الزينة والجمال
ناصر بن علي القطامي
1437/07/15 - 2016/04/22 00:12AM
الزينة والجمال
الخطبة الأولى
من محاسن الإسلام وكمال الشريعة إيمانها بقيمة الجمال والاهتمام به، من خلال عددٍ من الأوامر الشرعية والأحكام التعبدية التي تدعو إلى التزيّن، والعناية بحسن المظهر، واعتبار ذلك من الأمور الممدوحة شرعاً ، كقوله تعالى: {يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} (الأعراف:30) وكقوله تعالى{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق }(سورة الأعراف:32)
قال الزمخشري والآلوسي: المراد بالزينة في الآية الكريمة اللباس وكل ما يُتجمل به .
بل أكد هذا المعنى بنص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( إن الله جميل يحب الجمال ) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) رواه الترمذي .
أيها المؤمنون: الزينة في الأصل مباحة بجميع أنواعها إلا ما خصصه الشرع، وأخرجه عن درجة الإباحة، ومن الأمور التي لا ينكرها عقل أن الإسلام دينُ النظافة والطهارة والنزاهة، والجمال والكمال، ومن تأمل كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك جلياً واضحاً .
فقد كان من هديه - عليه الصلاة والسلام - الاعتناء بتزيين نفسه وتهذيبها، وكذلك الاعتناء بنظافة جسمه، وملابسه وشعره، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوةٍ، وأفضل قدوة، بما اشتُهر به من جمال الهيئة، وحسن السمت، والاعتناء بالزينة، ليجمع بين جمال الروح، وأناقة المظهر، وطيب الرائحة .
فأما عنايته بشعره، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتني بترجيل شعره ، وتسريح لحيته ، وكان لديه شعرٌ طويل يصل إلى أذنيه .
قال البراء بن عازب رضي الله عنه : " كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه " متفق عليه .
وعندما يطول شعره صلى الله عليه وسلم كان يربطه على شكل ضفائر ، ويدلّ عليه قول أم هانئ رضي الله عنها : " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر ) رواه أبو داود .
وفي أوّل أمره كان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره مخالفةً لمشركي مكّة ، وموافقةً لأهل الكتاب، والمقصود بإسدال الشعر إرساله دون تفريق ، وبعد ذلك صار يفرق رأسه فرقتين ، مبتدئاً بالجهة اليُمنى كعادته في التيامن ، ودليل ما سبق قول ابن عباس رضي الله عنه : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه " رواه البخاري .
وفي كلّ الأحوال ، لم يكن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشعره مبالغاً فيه ، بل كان يحذّر من الإفراط في ذلك ، كما روى عبدالله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجّل إلا غبّا – أي بين الحين والآخر. رواه الترمذي . (والمقصود عدم المبالغة في العناية به إن كان طويلا، حتى لا يشغل ويلهي) .
واختلف أصحابه رضي الله عنهم في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للخضاب ، فقال بعضهم : خضب ، وقال آخرون : لم يخضب ، والجمع بينها كما قال الإمام النووي : " والمختار أنه صلى الله عليه وسلم صبغ شعره بالكتن في وقتٍ وتركه في معظم الأوقات ، فأخبر كلٌّ بما رأى وهو صادق ، وهذا التأويل كالمتعيّن " .
وعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلق رأسه كان لا يترك من شعره شيئاً .
يقول الإمام ابن القيم: " وكان هديه صلى الله عليه وسلم في حلق الرأس تركه كله ، أو أخذه كله ، ولم يكن يحلق بعضه ، ويدع بعضه ، ولم يحفظ عنه حلقه إلا في نسك " .
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزينة، استعماله للكحل ،وكانت لديه مكحلة يكتحل منها كل ليلة ، ويفضّل استخدام (الإثمد) وهو أجود أنواع الكحل ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (اكتحلوا بالإثمد؛ فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر) رواه الترمذي .
كما كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عنايةٌ خاصة بسنن الفطرة ، كتوفير لحيته وإعفائها، وقص الشارب، وكان يأمر بذلك أصحابه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قصوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس ) .
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بنظافة فمه ، ويُكثر من استخدام السواك، حال إفطاره وصومه، وعند وضوئه أو صلاته، وعند استيقاظه من نومه، وحين دخوله لمنزله، حتى في لحظاته الأخيرة أمر عائشة رضي الله عنه أن تأتيها بسواك ليلقى ربّه بأطيب رائحة.
وأما عن ملابسه فقد كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب أحلاها، سواءٌ في ذلك عمامته وإزاره وكساؤه، وبردته وعمامته، وخفّه ونعله ويحب من ثيابه البياض.
كما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضّة ، وكان فصّه من الحبشة يجعله مما يلي كفّه ، ويلبس الخاتم في خنصره ، وقد اتخذه ليختم به الرسائل التي كان يُرسلها إلى الملوك والأمراء .
وللطيب – أيها المؤمنون- في حياة النبي صلى الله عليه وسلم شأنٌ آخر ، فقد أحبّه حبّاً شديداً لا يكاد يوازيه شيء من أمور الدنيا ، وقال في ذلك : ( حُبّب إليّ من الدنيا النساء والطيب ) رواه النسائي. ولذلك كان لا يردّ الطيب من أحدٍ أبداً .
وكان له صلى الله عليه وسلم سُكّة يتطيّب منها "وهي نوعٌ من الطيب أو وعاء فيه طيب مجتمع"، وكان أحبّ الطيب إليه المسك .
وكان أنس بن مالك، لا يرد الطيب، وقال أنس: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب».
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن».
وكان صلى الله عليه وسلم يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل. رواه مسلم
قال إسحاق بن راهوية : أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب صلى الله عليه وسلم .
والحقيقة أن الإنسان حسن المظهر، وذا الرائحة الجميلة الطيبة يحبه الجميع ويألفونه, بل ويحبون مجالسته, والتحدث معه، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها .
بارك الله لي ولكم ..
لخطبة الثانية
لا تزال الأبحاث والدراسات المعاصرة التي تجرى في كبرى المعاهد والمعامل العالمية تفاجأنا بنتائج طبية ونفسية مذهلة ! سطرها لنا القرآن في ثنايا آيات الله، ونطق بها نبي الرحمة بوحي الله قبل أكثر من الف وأربع مائة سنة ! وهاهي اليوم نتائج الباحثين من المسلمين وغيرهم تؤكد هذه الحقائق، ومن ذلك الأبعاد النفسية والطبية لاستخدام الطيب،
فقد أشار الإمام ابن القيم إلى ذلك حيث قال : ( لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع الدِّماغ والقلب وسائر الأعضاء الباطنية، ويُفرح القلب، ويسر النفس، ويبسط الروح، وهو أصدق شيء للروح وأشده ملاءمة لها، وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة) .
ويقول أيضاً : (وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه ، والشياطين تنفر منه ، وأحب شيءٍ إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة ، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة ، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة ، وكل روح تميل إلى ما يُناسبها) . زاد المعاد (4/279).
كما ينبغي أن يعلم – أيها الكرام- أن التجمل والتزين باعتدال أمر محمود ولا ينافي الزهد في الدنيا، إذ أن الزهد عمل قلبي لا علاقة له بالجوارح. والزهد هو: ترك مالا ينفع في الآخرة .
كما يستحسن أن يعلم أن الجمال والزينة لا تعني بالضرورة لبس الفاخر من الثياب، أو اقتناء النفيس منها، بل يكفي لبس النظيف منها، وتعاهده بالتعطير ونحوه.
وهكذا -أيها الأكارم- يعلّمنا النبي صلى الله عليه وسلم بسنّته العملية كيف يكون المؤمن معتنياً بمظهره كاعتنائه بمخبره، ليتحقّق التوازن المنشود في الشخصيّة المسلمة، والذي تفتقده المناهج الأرضيّة، والديانات المحرّفة، لما في ذلك من إشباع للرغبات الفطرية، والميول الطبيعية لبني البشر، دون إسراف أو تبذير، أو خيلاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {والذين إذا أنقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}
ثم صلوا ..
الخطبة الأولى
من محاسن الإسلام وكمال الشريعة إيمانها بقيمة الجمال والاهتمام به، من خلال عددٍ من الأوامر الشرعية والأحكام التعبدية التي تدعو إلى التزيّن، والعناية بحسن المظهر، واعتبار ذلك من الأمور الممدوحة شرعاً ، كقوله تعالى: {يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} (الأعراف:30) وكقوله تعالى{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق }(سورة الأعراف:32)
قال الزمخشري والآلوسي: المراد بالزينة في الآية الكريمة اللباس وكل ما يُتجمل به .
بل أكد هذا المعنى بنص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( إن الله جميل يحب الجمال ) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) رواه الترمذي .
أيها المؤمنون: الزينة في الأصل مباحة بجميع أنواعها إلا ما خصصه الشرع، وأخرجه عن درجة الإباحة، ومن الأمور التي لا ينكرها عقل أن الإسلام دينُ النظافة والطهارة والنزاهة، والجمال والكمال، ومن تأمل كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك جلياً واضحاً .
فقد كان من هديه - عليه الصلاة والسلام - الاعتناء بتزيين نفسه وتهذيبها، وكذلك الاعتناء بنظافة جسمه، وملابسه وشعره، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوةٍ، وأفضل قدوة، بما اشتُهر به من جمال الهيئة، وحسن السمت، والاعتناء بالزينة، ليجمع بين جمال الروح، وأناقة المظهر، وطيب الرائحة .
فأما عنايته بشعره، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتني بترجيل شعره ، وتسريح لحيته ، وكان لديه شعرٌ طويل يصل إلى أذنيه .
قال البراء بن عازب رضي الله عنه : " كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه " متفق عليه .
وعندما يطول شعره صلى الله عليه وسلم كان يربطه على شكل ضفائر ، ويدلّ عليه قول أم هانئ رضي الله عنها : " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر ) رواه أبو داود .
وفي أوّل أمره كان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره مخالفةً لمشركي مكّة ، وموافقةً لأهل الكتاب، والمقصود بإسدال الشعر إرساله دون تفريق ، وبعد ذلك صار يفرق رأسه فرقتين ، مبتدئاً بالجهة اليُمنى كعادته في التيامن ، ودليل ما سبق قول ابن عباس رضي الله عنه : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه " رواه البخاري .
وفي كلّ الأحوال ، لم يكن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشعره مبالغاً فيه ، بل كان يحذّر من الإفراط في ذلك ، كما روى عبدالله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجّل إلا غبّا – أي بين الحين والآخر. رواه الترمذي . (والمقصود عدم المبالغة في العناية به إن كان طويلا، حتى لا يشغل ويلهي) .
واختلف أصحابه رضي الله عنهم في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للخضاب ، فقال بعضهم : خضب ، وقال آخرون : لم يخضب ، والجمع بينها كما قال الإمام النووي : " والمختار أنه صلى الله عليه وسلم صبغ شعره بالكتن في وقتٍ وتركه في معظم الأوقات ، فأخبر كلٌّ بما رأى وهو صادق ، وهذا التأويل كالمتعيّن " .
وعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلق رأسه كان لا يترك من شعره شيئاً .
يقول الإمام ابن القيم: " وكان هديه صلى الله عليه وسلم في حلق الرأس تركه كله ، أو أخذه كله ، ولم يكن يحلق بعضه ، ويدع بعضه ، ولم يحفظ عنه حلقه إلا في نسك " .
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزينة، استعماله للكحل ،وكانت لديه مكحلة يكتحل منها كل ليلة ، ويفضّل استخدام (الإثمد) وهو أجود أنواع الكحل ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (اكتحلوا بالإثمد؛ فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر) رواه الترمذي .
كما كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عنايةٌ خاصة بسنن الفطرة ، كتوفير لحيته وإعفائها، وقص الشارب، وكان يأمر بذلك أصحابه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قصوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس ) .
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بنظافة فمه ، ويُكثر من استخدام السواك، حال إفطاره وصومه، وعند وضوئه أو صلاته، وعند استيقاظه من نومه، وحين دخوله لمنزله، حتى في لحظاته الأخيرة أمر عائشة رضي الله عنه أن تأتيها بسواك ليلقى ربّه بأطيب رائحة.
وأما عن ملابسه فقد كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب أحلاها، سواءٌ في ذلك عمامته وإزاره وكساؤه، وبردته وعمامته، وخفّه ونعله ويحب من ثيابه البياض.
كما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضّة ، وكان فصّه من الحبشة يجعله مما يلي كفّه ، ويلبس الخاتم في خنصره ، وقد اتخذه ليختم به الرسائل التي كان يُرسلها إلى الملوك والأمراء .
وللطيب – أيها المؤمنون- في حياة النبي صلى الله عليه وسلم شأنٌ آخر ، فقد أحبّه حبّاً شديداً لا يكاد يوازيه شيء من أمور الدنيا ، وقال في ذلك : ( حُبّب إليّ من الدنيا النساء والطيب ) رواه النسائي. ولذلك كان لا يردّ الطيب من أحدٍ أبداً .
وكان له صلى الله عليه وسلم سُكّة يتطيّب منها "وهي نوعٌ من الطيب أو وعاء فيه طيب مجتمع"، وكان أحبّ الطيب إليه المسك .
وكان أنس بن مالك، لا يرد الطيب، وقال أنس: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب».
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن».
وكان صلى الله عليه وسلم يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل. رواه مسلم
قال إسحاق بن راهوية : أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب صلى الله عليه وسلم .
والحقيقة أن الإنسان حسن المظهر، وذا الرائحة الجميلة الطيبة يحبه الجميع ويألفونه, بل ويحبون مجالسته, والتحدث معه، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها .
بارك الله لي ولكم ..
لخطبة الثانية
لا تزال الأبحاث والدراسات المعاصرة التي تجرى في كبرى المعاهد والمعامل العالمية تفاجأنا بنتائج طبية ونفسية مذهلة ! سطرها لنا القرآن في ثنايا آيات الله، ونطق بها نبي الرحمة بوحي الله قبل أكثر من الف وأربع مائة سنة ! وهاهي اليوم نتائج الباحثين من المسلمين وغيرهم تؤكد هذه الحقائق، ومن ذلك الأبعاد النفسية والطبية لاستخدام الطيب،
فقد أشار الإمام ابن القيم إلى ذلك حيث قال : ( لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع الدِّماغ والقلب وسائر الأعضاء الباطنية، ويُفرح القلب، ويسر النفس، ويبسط الروح، وهو أصدق شيء للروح وأشده ملاءمة لها، وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة) .
ويقول أيضاً : (وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه ، والشياطين تنفر منه ، وأحب شيءٍ إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة ، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة ، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة ، وكل روح تميل إلى ما يُناسبها) . زاد المعاد (4/279).
كما ينبغي أن يعلم – أيها الكرام- أن التجمل والتزين باعتدال أمر محمود ولا ينافي الزهد في الدنيا، إذ أن الزهد عمل قلبي لا علاقة له بالجوارح. والزهد هو: ترك مالا ينفع في الآخرة .
كما يستحسن أن يعلم أن الجمال والزينة لا تعني بالضرورة لبس الفاخر من الثياب، أو اقتناء النفيس منها، بل يكفي لبس النظيف منها، وتعاهده بالتعطير ونحوه.
وهكذا -أيها الأكارم- يعلّمنا النبي صلى الله عليه وسلم بسنّته العملية كيف يكون المؤمن معتنياً بمظهره كاعتنائه بمخبره، ليتحقّق التوازن المنشود في الشخصيّة المسلمة، والذي تفتقده المناهج الأرضيّة، والديانات المحرّفة، لما في ذلك من إشباع للرغبات الفطرية، والميول الطبيعية لبني البشر، دون إسراف أو تبذير، أو خيلاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {والذين إذا أنقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}
ثم صلوا ..