الرياض النضرة في بيان أنواع وخطورة الكلمة
الشيخ السيد مراد سلامة
ولذلك قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة. وقيل:
المرء مخبوء تحت لسانه.
قال الشاعر:
لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدّم
أي إذا توهم ارتفاع النطق الذي هو باللسان، والقوة الناطقة التي هي بالفؤاد، لم يبق إلا صورة اللحم والدم. فإذا كان الإنسان هو اللسان فلا شك أن من كان أكثر منه حظّا كان أكثر منه إنسانية.
فما هي الكلمة؟
وما هي أنواعها؟
وما هو خطرها؟
هيا لنعيش مع ذلك البيان من خلال كلام الرحمن وسنة النبي العدنان-صلى الله عليه وسلم-
تعريف الكلمة
إن من أجمل ما قرأت في تعريف الكلمة عباد الله ما ذكره بعض العلماء أن الكلمة مشتقة لغة من الكلم، وهو الجرح، لتأثيرها في النفس.
وذلك لأن الكلمة لها تأثير إما طيب وإما اليم في نفسية السامع
أهمية الكلمة
أمة الإسلام: إن الكلمة عباد الله شأنها عظيم في شرع الله تعالى وتأملوا عباد الله ذلك
* فالإنسان يدخل الإسلام بكلمة فيُعصم ماله ونفسه وعرضه ألا وهي كلمة التوحيد
* ويخرج الإنسان من الإسلام بكلمة ألا وهي كلمة الكفر فيحل بذلك دمه وماله وبها يكفر الإنسان ويخرج من دين الإسلام قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة/65، 66].
* وهي من أسباب دخول النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» ([1])
* وبها يرضي الإنسان ربه أو يسخطه، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) ([2])
* يتزوج المسلم بكلمة فتصبح له زوجه حلال له فتقام الأسر وتنجب الأبناء تحت مظلة الإسلام
* يطلق الإنسان بكلمة فتحرم عليه زوجته
* يبيع المسلم ويشتري بكلمة
* تقام الحروب وتراق الدماء بين الأمم والشعوب بكلمة ...والحرب أولها كلام
أنواع الكلمة: وها هو الحق جل جلاله يقسم لنا الكلمة إلى نوعين:
الكلمة الطبية
والكلمة الخبيثة
فما هي الكلمة الطيبة؟ وما هي صفاتها؟ وكيف نستغل الكلمة الطيبة؟
هاك البيان أيها الإنسان
أ-الكلمة الطيبة
المـراد بالكلمـة الطيبـة
هي التي تسر السامع وتؤلف القلب
هي التي تحدث أثرا طيباً في نفوس الآخرين
هي التي تثمر عملاً صالحاً في كل وقت بإذن الله
هي التي تفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر
من صفات الكلمة الطيبة:
يقول الأستاذ/ذيـــاب عبد الكريم: في شأن صفات الكلمة الطيبة
- أنها تؤلف القلوب وتصلح النفوس وتذهب الحزن وتزيل الغضب وتشعر بالرضا والسعادة لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
- وأنها مفتاح الدعوة والقبول؛ جميلة اللفظ سهلة المعنى تغرس الخلق والأدب وتنشر الألفة والمودة في المجتمع وتعمق أواصر الوحدة بين الناس.
- وأنها توافق الشرع الحنيف فتدعو إلى ما يعزز التوحيد وينافي البدع والمنكرات والشهوات والشبهات (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت
- وأنها تثمر عملاً صالحاً وتفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر .. نتائجها مفيدة، وغاياتها بناءة سامية.
وأي دين أعظم من الإسلام الذي جعل الشارع فيه الحرف بعشرة أمثاله إلى 700 ضعف بتلاوة القرآن الكريم؟ الكلمة الطيبة. لماذا؟ ولسائل أن يسأل: لماذا يكون للكلمة الطيبة ذلك الخطر العظيم والثواب الجزيل؟ ودعونا نجيب عن ذلك من خلال النقاط التالية:
الكلمة الطيبة شجرة مثمرة دائمة الخير والعطاء: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24].
الكلمة الطيبة صدقة تثري المال، وتنمي الرزق، وتصل الرحم، وتنسي في الأجل، وتدخل الجنة فقد تكون تسبيحة أو ذكرا أو دعاء أو صلاة.
3-الكلمة الطيبة سمة المؤمنين الصادقين والدعاة وشعارهم {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26].
4-الكلمة الطيبة اختيار حكيم وانصياع تعبدي من قبل المسلم لأمر الله عز وجل امتثالا لقوله تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83]. وقوله: (وَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [النساء: 5]. وقال سبحانه أيضا (فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا) [الإسراء: 28].
ب-طرق استثمار الكلمة الطيبة:
* بالكلمة الطيبة ندعو الناس بأحب الأسماء إليهم وأوقعها في نفوسهم.
* بالكلمة الطيبة نحبب إليهم الطاعات ونوضح لهم مسائل الدين استجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال الترغيب في الخير والترهيب من الشر (وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
* بالكلمة الطيبة ندعو إلى التفاعل مع قضايا الأمة (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
* بالكلمة الطيبة نعبر عن امتناننا بالدعاء لعلمائنا ومشايخنا بالتوفيق والسداد ونشجع الدعاة وطلبة العلم على المضي قدما في مسيرة الخير والعطاء.
* بالكلمة الطيبة تكسب الأم والأب قلوب أبنائهما ويضمنا صلاحهما.
* بالكلمة الطيبة يكسب الزوج قلب زوجته ويتواصل معها بالتوجيه والنصح في مسيرة بناء الأسرة الصالحة.
* بالكلمة الطيبة نصلح بين الناس ونعدل بينهم بشهادة الحق وندفع الظلم بالعدل والسوء بالإحسان قال تعالى: (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35].
* بالكلمة الطيبة ندعو إلى الإسلام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة في محاضرة أو كتاب أو شريط (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
*بالكلمة الطيبة نفسد مخططات الشيطان في التحريش بيننا وبين إخوتنا امتثالا لأمر الحق عز وجل: (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ التي هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَـانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلإِنْسَـانِ عَدُوّا مُّبِينًا [الإسراء: 53].
* بالكلمة الطيبة نثري مسيرة الإعلام الإسلامي بالكلمة المسموعة على أعواد المنابر والمرئية عبر الفضائيات والمنتديات والحوارات والمؤتمرات والمكتوبة على صفحات الجرائد والمجلات .
* بالكلمة الطيبة ندعو المخالفين إلى الإسلام (وَلاَ تُجَـادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَـابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنهُمْ) [العنكبوت: 46]
* بالكلمة الطيبة نقدم النصح للآخرين، فنهدي بإذن الله ضالاً، ونعلم جاهلاً، ونرشد تائهاً، ونذكر غافلاً عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ». قَالُوا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لِلَّهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». ([3])
* بالكلمة الطيبة نعلم أبناءنا احترام آباءهم وحقوق الوالدين والبر بهما ولين الجانب لهما: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء: 22، 23].
* -بالكلمة الطيبة نتصدق على أنفسنا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ , وَمَشْيُكَ إِلَى الْمَسْجِدِ صَدَقَةٌ " ([4])
ونحسن للفقراء والمساكين (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة: 263].
*بالكلمة الطيبة نبذل شفاعة حسنة ونبلغ أمانة وننفس كربة ونواسي مكلوما ونخفف عن مريض.
* بالكلمة الطيبة نقدم رأياً صائبا ونقترح فكرة حسنة تنهض بأمتنا وترقى بمستوى شبابنا.
* بالكلمة الطيبة نبلغ آية ونروي حديثاً وننقل فتوى تحيي سنة وتميت بدعة في مجالسنا ومراسلاتنا ومعاملتنا وتجارتنا وحضرنا وسفرنا.
* بالكلمة الطيبة ننمي مواهب الناشئة من أبنائنا وبناتنا ونأخذ بأيدي الطلبة على مقاعد الدرس ببث روح الثقة والدعم المعنوي والهداية إلى الصواب
أمثلة توضح أهمية الكلمة الطيبة
إن من البيان لسحر كما صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ بَيِّنٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سحرًا وَإِن من الشّعْر حكما".([5])
فلا إله إلا الله! لا أفضل من دفع السيئة بالحسنة، إنها آسرة القلوب والأرواح، إنها مُسْتلة الأضغان والأحقاد والسخائم من القلوب: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت:35] .
المؤمن الحق -يا أيها الأحبة-كالشجرة المثمرة، كلما رُجمت بالحجارة أسقطت ثمراً طيباً؛ فيا له من قمة! ويا لها من مُثل!
قصة: ها هو يهودي معه كلب -واليهود لطالما استفزوا المسلمين يريدون أن يوقعوهم في شَرَكِهم-يمر على إبراهيم
بن أدهم عليه رحمة الله ذلكم المؤمن، فيقول له: ألحيتك -يا إبراهيم -أطهر من ذنب هذا الكلب، أم ذنب الكلب أطهر من لحيتك؟
فما كان منه إلا أن قال -بهدوء المؤمن الواثق بموعود الله عز وجل-: إن كانت في الجنة فهي أطهر من ذنب كلبك، وإن كانت في النار لذنب كلبك أطهر منها.
فما ملك هذا اليهودي إلا إن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34-35].
قصة: ها هو الإمام أحمد عليه رحمة الله في مجلسه وبين تلاميذه، ويأتي سفيه من السفهاء فيسبُّه ويشتمه ويقرعه بالسب والشتم، فيقول طلابه وتلاميذه: يا أبا عبد الله! رُدّ على هذا السفيه.
قال: لا والله! فأين القرآن إذاً؟ (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً )[الفرقان:63]
إذا سبني نَذلٌ تزايدتُ رفعةً *** وما العيبُ إلا أن أكونَ مُساببه
ولو لم تكن نَفْسِي عليَّ عزيزةً*** لمكنْتُها من كلِ نذل تُحاربه
الكلمة الخبيثة
قال الله تعالى {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27)
و{َمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ}
أي وصفة الكلمة الخبيثة وهي كلمة الكفر أو الشرك كصفة الشجرة الخبيثة وهي شجرة الحنظل ونحوه،
ومرفوعا فيما روى ابن أبي حاتم: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}: هي الحنظلة
وصفت الشجرة الخبيثة بصفات ثلاث هي:
1-أنها خبيثة الطعم أو لما فيها من المضار، أو الرائحة وهي الحنظلة، وقيل: الثوم، وقيل: الشوك.
2-اجتثت من فوق الأرض، أي اقتلعت واستؤصلت، وليس لها أصل ولا عرق، فكذلك الشرك بالله تعالى ليس له حجة ولا ثبات ولا قوة.
3-ما لها من قرار، أي ليس لها استقرار، وهذه الصفة كالمتممة للصفة الثانية.
وهذه صفات في غاية الكمال، فالخبث وصف للمضار، والاجتثاث وعدم القرار وصف للخلو عن المنافع.
وبالموازنة يتبين الفرق بين كلمتي الحق والباطل، فكلمة الحق وهي كلمة التوحيد والإيمان قوية ثابتة نافعة للناس، وكلمة الباطل وهي كلمة الشرك أو الكفر ضعيفة ضارة ليس فيها استقرار ولا ثبات.
وأصحاب الكلمة الأولى هم المؤمنون، وأولو الكلمة الثانية هم الكافرون والعصاة.
وعن مثل الكلمة الخبيثة يقول ابن القيم: ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة، فشبهها بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فلا عرق ثابت، ولا فرع عال، ولا ثمرة زاكية، فلا ظل ولا جني ولا ساق قائم، ولا عرف في الأرض ثابت، فلا أسفلها مغدق، ولا أعلاها مونق، ولا جني لها ولا تعلو بل تعلى، وإذا تأمل اللبيب أكثر كلام هذا الخلق في خطابهم وكسبهم، وجده كذلك فالخسران كل الخسران الوقوف معه والاشتغال به عن أفضل الكلام وأنفعه.
صور من الكلمة الخبيثة في عصرنا
الكلمة التي تدعو إلى الإلحاد والتشكيك في شرع الله
الكلمة التي تدعو إلى إشاعة الفاحشة بين المؤمنين
الكلمة التي تدعو إلى التخريب والتدمير لا التعمير
الكلمة التي تدعو إلى القتل وإراقة الدماء
الكلمة التي تدعو إلى الفرقة والاختلاف
الكلمة التي تدعو إلى القطيعة والضغينة
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
اللامبالاة بالكلمة:
و اعلموا عباد الله أن شأن الكلمة لعظيم و أن خطرها لعظيم و على الرغم من ذلك نرى و نسمع من لا يبالي بالكلمة التي تخرج من فمه و لقد حذرنا الإسلام من خطورة الكلمة و من تلك اللامبالاة فبكلمة -أيها المسلم الحبيب- تدخل دين الله، وبكلمة تخرج من دين الله، وبكلمة تنال رضوان الله، وبكلمة تنال سخط الله، عن عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ بَطَّالٌ يَدْخُلُ عَلَى الْأُمَرَاءِ فَيُضْحِكُهُمْ، فَقَالَ لَهُ جَدِّي: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ، لِمَ تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَتُضْحِكُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَرْضَى اللَّهُ بِهَا عَنْهُ إلى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَسْخَطُ اللَّهُ بِهَا إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» ([6])
وإمساك اللسان من الأمور الواجبات، وكذلك الضبط والتفكير والعلم الشرعي والورع الإيماني والإدراك الواقعي الذي ربما نعرج عليه إن شاء الله تعالى.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يَضْمَنُ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ([7])
* واعلم يا من لا تبالي بالكلمة تخرج من فمك أنها سبب من أسباب دخول النار
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِسْلَامَ وَالصَّلَاةَ وَالْجِهَادَ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: " فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: «أَكْبِبْ عَلَيْكَ هَذَا». ([8])
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ» أَوْ قَالَ: «عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟»([9])
* أقوال وأشعار وأمثال تدل على أهمية الكلمة وخطورتها وآثارها
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجَ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ» ([10])
هذا اللسان قد جعله الله عز وجل أشبه بالمسجون، لكن العقل الذي لا يتدبر والقلب الذي لا يتذكر يطلق اللسان، فإذا به -وإن كان محدوداً في مساحته وفي إطاره-يشرق ويغرب ويؤذي، ويكون أذى اللسان أكثر من أذى السنان كما يقولون.
، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: «إِنَّ لِسَانَ الْحَكِيمِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ يَرْجِعُ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ، وَإِنَّ الْجَاهِلَ قَلْبُهُ فِي طَرَفِ لِسَانِهِ، لَا يَرْجِعُ إِلَى الْقَلْبِ، فَمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ تَكَلَّمَ بِهِ»([11])
وعن عِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنَّهُ مَنْ تَعَبَّدَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ، وَمَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلاَّ فِيمَا يَعْنِيهِ، وَمَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَةِ كَثُرَ تَنَقُّلُهُ.([12])
لكن انظر إلى واقعنا اليوم ستجد كلاماً طويلاً عريضاً، وادعاء هائلاً، وعملاً قليلاً، وحقيقة باهتة، لا تعدو أن يكون نسبتها إلى ذلك الكلام كنسبة القطرة إلى البحر إلا من رحم الله عز وجل.
وعن بعض الحكماء أنه قال: الصمت يجمع للرجل فضيلتين: السلامة في دينه، والفهم عند صاحبه.
قصة:
أبو بكر بن عياش اجتمع أربعة ملوك ملك الهند وملك الصين وكسرى وقيصر فقال أحدهم أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل وقال الآخر إني إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني وقال الثالث عجبت للمتكلم إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه وقال الرابع أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت وقيل أقام المنصور بن المعتز لم يتكلم بكلمة بعد العشاء الآخرة أربعين سنة
ولذلك قال الآخر: إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني.
قال أبو نُوَاسٍ
[1] - أخرجه البزار (6/273، رقم 2302) قال الهيثمى (10/300) (صحيح) انظر حديث رقم: 5136 في صحيح الجامع
[2] - أخرجه أحمد (2/334، رقم 8392) ، والبخاري (5/2377 ، رقم 6113) .
[3] - أخرجه أحمد (4/102، رقم 16982) ، ومسلم (1/74 ، رقم 55)
[4] - أخرجه أحمد (2/316، رقم 8168) ، والبخاري (3/1090 ، رقم 2827)
[5] - أخرجه أحمد (1/269) (2424)
[6] -سبق تخريجه
[7] - أخرجه البخاري (5/2376، رقم 6109)،
[8] - الآداب للبيهقي (ص: 122)
[9] - أخرجه الطيالسى (ص 76، رقم 560)، وأحمد (5/231، رقم 22069)
[10] - المعجم الكبير (9/ 149)
[11] - مصنف ابن أبي شيبة - ترقيم عوامة (14/ 38)
[12] - سنن الدارمي (1/ 49)
المرفقات
النضرة-في-بيان-أنواع-وخطورة-الكلمة
النضرة-في-بيان-أنواع-وخطورة-الكلمة
النضرة-في-بيان-أنواع-وخطورة-الكلمة-2
النضرة-في-بيان-أنواع-وخطورة-الكلمة-2