الزكاة فضلها وأثر منعها وأنصبتها وبعض أحكامها.
أ.د عبدالله الطيار
الْحَمْدُ للهِ ذي الْجُودِ والإِنْعَامِ، والْفَضْلِ والإِحْسَانِ، منَّ علينَا بِبُلُوغِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيَسَّرَ لنَا فيهِ الصِّيَامَ والْقِيَامَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالمِينَ، ولَهُ الشُّكْرُ في كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَأَمَرَ بِهَا عِبَادَهُ المسْلِمِينَ فَقَالَ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) وَأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ وسلم عليهِ وعلى وآلهِ وصحبِهِ إِلى يَوْمِ الدِّينِ أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ واحْمَدُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ بِلا حِسَابٍ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ بِلا أَسْبَابٍ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) البقرة: [197].
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: إنّ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ مَفْطُورَةٌ على حبِّ المالِ، مَجْبُولَةٌ على كَنْزِهِ وَجَمْعِهِ قَالَ تَعَالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر: [20] وَلِذَا جَعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الزَّكَاةَ اخْتِبَارًا حقيقيًّا للْمُؤْمِنِينَ وَتَمْحِيصًا وَتَخْلِيصًا لَهُمْ مِنَ الأَثَرَةِ والأَنَانِيَةِ، قالَ تعالى: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر: [9].
عِبَادَ اللهِ: والزَّكَاةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ قَالَ تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) التوبة: [103] وهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، وَمَبَانِيهِ الْعِظَام، قالَ ﷺ: (بُنِيَ الإسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضانَ) أخرجه البخاري (8) ومسلم (16) وحَوْلَ فَرِيضَةِ الزَّكَاةِ أُوجِزُ نِقَاطًا مُخْتَصَرَةً كَمَا يَلِي:
أولًا: الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ مَلَكَ نِصَابًا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَتَجِبُ في مالِ الرَّجلِ والمرأَةِ والصَّغِيرِ والْكَبِيرِ، وغَيْرِ الْعَاقِلِ والْقَاصِرِ يُخْرِجُهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، فَيُخْرِجُ رُبْعَ الْعُشْرِ مِنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ سَوَاءً كَانَتْ أَمْوالًا أوْ عقاراتٍ أو عروضَ تِجَارَةٍ.
ثانيًا: الزَّكَاةُ عِبَادَةٌ لابُدَّ فِيهَا مِنَ النِّيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ) أخرجه البخاري (1) وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ، ويُرِيدُ زَكَاته، فلابُدَّ أن يُنِيبهُ صَاحِبُ المالِ.
ثَالثًا: منْ كانَ عندَهُ عُرُوضُ تِجَارَةٍ، قَدْ حالَ عليهَا الحَوْلُ، فَعَلَيْهِ تَقْوِيمهَا وضَمّهَا إلى مَا عِنْدَهُ من سُيُولَةٍ، وَإِخْرَاج زَكَاتِهَا وهي رُبْع الْعُشْر.
رابعًا: المؤجَّرَاتُ كالعقاراتِ وما في حُكْمِهَا، زكاتُهَا في أُجْرَتِهَا إذَا قَبَضَهَا صَاحِبُهَا وحالَ عليها الحولُ، فإن صرفَهَا لحَاجَتِهِ قبلَ الْحَوْلِ فلا زَكَاةَ عَلَيْهِ.
خَامِسًا: الدَّين الَّذِي على الشَّخْصِ لا أَثَرَ لَهُ في مَنْعِ الزَّكَاةِ إلا إذَا كانَ حَالًا، وأمَّا الدُّيونُ المؤجَّلَةُ فلا اعتبارَ لهَا في منع الزَّكَاةِ، ومن كانَ لهُ دينٌ على مدينٍ قادرٍ على السدادِ فعليهِ الزَّكَاةُ، وإنْ كانَ الدينُ على معسرٍ فإنَّهُ يُزَكِّيهِ مَرَّةً واحدة ًإذَا قَبَضَهُ ولا يجوزُ إِسْقَاطُ الدَّيْنِ عن المدِينِ واعْتِبَارُهُِ من الزَّكَاةِ؛ لأنَّ الدَّائِنَ هُنَا يّجُرُّ حَظًّا لِنَفْسِهِ.
سَادِسًا: الأَرَاضِي الممْلُوكَةُ للشَّخْصِ إنْ كانَتْ مُعَدَّةً للتِّجَارَةِ فَتَجِبُ زَكَاتُهَا، وإنْ كَانَتْ غَيْر مُعَدَّةٍ للتجارةِ، أو لمْ تَتَحَدَّدْ نِيَّتُهَا، فلا زكاةَ فيهَا.
سَابِعًا: الأشياءُ الثَّابِتَةُ عِنْدَ التُّجَارِ كسياراتِ نقلِ الْبَضَائِعِ، والثَّلاجَاتِ ومَا في حُكْمِهَا لا زكاةَ فيهَا، وإنَّمَا الزَّكَاةُ في رِبْحِهَا إذَا حالَ عليهِ الْحَوْلُ.
ثَامِنًا: الذَّهَب الَّذِي تَلْبَسُهُ المرْأَة لا زَكَاةَ فِيهِ على الْقَوْلِ الرَّاجِحِ، أمَّا الذهب الذي لا تَسْتَعْمِلُهُ فَإِنَّهَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ رُبْع الْعُشْرِ (2.5%).
تَاسِعًا: مَنْ كانَ لَدَيْهِ مَالٌ وقَبْلَ حَوَلانِ الْحَوْلِ اشْترى به أرضًا للتجارة، فيُقَوّمُ الأرضَ ويُزَكِّيهَا، والحولُ من بدايةِ حولِ المالِ، لا مِنْ بِدَايَةِ شِراءِ الأرضِ، أمَّا لو اشْتَرى شَيْئًا خَاصًّا لحاجتِهِ كسيارةٍ فلا زكاةَ عليْهِ.
عَاشِرًا: أموالُ الوَصَايَا والأثْلاثُ والجَمْعِيَّاتُ الْخَيرِيَّةِ كَجَمْعِيَّةِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ وَالْبِرِّ وجمعيةِ إِنْسَان والصَّنَادِيقِ الأُسَرِيَّةِ الْقَائِمَةِ على التَّبَرُّعَاتِ لا زَكَاةَ فِيهَا.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة: [60].
بَارَكَ اللهُ لَي ولكم فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ ربِّ الْعَالمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خاتمُ المرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أجمعين أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: واعلمُوا أنَّ مِنْ مَسَائِلِ الزَّكَاةِ مَا يَلِي:
حَادِي عَشَرَ: المُسَاهَمَاتُ الْعَقَارِيَّةُ والتُّجَارِيَّةُ وأَصْحَابُ الأَسْهُمِ، عَلَيْهِمْ أَنْ يُزَكُّوهَا حَسبَ قِيمَتِهَا عنْدَ حَوَلانِ الْحَوْلِ، سَوَاءً كَانَتْ رَابِحَةً أو خاسرةً.
ثَانِيَ عشر: منْ كانَ لديهِ نخلٌ ففي التَّمْرِ الذِي يخرجُ منه الزَّكَاة إذَا بلغَ النِّصَابَ ونِصَابُهُ ستمائةٌ وخمسةٌ وسبعونَ كيلو جرامًا، ويجبُ فيه نصفُ العشرِ (5%).
ثَالِثَ عَشَرَ: إذَا أرَادَ المُسْلِمُ مَعْرِفَة زَكَاةَ مَالِهِ عِنْدَ حَوَلانِ الْحَوْلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْسِبَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ مِنَ المَالِ وَيَقْسِمه على أربعين والنَّاتِجُ هو ما يجبُ إخراجُهُ زكاةً عن هذا المالِ.
رَابِعَ عَشَرَ: يجبُ التَّحَرِّي في إخراجِ الزَّكَاةِ، وإيصَالِها لمستَحِقِّيهَا ومَنْ هُوَ أهلٌ لهَا ولا تَجُوزُ المحَابَاةُ في الزَّكَاةِ بِإِعْطَائِهَا لقريبٍ أو صديقٍ ممَّنْ لا يَسْتَحِقّهَا لقولِهِ ﷺ (لا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مُكتسِبٍ) ومنْ لا يُحْسِنُ تَصْرِيفَ زَكَاته فَلْيُسَلِّمهَا للْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةِ الرَّسْمِيَّةِ الَّتِي تَتَوَلَّى إِيصَالها لمسْتَحِقِّيهَا وَمِنْ أَهَمِّهَا مِنَصَّةُ إِحْسَان
خَامِسَ عَشَرَ: لا يَدْفَعُ الشَّخْصُ زَكَاتَهُ لِفَرْعِهِ ولا لأَصْلِهِ ولا لمنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وأمَّا الزَّوْجَةُ فلهَا أنْ تَدْفَعَهَا لِزَوْجِهَا.
أَسْأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يُوَفِّقنَا لأداءِ الحقوقِ، وحفظِ الواجباتِ، وأن يَجْعَلَنَا مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ، وأنْ يَرْزُقَنَا الإخلاصَ والقبُولَ، والسَّدَادَ في القولِ والعَمَلِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ الموَحِّدِينَ.
اللَّهُمَّ أمِّنَا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِح أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أمُورِنا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِ المسلمينَ عَامَّةً لِلْحُكْمِ بكتابِكَ والْعَمَلِ بِسُنَّةِ نبيِّكَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الملكَ سلمانَ بنَ عبدِالعزيزِ وسُمُوَّ وَلِيِّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْرٍ، واصْرِفْ عَنْهُمَا كُلَّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُمْ وأَعْوَانَهُم ووُزَرَاءهُمْ لما فِيهِ خَيْرُ الْبِلادِ والْعِبَادِ، ولمَا فِيهِ عِزُّ الإسْلامِ وَصَلاحُ المسْلِمِينَ.
اللَّهمَّ ارْبِطْ على قُلُوبِ رجَالِ الأمنِ، والمرَابِطِينَ عَلَى الْحُدُودِ، الّذِينَ يُدَافِعُونَ عن الدِّينِ والمقدساتِ والأعراضِ والأموالِ، اللهُمَّ احفظهمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمِ ومِنْ خَلْفِهِمِ وعَنْ أَيْمَانِهِمْ وعَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هَذَا الجمعَ مِن المؤمِنِينَ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّهُمْ، وَنَفِّس كَرْبَهُمْ، وَاقْضِ دِيُونَهُم وَاشْفِ مَرْضَاهُم، وَارْحَمْ مَوْتَاهُمْ، واغْفِرْ لَهُم ولآبَائِهِم وأُمَّهَاتِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وَإِيَّاهُمْ وَوَالِدِينَا وَأَزْوَاجنا وذُرِّيَّاتِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]
الجمعة 1445/9/12ه