الزكاة
يحيى جبران جباري
الخطبة الأولى:
الحمد لله أكرم من أعطى وأعدل من منع ، احمده سبحانه وأشكره عدد ما احاط وجمع ، و أستعينه وأستهديه وأستغفره ، معين من بعونه طمع ، والهادي لمن بالضلال صفع ، والغافر لمن تاب إليه من الزلل والعصيان والسوء الذي جمع ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ذو العزة والجلال على العرش استوى وارتفع ، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله ، أمر بالحق والواجب ، ونهى عن الباطل والبدع ، صل الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه ، ما امتثل مخلوق لما جاء به واتبع .
ثم أما بعد : فأوصيكم إخوة الدين ونفسي المقصرة بتقوى الله رب العالمين ، وطاعته فيما أمر به في كتابه ، وما جاء به على لسان خير المرسلين ، فالحياة الدنيا، دار ابتلاء وامتحان ، والدار الآخرة ، لوكنتم تعلمون هي الحيوان .
( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21(البقرة)
(يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون 102 ( ال عمران)
أيها المسلمون : أعلم يقينا بأنه إن لم يكن الكل فالجل يعلمون ، كثيرا مما يقوله العلماء والخطباء والفقهاء والواعظون ، إنما يغفل البعض عن بعض أمور الشرع ، فجعل الله لهم من ذكرت مذكرين ، يقول رب العالمين ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 55(الذاريات)
ولا تنكرون بأن الله هو العدل ، ولا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها سبحانه ، ويؤت من لدنه من يقدم خيرا من عباده أجرا عظيما ، ومن فضله تعالى على خلقه ، أن أعطاهم مالا ، ذهبا وفضة وزروعا وأنعاما ، وزين حبها في قلوبهم ، وأعلى عندهم شأنها ، ثم أسماها متاعا ، فقال سبحانه ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب 14 ( ال عمران) وكما قلنا بأن الله هو العدل ، فقد أعطى سبحانه ، من شاء من خلقه هذه الأرزاق بفضله ، ومنع من شاء من خلقه بعدله وعظيم علمه ، وأوجب على من اعطاه ، أن يعطي المحتاج مما أعطاه الله ، (يا أيها الذين امنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون 254(البقرة)
وأورد البخاري في صحيحه بلفظ : باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حديث ابن عباس قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل : إنك ستأتي قوما أهل الكتاب الحديث وفيه : فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) وقد قاتل ابو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صل الله عليه وسلم كل من منع تأدية الزكاة وقال : لأ قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والله ، لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه .
فالمال مال الله وهو الذي اوجب فيه الزكاة ، ومن من الله عليهم بالذهب يعلمون وخصوصا النساء ، بأن نصاب الذهب إن بلغ خمسة وثمانين غراما ، وجب عليها الزكاة في جميع ما لديها سواءٌ كانت تلبسه ، أو لا تلبسه ، أو تلبس بعضه وتدخر بعضه فالجميع فيه الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها إذا كانت تلبسها لا زكاة فيها, والصواب أن فيها الزكاة مطلقاً ، لعموم الحديث الذي سيأتي ولقوله تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم 34 يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ماكنتم تكنزون 35(التوبة) ويعلم صاحب الغنم والضأن بأن في كل اربعين شاة ، شاة ، و يعلم صاحب البقر بأن في كل ثلاثين منها ، تبيعا ، ويعلم صاحب الإبل بأن في كل خمس منها شاة ، إذا كانت سائمة وهي التي ترعى من الخلاء اكثر العام ولا يعلفها صاحبها وإلا لا زكاة فيها ، والأفضل والأخير وما ترتاح له النفس أن يخرج زكاتها ، فهو ادعى لبركتها ، ويعلم صاحب الحبوب والثمار بأنها إذا بلغت خمسة أوسق وجب فيها الزكاة والخمسة اوسق بجرام اليوم ستمائة واثنين وسبعين كيلو ، وفيما سقت السماء العشر ، كفانا الله وإياكم كل وزر ، فليؤدي من رزقه الله ، حق الله ، فيبارك الله له ماله ويطهر له ما أعطاه ، واما من لا يؤدي حقها فقد قال رسول الله (ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها عليه حلبها يوم وردها) يعني إذا وردت الماء، وهناك مساكين، يحلب ويعطيهم ) ومن حقها عليه حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت) يعني أعظم ما كانت وأكبر ما كانت (لا يفقد منها فصيلاً واحداً تطأه بأخفافها وتعظه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها رد عليها أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد)، وهكذا البقر والغنم تطأه بقرونها و أظلافها كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم ، نسأل الله المقام الأكرم.
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم 103(التوبة) بارك الله ولكم في القران العظيم وفيما جاء عن النبي الكريم ، اقول ما تسمعون وأستغفر الله ....( الثانيه)
الحمد لله منه الفضل وبيده الأمر ، أحمده سبحانه على كل شيء وأشكر ، وأشهد أن لا إله إلا الله والله اكبر ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بشر وأنذر ، صل الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه حتى ينشر ، وبعد يا كل من سمع فتذكر ، اتق الله فمن اتقى الله نجى يوم المحشر ( ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا 5 (الطلاق)
عباد الله كما اسلفت ، بأن ما اوردته في موعظة اليوم ، للكل تذكير ، وطلب ممن من الله عليهم بالخير الكثير ، أن يجهزوا حق الله فيما اعطاهم ، ولهم أجر الفعل وأجر الزمان ، فهذا رمضان ، فيا لسعادة من أكثر فيه من البذل والإحسان ، عن ابي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا : خطب بنا رسول الله صل الله عليه وسلم يوما فقال : والذي نفسي بيده والذي نفسي بيده والذي نفسي بيده ، ثم أكب ، فأكب كل رجل منا يبكي لا ندري على ماذا حلف ، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى ، وكانت أحب الينا من حمر النعم ، فقال : ما من رجل يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع ، الا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة ، حتى أنها لتصطفق ، ثم تلا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما 31 (النساء) رواه الحاكم . فأروا الله من أنفسكم فيما من الله به عليكم خيرا ، فكثير من اخوانكم في ضيق ، لا يعلمه الا من هو بعباده لطيف رفيق ، ودونكم اهل العلم ، فاسألوهم ، فهم أصحاب الدراية والإحاطة بمقدار الزكوات ، ومن يقصدهم ، سيفهم ما عليه ، وسيدفعون عنه ما يضيره من شبهات وإشكالات ، نسأل الله لهم العون والتوفيق والسداد ، على ايضاح مسائل الزكاة ، وصرفها فيما أمر ، ولمن أمر لهم بها رب البريات ، ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم 60 ( التوبة)
ثم صلوا وسلموا اجمعين على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه في قول رب العالمين ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما 56 ( الأحزاب) اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد ....