الرواية والفيلم وجهان لعملة واحدة!
احمد ابوبكر
1434/09/14 - 2013/07/22 02:35AM
صالح أحمد الشمري
حينما يكون الحديث حول القراءة وأهمية اكتسابها والمداومة عليها لا يمكن أن نغفل دور القصة وجاذبيتها والأثر الذي تحدثه في النفوس.
{لقد كان في قَصَصِهم عِبرةٌ لأُولي الألبابِ}. [يوسف: 111].
الجميل في القصة أنها واحدة من الأساليب النثرية التي تتعدد أغراضها بحسب الحالة التي أمامك، سواء تعلق الأمر بالموقف أو الشخوص أو حتى في حالتي الزمان والمكان. وتعد القصة من أبرز أساليب الإقناع وأداة فاعلة في تغيير الفكر والسلوك.
إن أفضل القصص تلك التي تلامس حياة الإنسان وواقعه، ويتم تقديمها بقالب مختصر ومقتضب بحيث يسهل للمتحدث والسامع استخلاص العبرة والفائدة. وماتزال القصة تحتل مكانة رفيعة في نفوس الصغار والكبار، خاصة من كان حديث عهد بالمطالعة والقراءة.
أما الرواية فالأصل فيها هو السرد والطول، وهذا يعني الإسهاب في التفاصيل من دون حاجة فعلية، مما يضطر معه الكاتب إلى إدخال عناصر خارجية تختلف عن أصل الرواية من أحداث أو معلومات، كل ذلك بهدف إطالة أمد الإمتاع للقارئ، ولكي يُحدِث لديه شيئًا من الترقب والتشويق. لذا فإن الرواية تستغرق وقتًا من الكاتب والقارئ لتخرج في النهاية بانطباع حولها بأنها رواية جميلة أو حزينة. بل لو كنت أفترض أنها تحتوي على معلومات ثرية يمكن الاستفادة منها لضاعت تلك المعلومات في خضم الأحداث مما يستلزم جهدًا مضنيًا في استخلاصها.
وقد نقل لي من أثق به عن أحد أساتذة الأدب في إحدى الجامعات العربية قوله: إنه قرأ ما يقارب 2000 رواية أكثرها غث، ولا تنتشر رواية حتى تتسلق على حمى الدين والسياسة والأخلاق. لقد تأملت في حال المفكرين والكتاب الكبار فرأيت أنهم قد ترفعوا عن كتابة الرواية وهدر الوقت في صياغتها؛ أتراهم كانوا عاجزين عن كتابتها؟! قطعًا لا، لكنهم صَرفوا جهودهم لما هو أجدى وأنفع؛ انظر لما خلفه علي الطنطاوي في مذكراته وبقية كتبه ومقالاته من أدب وفكر وثقافة؛ لا تجد في مصنفاته رواية واحدة. وقس على ذلك بقية الأدباء الكبار من أمثال: أحمد أمين، الزيات، المازني، العقاد، الرافعي؛ أما المنفلوطي فهو الوحيد من بين أدباء عصره الذي اهتم بترجمة عدد من الروايات الفرنسية لعدد من الكتاب وصاغها بأسلوبه الأدبي.
إن اهتمام الشباب في بداية حياتهم الثقافية وبنائهم المعرفي بموضوع الرواية قراءة وتداولاً وتعليقًا لهو فخ ثقافي انزلق فيه الكثير، وللأسف ففي الوقت الذي تعقد به الندوات وتلقى فيه المحاضرات وتنشر الكتب والمقالات الداعية لاهتمام الفرد بموضوع القراءة والمطالعة والخير العظيم الذي ينتظرهم في اكتساب عادة القراءة والتزود بالمعرفة تطل علينا الرواية لتضيع تلك الأوقات هدرًا من تلك الجموع التي بالكاد اقتنعت بموضوع القراءة وأهميتها لتستبدل ذلك المصدر الأول والهام للمعرفة وهو الكتاب بالرواية وهي التي لا تعدو أن تكون فيلمًا على الورق!
منذ سنوات قليلة مضت ظهرت لدينا بعض دور النشر الخاصة ببيع الروايات أخذت تشارك في معارض الكتاب، الملفت في الأمر ليس مشاركتها، بل أسلوب وطريقة تلك الدور في المشاركة؛ حيث الأضواء الملفتة والمشعة ورفوف العرض السوداء، وربما رافقها عارضون بلباس أسود موحد، وكأنك أمام إحدى الفرق الموسيقية الغربية! تلك الدور تعرض وتبيع الروايات فقط، ولا أنكر أنني في كل زيارة للمعرض وزياراتي للمعرض الواحد تكاد تكون شبه يومية؛ أقول: لا أنكر أنني أراها أكثر من يستقطب من جمهور الشباب من الجنسين! هم قد نجحوا تسويقيًّا في جذب الشريحة المستهدفة لسلعهم؛ لأنهم أدركوا ضمنيًّا ماذا يجذب هذا النوع من الشباب، وما مستوى تفكيرهم، لكن العاقل والمثقف بحق لا تنطلي عليه تلك الأساليب.
إنني لا أشك أبدًا في أن المستفيد الأول من نشر الروايات والترويج لها هم صناع الأفلام؛ فالرواية هي الوقود الذي يدفع باستمرار ذلك النوع السلبي من الإنتاج. حضرت مؤخرًا دورة تدريبية حول الرواية وكتابتها، وقد كان مدرب الدورة من كُتَّاب الرواية والناشرين لها، أكثر ما لفت انتباهي في تلك الدورة هو الربط الواضح والصريح بين الرواية والفيلم؛ فإن تحدث حول فنيات معينة في الكتابة ربطها بأفلام منتجة، وإن تحدث حول رواية خَتَمَ الحديثَ عنها بأنها أُنتجت بفيلم كذا. أحيانًا الأفلام تسمى بأسماء الروايات، وأحيانًا يتم تغيير الاسم، لكنها لا تخلو من الإشارة بأن هذا الفيلم مأخوذ من رواية كذا للكاتب فلان، بل حتى مداخلات الجمهور في الدورة كان البعض يدعم نقطة أو يشير لنقطة من خلال فيلم تم عرضه، فيأخذ المدرب فيعقب حول ذات الفيلم، وربما أشار إلى أنه لم يُسعفه الوقت بمشاهدته. أما آن لأهل الأدب مراجعة الرواية وحذفها من قاموسهم لتلحق بقاموس أهل الإعلام؛ فبدلاً من أن تلحق الرواية بالقصة والخاطرة والمقالة يتم إلحاقها ضمن الدراما والسيناريو، وهذا في نظري المكان الأنسب لها.
قارئي الكريم: إن كنتَ للتوِّ بدأت بموضوع القراءة وتود أن تستمر بهذا الطريق النير أو أنك في منتصفه؛ فرأيي أن وقتك أثمن من أن تُضيعه في الروايات، ولن يضرك تركها إلا بالقدر الذي يضرك لو فاتك فيلم تحدث عنه الناس ولم تره.
حينما يكون الحديث حول القراءة وأهمية اكتسابها والمداومة عليها لا يمكن أن نغفل دور القصة وجاذبيتها والأثر الذي تحدثه في النفوس.
{لقد كان في قَصَصِهم عِبرةٌ لأُولي الألبابِ}. [يوسف: 111].
الجميل في القصة أنها واحدة من الأساليب النثرية التي تتعدد أغراضها بحسب الحالة التي أمامك، سواء تعلق الأمر بالموقف أو الشخوص أو حتى في حالتي الزمان والمكان. وتعد القصة من أبرز أساليب الإقناع وأداة فاعلة في تغيير الفكر والسلوك.
إن أفضل القصص تلك التي تلامس حياة الإنسان وواقعه، ويتم تقديمها بقالب مختصر ومقتضب بحيث يسهل للمتحدث والسامع استخلاص العبرة والفائدة. وماتزال القصة تحتل مكانة رفيعة في نفوس الصغار والكبار، خاصة من كان حديث عهد بالمطالعة والقراءة.
أما الرواية فالأصل فيها هو السرد والطول، وهذا يعني الإسهاب في التفاصيل من دون حاجة فعلية، مما يضطر معه الكاتب إلى إدخال عناصر خارجية تختلف عن أصل الرواية من أحداث أو معلومات، كل ذلك بهدف إطالة أمد الإمتاع للقارئ، ولكي يُحدِث لديه شيئًا من الترقب والتشويق. لذا فإن الرواية تستغرق وقتًا من الكاتب والقارئ لتخرج في النهاية بانطباع حولها بأنها رواية جميلة أو حزينة. بل لو كنت أفترض أنها تحتوي على معلومات ثرية يمكن الاستفادة منها لضاعت تلك المعلومات في خضم الأحداث مما يستلزم جهدًا مضنيًا في استخلاصها.
وقد نقل لي من أثق به عن أحد أساتذة الأدب في إحدى الجامعات العربية قوله: إنه قرأ ما يقارب 2000 رواية أكثرها غث، ولا تنتشر رواية حتى تتسلق على حمى الدين والسياسة والأخلاق. لقد تأملت في حال المفكرين والكتاب الكبار فرأيت أنهم قد ترفعوا عن كتابة الرواية وهدر الوقت في صياغتها؛ أتراهم كانوا عاجزين عن كتابتها؟! قطعًا لا، لكنهم صَرفوا جهودهم لما هو أجدى وأنفع؛ انظر لما خلفه علي الطنطاوي في مذكراته وبقية كتبه ومقالاته من أدب وفكر وثقافة؛ لا تجد في مصنفاته رواية واحدة. وقس على ذلك بقية الأدباء الكبار من أمثال: أحمد أمين، الزيات، المازني، العقاد، الرافعي؛ أما المنفلوطي فهو الوحيد من بين أدباء عصره الذي اهتم بترجمة عدد من الروايات الفرنسية لعدد من الكتاب وصاغها بأسلوبه الأدبي.
إن اهتمام الشباب في بداية حياتهم الثقافية وبنائهم المعرفي بموضوع الرواية قراءة وتداولاً وتعليقًا لهو فخ ثقافي انزلق فيه الكثير، وللأسف ففي الوقت الذي تعقد به الندوات وتلقى فيه المحاضرات وتنشر الكتب والمقالات الداعية لاهتمام الفرد بموضوع القراءة والمطالعة والخير العظيم الذي ينتظرهم في اكتساب عادة القراءة والتزود بالمعرفة تطل علينا الرواية لتضيع تلك الأوقات هدرًا من تلك الجموع التي بالكاد اقتنعت بموضوع القراءة وأهميتها لتستبدل ذلك المصدر الأول والهام للمعرفة وهو الكتاب بالرواية وهي التي لا تعدو أن تكون فيلمًا على الورق!
منذ سنوات قليلة مضت ظهرت لدينا بعض دور النشر الخاصة ببيع الروايات أخذت تشارك في معارض الكتاب، الملفت في الأمر ليس مشاركتها، بل أسلوب وطريقة تلك الدور في المشاركة؛ حيث الأضواء الملفتة والمشعة ورفوف العرض السوداء، وربما رافقها عارضون بلباس أسود موحد، وكأنك أمام إحدى الفرق الموسيقية الغربية! تلك الدور تعرض وتبيع الروايات فقط، ولا أنكر أنني في كل زيارة للمعرض وزياراتي للمعرض الواحد تكاد تكون شبه يومية؛ أقول: لا أنكر أنني أراها أكثر من يستقطب من جمهور الشباب من الجنسين! هم قد نجحوا تسويقيًّا في جذب الشريحة المستهدفة لسلعهم؛ لأنهم أدركوا ضمنيًّا ماذا يجذب هذا النوع من الشباب، وما مستوى تفكيرهم، لكن العاقل والمثقف بحق لا تنطلي عليه تلك الأساليب.
إنني لا أشك أبدًا في أن المستفيد الأول من نشر الروايات والترويج لها هم صناع الأفلام؛ فالرواية هي الوقود الذي يدفع باستمرار ذلك النوع السلبي من الإنتاج. حضرت مؤخرًا دورة تدريبية حول الرواية وكتابتها، وقد كان مدرب الدورة من كُتَّاب الرواية والناشرين لها، أكثر ما لفت انتباهي في تلك الدورة هو الربط الواضح والصريح بين الرواية والفيلم؛ فإن تحدث حول فنيات معينة في الكتابة ربطها بأفلام منتجة، وإن تحدث حول رواية خَتَمَ الحديثَ عنها بأنها أُنتجت بفيلم كذا. أحيانًا الأفلام تسمى بأسماء الروايات، وأحيانًا يتم تغيير الاسم، لكنها لا تخلو من الإشارة بأن هذا الفيلم مأخوذ من رواية كذا للكاتب فلان، بل حتى مداخلات الجمهور في الدورة كان البعض يدعم نقطة أو يشير لنقطة من خلال فيلم تم عرضه، فيأخذ المدرب فيعقب حول ذات الفيلم، وربما أشار إلى أنه لم يُسعفه الوقت بمشاهدته. أما آن لأهل الأدب مراجعة الرواية وحذفها من قاموسهم لتلحق بقاموس أهل الإعلام؛ فبدلاً من أن تلحق الرواية بالقصة والخاطرة والمقالة يتم إلحاقها ضمن الدراما والسيناريو، وهذا في نظري المكان الأنسب لها.
قارئي الكريم: إن كنتَ للتوِّ بدأت بموضوع القراءة وتود أن تستمر بهذا الطريق النير أو أنك في منتصفه؛ فرأيي أن وقتك أثمن من أن تُضيعه في الروايات، ولن يضرك تركها إلا بالقدر الذي يضرك لو فاتك فيلم تحدث عنه الناس ولم تره.