الزلزلة دروس وعبر

أبو المثنى
1444/07/19 - 2023/02/10 08:12AM

 

الحمد لله العليم القدير خلق كل شيء فقدره تقديرا وأحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا وهو العليم الخبير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ

الله ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخيرتُه من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة، وتركَنا على المحجَّة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالِك، فصلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المُؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أيها المؤمنون عليكم بالتقوى ولا تيأسوا ، فإذا مسكم طائف من الشيطان فتذكروا ، فإن الذكرى نور للقلب وبصيرة للنفس ، فإن للخطيئة ظلمة وللمعاصي عتمة كالليل البهيم ، وجلاء هذا الظلام بذكر الله وتذكُّر ما أعد الله ، فمن زلت به القدم أو طافت به خواطر السوء فليرجع إلى حياض المتقين بالتذكر والتوبة والأوبة "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"

وإنها والله لغنيمة باردة للمؤمن إذ ليس بينه وبين التقوى إذا فارقها إلا التوبة والأوبة ، فاتقوا الله أيها المؤمنون وأبصروا بذكر الله وبكلامه فإنه من أعظم البصائر "قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ"

ثم اعلموا رحمكم الله

أن الله جل وعلا خلق كل شي وقدره تقديرا ، ولا يجري في ملك الله شيء من قدَره إلا بعلم وحكمة ، وليس في أقدار الله شر محض ، بل فيها من الخير ما يظهر للمخلوق وما يخفى عنه ، فهو العليم سبحانه بتفاصيل مخلوقاته وهو الذي يقدر عليها ولها ما يشاء ولا معقب لحكمه وهو العليم الخبير، وإن مما يقدره الله على عباده ما فيه نقص في أموالهم وأنفسهم إمتحانا لهم وتكفيرا لسيئاتهم ورفعة لدرجات الصابرين منهم ، وليميز الله الخبيث من الطيب ، وليمحص الله الذين آمنوا ، فيا لفوز من رضي عن الله وصبر على أقداره ، وقال في ثبات ويقين ورضى إنا لله وإنا إليه راجعون " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"

ومن رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما قدره الله عليها من الحروب والفتن والزلازل ، فإنها مكفرات لها في الدنيا ، قال صلى الله عليه وسلم "أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة ، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل"

والزلازل أيها المؤمنون من قدر الله ، وكثرتها أمارةُ قربِ الساعة وبرهانُ صدقِ النبوة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بذلك  فقال" لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل"

والزلازل والكوارث العامة من آيات الله وعظاته ، والله يخوف عباده بما شاء ، وللمؤمن في آيات الله عظة وعبرة.

والزلزلةُ - عباد الله - لم تقَع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما سمِع الصحابة بها في كتاب الله وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، فآمَنوا بها، وصدَّقوا أنها آيةٌ من آيات الله، يُرسِلُها الله على من يشاءُ من عباده.

وقد أقسم الله - سبحانه - بالأرض ذات الصَّدع، ولم يكُ هذا الصَّدعُ معلومًا أربعة عشر قرنًا من الزمان، حتى اكتُشِفَ في القرن الماضي، فوجدَ العلماءُ صدعًا ضخمًا في باطنِ الأرض في قاع المُحيط، وأن مُعظمَ الزلازِلِ في العالمِ تتركَّزُ في هذا الصَّدع.

فدلَّ قسمُ الباري بالأرض ذات الصَّدع على الإعجاز؛ وأن ما يأتي به النبي الأُمِّي إنما هو وحيٌ يُوحَى، لا نُطقٌ عن الهوَى، ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾

وإن أولَ ما شُوهِدَت الزلزلةُ في الإسلام في عهد الفاروق - رضي الله عنه -؛ فعن صفيَّة بنت أبي عُبيد قالت: زُلزِلَت الأرضُ على عهد عُمر حتى اصطفَقَت السُّرُر، فخطبَ عُمرُ الناسَ فقال: "أحدَثتُم، لقد عجَّلتُم، لئن عادَت لأخرُجنَّ من بين أظهُركم". وفي روايةٍ قال: "ما كانت هذه الزلزلةُ إلا عند شيءٍ أحدَثتُموه، والذي نفسِي بيدِه؛ إن عادَت لا أُساكِنُكم فيها أبدًا"؛ رواه ابن أبي شيبة.

وفي هذه الآيات عظات للمؤمنين وبصيرة للمتدبرين وإحياء لظمائر الصالحين من سلف الأمة والآخرين فقد رجَفَت الأرضُ بالكُوفة زمنَ ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - فقال: "أيها الناس! إن ربَّكم يستعتِبُكم فأعتِبُوه"؛ أي: فاقبَلُوا عتبَه، "وتوبوا إليه قبل ألا يُبالِيَ في أي وادٍ هلكتُم".

فاستمسِكوا أيها المؤمنون بصلاح أنفسكم ومُجتمعاتكم وإصلاحِها؛ واعتبروا بعبر الله في غيركم وسلوه العفو والعافية

باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إن ربي رحيم ودود.

 

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما تحب ربنا وترضى ، والصلاة والسلام على خير الورى ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد

ألا فاتقوا الله أيها المؤمنون ، وإن من تقواه القيام بأمره ، وإنه كما تعلمون قد نزلت ببعض المسلمين نازلة توجب على المسلم أن يقوم بأمر الله في معونة إخوانه ، ومن رآى أثار الدمار وجثث الضحايا ، وأنات الجرحى ، وبكاء الأطفال والنساء أدرك أن ما نزل بهم أمر جلل وخطب جسيم ، ولله الأمر من قبل ومن بعد وله الحكمة البالغة ولا اعتراض على حكمه وقدره ، والمسلم أخو المسلم ، وللملهوف والمنكوب حق على إخوانه ، وهم في كرب عظيم وأصابهم من الحزن على فقد أنفسهم وأموالهم وبيوتهم ما أصابهم فلهم حق علينا في معونتهم وإغاثتهم ، فأغيثوهم بما تقدرون وأدوا حق الله فيهم.

وبلادنا هذه بلاد مباركة سباقة للخير ، فقد وجه خادم الحرمين وولي عهده بإغاثة المنكوبين وتقديم المساعدات اللازمة وفتح باب التطوع طبيا وإنشاء حملة شعبية عبر منصة ساهم وعبر حساب الراجحي للتبرع ماليا لإخواننا ، فجزاهما الله خيرا ، وجزى الله كل من ساهم في إعانتهم وإغاثتهم خيرا

وإن من دروس ما حل بإخواننا ما رأينا من لطف الله الخفي ، والذي يقدر ما يشاء على من يشاء ، فكم من أسر هلكت عن بكرة أبيها وسلم منها طفل صغير لا يملك من أمره شيء ، وكم من أب مات وإلى جنبه ابنه قد سلم ، وأم ماتت أو أصيبت ورضيعها لم يخدش بخدش ، فسبحان من يقدر ما يشاء ، فلله الأمر من قبل ومن بعد ، فسلموا أمركم لله واعلموا أنه ذو حكمة بالغة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر عبادك الموحدين

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ادفَع عنا الغلا والوبَا والرِّبا والزلازِل والمِحَن، وسوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن

اللهم صبر إخواننا على ما نزل بهم وعوضهم عن ما فقدوا خيرا الله اجبر كسرهم وارحم ميتهم واشف مريضهم يا رب عالمين

اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لهم ورفعة لدرجاتهم الله أنزل عليهم من الصبر أضعاف أضعاف ما أنزلت من البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

المرفقات

1676005882_الزلازل.docx

المشاهدات 312 | التعليقات 0