الزكاة واغتنام رمضان
عنان عنان
1438/09/13 - 2017/06/08 12:47PM
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله: لقد ارتبط شهر رمضان بإخراج الزكاة حيث يعمد المسلمون في هذا الشهر لإخراجِ زكاة أموالهم طلباً للزيادةِ في الأجر والمضاعفة في الحسنات فبهذا الركن العظيم من أركان الإسلام تزكو الأموال وتسمو النفوس ويسمو المجتمع ويصبح كالجسدِ الواحد.
والله-عز وجل- قرن الزكاةَ بالصلاةِ في كثيرٍ من الآياتِ في كتابه فقال تعالى: "وأقيموا الصلاة والزكاة"
والزكاة شِعارُ الأنبياءِ والمرسلين فقال تعالى عن عيسى-عليه السلام-: "وأوصاني بالصلاةِ والزكاةِ ما دمتُ حياً" وقال تعالى عن إسماعيل-عليه السلام-: "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً".
والزكاة تكفَّل الله بقسمتها فلم يؤكل الله لقسمتها ملكاً ولا نبياً إنما تولى هو قسمتَها قال تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفةِ قلوبُهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم".
عباد الله: قسم الله-عز وجل- الأرزاق والأعمال بين الخلائق في هذا الكون الهائل ليسخر بعضهم لبعضٍ في الأعمال والحِرف ولو جعل الله الناس كلَّهم أغنياءَ لتعطلت كثيرٌ من مصالحِهم ومنافعِهم
والله-عز وجل- أعطى الدنيا لأربعة
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إنما الدنيا لأربع نفرٍ: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربَّه ويصل فيه رحمَه ويعلم لله فيه حاجة فهو بأفضلِ المنازل- فهذا أخذ الدنيا والآخرة- وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملت به عملَ فلان قال: فهو بنيته فأجرهما سواءٌ- وهذا أخذ الآخرة ولم يأخذ الدنيا-
وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حاجة فهو بأخبث المنازل- فهذا أخذ الدنيا ولم يأخذ الآخرة- وعبدٍ لم يرزقه الله علماً ولا مالاً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت به عمل فلان قال: فهو بنيته فوزرُهما سواء- وهذا لم يأخذ الدنيا ولا الآخرة فهو من الخاسرين-" [رواه الترمذي].
عباد الله: لو أنَّ الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم لما بقي على وجه الأرض فقير يتكفف الناس لهذا قال علي-رضي الله عنه-: "إذا رأيت فقيراً يمشي في سكك المدينة فاعلم أنَّ هناك غنياً لم يؤدِ زكاةَ ماله".
والله-سبحانه وتعالى- أمر الأغنياء بالتصدقِ على الفقراء حتى لا يحقدَ الفقراء على الأغنياء لأن منع الزكاة عند الأغنياء يوغل الصدورَ عند الفقراء
والفقير له فضل على الغني لأنه لولاه لما تصدق الغني قال أحد السلف: "لولا الفقير لما تصدق الغني".
ولهذا كانت عائشة-رضي الله عنها- إذا تصدقت تعطر الدرهم وتقول: لأن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير.
إنَّ مبدأ الزكاة حين طُبِّقَ في العصور الإسلامية نجح في محاربة الفقر وأقامَ التكافلَ الاجتماعي ونزع من القلوب حِقدَ الفقراءِ على الأغنياء وقلَّلَ كثيراً من وقوعِ الجرائمِ الخُلُقية والاجتماعية وعوَّد المؤمنين البذلَ والسخاء وهيأ سُبُلَ العمل لمن لا يجد المال.
ففي خلافة عمر بن عبد العزيز: كان يُنادى بالصدقة فلا يجدوا من يقبلُها لأنَّ عمرَ بن عبد العزيز أغنى الناس.
وكان يقول: انتثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يقالَ جاع طيرٌ في بلاد المسلمين
بل من بركة العدل وإقامة دين الله في زمانه تعدت البركة إلى الحيوانات فكانت الذئاب تسير مع الغنم ولا تأكلها
ورأى عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- رجلاً من أهل الذمة يتكفف الناس فقال له مقولته الشهيرة: ما أنصفناك أن كنا قد أخذنا منك الجزية في شبيبيتك وقد أضعناك في شيبتك ما أنصفناك ثم أمر له برزق دائم.
عباد الله: إذا انتشر الفقر في المجتمعات فإنَّ وقوع الجرائم يكثر ويفشو وينتشر
فالنساء اللواتي يفعلن الفاحشة ففي الغالب يفعلنها من أجل المال والقاتل عندما قتل فإنه قتل من أجل المال والسارق عندما سرق فإنه سرق من أجل المال
طلبت امرأة من رجل مالاً فما زال يحتال بأمرها حتى مكنته من نفسها من أجل المال فلما خلا بها قالت له: إني لم أفعل هذا العملَ في حياتي قط فلا تفضحني ولا تطلع علينا أحداً فقال لها: لم أترك باباً إلا وقد أغلقته فقالت له: ولكن بقي باب لم تغلقه فقال لها: وما هو؟ فقالت: الباب الذي بيننا وبين الله فقام عنها بعد أن كان مقترفاً بالإثم.
فما الذي جعل هذا المرأة تفعل هذا الفعل؟ إنه الفقر.
وهذه قصة جميلة يرويها لنا النبي-صلى الله عليه وسلم- عن رجلٍ من بني إسرائيل تبين أنَّ أكثر الجرائم التي في المجتمعات بسبب الفقر
فقال رجل من بني إسرائيل: لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقة فخرج فوجد امرأة فوضع الصدقة في يدها فأصبح الناس يتحدثون تُصدق الليلةَ على زانية فقال: الحمدلله على زانية لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج فوجد رجلاً فأعطاه الصدقة فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال: الحمدلله على سارق لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج فوجد رجلاً فأعطاه الصدقة فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال: الحمدلله على غني فجاءه ملك على صورة رجل فقال له: أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف وأما السارق فلعله يتوب وأما الغني فلعله يتصدق ويخرج ما عنده [رواه البخاري].
وفي هذا الحديث فائدة: قال ابن حزم-رحمه الله-: "وفي هذا الحديث بيان جواز الصدقة على الغني والفقير والصالح والطالح".
عباد الله: لقد حذر الله الذين يكنزون أموالهم ولا ينفقونها في سبيل الله ووعدهم بعذاب أليم قال تعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم* يومَ يُحمَى عليها في نار جهنَّم فتُكوى بها جباهم وجنوبُهم وظهورُهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما ما كنتم تكنزون".
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي منها حقَّها إلا إذا كان يومَ القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بَرَدَت أعيدت له في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقضَى بين العباد ثم يُرَى سبيلَه إما إلى الجنة وإما إلى النَّار" [رواه مسلم].
وقال عمر-رضي الله عنه-: "أيما مالٍ لم يُؤَدَّ زكاتُه فهو كنزٌ يُعذَّبُ به صاحبُه يوم القيامة".
عباد الله: من أسباب منع الزكاة: حُبُّ المال وطول الأمل
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "يهرُم ابن آدم على حُبِّ اثنتين: حُبِّ المال وطول الأمل"
وطول الأمل مذموم لأنه ينسي الآخرة ويقسي القلب والإنسان إذا ظنَّ أنَّ أمله طويل فلا شك أنه سيكون مانعاً للخير
قال علي-رضي الله عنه-: "إنَّ أخوف ما أخاف عليكم من اتباع الهوى وطول الأمل لأن اتباع الهوى يصد عن سبيل الله وطول الأمل يُنسي الآخرة".
لهذا أمرنا النبي-صلى الله عليه وسلم- أن نجعل أملنا في هذه الدنيا قصيراً فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر-رضي الله عنهما-يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك".
عباد الله: قال أهل العلم: في الصدقة عشرُ خِصالٍ محمودة خمسٌ في الدنيا وخمس في الآخرة
أما التي في الدنيا: فتطهير البدن وتطهير المال ودفع البلايا والأمراض وإدخال السرور على المساكين وحصول بركة المال
وأما التي في الآخرة: فخِفَّة الحساب وثِقَلُ الميزان والجواز على الصراط ورفع الدرجات في واسع الجنات والظل يوم القيامة.
"الخطبة الثانية"
عباد الله: ها هو رمضان يمر مسرعاً وقد اقترب على النصف فالعاقل من يغتنم الأوقاتَ بالخير والغافل من تناسى عن ذكر الله واشتغل بالملهيات
قال الحسن البصري-رحمه الله-: "إنَّ الله جعل شهرَ رمضانَ مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا".
وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- قال: "ارتقى النبي-صلى الله عليه وسلم- المنبر فلما رقى الدرجةَ الأولى قال: آمين ثم رقى الثانية فقال: آمين ثم رقى الثالثة فقال: آمين
فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول آمين ثلاثَ مراتٍ! قال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل-عليه السلام- فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يُغفرْ له فقلت: آمين ثم قال: شقي عبد أدرك والديه أو أحدَهما فلم يدخلاه الجنة فقلت: آمين ثم قال: شقي عبد ذُكرتَ عنده ولم يصلِّ عليك فقلت: آمين" [رواه البخاري].
وقال الشاعر:
إذا هبَّت رياحُك فاغتنمها***فإنَّ عُقبى كُلِّ خافقةٍ سُكونُ
ولا تغفلْ عن الإحسانِ فيها***فلا تدري السكونَ متى يكونُ
وإن درَّت نياقُك فاحتلبها***فما تدري الفصيل لمن يكونُ.
عباد الله: اغتنموا شهر رمضان بالدعاء لأنفسكم ولهذه الأمة لعلَّ الله يفرج عنا الهمومَ والكُربات
واعلموا أن للصائم عند فطره دعوةً مستجابة
فعن عبد الله بن عمرو قال: "سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: للصائم عند فطره دعوة مستجابة"
وكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا امتثالاً لهذه الأية "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوةَ الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"
فالدعاء سلاح المؤمنين والمظلومين والضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب وأغلقت في وجوههم الأبواب
وكثير من الناس في هذا الناس يزدري ويحتقر ويستهين بالدعاء
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:
أتهزأ بالدعاءِ وتزدريه***وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تخطئ ولكن***لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ.
[وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم].
عباد الله: لقد ارتبط شهر رمضان بإخراج الزكاة حيث يعمد المسلمون في هذا الشهر لإخراجِ زكاة أموالهم طلباً للزيادةِ في الأجر والمضاعفة في الحسنات فبهذا الركن العظيم من أركان الإسلام تزكو الأموال وتسمو النفوس ويسمو المجتمع ويصبح كالجسدِ الواحد.
والله-عز وجل- قرن الزكاةَ بالصلاةِ في كثيرٍ من الآياتِ في كتابه فقال تعالى: "وأقيموا الصلاة والزكاة"
والزكاة شِعارُ الأنبياءِ والمرسلين فقال تعالى عن عيسى-عليه السلام-: "وأوصاني بالصلاةِ والزكاةِ ما دمتُ حياً" وقال تعالى عن إسماعيل-عليه السلام-: "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً".
والزكاة تكفَّل الله بقسمتها فلم يؤكل الله لقسمتها ملكاً ولا نبياً إنما تولى هو قسمتَها قال تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفةِ قلوبُهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم".
عباد الله: قسم الله-عز وجل- الأرزاق والأعمال بين الخلائق في هذا الكون الهائل ليسخر بعضهم لبعضٍ في الأعمال والحِرف ولو جعل الله الناس كلَّهم أغنياءَ لتعطلت كثيرٌ من مصالحِهم ومنافعِهم
والله-عز وجل- أعطى الدنيا لأربعة
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إنما الدنيا لأربع نفرٍ: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربَّه ويصل فيه رحمَه ويعلم لله فيه حاجة فهو بأفضلِ المنازل- فهذا أخذ الدنيا والآخرة- وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملت به عملَ فلان قال: فهو بنيته فأجرهما سواءٌ- وهذا أخذ الآخرة ولم يأخذ الدنيا-
وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حاجة فهو بأخبث المنازل- فهذا أخذ الدنيا ولم يأخذ الآخرة- وعبدٍ لم يرزقه الله علماً ولا مالاً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت به عمل فلان قال: فهو بنيته فوزرُهما سواء- وهذا لم يأخذ الدنيا ولا الآخرة فهو من الخاسرين-" [رواه الترمذي].
عباد الله: لو أنَّ الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم لما بقي على وجه الأرض فقير يتكفف الناس لهذا قال علي-رضي الله عنه-: "إذا رأيت فقيراً يمشي في سكك المدينة فاعلم أنَّ هناك غنياً لم يؤدِ زكاةَ ماله".
والله-سبحانه وتعالى- أمر الأغنياء بالتصدقِ على الفقراء حتى لا يحقدَ الفقراء على الأغنياء لأن منع الزكاة عند الأغنياء يوغل الصدورَ عند الفقراء
والفقير له فضل على الغني لأنه لولاه لما تصدق الغني قال أحد السلف: "لولا الفقير لما تصدق الغني".
ولهذا كانت عائشة-رضي الله عنها- إذا تصدقت تعطر الدرهم وتقول: لأن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير.
إنَّ مبدأ الزكاة حين طُبِّقَ في العصور الإسلامية نجح في محاربة الفقر وأقامَ التكافلَ الاجتماعي ونزع من القلوب حِقدَ الفقراءِ على الأغنياء وقلَّلَ كثيراً من وقوعِ الجرائمِ الخُلُقية والاجتماعية وعوَّد المؤمنين البذلَ والسخاء وهيأ سُبُلَ العمل لمن لا يجد المال.
ففي خلافة عمر بن عبد العزيز: كان يُنادى بالصدقة فلا يجدوا من يقبلُها لأنَّ عمرَ بن عبد العزيز أغنى الناس.
وكان يقول: انتثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يقالَ جاع طيرٌ في بلاد المسلمين
بل من بركة العدل وإقامة دين الله في زمانه تعدت البركة إلى الحيوانات فكانت الذئاب تسير مع الغنم ولا تأكلها
ورأى عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- رجلاً من أهل الذمة يتكفف الناس فقال له مقولته الشهيرة: ما أنصفناك أن كنا قد أخذنا منك الجزية في شبيبيتك وقد أضعناك في شيبتك ما أنصفناك ثم أمر له برزق دائم.
عباد الله: إذا انتشر الفقر في المجتمعات فإنَّ وقوع الجرائم يكثر ويفشو وينتشر
فالنساء اللواتي يفعلن الفاحشة ففي الغالب يفعلنها من أجل المال والقاتل عندما قتل فإنه قتل من أجل المال والسارق عندما سرق فإنه سرق من أجل المال
طلبت امرأة من رجل مالاً فما زال يحتال بأمرها حتى مكنته من نفسها من أجل المال فلما خلا بها قالت له: إني لم أفعل هذا العملَ في حياتي قط فلا تفضحني ولا تطلع علينا أحداً فقال لها: لم أترك باباً إلا وقد أغلقته فقالت له: ولكن بقي باب لم تغلقه فقال لها: وما هو؟ فقالت: الباب الذي بيننا وبين الله فقام عنها بعد أن كان مقترفاً بالإثم.
فما الذي جعل هذا المرأة تفعل هذا الفعل؟ إنه الفقر.
وهذه قصة جميلة يرويها لنا النبي-صلى الله عليه وسلم- عن رجلٍ من بني إسرائيل تبين أنَّ أكثر الجرائم التي في المجتمعات بسبب الفقر
فقال رجل من بني إسرائيل: لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقة فخرج فوجد امرأة فوضع الصدقة في يدها فأصبح الناس يتحدثون تُصدق الليلةَ على زانية فقال: الحمدلله على زانية لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج فوجد رجلاً فأعطاه الصدقة فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال: الحمدلله على سارق لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج فوجد رجلاً فأعطاه الصدقة فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال: الحمدلله على غني فجاءه ملك على صورة رجل فقال له: أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف وأما السارق فلعله يتوب وأما الغني فلعله يتصدق ويخرج ما عنده [رواه البخاري].
وفي هذا الحديث فائدة: قال ابن حزم-رحمه الله-: "وفي هذا الحديث بيان جواز الصدقة على الغني والفقير والصالح والطالح".
عباد الله: لقد حذر الله الذين يكنزون أموالهم ولا ينفقونها في سبيل الله ووعدهم بعذاب أليم قال تعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم* يومَ يُحمَى عليها في نار جهنَّم فتُكوى بها جباهم وجنوبُهم وظهورُهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما ما كنتم تكنزون".
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي منها حقَّها إلا إذا كان يومَ القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بَرَدَت أعيدت له في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقضَى بين العباد ثم يُرَى سبيلَه إما إلى الجنة وإما إلى النَّار" [رواه مسلم].
وقال عمر-رضي الله عنه-: "أيما مالٍ لم يُؤَدَّ زكاتُه فهو كنزٌ يُعذَّبُ به صاحبُه يوم القيامة".
عباد الله: من أسباب منع الزكاة: حُبُّ المال وطول الأمل
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "يهرُم ابن آدم على حُبِّ اثنتين: حُبِّ المال وطول الأمل"
وطول الأمل مذموم لأنه ينسي الآخرة ويقسي القلب والإنسان إذا ظنَّ أنَّ أمله طويل فلا شك أنه سيكون مانعاً للخير
قال علي-رضي الله عنه-: "إنَّ أخوف ما أخاف عليكم من اتباع الهوى وطول الأمل لأن اتباع الهوى يصد عن سبيل الله وطول الأمل يُنسي الآخرة".
لهذا أمرنا النبي-صلى الله عليه وسلم- أن نجعل أملنا في هذه الدنيا قصيراً فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر-رضي الله عنهما-يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك".
عباد الله: قال أهل العلم: في الصدقة عشرُ خِصالٍ محمودة خمسٌ في الدنيا وخمس في الآخرة
أما التي في الدنيا: فتطهير البدن وتطهير المال ودفع البلايا والأمراض وإدخال السرور على المساكين وحصول بركة المال
وأما التي في الآخرة: فخِفَّة الحساب وثِقَلُ الميزان والجواز على الصراط ورفع الدرجات في واسع الجنات والظل يوم القيامة.
"الخطبة الثانية"
عباد الله: ها هو رمضان يمر مسرعاً وقد اقترب على النصف فالعاقل من يغتنم الأوقاتَ بالخير والغافل من تناسى عن ذكر الله واشتغل بالملهيات
قال الحسن البصري-رحمه الله-: "إنَّ الله جعل شهرَ رمضانَ مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا".
وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- قال: "ارتقى النبي-صلى الله عليه وسلم- المنبر فلما رقى الدرجةَ الأولى قال: آمين ثم رقى الثانية فقال: آمين ثم رقى الثالثة فقال: آمين
فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول آمين ثلاثَ مراتٍ! قال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل-عليه السلام- فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يُغفرْ له فقلت: آمين ثم قال: شقي عبد أدرك والديه أو أحدَهما فلم يدخلاه الجنة فقلت: آمين ثم قال: شقي عبد ذُكرتَ عنده ولم يصلِّ عليك فقلت: آمين" [رواه البخاري].
وقال الشاعر:
إذا هبَّت رياحُك فاغتنمها***فإنَّ عُقبى كُلِّ خافقةٍ سُكونُ
ولا تغفلْ عن الإحسانِ فيها***فلا تدري السكونَ متى يكونُ
وإن درَّت نياقُك فاحتلبها***فما تدري الفصيل لمن يكونُ.
عباد الله: اغتنموا شهر رمضان بالدعاء لأنفسكم ولهذه الأمة لعلَّ الله يفرج عنا الهمومَ والكُربات
واعلموا أن للصائم عند فطره دعوةً مستجابة
فعن عبد الله بن عمرو قال: "سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: للصائم عند فطره دعوة مستجابة"
وكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا امتثالاً لهذه الأية "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوةَ الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"
فالدعاء سلاح المؤمنين والمظلومين والضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب وأغلقت في وجوههم الأبواب
وكثير من الناس في هذا الناس يزدري ويحتقر ويستهين بالدعاء
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:
أتهزأ بالدعاءِ وتزدريه***وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تخطئ ولكن***لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ.
[وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم].