الزلازل والريح (ومايعلم جنودربك إلاهو)
صالح العويد
1434/06/09 - 2013/04/19 05:58AM
الحمد لله .. الحمد لله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ، سبحانه وبحمده يكشف البلوى ويزيل الهموم .. أحمده - سبحانه - وأشكره على عظيم آلائه وجزيل نعمائه ، والنعم بشكر الله تدوم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة مخلصة تقي برحمة الله من نار السموم ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله .. اجتباه واصطفاه وأعطاه ما يروم ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه - حازوا أشرف العلوم - والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان والسحاب المركوم ، وسلم تسليمًا كثيرا
أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله - عز وجل - فاتقوا الله - رحمكم الله فتقواه توصد أبواب البلايا ، وتغلق منافذ الدنايا ، وتحسن ختام المنايا ، فاعتبروا رحمكم الله بالسابقين وتفكروا في الراحلين .. فالقلوب بالذكرى تلين : "وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
أيها المسلمون .. لقد قضت سنة الله - عز وجل - أن تبتلى النفوس في هذه الدنيا تبتلى بالخير والشر والأمن والخوف والمنح والمحن : كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون وإن هذه الابتلاءات بأنواعهاتفتح في القلوب منافذ وفي النفوس مسارب و من رحمة الله بالعباد أن يرسل من حين إلى آخر ببعض الآيات الدالة على عظمته وربوبيَّته وجلاله، ليثوب الناس إليه بعد طول فتور، وليخافهُ المذنبون بعد غفلة وغرور، وليُقْلع أهل الشرِّ عن جميع الشرور إنها آيات الله وأيامه ونذره تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته وقوته وعظيم سلطانه وعزته وتمام ملكه وأمره وتدبيره ..
نذر وآيات وعقوبات وتخويفات لا تسعها القوى ولا تطيقها الطاقات ولا تقدر عليها القدرات ولا تتمكن منها الإمكانات ، ولا تفيد فيها الراصدات ولا التنبؤات من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون فكيف لا تدل على عظمة الجبار ومنها ما يهلك أممًا ويدمر ديارًا في ثوانٍ وأجزاءٍ من الثواني امة من الناس لا تشكوا مرضا و في كامل صحتهم وعافيتهم ، وما هي إلا لحظات أو سويعات ، ثم يكون الجمع هلكى لا تسمع لهم حساً ولا همساً ، فلا إله إلا الله ما أجل حكمته ، ، يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره
زلازل وأعاصير وفيضانات وانهيارات وانفجارات ورياح عاتيات وأوبئة وأمراض مستعصيات نذروجنود من الله وآيات تذكر الغافلين وتنذر الظالمين وتوقظ المستكبرين وعبرة للمؤمنين وتذكرة للمذنبين
عباد الله، وإن من أعظم ما أنعم الله به علينا، أن مكّننا من هذه الأرض، نعيش على ظهرها، وندفن في باطنها موتانا، قال سبحانه منْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ وقال (وَلقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ [الأعراف:10]
إخوةَ الإسلام، كثُرت الزلازل في هذا العصرِ، وهذا تأكيدُ وتصديق ما جاء في الحديثِ: ((لا تقوم الساعة حتى تكثُر الزلازل)) وعن سلمةَ بن نفَيل قال: كنا جلوسًا عند رسول الله فذكر الحديث وفيه: ((بينَ يديِ الساعةِ موتان شديدٌ، وبعده سنواتُ الزّلازل)) أخرجه أحمد
والزلازلُ لا تقرَع الأبوابَ إلا بغتةً، فعندما تتحرَّك الأرضُ بصوتها المخيفِ ودويِّها الرهيب وعندما تتساقط الجُدران وسُقُف الأبنية وعندما يصبِح أعلى الأرضِ أسفلَها وأسفلُها أعلاها، في تلك اللحظةِ يشعر الإنسانُ بجلال الله وعظمتِه وسلطانه وجبروتِه، قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].
إنَّ زلزالَ الدنيا مَهول، وآثارُه مدمِّرة، وواقعُه مُفجِع، وهو في ذاتِ الوقت موقِظٌ لنا ولا شك عندنا ـ نحن المسلمون ـ أن هذه الزلازل عقوبات ربانية من الله على ما يرتكبه العباد من الفسوق والعصيان، إنها جند من جنود الله، وعذاب يسلّطه على من يشاء روى الإمام أحمد عن صفية أنها قالت: زُلزِلت المدينة على عهد عمر بن الخطاب، فقال: (يا أيها الناس، ما هذا؟! ما أسرع ما أحدثتم! لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا)، وقال كعب: "إنما تُزلزَل الأرض إذا عُمل فيها بالمعاصي، فترعد خوفًا من الربّ جلّ جلاله أن يطّلع عليها"، وقال بعض السلف لما زلزلت الأرض: "إن ربكم يسْتَعْتبكم". روى ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمور وضربوا بالمعازف غار الله عز وجل في سمائه فقال للأرض: تزلزلي بهم فإن تابوا ونزعوا وإلا هدميها عليهم. قال: يا أم المؤمنين أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين.
