الرياضة والكرة 9-4-1433هـ

عبدالله يعقوب
1433/04/16 - 2012/03/09 05:40AM
إنَّ الحمدَ لِله.. نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ ألاَّ إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ نبينا وسيدنا محمداً عبدهُ ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأتباعه وسلم تسليما كثيرا..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكلَ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أيَّها المسلمون: بعث الله نبيه محمداً r بالهدى ودين الحق.. ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فأنشأ عليه الصلاة والسلام دولةَ الإسلامِ الأولى التي انطلقتْ منها راياتُ التوحيدِ, وكتائبُ الجهادِ, لتدكَّ معاقلَ الوثنية, وتستأصلَ شأفةَ المشركين والوثنيين. وتعيدَ الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وتخرجهم من الظلمات إلى النور.
ثم واصلت دولةُ الإسلامِ الفتيةِ تقدمَها ونصرَها حتى وصلت فتوحاتُها أقاصي الدنيا, شرقاً وغربا.
وبعد القرون الثلاثة المفضلة.. توقفت حركةُ الفتوحاتِ, وانتقلتْ الأمةُ من موقعِ الهجومِ إلى الدفاعِ, ومن ثَمَّ أخذتْ دولةُ الإسلامِ في الانحسارِ والتراجع، حتى آل الأمرُ إلى تمزقِّ العالمِ الإسلامي دولاً صغيرة وأحزاباً عديدة, كلُ حزبٍ بما لديهم فرحون.
وفي ذات الوقتِ الذي كانت دولةُ الإسلام تنحدرُ فيه ذلك الانحدارَ المخيفِ, حتى استقرت في قاعِ الهاويةِ. كان الغربُ الصليبي آخذاً في التقدم والإرتقاء, محققا إنجازاً مذهلا في تقدمه التقني والصناعي والحربي , ومن ثم أحكمَ سيطرتَه على العالمِ بأسرهِ, وأعلن حربه الصليبية على العالمِ الإسلامي على وجهِ الخصوصِ, ليستيقظ المسلمون وإذ بالأرضِ غيرَ الأرضِ التي يعرفون, فلم تَعُدْ هناك أرضُ خلافةٍ لا تغيبُ عنها الشمس, ولم يعدْ هناكَ خليفةٌ يقول للسحابة: (أمطري أنىَّ شئتِ، فسيأتيني خراجُك ولو بعد حين), ولم يعدْ هناك خليفةٌ تدفعهُ مروءتُهُ ونخوتُه إلى تسييرِ جيشٍ بأكملهِ, فينتصرُ لامرأةٍ مسلمةٍ اغتصبها عِلجٌ نصرانيٌ جبان. ولم يعد هناك خليفة يحترق غيرةً على امتهان كتاب الله وحرقه على أيدي النصارى الصليبين، أو يشتعل غضبا باحتلال مقدسات المسلمين وانتهاك أعراضهم واحتلال ديارهم.. فيرفع راية الجهاد ويدعو إلى النفير.
وانقسم المسلمون المفْجُوعونَ بهولِ المصيبةِ, وفداحةِ الخطب, وضغطِ الواقعِ الكئيبِ.. انقسموا إلى فريقين, فريقٌ لـه عقلُهُ الراجح, ورأيهُ السديد, يُنادي بالعودةِ إلى الأصولِ, والارتشاف من المعينِ العذبِ الذي تركه المصطفى r حيث يقول: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتابَ الله، وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).
وفريقٌ مغفلٌ مغرورٌ مخدوعٌ ببريقِ عبدةِ الصلبانِ الذين آووه واحتضنوه, وغمسوه في وَحَل الشهوات, وأرضعُوه كأسَ التبعيةِ والولاءِ للغرب, فرأى هذا الفريقُ الأرعنْ, أن الحلَّ الأمثل، لعلاج مشكلاتِ الأمةِ المتخلفةِ، يكون بدفعها للحضارة المادية، من خلال نبذ الحضارة الأخلاقية.
رأى أن التطورَ والتحضرَ في إقصاءِ الدِّين, ونبذِ القيمِ, ومخالفةِ المبادئ والأصول...
رأى هذا الفريقُ الأرعنُ.. أن تطورَ الأمةِ وحضارتَها يمر عبر دور السينما, ومسارحِ الرقص والأغانيِ الماجنةِ...
رأى الحلَّ في إلهاءِ الشبابِ.. أملِ الأمةِ الواعد, وشريانِها النابض.. بالرياضةِ, والتي أصبحتْ لدى الكثيرينَ بدون مبالغة.. وثناً يُعبد، وصنماً يُقدَّس.
وحديثنا اليوم عن الرياضة... ولم لا.. أليست الرياضةُ حديثَ المجتمعِ كله!
أليس قد توحد الناسُ يوم الأربعاء الماضي.. رجالهم ونساؤهم.. صغارهم وكبارهم.. يهتفون لفريقنا الوطني.. في موقعته المصيرية!!
نعم نتحدث عن الرياضة.. لا لنشتم فريقاً أو نلوم شخصاً.. كلا.
وإنما نتحدث عن الرياضة لنبين حالها وواقعها لدى الناس اليوم.
ونقولها بكل صراحة.. إن الرياضة لدينا.. تكاد تنحصر.. تكاد تنحصر في نوع واحد من الرياضات وهو كرة القدم.. وما سواها لا يكاد يذكر.
وأن الرياضة لدينا لم تعُدْ وسيلةً لتقويةِ الأجسامِ, والاستعدادِ للنـزالِ وجهادِ الأعداء, كما كنا نتوهمُ, ولم تعدْ وسيلةً للترويحِ البريءِ على الأقلِ, بل أصبحتِ اليومَ تُزاحمُ العقيدةَ, وتضطرُها إلى أضيقِ طريقِ..
وأصبحَ الولاءُ.. لا للدين.. بل للفريق الأحمر والأخضرِ والأصفر, حتى وصلَ الجنونُ ببعضهمِ إلى اختيارِ لونِ سيارتِهِ وحيطانِ بيتهِ, وغرفةِ نومهِ وملابسِ أطفالهِ, بحسبِ شعار فريقهِ المفضل.
وبلغتِ العصبيةُ الرياضيةُ ببعضهمِ إلى الخصومةِ والقطيعةِ, حتى داخل نطاقِ الأسرةِ الواحدة, حيث تعددتِ الولاءَاتُ, واختلفتِ الانتماءات, فمِن متعصبٍ للأزرقِ، ومن متعصبٍ للأحمرِ, ومن متعصبٍ للأَخضرِ, كلٌ يشتمُ صاحبَه ويبغضَهُ ويعاديهِ من أجلِ كرة مستديرة, أو يحبهُ ويواليهِ من أجلها كذلك.
وربما تحدثُ الخصومةُ بين الزوجينِ, فتُطلقُ الزوجةُ, وتتشتتُ الأسرةُ, وتُخْربُ البيوتُ من أجل الكرة, وقد تحدثُ قطعيةُ الأرحامِ، وعداواتُ الأقاربِ, بسببِ الانتماءاتِ الرياضيةِ المتنافرة, وصدق الله إذ يقول: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ مِنْ عملِ الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريدُ الشيطانُ أن يوقعَ بينكم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والميسرِ ويصدَكم عن ذكرِ اللهِ وعن الصلاةِ فهل أنتم منتهون).
قال القرطبي رحمه الله: "فكل لهوٍ دعا قليلُه إلى كثيرٍ، أو أوقعَ العداوةَ والبغضاءَ بين العاكفين عليه، وصدَّ عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر". اهـ
وليست الشحناء والبغضاء والقطيعة هي المفسدة الوحيدة.. بل حتى العقيدةُ مُيعت لدى بعض المشجعينَ, بحيثُ لو سَبَّ أحدُهمُ دينَهُ وعِرضَهُ لما حرّك ساكناً, لكنه يقيمُ الدنيا ولا يُقعُدها لو سبَّ إنسانٌ فريقَهِ المفضل..
كلُ ذلك جهلاً وعصبيةً, ورعونةً وهمجيةً.
وربما وقع حبُ الكافر من مدربين ولاعبين ومودته وتعظيمه وتبجيله في قلب المسلم: فيجري على لسانِه مدحُه والثناءُ عليه، وتقليدُه والتشبه به في هيئته وقصة شعره بل حتى في طريقة فوزه، مع الغضب والانتصار له إذا نيل منه وطُعن فيه، ويسعى بعضهم جاهدا في الوصول إليه لمصافحته وأخذ قميصه أو توقيعه، وكثيرا ما يبلغ الأمر إلى أن يُحمَلَ هذا الكافر من لاعبٍ أو مدرب أو مسؤول على أكتاف المسلمين, ويتبع ذلك حمل صورته وتعليقها على المركبات والمنازل، وربما ساهمت المؤسسات التجارية في طبع صور ذلك الكافر على الكراسات والحقائب والملابس... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المسلمون.. ومن أعظم مفاسد هذه الكرة: تضليلُ المسلمين عن قضايا أمّتهم، وشغلُهم عن التفكير في الدعوة إلى الله وعن العمل الجاد المثمر، ففي الوقت الذي استبيحت فيه أمّة الإسلام وانتهكت حرماتها واستهزئ بمبادئها ودُنّست مقدساتها وأهين كتاب ربها وسخر من نبيها وقُتل أبناؤها يسارع أبناء المسلمين إلى شاشات التلفاز عبر القنوات الفضائية، ليكونوا صرعى وقتلى حربٍ أخرى على الإسلام والمسلمين. حربٍ صامتةٍ تقتل فيهم معاني العزة والهمة العالية والإهتمام بقضايا الأمة ومعالي الأمور والترفع عن سفاسفها.
عباد الله.. لقد بلغَ الهَوَسُ الرياضي مبلَغهُ, حيث أصبحتِ الكرةُ تُلعبُ صباحاً ومساءً وعشياً وحين يظهرون, وكلما انتهى دوري رياضي، جاء مكانه آخر واكتظتِ الملاعبُ بآلاف الشبابِ الذين خُدعوا وضُللوا حين صَوروا لهم الانتماءَ الرياضي, والتشجيعَ الكروي.. وطنيةً ورجولةً, ومجداً وبطولةً, وجعلوا قُرةَ العين مجاهدةَ النصارى والوثنيين، في مسابقةِ كأسِ العالم الثميِن، وكأنها ملحمةُ حِطين وربما جاء أحد العلماء المهجنين فأصبغ على هذا اللعب صورة الجهاد الشرعي.
في الملاعبِ تكتظُ الجماهيرُ تحت وهجِ الشمسِ الحارقةِ, والسمومِ اللافحةِ, أو تحتَ الصقيع القارسِ, ولا يصلي منهم إلا قليل، وهم مع ذلك صابرون فخورون، فقد أقنعهم شياطينُ الأنس بأنهم الجماهيرُ الوفيةُ, وأنهم الجماهيرُ الصابرةُ, والجماهيرُ الملازمةُ لمحبوبِها, تَحِلُ حيثُ حلَ، وتقيلُ حيثُ قَالَ, وتُوأزرهُ في السراءِ والضراءِ, والمنشطِ والمكره, واستُبدلتْ صيحاتُ التكبير.. الله أكبر، بتصفيقِ الجماهيِر اللاهثةِ خلفَ السراب, المخدوعةِ بمعسولِ الثناءِ..
أليس قد قيل لهم: أنتم الجماهيرُ الوفيةُ, وأنتم الجماهيرُ المخلصةُ, وهكذا يَظلُ المساكينُ, يُتابعون الكرةَ بأعصابٍ متوترةٍ, وأعناقٍ مشرئبةٍ, وأنفاسٍ مُجَهدةٍ, وربما مات بعضهم كمدا أو فرحاً.. وبئست الخاتمة والله.
تسعون دقيقةً ليس فيها ذكرٌ لله، أو عملٌ نافعٌ مفيدٌ للأمة, ملئت بالتوتر والسباب والشتائم، يلعنُ بعضهم بعضاً, ويسبُ بعضهم بعضا, ويشاركهم في ذلك بقيةُ المشاهدين والمشجعين. وأما كبارُ المشجعيَن وقادةُ الجماهيرِ, فقد حملوا المزامير والطِّيران، مزاميرَ الشياطينِ وطِيرانَ الأبالسةِ, وتمايلوا يمنةً ويسرة نشوةً وطرباً, في أجسامِ البغال وأحلامِ العصافير.. يرددون الأناشيدَ الفارغةِ، والأهازيجَ السخيفةِ.
وأما عقبَ المبارياتِ, فتنطلقُ الجماهيرُ في الشوارعِ أشراً وبطراً ورئاء الناس، يملؤون الشوارع ضجيجاً بصراخهمِ وسفههمِ, وجنونهمِ وحماقتِهم, ويرفعون أعلامَهمَ فوقَ السياراتِ, منطلقينَ بأقصى السرعات, وأسوأ الحركات، يفسدون البلادَ ويؤذن العبادَ.
وأما المصادماتُ والمشاجراتُ, وأحداثُ الشغبِ داخلَ الملاعبِ وخارجِها فحدِّث ولا حرج.. فمن يحملُ وزر هؤلاء.. ومن يوقفُ هؤلاء عن هذا الطيش والسفه..
أيها المسلمون : لقد أخذت الرياضةُ بُعداً منحرفاً عن البُعد الذي كنا نعرفه: العقلُ السليمُ في الجسمِ السليمِ، فقد أصبحتِ الرياضةُُ كما ترون وتسمعون سفهاً وجنوناً, وعصبيةً وأحقاداً, وقطيعةً وعداوةً, وصداً عن ذكر الله وعن الصلاة, ومن أجلِ الرياضة أُبيدتْ الثروات الطائلة، وأنفقتْ الأموال الهائلة, ومن أجلِ الرياضةِ أضيعتِ الصلواتُ، واتبعتِ الشهواتُ, وكشفت العوراتُ على المدرجات وفي الشاشات, ومن أجلِ الرياضةِ أغدقتْ على اللاعبين والمدربين.. الملايين، وخلعتْ عليهم الألقابُ, وأجريت لهم اللقاءات، ووضعوا في الدعايات والإعلانات، وصوروهم للناشئةِ أبطالاً ونجوماً وقدوات, وأحدُهم لا يحسن قراءة الفاتحة!
لم يرفعوا يوماً مجداً.. ولم يبنوا عزاً.. ولم يقاتلوا عدواً ولم يصنعوا تقدماً, فأيُّ بطولةٍ هذه؟! وأي نجوميةٍ تلك ؟! لكنها المقاييسُ المقلوبةُ! والمعاييُر المنكوسةُ! والله المستعان. ولله در الشاعر إذ يقول:
أمضى الجسورِ إلى العُلا بزماننا كرةُ القـدمْ
تحتل صـدرَ حيـاتنا وحديثُها في كل فم
وهي الطريقُ لمن يريد خميلةً فوق القمـم
أرأيت أشهرَ عندنـا من لاعبي كرةِ القدم
أهُمُ أشـدُّ توهجـاً أم نارُ برقٍ في عَلَم؟!
لهم الجبايةُ والعطـاءُ بلا حدودٍ والكـرم
لهم المزايا والهبـاتُ وما تجودُ به الهمـم
كرةُ القدم.. الناسُ تسهر عندهـا مبهورةً حتى الصبـاحْ
وإذا دعا داعي الجهادِ وقال: حي على الفلاحْ
غطَّ الجميـع بنومهم فوزُ الفريق هو الفلاح
فوز الفريق هو السبيلُ إلى الحضارةِ والصلاح
كرةُ القدم.. صارتْ أجلَّ أمورِنا وحياتِنا هذا الزمنْ
ما عاد يشغلنا سواها في الخفاءِ وفي العلنْ
واللاعبُ المقدام.. تصنعُ رجلُه مجـدَ الوطنْ
عجباً لآلاف الشبابِ وإنهم أهـلُ الشـيم
صُرفوا إلى الكرةِ الحقيرةِ فاستبيح لهم غنم
دخل العـدوُ بلادهم وضجيجُها زرع الصمم
أيسـجلُ التاريخُ أنَّـا أمـةً مسـتهتـرة؟!
شهدتْ سقوطَ بلادِها... وعيونُها فوق الكرة
اللهم اهد شباب المسلمين
اللهم وفقهم لما تحب وترضى
وخذ بنواصيهم للبر والتقوى
وردهم إلى الحق ردا جميلاً
أقول ما تسمعون.. واستغفر الله لي ولكم
فتوبوا إليه واستغفروه.. إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية..
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ أيها المسلمون : لقد خطط اليهودُ بمهارةٍ لإلهاءِ العالم كلهِ, والعالمِ الإسلامي بخاصةِ, خططوا لإلهائهِ بالرياضةِ والفنِ والإباحيةِ..
فقد كتبوا في وصاياهم المشهورة والمعروفة بـ (بروتوكولات حكماء صهيون) ما نصه: (ولكي نُبقيها - أي الجماهير - في ضلالٍ يصرفهُا عما نريدُ عملَه, نُشغلُها بألوانٍ خلاّبةٍ من الملاهي والألعابِ وشاغلات الفراغِ, والمنتدياتِ العامةِ, ونُبادرُ بالإعلانٍ في الصحفِ.. ندعو الناسَ إلى شهودِ المبارياتِ التي تُقامُ في مختلفِ الفنونِ والرياضاتِ والتي تصرفُهم عن أمورٍ لا بُدَّ أن يختلفوا فيها معنا)اهـ.
وللأسفِ الشديدِ, فقد نفّذَ المسلمون مخططات اليهود, بدقةٍ متناهيةٍ, وحققوا ما يُريدُهُ حفدةُ القردةِ والخنازيرِ وأكثرَ مما يريدون, ومن العجيب أيها المسلمون, أننا لم نسمع أن لليهودِ منتخبٌ كروي متقدم, أو إنجازٌ رياضي، ولم نسمعْ لهم عن مشاركاتٍ فعَّالةٍ في المسابقاتِ العالميةِ, والسبب.. أنهم مشغولون.. مشغولون.. بتكديسِ السلاحِ النووي, وإنتاجِ الطائراتِ الحربيةِ بدون طيار, ومشغولون بإحياءِ اللغةِ العبريةِ التي ماتت منذُ قرونٍ طويلةٍ, ومشغولون بتلقينِ أبنائهم تعاليمَ التلمود, وغرسِ الصهيونيةِ في نفوسِ الجيلِ الجديدِ, أما الرياضةُ فتركوها لنا.. وليتنا أفلحنا.
ومن العجائبِ كذلكَ التي تدل على سذاجتِنا وسخفنا, أن العالمَ الغربي يسمحُ لنا بأن نتطورَ ونتقدمَ بالكرةِ, ويمدُنا بالمدربين واللاعبين, ويشجعُنا على مواصلةِ الجهادِ الرياضي, وتحقيقِ المجد الكروي, لكنه لا يسمحُ لنا بأن نحققَ أي تطورٍ عسكري، أو سلاحٍ نووي، أو تقدمٍ صناعي, أو اكتفاءٍ غذائي, فهل يعي ذلك أبناء الإسلام ؟!
أيُّها المسلمون: إن الرياضةَ البدنيةَ, إذا كان القصدُ منها تقويةُ الأجسامِ وإعدادُ النفوسِ للجهادِ, ولم يترتبْ عليها محذور شرعي من إضاعةٍ للصلواتِ, وتبديدٍ للأوقاتِ, وبث للأحقاد والأضغان, وصرفِ الولاءِ والبراءِ من أجلِها.. فلا بأسَ بها,حينذاك، بشرط أن تكون وسيلة لا أن تكون هي الغايةُ والأصلُ والأساسُ. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة على قدميه مرتين، فمرة سبقها ومرة سبقته.
وسابق عليه الصلاة والسلام بين الخيل المضمرة والخيل التي لم تضمر.
وكان ممن شارك يومئذ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
وكان ملوك الإسلام يقيمون مسابقات الكرة – وهو لعب بكرة صغيرة تضرب بالعصا على متون الخيل - ويلعبون بها استعداداً للجهاد.. وتأليفاً للخيل على الجري والانعطاف في ساحات القتال. فالرياضة في الإسلام شيء جميل وشريف ومطلوب... لكن..
لكن قولوا بربكم, هل الرياضةُ التي يمارسُها الشبابُ اليوم وتشجعُها الجماهيرُ, وتحتفلُ بها الصحفُ والمجلاتُ, وتعرض في الشاشات والقنوات...
هل هي رياضةٌ شريفةٌ معقولة ؟! هل هي رياضةٌ يستعانُ بها على الجهادِ في سبيل الله ؟ أو يستعانُ بها في طولِ القنوتِ بين يدي الواحدِ القهار ؟!
أيها المسلمون : إن الأمةَ اليومَ مثخنةٌ بالجراحِ, والهزيمةَ النفسيةِ تطاردُنا في كلِ مكانٍ, والعارَ يعلو وجُوهنا بثوبهِ الأسودِِ الكئيب, والعدوَ استباحَ بيضتنَا واستحلَ حُرمتَنا, وتلاعبَ بأعصابنَِا ومشاعرنا ؟! فإلى متى يا أمةَ الإسلام ؟ إلى متى نظل أضحوكةَ العالم ومهزلةَ الدنيا ؟! إلى متى نظل بُسطاءَ ومغفلين؟! وبيننا كتابُ ربنِا، يصرخُ بنا: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) .
إلى متى نظلُ سادرين في غيِّنا, تائِهين عن مبعثِ عزتنا وأساسِ نهضتنا, قُرآنُُنا العظيم وسنةُ خيرِ المرسلين, صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين؟
إلى متى نظلُ نلهثُ وراء الكرةِ ونحسبُها مجداً وعزاً, وما هي إلا (سرابٌ بقيعةٍ يحسبه الظمآنُ ماءً)؟ إلى متى نظلُ مهملين لأولادِنا وفلذاتِ أكبادنا ؟ يشجعونَ ما يشاءونَ، ويحبون ما يريدون, ونتركهم ألعوبةً بأيدي السفهاءِ يربونهَم على أعينِهم, ويقتلونَ المروءةَ والنخوةَ في نفوسهم, وينتزعون الشجاعةَ والرجولةَ من قلوبهمِ.
سلْ ابنَك صغيراً كان أو كبيراً, سله عن العشرةِ المبشرين بالجنة؟ أو سله عن بطلِ القادسية ! أو أسدِ عين جالوت ؟! وسلْهُ عن فاتح السند, هل يعرفُ منهم أحداً؟ ثم سلهُ عن اللاعبين.. الأحياءِ منهم والميتين؟ العرب منهم والغربيين.. يتضح لك بجلاءٍ أيُّ ابنٍ تقدمُهُ للأمةِ.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وتوبةً قبلَ الموتِ, وراحةً بعد الموتِ, ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ.. في غيِر ضراءَ مُضرة, ولا فتنةً مضلة. اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ, واجعلنا هُداةً مهتدين, غير ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين, يا ربَّ العالمين.
ألا وصلوا وسلموا على إمامِ المتقين, وقائدِ الغرِّ المحجلين، نبينا محمد بن عبدالله فقد أمركم بذلك ربكم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل على نبينا محمد وأزواجه وذريته..
وبارك على محمد وأزواجه وذريته
وارض عن الصحابة والتابعين. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين..
اللهم أذل الشرك والمشركين.. ودمر أعداء الدين
واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. وهيئ لهم من أمرهم رشدا.
اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك، وفي هذه الساعة الفاضلة الكريمة، نسألك وأنت الله.. لا إله إلا أنت.. رب الأرباب.. ومسبب الأسباب..
نسألك بعزتك لا إله إلا أنت.. لا راد لقضائك.. ولا معقب لحكمك..
وأنت على كل شيء قدير.. أن تجعل عاقبةَ إخواننا في سوريا فرجاً عاجلاً، ونصراً قريباً، وفتحاً مبيناً، وعزاً وتمكيناً..
اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتول أمرهم..
اللهم ارفع الحصار عن المحاصرين.. اللهم ارفع الحصار عن المحاصرين..
اللهم أطعم جائعهم.. واكس عاريهم.. وآوي طريدهم.. واشف جريحهم.. وتقبل شهيدهم.. وآمن خوفهم.. وأنزل على قلوبهم السكينة.
اللهم انتصر لهم ممن ظلمهم.. وكن عونا لهم على من بغى عليهم..
اللهم عليك ببشار وأعوانه، من الرافضة والباطنية والبعثية..
اللهم إنا نشكو إليك ظلمهم وبغيهم وكيدهم وعدوانهم..
فاللهم اشف منهم صدور المسلمين.. واذهب غيظ قلوبهم.. بهلاكهم.
اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم إن بالمسلمين من تسلط الكافرين، وبغي الظالمين، وطغيان المتجبرين، ما لا يحيط به إلا علمك، وما لا نشكوه إلا إليك.. فاللهم اجعل للمسلمين مما هم فيه فرجا ومخرجا، اللهم نفس كروبهم، وفرج همومهم، وأصلح أحوالهم.. وانتصر لهم ممن ظلمهم وبغى عليهم.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


((أصل الخطبة للـدكتور رياض المسيميري))
المشاهدات 2066 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا