الزلازل! تم اخذ اغلبها من بعض الفضلاء وتم اختصارها واضافة بعض المسات عليها

عبدالله منوخ العازمي
1444/07/16 - 2023/02/07 18:13PM

الْحَمْدُ لِلـهِ الوَلِيِّ الحَمِيدِ؛ يَفْعَلُ ما يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَهُ الحِكْمَةُ البَاهِرَةُ في شَرْعِهِ، ولَهُ الحُجَّةُ البَالِغَةُ في حُكْمِهِ، وَهُوَ القَادِرُ عَلَى خَلْقِهِ، القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، ونَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ؛ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ  

 لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاللَّـهِ تَعَالَى، وَأَتْقَاهُمْ لَهُ، وَأَشَدُّهُمْ خَوْفًا مِنْهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إلى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا الْمَعَاصِيَ؛ فَإِنَّهَا سَالِبَةُ النِّعَمِ، مُوجِبَةُ النِّقَمِ، يَنْزِلُ البَلاءُ بِسَبَبِهَا، وَتُرْفَعُ العَافِيَةُ بِظُهُورِهَا وَعُلُوِّ أَهْلِهَا ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هُودٍ: 117].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى البَشَرِ بِالخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالرِّعَايَةِ، وَالكِفَايَةِ والإِمْدَادِ وَالإِمْهَالِ، خَلَقَهُمْ سُبْحَانَهُ مِنَ العَدَمِ، وَرَبَّاهُمْ بِالنِّعَمِ، خَلَقَهُمْ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِمْ، وَرَزَقَهُمْ وَلَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِمْ، وَلَوْ شَاءَ لَأَهْلَكَهُمْ وَأَبْدَلَ بِهِمْ غَيْرَهُمْ ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: 133]،

 

وَالعِبَادُ فُقَرَاءُ مَسَاكِينُ، ضُعَفَاءُ عَاجِزُونَ؛ يَأْكُلُونَ أَرْزَاقَهُمْ، وَيَنْتَظِرُونَ آجَالَهُمْ، وَلا يَدْرُونَ مَاذَا سَيَحِلُّ بِهِمْ، وَلا مَتَى يَمُوتُونَ، وَلا كَيْفَ يَمُوتُونَ، وَرَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ نَفْعِ أَنْفُسِهِمْ؛ فَلا يَزِيدُونَ فِي أَرْزَاقِهِمْ، ولا يَمْلِكُونَ مَدَّ آجَالِهِمْ، ولا دَفْعَ السُّوءِ عَنْهُمْ، وَلا مَنْجَاةَ لَهُمْ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَلا فِرَارَ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، فَالأَصْلُ فِيهِمُ الضَّعْفُ والعَجْزُ.

 

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرٌ عَلَى إِهْلاكِ خَلْقِهِ في لَمْحِ البَصَرِ، وَلَكِنَّهُ يَعْفُو وَيَرْحَمُ، وَيُمْهِلُ ويُمْلِي، وَيُنْذِرُ ويَعْذِرُ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي المُشْرِكِينَ:

﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 95]، وقال تَعَالَى في المُنافِقِينَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: 20].

 

واهْتِزَازُ الأَرْضِ بِالزَّلازِلِ المُدَمِّرَةِ، مَا هُوَ إِلَّا مِنْ مَظَاهِرِ قُدْرَةِ العَلِيمِ القَدِيرِ، وَإِنْذَارِهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ تَهْتَزُّ الأَرْضُ بِأَمْرِ رَبِّهَا سُبْحَانَهُ فِي ثَوَانٍ؛ فَتُدَمِّرُ زَلْزَلَتُهَا مُدُنًا كَامِلَةً، وتَقْتُلُ خَلْقًا كَثِيرًا، وتُشَرِّدُ أُمَمًا مِنَ النَّاسِ؛ فَلا مَأْوَى لَهُمْ، وتُوقِعُ خَسَائِرَ فَادِحَةً فِي الأَمْوَالِ وَالمَتَاعِ!

 

وفي هذا الأسبوع وَقَعَ زِلْزَالٌ عظيم؛ ضرب دولا عدة، فأسقط مبانيها، وشق أراضيها، وأهلك بشرا لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى، عدا من هم تحت الأنقاض والبنايات، وشُرد خلق كثير من جرائه. فَسُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَسُبْحَانَ مَنْ خَوَّفَ عِبَادَهُ وَأَنْذَرَهُمْ بِالنُّذُرِ وَالْآيَاتِ ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا﴾

 

وَكَثْرَةُ الزَّلازِلِ دَلِيلٌ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ؛ كَمَا في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ»

 رَوَاهُ الْشَّيخَانِ([1]).

 

وَكُلُّ هَذِهِ وَقَعَتْ وَلَا تَزَالُ تَقَعُ رَأْيَ العَيْنِ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَهِيَ تَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ، وَالمُهْتَمُّونَ بِشَأْنِ الزَّلازِلِ وَالأَعَاصِيرِ يَذْكُرُونَ فِي إِحْصَاءَاتِهِمْ لَهَا أَنَّهَا فِي ازْدِيَادٍ، وَأَنَّ وُقُوعَهَا فِي القَرْنِ الْأَخِيرِ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وُقُوعِهَا فِيمَا سَبَقَهُ مِنَ القُرُونِ، وَأَنَّ وُقُوعَهَا فِي العَقْدَيْنِ الأَخِيرَيْنِ تَمَيَّزَ عَمَّا قَبْلَهُ بِكَثْرَتِهَا وَانْتِشَارِهَا فِي الأَرْضِ، وَقُوَّتِهَا التَّدْمِيرِيَّةِ، وكَثْرَةِ مَا خَلَّفَتْهُ مِنَ القَتْلَى وَالْجَرْحَى وَالمُشَرَّدِينَ.

 

وَقَدْ تَبْلُغُ قُوَّةُ الزَّلازِلِ دَرَجَةً تَشُقُّ أَخَادِيدَ فِي الأَرْضِ؛ فَتَقْسِمُهَا إِلَى أَجْزَاءٍ تَبْتَلِعُ مَا كَانَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالخَسْفِ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى العَافِيَةَ.

 

وَالزَّلازِلُ وَالأَعَاصِيرُ يَنْتُجُ عَنْهَا هَلاكُ البَشَرِ، وتَدْمِيرُ المَنَازِلِ وَالمُدُنِ، وتَغْيِيرُ مُسْتَوَى الأَرْضِ، وَقَدْ تَشْتَعِلُ الحَرَائِقُ مِنْ جَرَّائِهَا، وَمَنْ نَجَا مِنَ الهَلَاكِ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلْإِصَابَةِ بِأَزمَاتٍ نَفْسِيَّةٍ حَادَّةٍ؛ نَتِيجَةَ الهَلَعِ وَالخَوْفِ، وَرُؤْيَةِ الدَّمَارِ وَالمَوْتِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَلا سِيَّمَا الأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ

 

لَقَدْ وَضَعَ دَارِسُو الزَّلازِلِ وَالأَعَاصِيرِ وَالقَائِمُونَ عَلَى الإِنْقَاذِ وَالطَّوَارِئِ عَشَرَاتِ الدِّرَاسَاتِ وَالإِرْشَادَاتِ لِمَنْ أُصِيبُوا بِهَا، يُرْشِدُونَهُمْ كَيْفَ يَفْعَلُونَ؟ وَيَدُلُّونَهُمْ أَيْنَ يَذْهَبُونَ؟ وَمَا أَغْنَى ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا؛ فَمَنْ رَأَى العَذَابَ بِعَيْنَيْهِ لَيْسَ كَمَنْ تَخَيَّلَهُ وَسَمِعَ وَصْفَهُ!

 

وَإِنَّ مِنْ ضَعْفِ الإِنْسَانِ –وَكُلُّهُ ضَعْفٌ- أَنَّ الحَيَوَانَ وَالطَّيْرَ تَحُسُّ بِالزَّلازِلِ وَالأَعَاصِيرِ قُبَيْلَ وُقُوعِهَا، فَتَفِرُّ عَنْ أَرْضِهَا، وَالمَحْبُوسَةُ مِنْهَا تَضْطَرِبُ فِي أَقْفَاصِهَا، وَالبَشَرُ لَا يَشْعُرُونَ بِهَا حَتَّى تَبْغَتَهُمْ؛ فَسُبْحَانَ مَنْ عَلَّمَ العَجْمَاوَاتِ الَّتِي لَا تَعْقِلُ!

 

وَأَشَدُّ ما يَكُونُ الزِّلْزَالُ حِينَ يَقَعُ والنَّاسُ نِيَامٌ آمِنُونَ غَافِلُونَ، فَيَبْغَتُهُمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرونَ، فَمَنْ نَجَا جَسَدُهُ لَمْ يَسْلَمْ عَقْلُهُ مِنَ الصَّدْمَةِ وَالمُفَاجَأَةِ.

 

وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْتِزَامِ دِينِهِ، وَإِقَامَةِ شَرِيعَتِهِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِهِمُ العَذَابُ وَالدَّمَارُ وَهُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الزُّمَرِ: 55].

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ...اقول قولي هذا واستغفر الله لي وللكم

 

الخطبة الثانية

 

الحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَأَطِيعُوهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102].

عباد الله

ويُسْتَحَبُّ - عِنْدَ وُقوعِ الزَّلازِلِ وغَيْرِها مِنَ الآياتِ العَظِيمَة: التَّضَرُّعُ إلى تعالى, والإنابةُ إليه, والإقلاعُ عن المعاصي, والمُبادرةُ إلى التَّوبةِ, والاستغفارِ, والإلحاحُ إليه بالدُّعاءِ,

والذِّكْرِ, والصَّدَقَةِ, وغَيرِها من الأسبابِ التي يُسْتَدْفَعُ به العذابُ والنِّقَم.

قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]؛ وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

قال ابن تيمية رحمه الله: (السُّنَّةُ فِي أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ: أَنْ يَفْعَلَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَسْبَابِ الْخَيْرِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا يَجْلِبُ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ, وَعِنْدَ أَسْبَابِ الشَّرِّ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ الشَّرَّ)

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله

اللهم اعز الإسلام والمسلمين

اللهم أوزِعْنا شكرَ نِعَمِكَ، واحفظْ علينا دينَنا، وأمنَنا، وقيادَتَنا، وطيِّبْ أقواتَنا، ووفقْ ولاتَنا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا،واقضي اللهم ديوننا

• اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ

• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ

 

المشاهدات 1270 | التعليقات 0