الزوجة المكلومة ... والبيت الحزين
عبدالله البصري
1432/08/07 - 2011/07/08 15:09PM
( الزوجة المكلومة ... والبيت الحزين )
مقال لـلشيخ د. عبدالرحمن بن صالح المزيني
بسم الله الرحمن الرحيم
(الزوجة المكلومة...والبيت الحزين)
في مجتمعنا صورة تتكرر كل عام حين تهجم الإجازة الصيفية بحلوها ومرها... إنها السفر وما أدراكم مالسفر؟
فالناس ينتظرون الإجارة الصيفية بعد عناء من عام دراسي كامل... إلا أن بيوتا كثيرة تعتبر الأجازة هي الشبح المخيف وبداية المعانات حيث أن معيلها يتجهز كل صيف لرحلته السنوية في الشرق أو الغرب تاركا وراءه زوجته الكريمة وأسرته اليتيمة !! الناس يأنسون في الإجازة بالتنقلات والزيارات والمناسبات أما تلك الأسرة المكلومة ...فلا يطرق عليهم الباب طارق إلا ما ندر ولا يعرفون السفر كفاهم المؤنة معيلهم ووالدهم الحنون !! يجمع ما جمع من مال ليتمتع به في بلاد الحرية المزعومة في المصايف الباردة فارا من حر الدنيا (..قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)
تفر من الهجير وتتقيه *** فهلا عن جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا *** ولو كنت الحديد بها لذبتا
إنني أنادي هذا. وأمثاله في المجتمع كثير –هداهم الله- إن يراجعوا الحسابات من جديد وان يمعنوا النظر في هذا الطريق وان يتأملوا العواقب والنتائج بعيدا عن الأنانية وحب الذات. والنظر بعين البصيرة والنصح لنفسه وأهله.
أخي المسافر: تذكر في سفرك هذا زوجتك التي تعيش هما وقلقا عليك خوفا من الأخطار كلما تأخر اتصالك أو تأخرت بالرد على اتصالها فلا تسأل عن حالها و تفكيرها في أي واد يحل خوفا عليك ومنك!!.
ولا تسأل عنها يوم عودتك من السفر فالزوجات يفرحن بقدوم أزواجهن ولكن حليلتك يفسد فرحتها الخوف حيث تسمع عن تلك الأمراض الخطيرة فهي في وجل من قرب زوجها منها !! كيف لا وقد جاء عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم قوله: ( لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ(الزنا) فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ).
عفوا !! قد يكون الزوج عفيفا ولكن قد يبتلى هكذا يكون تفكيرها، ولا لوم عليها في هذا الظن السئ والتفكير فهي تعلم فساد تلك البلاد وانتشار الدعارة فيها وتعلم الفساد والعري والانحراف الذي تعيشه المرأة في تلك البلاد !! فالمرأة هناك تعيش على حساب عرضها وشرفها فهي تعرض نفسها بثمن بخس للسواح في الأسواق والفنادق والملاهي ونحوها.
فهل سمعتم بتعذيب أعظم من هذا ؟ إنهم أزواج يعذبون زوجاتهم وآباء يضيعون أبناءهم.لأجل متعتهم كما يزعمون فأي أنانية أعظم من هذه ؟ .قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وقال تعالى:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)
وإلا فما ذنب الزوجة والأولاد كلما أقبلت هذه الإجازة - الناس يفرحون بها - وهم يحزنون لأنهم سيهملون في المجتمع ويكونون تحت رحمة الآخرين لأن معيلهم ووالدهم قد ضيعهم .كما هو حال كثير ممن يسافرون.ولربما أغدق عليهم الأموال قبل سفره – إن كان غنيا موسرا - لكن من يحل محل الزوج للزوجة ومكان الأب للأبناء ؟ وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة. وفي رواية فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة ) فمن يسعى لحفظهم من الأخطار.ومن الفساق .ومن الانحراف - نعوذ بالله - فينبغي أن يكون وليهم عينا ساهرة عليهم فقد قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ ، وَهْيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ...)
أخي المسافر: تذكر أن الله يغار وغيرته أن يأتي المرء ما حرم الله فإذا تمادى الإنسان بالمخالفات ولم يتب ويندم ويعود إلى الله فلا يبعد أن يرميه الله بعقوبة عاجلة في الدنيا من هم وغم لازم أو دين لا يستطيع له وفاء أو مرضا مقعدا أو مشاكل في أسرته قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) .
إن السفر إلى بلاد الكفر والإباحية والتفسخ مع حرمته شرعا فهو قبيح عقلا لما يترتب عليه من مفاسد وسلبيات لا تخفى على ذي بصيرة .فلو لم يكن فيه من المخاطر إلا الإعجاب بما هم عليه من حال !!قال صلى الله عليه وسلم : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ) فالمسلم من أهل تلك البلاد مطالب بالهجرة وتركها إذا لم يستطع حفظ دينه فكيف بمن يسافر إليها ؟
وإليك طرفا من مفاسد السفر إلي تلك البلاد :-
أولا : من أعظم آثار السفر إلى البلاد المتفتحة فقدان الغيرة ؛ فإن الإنسان إذا أقام في بلد تكثر فيه المعاصي؛والتفسخ والعري فإن غيرته تضعف أو تموت بالكلية فيستمرئ الانحلال.بل ربما صار يوما من الدهر من دعاته. وما أكثرهم لا كثرهم الله.وحفظني الله وإياك.
ثانيا : من أعظم الذنوب المترتبة على السفر إلى الخارج النظر المحرم للنساء والفتيات العاريات فهو أمر لا يسلم منه احد ممن سافر لأنها بلاد تفسخ. والنظر سهم مسموم من سهام إبليس قال تعالى:( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ) ومن أطلق بصره بالحرام لا يأمن أن تقع في قلبه صورة هذه المرأة فلا يملك نفسه أن يندفع إلى البحث عن قضاء شهوته، بالحرام .
ولتعلم أن النظر إلى الأجنبيات المحرمات يزهد الإنسان بما عنده من الحلال فكم من رجل أعرض عن زوجته وكم من زوجة أعرضت عن زوجها لأن كل واحد رأى ما هو أحسن مما عنده. و الله سبحانه تعالى- جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته، فالنظرة تزرع في القلب الشهوة، لذلك أمر الله -سبحانه وتعالى- بغض الأبصار قبل حفظ الفروج و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (والعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاها النَّظر) و إطلاق النظر في النساء سبب رئيسي في إعاقة سير العبد إلى ربه جل وعلا ، واشتغاله عما خلق له من عبادة الله ، بل قد يتعدى ذلك إلى الخروج من دين الله عز وجل والردة عن الإسلام والعياذ بالله كما حصل لبعض الذين أطلقوا بصرهم في الحرام.و كما في الصحيحين (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وأقول هل ترضى لزوجتك أو أختك أن تتعلق بصور الرجال وتتمتع بالنظر إليهم؟ ولا شك أنه لايرضى بذلك إلا من ماتت الغيرة في قلبه.
وأعلم أن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان.ودقة بدقة وان زدت زاد السقا.فكما عصيت بسفرك وإطلاق بصرك لربما عصت زوجتك !!!فحذار حذار..
ولو تأمل العاقل لعلم أنه لا يجني من السفر إلاّ الحسرات والآلام والآهات، إذ لا يستطيع أن يظفر بحقيقة ما شاهد إلا بالحرام.
وصدق الشاعر إذ يقول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً *** لـقـلـبـك يـومـاً أتـعبتـك المناظـرُ
رأيـت الـذي لا كلّـَه أنـت قـادرٌ *** عليه ولا عن بعضـه أنـت صابـرُ
وقال آخر:
كم نظرة فتكتْ في قلب صاحبها *** فتـك السهـام بـلا قـوس ولا وتر
والمـرء مـا دام ذا عيـن يقلّبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسّـر مقـلتـهُ مـا ضـرّ مـهجـتـه *** لا مرحبــاً بسـرور عــاد بالضّــررِ
فالنظر هو الباب الأكبر إلى القلب وغض البصر وحفظه من أعظم الأدوية لعلاج أمراض القلب، وفيه حسم لمادة المرض قبل حصوله.
