في أقل من نصف يوم. ولكن خطة من هذا النوع لا تبدو منطقية في الوقت الراهن لأن تلك القوة ستواجه نيراناً مكثفة حالما تصل إلى دمشق، وقد يتسبب ميزان القوى في فنائها كلياً أو جزئياً. لا تنسوا الحقيقة التي ذكرتها آنفاً: إن النظام ما زال يحتفظ بأربعة أعشار قوته الكلية في العاصمة، وهي الصفوة من بين قواته جميعاً. كيف ستحل القوات المهاجمة هذه المعضلة؟
-14-
بما أنني ما زلت أتوقع أن تنفذ الولايات المتحدة الضربة العسكرية على سوريا (عاجلاً أو آجلاً) فإنني أبني عليها مسار الأحداث المتوقعة بالصورة الآتية: سوف تؤدي الضربات الصاروخية إلى تعطيل سلاحَي الطيران والصواريخ بسبب الدمار الكبير في المطارات واستهداف منصات إطلاق الصواريخ، بما فيها المنصات الثابتة والمتحركة التي تحمل الصواريخ البالستية (صواريخ فوغ وسكود) والصواريخ الضادة للطائرات (منظومات سام)، وسوف تلحق الضربات أيضاً دماراً كبيراً بقوات النخبة التي تدافع عن العاصمة، وذلك باستهداف ألوية الحرس الجمهوري ومقرات وثكنات الفرقتين الثالثة والرابعة، ومرابض المدفعية على جبلَي قاسيون شمال دمشق والمانع جنوبها، وسوف تستهدف الضربات أيضاً ما تبقى من مواقع لجيش النظام في حوران وتدمر خط الدفاع الأخير عن دمشق، وهو خط إزرع-الشيخ مسكين-نوى، ويضم معسكرات اللواء الضخم 61 والألوية المساندة: 62 و72 و82.
كل ما سبق لا يحتاج إلى أكثر من يومين من القصف المركز بصواريخ كروز ذات القدرة التدميرية العالية، وبعدها تستطيع أي قوة الوصول من الحدود الجنوبية إلى دمشق واحتلالها بالكامل في أقل من ست ساعات.
-15-
الذي أخشاه حقيقة هو الترتيبات الخفية التي يُحتمَل (بل يغلب على الظن) أن يكون التحالف الغربي قد رتبها لاحتلال دمشق، على الطريقة العراقية.
لقد مضت عشر سنوات على سقوط بغداد وما يزال سقوطها لغزاً غريباً إلى اليوم، لغزاً لم تتكشف حقائقه رغم الكثير مما كُتب فيه، ولعل أقرب التفسيرات إلى الحقيقة هي التي تحدثت عن اختراق أميركي لبعض كبار ضباط الجيش العراقي، وقد ذكر اللواء الركن وفيق السامرائي -في كتابه “حطام البوابة الشرقية"- وذكر غيرُه من مؤرّخي غزو العراق تفصيلات مذهلة في هذا الشأن.
هل يُستبعَد أن يكون للأميركيين عملاء (طابور خامس) داخل النظام، من الأجهزة العسكرية والأمنية والسياسية؟ ليس هذا ببعيد أبداً. إذا التقت قوة غازية من خارج العاصمة مع قوة من العملاء في داخلها فإن دمشق ستسقط في عدة ساعات.
-16-
لو بدأت الضربات العسكرية على النظام، سواء أكان هذا في الغد القريب أم البعيد، فسوف تكون الساعات والأيام التالية أياماً مصيرية في حاضر سوريا ومستقبلها، لأن القوة التي تسيطر على دمشق هي القوة التي ستحدد نظام سوريا الجديد.
هنا تأتي المسؤولية الكبرى التي تتحملها الكتائب المقاتلة في دمشق وريفها القريب، الغوطتين الشرقية والغربية والمنطقة الجنوبية والقلمون ووادي بردى. هذه الكتائب تبلغ اليوم عشرات أو مئات بلا مبالغة، بعضها يعمل بتنسيق مع البعض الآخر من خلال تجمعات وتحالفات أو عبر اللقاء في غرف العمليات المشتركة، وبعضها الآخر يتحرك باستقلال تام منفصلاً عن الآخرين. هذا التفرق هو مفتاح الفشل، وهو المقدمة التي ستوصل إلى ضياع دمشق وضياع الثورة.
ما الحل؟ الحل هو البدء الفوري بإجراءات عملية ميدانية لتوحيد الكتائب كلها في جيش واحد، “جيش دمشق وريفها". ليس فقط التنسيق والاتفاق على العمل المشترك ضمن غرفة عمليات موحدة، بل الاتحاد الكامل الذي يذيب الكيانات المتعددة القديمة ويعيد صَبّها في كيان موحد جديد.
-17-
لو نجحت كتائب دمشق وريفها في الاتحاد الكامل بسرعة وبلا إضاعة المزيد من الوقت فإنها قد تملك الوقت الكافي للانتصار في المعركة الفاصلة الكبرى، معركة دمشق. سيكون عليها أولاً اتخاذ إجراءات وقائية لتجنب خطر الضربة الأميركية (أرجو مراجعة مقالة “الضربة الأميركية: الهدف والمُستهدَف")، ثم سيتوجب عليها تحديد الأهداف الإستراتيجية في دمشق -كهيئة الأركان والمقرات الأمنية والقصور الرئاسية والإذاعة والتلفزيون ومصرف سوريا المركزي والمصارف التجارية ومحطات الكهرباء والمياه وشبكات الاتصال- وتوزيع تلك الأهداف على المجموعات المقاتلة بحيث تقوم كل منها بالتقدم المباشر إلى هدفها وتأمين السيطرة الكاملة عليه قبل سقوطه في يد قوات خارجية لا قدّر الله.
سيكون جيش دمشق مكلفاً أيضاً بحماية العاصمة من الفوضى الأمنية التي تعقب سقوط الأنظمة، ومن جماعات اللصوص وقطاع الطرق وأمراء الحرب التي يتستر بعضها باسم الجيش الحر. تلك الجماعات سوف تستغل حالة الفراغ الأمني فتسطو على الممتلكات العامة وتهدد المدنيين وتعيث الفساد، ولا يُستبعَد أن يكون كثير منها أداة في يد القوات الغازية لتنفيذ خطط تخريبية تشتت طاقة فصائل الجيش الحر وتَحول بينها وبين تنفيذ أهدافها.
إنه يومٌ آتٍ ولو بعد حين. قد تضرب أميركا النظام في وقت قريب وقد تضربه في وقت بعيد، وقد يستمر النظام بالتآكل البطيء وصولاً إلى الانهيار الذاتي. لا بد من إعداد خطة كاملة لذلك اليوم المشهود، خطة تضمن الوصول إلى الأهداف الإستراتيجية في العاصمة والسيطرة عليها، لأن السباق إلى العاصمة هو السباق إلى سوريا، والفائز في السباق هو الطرف المنتصر في الحرب.
المصدر: الزلزال السوري