نعم أيها الإخوة إن الأرض تتزلزل غضباً لمحارم الله وحق لها ذلك "لقد تحملت الكثير الكثير، سكبت المسكرات على ظهرها وضربت المعازف وظهرت القينات سلبت نور الإيمان فعمها الظلام. يسير عليها المرابي ولا يبالي، وتلقي الفتاة حجابها هاتكة عفتها، وتنتهك الأعراض وكأن شيئاً لم يكن. وترى الظلم والغش والرشاوي والمعاصي وأمام ذلك لم تجد إلا أن تخضع لأمر ربها فأهلكت القوم" واهتزت وتزلزلت.
ولايقل عن هذاالحدث الحدث المهيب والمنظر المهول في مشهد يوجل القلوب ويدهش العقول، فحينما الناس في دنياهم غافلون و في لهوهم سادرون إذ أذن الله لجند من جنوده أن يتحرك، أذن للهواء الساكن أن يضطرب ويهيج ويموج ويثور ويزمجر، يثيرالأتربة ويظلم الجو وتعطل لا يقف أمامه شيء إلا ابتلعه، ولا شجر إلا اقتلعه، ولا شاخص إلا صرعه ورماه في مكان سحيق،يحدث هذا كله وذاك الخراب في لحظات سريعة خاطفة، فلا إله إلا الله، ما أعظم قدرة الجبار! مدن عامرة تدب في أرجائها الحياة لجمالها وصفائها، وفي غمضة عين وانتباهتها يغيرها الله من حال إلى حال، فأضحت أوطانا موحشة وديارا خاوية وأطلالا بالية، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌألم تركيف فعل ربك بعادإرم ذات العمادالتي لم يخلق مثلها في البلادوأماعادفأهلكوابريح صرصرعاتيه سخرهاعليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيهاصرعى كأنهم أعجازنخل خاوية فهل ترى لهم من باقية
أيها المسلمون، إن للمعاصي شؤمها، ولها عواقبها في الأرض والسماء والنفس والأهل، في البر والجو، تضلّ بها الأهواء، وتفسد بها الأجواء، بالمعاصي يهون العبد على ربه، فيرفع مهابته من قلوب خلقه، وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ
إن الذنوب والمعاصي ـ يا عباد الله ـ سبب لكل بلاءٍ وشر ومحنة؛ فبالمعصية تبدّل إبليس بالإيمان كفرًا، وبالقُرب بُعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجنة نارًا تلظى، وبالمعصية عمّ قوم نوحٍ الغرق، وأُهلكت عادٌ بالريح العقيم، وأُخذت ثمود بالصيحة، وقُلِبت على اللوطية ديارهم، فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40]. بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الحمد لله مولي النعم وصارف النقم ، أحمده - سبحانه - وأشكره ذا الجود والكرم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ذو الشرف الأسمى والمقام الأعظم ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الأمجاد والشيم والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أمابعدفاتقواالله عبادالله فبالتقوى ترتفع البلايا وتنزل البركات
أيهاالمسلمون ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار! فهذه الزلازل حين تزلزل الأرض والرياح يوم تعصف عاصفتها كأنما تخاطب أهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق وعجز المخلوق وضعفه، تخاطبهم بأن الأمر لله من قبل ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى ومهما أوتي من قوة وتقدم فليس بمعجز الله في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير. هذه الزلازل والرياح أصابت دولا عظمى فما أغنت عنهم قوتهم من شيء لما جاء أمر ربك.
إخوة الإيمان، حري بنا ونحن نرى نذر الجبار هنا وهناك أن تستيقظ نفوسنا من غفلتها وتلين قلوبنا من قسوتها وتجري مدامعنا تعظيما وإجلالا لله تعالى، حري بنا ونحن نرى هذه الفواجع أن نتوب من خطايانا ونصحح مسارنا ونستغفر ربنا، وأن نذكّر أنفسنا ونذكّر الآخرين بعقوبة الجبار وشدة بأسه وغيرته على محارمه
عباد الله كل واحد منا يسأل نفسه هل اعتبرنا بما يحدث لنا وما يحدث حولنا من آيات الله ونذره هل غيرنا من حالنا شيئا
هل حاسبنا أنفسنا هل تبنا من ذنوبنا إن حال الكثير منا لم يتغير من الفساد إلى الصلاح ولم ينتقل من المعصية إلى التوبة وأقرب شاهد على ذلك مئات الشباب والكبار ينادى للصلوات وهم عنها منشغلون فيا ترى ماذا أشغلهم وماذا ألهاهم والله المستعان إنهم على المدرجات وفي البيوت عند الشاشات منغمسون في الشهوات فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا عافاني الله وإياكم فما هو عذرهم وكثيرا من جيران المساجد لا يدرون أين أبوابها ولا يفكرون في دخولها كأنها بنيت لغيرهم يسمعون الأذان يدعوهم فلا يجيبون ويعصون ولا يتوبون ويشاهدون آياته فلا يعتبرون تقام عليهم الحجج وهم في غفلة معرضون فعما قريب سيندمون يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وأختم هذه الخطبة بكلام لشيخناعبدالعزيزبن بازيرحمه الله حول واجبناعندحدوث الكوارث يقول رحمه الله فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات ، والكسوف والرياح الشديدة والفيضانات ، البدار بالتوبة إلى الله سبحانه ، والضراعة إليه ، وسؤاله العفو والعافية ، والإكثار من ذكره واستغفاره كما قال صلى الله عليه وسلم :" فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره "
ويستحب أيضاً رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ارحموا ترحموا ، الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " .ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء : مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء ، وإلزامهم بالحق ، وتحكيم شرع الله فيهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ا.هـ رحمه الله
هذا وصلوا وسلموا على النذير البشير ، والسراج المنير ، محمد بن عبد الله ، فقد أمركم ربكم بذلك جل في علاه ، فقال سبحانه في قرآنٍ قرأناه : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا وسيدنا محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والخلق الأكمل وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين والأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك ياأكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، واحم حوزة الدين ، وانصر عبادك المؤمنين اللهم وعليك باليهود الصهاينية المعتدين.وعليك بكل عدوللإسلام والمسلمين.اللهم عليك ببشاروأعوانه اللهم عليك بهم فإنهم لايعجزونك
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك ، وأعزه بطاعتك ، وأعلِ به كلمتك ، وانصر به دينك ، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين ... اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين ، واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد .. يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين اللهم اشف مرضانا ، وارحم موتانا ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك ياأرحم الراحمين ..ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلك تذكرون؛ فاذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله - عز وجل - فاتقوا الله - رحمكم الله فتقواه توصد أبواب البلايا ، وتغلق منافذ الدنايا ، وتحسن ختام المنايا ، فاعتبروا رحمكم الله بالسابقين وتفكروا في الراحلين .. فالقلوب بالذكرى تلين : "وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
أيها المسلمون .. لقد قضت سنة الله - عز وجل - أن تبتلى النفوس في هذه الدنيا تبتلى بالخير والشر والأمن والخوف والمنح والمحن : كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون وإن هذه الابتلاءات بأنواعهاتفتح في القلوب منافذ وفي النفوس مسارب و من رحمة الله بالعباد أن يرسل من حين إلى آخر ببعض الآيات الدالة على عظمته وربوبيَّته وجلاله، ليثوب الناس إليه بعد طول فتور، وليخافهُ المذنبون بعد غفلة وغرور، وليُقْلع أهل الشرِّ عن جميع الشرور إنها آيات الله وأيامه ونذره تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته وقوته وعظيم سلطانه وعزته وتمام ملكه وأمره وتدبيره ..
نذر وآيات وعقوبات وتخويفات لا تسعها القوى ولا تطيقها الطاقات ولا تقدر عليها القدرات ولا تتمكن منها الإمكانات ، ولا تفيد فيها الراصدات ولا التنبؤات من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون فكيف لا تدل على عظمة الجبار ومنها ما يهلك أممًا ويدمر ديارًا في ثوانٍ وأجزاءٍ من الثواني امة من الناس لا تشكوا مرضا و في كامل صحتهم وعافيتهم ، وما هي إلا لحظات أو سويعات ، ثم يكون الجمع هلكى لا تسمع لهم حساً ولا همساً ، فلا إله إلا الله ما أجل حكمته ، ، يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره
زلازل وأعاصير وفيضانات وانهيارات وانفجارات ورياح عاتيات وأوبئة وأمراض مستعصيات نذروجنود من الله وآيات تذكر الغافلين وتنذر الظالمين وتوقظ المستكبرين وعبرة للمؤمنين وتذكرة للمذنبين
عباد الله، وإن من أعظم ما أنعم الله به علينا، أن مكّننا من هذه الأرض، نعيش على ظهرها، وندفن في باطنها موتانا، قال سبحانه منْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ وقال (وَلقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ [الأعراف:10]
إخوةَ الإسلام، كثُرت الزلازل في هذا العصرِ، وهذا تأكيدُ وتصديق ما جاء في الحديثِ: ((لا تقوم الساعة حتى تكثُر الزلازل)) وعن سلمةَ بن نفَيل قال: كنا جلوسًا عند رسول الله فذكر الحديث وفيه: ((بينَ يديِ الساعةِ موتان شديدٌ، وبعده سنواتُ الزّلازل)) أخرجه أحمد
والزلازلُ لا تقرَع الأبوابَ إلا بغتةً، فعندما تتحرَّك الأرضُ بصوتها المخيفِ ودويِّها الرهيب وعندما تتساقط الجُدران وسُقُف الأبنية وعندما يصبِح أعلى الأرضِ أسفلَها وأسفلُها أعلاها، في تلك اللحظةِ يشعر الإنسانُ بجلال الله وعظمتِه وسلطانه وجبروتِه، قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].
إنَّ زلزالَ الدنيا مَهول، وآثارُه مدمِّرة، وواقعُه مُفجِع، وهو في ذاتِ الوقت موقِظٌ لنا ولا شك عندنا ـ نحن المسلمون ـ أن هذه الزلازل عقوبات ربانية من الله على ما يرتكبه العباد من الفسوق والعصيان، إنها جند من جنود الله، وعذاب يسلّطه على من يشاء روى الإمام أحمد عن صفية أنها قالت: زُلزِلت المدينة على عهد عمر بن الخطاب، فقال: (يا أيها الناس، ما هذا؟! ما أسرع ما أحدثتم! لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا)، وقال كعب: "إنما تُزلزَل الأرض إذا عُمل فيها بالمعاصي، فترعد خوفًا من الربّ جلّ جلاله أن يطّلع عليها"، وقال بعض السلف لما زلزلت الأرض: "إن ربكم يسْتَعْتبكم". روى ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمور وضربوا بالمعازف غار الله عز وجل في سمائه فقال للأرض: تزلزلي بهم فإن تابوا ونزعوا وإلا هدميها عليهم. قال: يا أم المؤمنين أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين.
نعم أيها الإخوة إن الأرض تتزلزل غضباً لمحارم الله وحق لها ذلك "لقد تحملت الكثير الكثير، سكبت المسكرات على ظهرها وضربت المعازف وظهرت القينات سلبت نور الإيمان فعمها الظلام. يسير عليها المرابي ولا يبالي، وتلقي الفتاة حجابها هاتكة عفتها، وتنتهك الأعراض وكأن شيئاً لم يكن. وترى الظلم والغش والرشاوي والمعاصي وأمام ذلك لم تجد إلا أن تخضع لأمر ربها فأهلكت القوم" واهتزت وتزلزلت.
ولايقل عن هذاالحدث الحدث المهيب والمنظر المهول في مشهد يوجل القلوب ويدهش العقول، فحينما الناس في دنياهم غافلون و في لهوهم سادرون إذ أذن الله لجند من جنوده أن يتحرك، أذن للهواء الساكن أن يضطرب ويهيج ويموج ويثور ويزمجر، يثيرالأتربة ويظلم الجو وتعطل لا يقف أمامه شيء إلا ابتلعه، ولا شجر إلا اقتلعه، ولا شاخص إلا صرعه ورماه في مكان سحيق،يحدث هذا كله وذاك الخراب في لحظات سريعة خاطفة، فلا إله إلا الله، ما أعظم قدرة الجبار! مدن عامرة تدب في أرجائها الحياة لجمالها وصفائها، وفي غمضة عين وانتباهتها يغيرها الله من حال إلى حال، فأضحت أوطانا موحشة وديارا خاوية وأطلالا بالية، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌألم تركيف فعل ربك بعادإرم ذات العمادالتي لم يخلق مثلها في البلادوأماعادفأهلكوابريح صرصرعاتيه سخرهاعليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيهاصرعى كأنهم أعجازنخل خاوية فهل ترى لهم من باقية
أيها المسلمون، إن للمعاصي شؤمها، ولها عواقبها في الأرض والسماء والنفس والأهل، في البر والجو، تضلّ بها الأهواء، وتفسد بها الأجواء، بالمعاصي يهون العبد على ربه، فيرفع مهابته من قلوب خلقه، وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ
إن الذنوب والمعاصي ـ يا عباد الله ـ سبب لكل بلاءٍ وشر ومحنة؛ فبالمعصية تبدّل إبليس بالإيمان كفرًا، وبالقُرب بُعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجنة نارًا تلظى، وبالمعصية عمّ قوم نوحٍ الغرق، وأُهلكت عادٌ بالريح العقيم، وأُخذت ثمود بالصيحة، وقُلِبت على اللوطية ديارهم، فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40]. بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الحمد لله مولي النعم وصارف النقم ، أحمده - سبحانه - وأشكره ذا الجود والكرم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ذو الشرف الأسمى والمقام الأعظم ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الأمجاد والشيم والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أمابعدفاتقواالله عبادالله فبالتقوى ترتفع البلايا وتنزل البركات
أيهاالمسلمون ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار! فهذه الزلازل حين تزلزل الأرض والرياح يوم تعصف عاصفتها كأنما تخاطب أهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق وعجز المخلوق وضعفه، تخاطبهم بأن الأمر لله من قبل ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى ومهما أوتي من قوة وتقدم فليس بمعجز الله في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير. هذه الزلازل والرياح أصابت دولا عظمى فما أغنت عنهم قوتهم من شيء لما جاء أمر ربك.
إخوة الإيمان، حري بنا ونحن نرى نذر الجبار هنا وهناك أن تستيقظ نفوسنا من غفلتها وتلين قلوبنا من قسوتها وتجري مدامعنا تعظيما وإجلالا لله تعالى، حري بنا ونحن نرى هذه الفواجع أن نتوب من خطايانا ونصحح مسارنا ونستغفر ربنا، وأن نذكّر أنفسنا ونذكّر الآخرين بعقوبة الجبار وشدة بأسه وغيرته على محارمه
عباد الله كل واحد منا يسأل نفسه هل اعتبرنا بما يحدث لنا وما يحدث حولنا من آيات الله ونذره هل غيرنا من حالنا شيئا
هل حاسبنا أنفسنا هل تبنا من ذنوبنا إن حال الكثير منا لم يتغير من الفساد إلى الصلاح ولم ينتقل من المعصية إلى التوبة وأقرب شاهد على ذلك مئات الشباب والكبار ينادى للصلوات وهم عنها منشغلون فيا ترى ماذا أشغلهم وماذا ألهاهم والله المستعان إنهم على المدرجات وفي البيوت عند الشاشات منغمسون في الشهوات فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا عافاني الله وإياكم فما هو عذرهم وكثيرا من جيران المساجد لا يدرون أين أبوابها ولا يفكرون في دخولها كأنها بنيت لغيرهم يسمعون الأذان يدعوهم فلا يجيبون ويعصون ولا يتوبون ويشاهدون آياته فلا يعتبرون تقام عليهم الحجج وهم في غفلة معرضون فعما قريب سيندمون يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وأختم هذه الخطبة بكلام لشيخناعبدالعزيزبن بازيرحمه الله حول واجبناعندحدوث الكوارث يقول رحمه الله فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات ، والكسوف والرياح الشديدة والفيضانات ، البدار بالتوبة إلى الله سبحانه ، والضراعة إليه ، وسؤاله العفو والعافية ، والإكثار من ذكره واستغفاره كما قال صلى الله عليه وسلم :" فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره "
ويستحب أيضاً رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ارحموا ترحموا ، الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " .ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء : مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء ، وإلزامهم بالحق ، وتحكيم شرع الله فيهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ا.هـ رحمه الله
هذا وصلوا وسلموا على النذير البشير ، والسراج المنير ، محمد بن عبد الله ، فقد أمركم ربكم بذلك جل في علاه ، فقال سبحانه في قرآنٍ قرأناه : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا وسيدنا محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والخلق الأكمل وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين والأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك ياأكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، واحم حوزة الدين ، وانصر عبادك المؤمنين اللهم وعليك باليهود الصهاينية المعتدين.وعليك بكل عدوللإسلام والمسلمين.اللهم عليك ببشاروأعوانه اللهم عليك بهم فإنهم لايعجزونك
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك ، وأعزه بطاعتك ، وأعلِ به كلمتك ، وانصر به دينك ، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين ... اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين ، واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد .. يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين اللهم اشف مرضانا ، وارحم موتانا ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك ياأرحم الراحمين ..ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلك تذكرون؛ فاذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق