الريـــــــــــــــح

صالح العويد
1433/04/23 - 2012/03/16 03:18AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه خطبة جمعتهاسابقاعن الريح

لعل الله ينفع بهاالجميع في مثل

هذه التقلبات التي نعيشها
المشاهدات 2676 | التعليقات 2

الحمدلله الغني الحميد يفعل مايشاءويحكم مايريدوأشهدأن لا إله إلاالله وحده لاشريك له مدبرالكون وهوالولي الحميدوأشهدأن محمداعبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين الحجة على الخلائق أجمعين بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهدفي الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
أما بعد: فاتقو الله ـ أيها المسلمون ـ حق التقوى، واعلموا أن تقوى الله هي العصمة من البلايا والمنعة من الرزايا، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا
فاتقواالله أيهاالناس واخشواغضبه ونقمته وتأملوااحوالكم وتفكروافي آيات الله في الآفاق وفي أنفسكم لعلكم تذكرون
عباد الله ظاهرة كونية وآية من آيات الله تستحق أن نقف معها وقفة تأمل وادِّكار وعظة واعتبارهي ظاهرة الريح
إخوة الإيمان، الريح رسل نذر وإنذار من الملك الجبار وآية من آيات الواحد القهار، وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [الإسراء: 59]. خوَّف العظيم الجليل عباده بالريح العاتية وأنذرهم بالأعاصير القاصفة، قال تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا [الإسراء: 68، 69]. ولعظمة الريح وعظم شأنها أقسم بها ربها فقال جل في علاه: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات: 1-3]، وجعلها الله تعالى برهانًا دالاً على ربوبيته وألوهيته، قال تعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الجاثية: 5]. وحينما سأل نبي الله سليمان ربه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده استجاب الله لطلبه وسخَّر له الريح طائعة لأمره، قال تعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء: 81]، وقال سبحانه: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ: 12]، قال قتادة: "تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار".
هذه الرياح جند طائع لله تعالى، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ [المدثر: 31]، فإذا شاء الله صيرها رحمة، فجعلها رخاءً ولقاحًا للسحاب، فكانت مبشرات بين يدي رحمته ونزول نعمته، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِِه [الروم: 46]، وإذا شاء الله جعل هذه الرياح نقمة ونكالا، فكانت صرصرا عاصفا وعذابا عقيما، قال تعالى عن قوم عاد لما كفروا واستكبروا: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات: 41، 42].
هذه الريح جعلها الله سلاما لنصرة أوليائه، فحينما زلزل المؤمنون يوم الخندق زلزالا شديدا وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر نصر الله نبيه وأولياءه، فأرسل على أعدائهم ريحا عاتية قلعت خيامهم وأطفأت نارهم وكفأت قدورهم، فارتحلوا بعد ذلك صاغرين متفرقين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
إخوة الإيمان،حدث مهيب ومنظر مهول، يوجل القلوب ويدهش العقول، فحينما الناس في دنياهم غافلون و في لهوهم سادرون إذ أذن الله لجند من جنوده أن يتحرك، أذن للهواء الساكن أن يضطرب ويهيج ويموج ويثور ويزمجر، يثيرالأتربة ويظلم الجو وتعطل لا يقف أمامه شيء إلا ابتلعه، ولا شجر إلا اقتلعه، ولا شاخص إلا صرعه ورماه في مكان سحيق،يحدث هذا كله وذاك الخراب في لحظات سريعة خاطفة، فلا إله إلا الله، ما أعظم قدرة الجبار! مدن عامرة تدب في أرجائها الحياة لجمالها وصفائها، وفي غمضة عين وانتباهتها يغيرها الله من حال إلى حال، فأضحت أوطانا موحشة وديارا خاوية وأطلالا بالية، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌألم تركيف فعل ربك بعادإرم ذات العمادالتي لم يخلق مثلها في البلادوأماعادفأهلكوابريح صرصرعاتيه سخرهاعليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيهاصرعى كأنهم أعجازنخل خاوية فهل ترى لهم من باقية
ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار! فهذه الرياح يوم تعصف عاصفتها كأنما تخاطب أهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق وعجز المخلوق وضعفه، تخاطبهم بأن الأمر لله من قبل ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى ومهما أوتي من قوة وتقدم فليس بمعجز الله في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير. هذه الرياح أصابت دولا عظمى فما أغنت عنهم قوتهم من شيء لما جاء أمر ربك. نعم، نجحت البشرية في رصد هذه الرياح وكشف وجهتها وسرعتها، لكنها مع قوتها العسكرية وأجهزتها العلمية وترساناتها الحربية عجزت عن مواجهة هذا الجندي الإلهي أو تغيير وجهته وتقليل خسائره، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ
إخوة الإيمان، من الحقائق الثابتة التي نطق بها القرآن أن هذه المصائب العامة التي تنزل بالبلاد والعباد إنما هي حصائد ذنوبهم وجزاء ما كسبت أيديهم، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41]، ويقول الله بعد أن ذكر مصارع الأمم: فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40]، ويقول تعالى: وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص: 59]. ولما كثرت المعاصي في هذا الزمن وتنوعت كثرت بذلكم المصائب وتسارعت، ولا زلنا بين فترة وأخرى نسمع عن زلازل وبراكين وفيضانات وأعاصير وأوجاع وأمراض.
إخوة الإيمان، حري بنا ونحن نرى نذر الجبار هنا وهناك أن تستيقظ نفوسنا من غفلتها وتلين قلوبنا من قسوتها وتجري مدامعنا تعظيما وإجلالا لله تعالى، حري بنا ونحن نرى هذه الفواجع أن نتوب من خطايانا ونصحح مسارنا ونستغفر ربنا، وأن نذكّر أنفسنا ونذكّر الآخرين بعقوبة الجبار وشدة بأسه وغيرته على محارمه
عبادالله إن ماحدث لنامن الرياح عبرة عظيمة قدوجه الله إليهاالأنظاربالإعتبارفهل اعتبرنابماشاهدنا هل حاسبناأنفسناهل تبنامن ذنوبناإن حال الكثيرمنالم يتغيرمن الفساد إلى الصلاح ولم ينتقل من المعصية إلى التوبة وأقرب شاهدعلى ذلك مئات الشباب والكبارينادى للصلوات
وهم عنهامنشغلون فياترى ماذاأشغلهم وماذاالهاهم والله المستعان إنهم على المدرجات وفي البيوت عندالشاشات
منغمسون في الشهوات فخلف من بعدهم خلف أضاعواالصلاة واتبعواالشهوات فسوف يلقون غياعافاني الله وإياكم وإياهم فماهوعذرهم وكثيرامن جيران المساجدلايدرون أين أبوابهاولايفكرون في دخولهاكأنهابنيت لغيرهم يسمعون الأذان يدعوهم فلايجيبون ويعصون ولايتوبون ويشاهدون آياته فلايعتبرون تقام عليهم الحجج وهم في غفلة معرضون فعماقريب سيندمون يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقدكانوا يدعون إلى السجودوهم سالمون وسيعلم الذين ظلمواأي منقلب ينقلبون
اللهم أصلح أحوال المسلمين واهدضالهم
بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، واشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا عباد الله، وكان للنبي مع هذه الرياح شأن آخر وحال مغايرة، كان إذا رأى مقدّماتها تغير وجهه وقلقت نفسه وتبدّلت حاله، ولا غرو في ذلك فهو عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بربه وأخبر الخلق بأسباب العقوبات والكوارث.
تصوّر لنا أم المؤمنين عائشة حاله بقولها: كان الرسول إذا تخيّلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، إذا أمطرت سرّي عنه، فعرفت ذلك في وجهه، فسألته فقال: ((لعله ـ يا عائشة ـ كما قال قوم عاد: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأحقاف: 24])).
ومن الأحكام الشرعية مع الريح أنه لا يجوز سبها أو لعنها، قال: ((لا تسبوا الريح، فإنها تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله خيرها وتعوذوا من شرها)) رواه الإمام أحمد بسند حسن.
ومن الأحكام أيضا دعاء الله تعالى عند هبوبها، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي إذا عصفت الريح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ومن شر ما أرسلت به)) رواه مسلم في صحيحه
عباد الله، ومن أهم الأسباب التي تستدفع بها الأمة الكوارث عنها إزالة رايات الفساد والإفساد المستعلنة وإنكار المنكر والأخذ على أيدي السفهاء الذين يخرِقون سفينة مجتمعنا بمسامير الشهوات و بمطارق الشبهات، والأخذ على أيديهم ومنع فسادهم وإفسادهم حلقة من حلقات الإصلاح وصمام أمان من العقوبات الإلهيه، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود: 117]. أما إذا علت المنكرات وكثر سوقها وصلُب عودها ولم يوجد النكير فإن العقوبة عامة سيهلك الأخيار بجريرة الفجار. تسأل زينب بنت جحش رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم إذا كثر الخبث)).
فاتقوا الله أيها المسلمون، وانظروا إلى هذه الحوادث بعين البصر والبصيرة والعقل والتعقل، لا بعين الشماتة أو التزكية للنفس، فقد يصرف الله العقوبات عمن هو أفجر وأفسق إمهالا ومكرًا بهم، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99].
هذاوَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال في محكم التنزيل:} إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ [الأحزاب:56] وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم وبارك على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه خطبة جمعتهاسابقاعن الريح

لعل الله ينفع بهاالجميع في مثل

هذه التقلبات التي نعيشها