ثالثا : ومن مفاسده أنك تسهل السفر لغيرك فكم من إنسان معرض عن السفر للخارج أو متردد فإذا رأى فلانا وفلانا قد سافروا جاءت العزيمة خصوصا أن المسافر إذا قدم من السفر يحرص على ذكر ما رأى فيشجع غيره على السفر سواء شعر أم لم يشعر فتكون مجاهرا بالذنب إماما في الفساد وفي الحديث (كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْه).وربما كان من الذين قال الله فيهم (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
رابعا : لتعلم أن من الأمور المسلمة أن من سافر مرة واحدة أدمن السفر فلا يكاد يتخلص منه بل تجد نفسك تنتظر الإجازات بفارغ الصبر لهفا على السفر.وهذا أمر مشاهد حتى أن بعضهم يتمنى الخلاص فلا يجد سبيلا.
خامسا : أن السفر للخارج سبب للانحراف عن الدين فالواقع خير شاهد فقد رأينا من طلبة العلم وأئمة المساجد من انحرف بسبب إدمان السفر فحذار حذار فأغلى ما تملك دينك.والسلامة لا يعدلها شيئ.
سادسا : الإسراف في الأموال فكم هي الأموال التي تنفق على السفر للخارج فلو استعنت بها على شؤونك أو وصلت بها قريبك أو تصدقت بها لكانت عند الله بالمنزلة وفي الصحيح: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)
سابعا : ضياع الأوقات
قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )
وفي الصحيح قوله: ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. قال سُفْيَانُ بن عيينة: " يَا أَبَا مُحَمَّدٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَدَعُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا عَوَضَّهُ اللهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَرَكْتَ أَشْيَاءَ مِنَ الدُّنْيَا، فَمَا عَوَضَّكَ اللهُ مِنْهَا قَالَ: الرِّضَا بِمَا تَرَوْنَ " وكان مريضا مقعدا معدما.
وأحذر من الاستجابة لنفسك وهواها
قال تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ولا تغتر بحرصك على السفر ولهفك عليه وشدة شهوتك للسفر ففي الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ) فلا خير في لذة تعقبها النار وغضب الجبار.
وقبل العزم على السفر تذكر السفر الطويل إلى الآخرة مع قلة الزاد وفقد الأنيس والحبيب والجليس
قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )
وقال سبحانه: ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
وقال سبحانه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ *وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أخ له: يا أخي إنك قد قطعت عظيم السفر وبقي أقله فاذكر يا أخي المصادر والموارد فقد أوحي إلى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن أنك من أهل الورود ولم يخبرك أنك من أهل الصدر والخروج وإياك أن تغرك.. فإن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له. أي أخي إن أجلك قد دنا فكن وصي نفسك ولا تجعل الرجال أوصياءك.
وقال ابن الجوزي: الثواب في الدنيا قليل ولنا عليها حساب طويل فتهيأ للنقلة عنها قبل أن يزعجك الرحيل ليس لك في سفر الآخرة زاد إلا ما قدمت ليوم المعاد .
وفي تذكرة القرطبي :.. فإنه لا يدري أين كتبت منيته من بقاع.أ.هـ نعم وأنا أقول ربما كتبت منيتك في تلك الدولة التي عزمت على الذهاب إليها. وقد روي في الآثار القديمة: أن سليمان عليه السلام كان عنده رجل يقول: يا نبي الله: إن لي حاجة بأرض الهند فأسألك أن تأمر الريح أن يحملني إليها في هذه الساعة فنظر سليمان إلى ملك الموت عليه السلام فرأه يبتسم فقال: مم تتبسم ؟ قال: تعجبا ـ: إني أمرت بقبض روح هذا الرجل في بقية هذه الساعة بالهند و أنا أراه عندك فروي أن الريح حملته في تلك الساعة إلى الهند فقبض روحه بها.
و تذكر قول الله عز وجل { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } وسيحفظ ذلك عليهم، حتى يردوا القيامة، فيجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا.
أسأل الله أن تلاقي هذه النصيحة قلبا سليما وعقلا رشيدا وعينا بصيرة فتقبل الحق وتعود إلى الرشد.( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
كتبه د. عبدالرحمن بن صالح المزيني
المشرف العام على موقع رياض الإسلام
16شعبان 1431هـ
مقال لـلشيخ د. عبدالرحمن بن صالح المزيني
بسم الله الرحمن الرحيم
(الزوجة المكلومة...والبيت الحزين)
في مجتمعنا صورة تتكرر كل عام حين تهجم الإجازة الصيفية بحلوها ومرها... إنها السفر وما أدراكم مالسفر؟
فالناس ينتظرون الإجارة الصيفية بعد عناء من عام دراسي كامل... إلا أن بيوتا كثيرة تعتبر الأجازة هي الشبح المخيف وبداية المعانات حيث أن معيلها يتجهز كل صيف لرحلته السنوية في الشرق أو الغرب تاركا وراءه زوجته الكريمة وأسرته اليتيمة !! الناس يأنسون في الإجازة بالتنقلات والزيارات والمناسبات أما تلك الأسرة المكلومة ...فلا يطرق عليهم الباب طارق إلا ما ندر ولا يعرفون السفر كفاهم المؤنة معيلهم ووالدهم الحنون !! يجمع ما جمع من مال ليتمتع به في بلاد الحرية المزعومة في المصايف الباردة فارا من حر الدنيا (..قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)
تفر من الهجير وتتقيه *** فهلا عن جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا *** ولو كنت الحديد بها لذبتا
إنني أنادي هذا. وأمثاله في المجتمع كثير –هداهم الله- إن يراجعوا الحسابات من جديد وان يمعنوا النظر في هذا الطريق وان يتأملوا العواقب والنتائج بعيدا عن الأنانية وحب الذات. والنظر بعين البصيرة والنصح لنفسه وأهله.
أخي المسافر: تذكر في سفرك هذا زوجتك التي تعيش هما وقلقا عليك خوفا من الأخطار كلما تأخر اتصالك أو تأخرت بالرد على اتصالها فلا تسأل عن حالها و تفكيرها في أي واد يحل خوفا عليك ومنك!!.
ولا تسأل عنها يوم عودتك من السفر فالزوجات يفرحن بقدوم أزواجهن ولكن حليلتك يفسد فرحتها الخوف حيث تسمع عن تلك الأمراض الخطيرة فهي في وجل من قرب زوجها منها !! كيف لا وقد جاء عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم قوله: ( لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ(الزنا) فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ).
عفوا !! قد يكون الزوج عفيفا ولكن قد يبتلى هكذا يكون تفكيرها، ولا لوم عليها في هذا الظن السئ والتفكير فهي تعلم فساد تلك البلاد وانتشار الدعارة فيها وتعلم الفساد والعري والانحراف الذي تعيشه المرأة في تلك البلاد !! فالمرأة هناك تعيش على حساب عرضها وشرفها فهي تعرض نفسها بثمن بخس للسواح في الأسواق والفنادق والملاهي ونحوها.
فهل سمعتم بتعذيب أعظم من هذا ؟ إنهم أزواج يعذبون زوجاتهم وآباء يضيعون أبناءهم.لأجل متعتهم كما يزعمون فأي أنانية أعظم من هذه ؟ .قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وقال تعالى:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)
وإلا فما ذنب الزوجة والأولاد كلما أقبلت هذه الإجازة - الناس يفرحون بها - وهم يحزنون لأنهم سيهملون في المجتمع ويكونون تحت رحمة الآخرين لأن معيلهم ووالدهم قد ضيعهم .كما هو حال كثير ممن يسافرون.ولربما أغدق عليهم الأموال قبل سفره – إن كان غنيا موسرا - لكن من يحل محل الزوج للزوجة ومكان الأب للأبناء ؟ وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة. وفي رواية فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة ) فمن يسعى لحفظهم من الأخطار.ومن الفساق .ومن الانحراف - نعوذ بالله - فينبغي أن يكون وليهم عينا ساهرة عليهم فقد قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ ، وَهْيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ...)
أخي المسافر: تذكر أن الله يغار وغيرته أن يأتي المرء ما حرم الله فإذا تمادى الإنسان بالمخالفات ولم يتب ويندم ويعود إلى الله فلا يبعد أن يرميه الله بعقوبة عاجلة في الدنيا من هم وغم لازم أو دين لا يستطيع له وفاء أو مرضا مقعدا أو مشاكل في أسرته قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) .
إن السفر إلى بلاد الكفر والإباحية والتفسخ مع حرمته شرعا فهو قبيح عقلا لما يترتب عليه من مفاسد وسلبيات لا تخفى على ذي بصيرة .فلو لم يكن فيه من المخاطر إلا الإعجاب بما هم عليه من حال !!قال صلى الله عليه وسلم : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ) فالمسلم من أهل تلك البلاد مطالب بالهجرة وتركها إذا لم يستطع حفظ دينه فكيف بمن يسافر إليها ؟
وإليك طرفا من مفاسد السفر إلي تلك البلاد :-
أولا : من أعظم آثار السفر إلى البلاد المتفتحة فقدان الغيرة ؛ فإن الإنسان إذا أقام في بلد تكثر فيه المعاصي؛والتفسخ والعري فإن غيرته تضعف أو تموت بالكلية فيستمرئ الانحلال.بل ربما صار يوما من الدهر من دعاته. وما أكثرهم لا كثرهم الله.وحفظني الله وإياك.
ثانيا : من أعظم الذنوب المترتبة على السفر إلى الخارج النظر المحرم للنساء والفتيات العاريات فهو أمر لا يسلم منه احد ممن سافر لأنها بلاد تفسخ. والنظر سهم مسموم من سهام إبليس قال تعالى:( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ) ومن أطلق بصره بالحرام لا يأمن أن تقع في قلبه صورة هذه المرأة فلا يملك نفسه أن يندفع إلى البحث عن قضاء شهوته، بالحرام .
ولتعلم أن النظر إلى الأجنبيات المحرمات يزهد الإنسان بما عنده من الحلال فكم من رجل أعرض عن زوجته وكم من زوجة أعرضت عن زوجها لأن كل واحد رأى ما هو أحسن مما عنده. و الله سبحانه تعالى- جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته، فالنظرة تزرع في القلب الشهوة، لذلك أمر الله -سبحانه وتعالى- بغض الأبصار قبل حفظ الفروج و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (والعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاها النَّظر) و إطلاق النظر في النساء سبب رئيسي في إعاقة سير العبد إلى ربه جل وعلا ، واشتغاله عما خلق له من عبادة الله ، بل قد يتعدى ذلك إلى الخروج من دين الله عز وجل والردة عن الإسلام والعياذ بالله كما حصل لبعض الذين أطلقوا بصرهم في الحرام.و كما في الصحيحين (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وأقول هل ترضى لزوجتك أو أختك أن تتعلق بصور الرجال وتتمتع بالنظر إليهم؟ ولا شك أنه لايرضى بذلك إلا من ماتت الغيرة في قلبه.
وأعلم أن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان.ودقة بدقة وان زدت زاد السقا.فكما عصيت بسفرك وإطلاق بصرك لربما عصت زوجتك !!!فحذار حذار..
ولو تأمل العاقل لعلم أنه لا يجني من السفر إلاّ الحسرات والآلام والآهات، إذ لا يستطيع أن يظفر بحقيقة ما شاهد إلا بالحرام.
وصدق الشاعر إذ يقول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً *** لـقـلـبـك يـومـاً أتـعبتـك المناظـرُ
رأيـت الـذي لا كلّـَه أنـت قـادرٌ *** عليه ولا عن بعضـه أنـت صابـرُ
وقال آخر:
كم نظرة فتكتْ في قلب صاحبها *** فتـك السهـام بـلا قـوس ولا وتر
والمـرء مـا دام ذا عيـن يقلّبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسّـر مقـلتـهُ مـا ضـرّ مـهجـتـه *** لا مرحبــاً بسـرور عــاد بالضّــررِ
فالنظر هو الباب الأكبر إلى القلب وغض البصر وحفظه من أعظم الأدوية لعلاج أمراض القلب، وفيه حسم لمادة المرض قبل حصوله.
ثالثا : ومن مفاسده أنك تسهل السفر لغيرك فكم من إنسان معرض عن السفر للخارج أو متردد فإذا رأى فلانا وفلانا قد سافروا جاءت العزيمة خصوصا أن المسافر إذا قدم من السفر يحرص على ذكر ما رأى فيشجع غيره على السفر سواء شعر أم لم يشعر فتكون مجاهرا بالذنب إماما في الفساد وفي الحديث (كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْه).وربما كان من الذين قال الله فيهم (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
رابعا : لتعلم أن من الأمور المسلمة أن من سافر مرة واحدة أدمن السفر فلا يكاد يتخلص منه بل تجد نفسك تنتظر الإجازات بفارغ الصبر لهفا على السفر.وهذا أمر مشاهد حتى أن بعضهم يتمنى الخلاص فلا يجد سبيلا.
خامسا : أن السفر للخارج سبب للانحراف عن الدين فالواقع خير شاهد فقد رأينا من طلبة العلم وأئمة المساجد من انحرف بسبب إدمان السفر فحذار حذار فأغلى ما تملك دينك.والسلامة لا يعدلها شيئ.
سادسا : الإسراف في الأموال فكم هي الأموال التي تنفق على السفر للخارج فلو استعنت بها على شؤونك أو وصلت بها قريبك أو تصدقت بها لكانت عند الله بالمنزلة وفي الصحيح: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)
سابعا : ضياع الأوقات
قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )
وفي الصحيح قوله: ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. قال سُفْيَانُ بن عيينة: " يَا أَبَا مُحَمَّدٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَدَعُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا عَوَضَّهُ اللهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَرَكْتَ أَشْيَاءَ مِنَ الدُّنْيَا، فَمَا عَوَضَّكَ اللهُ مِنْهَا قَالَ: الرِّضَا بِمَا تَرَوْنَ " وكان مريضا مقعدا معدما.
وأحذر من الاستجابة لنفسك وهواها
قال تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ولا تغتر بحرصك على السفر ولهفك عليه وشدة شهوتك للسفر ففي الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ) فلا خير في لذة تعقبها النار وغضب الجبار.
وقبل العزم على السفر تذكر السفر الطويل إلى الآخرة مع قلة الزاد وفقد الأنيس والحبيب والجليس
قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )
وقال سبحانه: ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
وقال سبحانه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ *وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أخ له: يا أخي إنك قد قطعت عظيم السفر وبقي أقله فاذكر يا أخي المصادر والموارد فقد أوحي إلى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن أنك من أهل الورود ولم يخبرك أنك من أهل الصدر والخروج وإياك أن تغرك.. فإن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له. أي أخي إن أجلك قد دنا فكن وصي نفسك ولا تجعل الرجال أوصياءك.
وقال ابن الجوزي: الثواب في الدنيا قليل ولنا عليها حساب طويل فتهيأ للنقلة عنها قبل أن يزعجك الرحيل ليس لك في سفر الآخرة زاد إلا ما قدمت ليوم المعاد .
وفي تذكرة القرطبي :.. فإنه لا يدري أين كتبت منيته من بقاع.أ.هـ نعم وأنا أقول ربما كتبت منيتك في تلك الدولة التي عزمت على الذهاب إليها. وقد روي في الآثار القديمة: أن سليمان عليه السلام كان عنده رجل يقول: يا نبي الله: إن لي حاجة بأرض الهند فأسألك أن تأمر الريح أن يحملني إليها في هذه الساعة فنظر سليمان إلى ملك الموت عليه السلام فرأه يبتسم فقال: مم تتبسم ؟ قال: تعجبا ـ: إني أمرت بقبض روح هذا الرجل في بقية هذه الساعة بالهند و أنا أراه عندك فروي أن الريح حملته في تلك الساعة إلى الهند فقبض روحه بها.
و تذكر قول الله عز وجل { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } وسيحفظ ذلك عليهم، حتى يردوا القيامة، فيجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا.
أسأل الله أن تلاقي هذه النصيحة قلبا سليما وعقلا رشيدا وعينا بصيرة فتقبل الحق وتعود إلى الرشد.( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
كتبه د. عبدالرحمن بن صالح المزيني
المشرف العام على موقع رياض الإسلام
16شعبان 1431هـ