الرمادة في الصومال

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... في السنة الثامنة عشرة من الهجرة كانت مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وما حولها من البوادي في مجاعة لم تعرفها العرب في تاريخها، وقعتْ هذه المجاعة بعد انقطاع المطر عن أرْض الحِجاز مدةً طويلة، فحصل القحْط، ومات الزَّرْع، وقلَّتِ اللقمة، ونزر الكلام، وكفَّ السائلون عن السؤال، وهزلتِ المواشي، فكان الرجل يذبح الشاةَ فيعافها مِن قُبْحها، وحصلتْ مجاعة ما عرفتْها العرب في أيَّامها؛ حتى كان الرجلُ القويُّ يتلوَّى بيْن أهله من شدَّة المخمصة، ومات كثيرٌ من الأطفال والنِّساء في تلك السَّنة.
وتوجه أهلُ البادية إلى المدينة، لعلَّهم يجدون عندَ الخليفة ما يسدُّ حاجتهم، ويُسكت بطونَهم، وكانت أعدادهم تزيد على ستِّين ألفًا، وبقوا شهوراً عدَّة، ليس لهم طعامٌ إلا ما يُقدَّم لهم من بيت مال المسلمين، أو مِن أهل المدينة آنذاك.
روى أهل التاريخ .. أنَّ عمر -رضي الله عنه- عسَّ ذات ليلة عام الرَّمادة، وقد بلغ بالناس الجهْد كلَّ مبلغ، فلم يَسمع أحدًا يضحك، ولم يسمع متحدِّثًا في منزله، ولم يرَ سائلاً، فتعجَّب وسأل، فقيل: "يا أميرَ المؤمنين: قد سألوا فلم يجدوا، فقطعوا السؤال، فهم في همٍّ وضِيق، لا يتحدَّثون ولا يضحكون".
خطَب الناسَ عام الرمادة، حتى سَمعتِ الرعية صوت الجوع من بطنه، فطعن بطنه بيده ، وقال: "قرقِرْ أو لا تقرقِر، والله لا تشبع حتى يشبعَ أطفالُ المسلمين".
وقد كان عمر رضي الله عنه يحمل أهلَه، وأولاده زمنَ الرمادة، على شدَّة وشظف العيش؛ دخل يومًا على ابنه عبد الله، فوجدَه يأكل لحما، فلامه، وقال له: ألا إنَّك ابن أمير المؤمنين، تأكل لحمًا، والناس في خَصاصة! ألا خبزًا ومِلحًا، ألا خبزًا ومِلحًا؟!
ورأى يومًا بطيخة في يد ولدٍ من أولاده، فصاح به: بخٍ بخٍ يا ابن أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمَّة محمَّد هزلَى؟!
وذكر أهل التاريخ .. أنه في عام الرمادة والجوع والفقر يحاصر المسلمين وبعد أن استنفذ بيت المال ولم تنته الأزمة كاتب عمر الأمصار طالباً العون فجاءه المدد من أبي عبيدة عامر بن الجراح ومن أبي موسى الأشعري. وكتب أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب إلى عمرو ابن العاص في مصر " واغوثاه ..واغوثاه .. واغوثاه " فقال عمرو بن العاص والله لأرسلن له قافلة من الأرزاق أولها في المدينة وآخرها عندي في مصر.
فأرسل إليه عمرو بن العاص بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث إليه بخمسةِ آلاف كِساء، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص فأرسل له بثلاثةِ آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثةِ ألاف عباءة، وأرسل إلى والي الشام فبعث إليه بألفي بعير تحمل الزاد، ونحوُ ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم. واستمر هذا الحال في الناس تسعة أشهر ثم تحول إلى الخصب والدعة وانتشر الناس عن المدينة إلى أماكنهم.
أيها المؤمنون ... فما عسانا نفعل ونحن نرى مشاهد مبكية لإخواننا المسلمين في الصومال؟! أنهكهم الفقر، وأسلمتهم المجاعةُ إلى الموت، فمنهم من قضى نحبه وليس به من بأس إلا الجوعُ، ومنهم من ينتظر ليس بينه وبين الموت إلا رمقات يسيرة، فشبح الموت جاثمٌ في بدنه الهزيل، يدفعه -بإذن الله- طعام يسير يُشبع جوعته ويسد رمقه.
صور المأساة مشاهد مؤلمة، يرق لها كل قلبٍ، ولكن من ذا يترجم مشاعرَ الرحمة والشفقةِ إلى أعمال إيمانية تسهم في رفع المعاناة، وتُحيي نفوسًا مؤمنة قد أشرفت على الموت؟ ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ).
لقد بلغت بهم المجاعة إلى درجة أن الأب يهرب من أسرته ليقينه بموتهم، لكنه يعجز عن رؤيتهم وهم يموتون أمامه ولا حيلة له!.
وبلغت المجاعة إلى درجة أن الأم الرحيمة أثناء هجرتها بأطفالها ، من الجوع تُلقي بعضهم على قارعة الطريق تخففا منهم؛ وتسرع بالباقي لئلا يموتوا جميعا، والله أعلم بما في قلبها من الكمد والحزن على من ألقت منهم، وعلى من صحِبَتْهُ معها وهم يتضاغون من الجوع أمامها.
من العار علينا أن تصل إلى إغاثة إخواننا هناك منظماتٌ تنصيرية أو إنسانيةٌ من بلاد كافرة، وهل يكون الكافر أقربَ إلى المسلم من أخيه المسلم؟! وهل يرضى المسلم لأخيه الملهوف أن تطعمَه منظماتٌ تنصيرية وهدفها تُنَصِّيرَه وتضلَّه عن سبيل الله؟! من ذا من المسلمين يرضى أن ينوبه كافرٌ في إطعام أخيه وإغاثته؟!
ولكن الحمد لله رب العالمين، ظهرت منظمات من دول عربية وإسلامية في إغاثة إخواننا المسلمين في الصومال .. ولكن الحاجة تريد المزيد المزيد من الإغاثة.
أيها المحسنون: نتذكر أن ما ننفقه في سبيل الله هو الذي يبقى لنا، وأن ما نُبقيه وندّخرُه فإنما ندخرُه لغيرنا ( يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك -يا ابنَ آدم- من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدّقتَ فأمضيت؟ ).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا"، ويصدق ذلك قوله -جل جلاله ( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ).
الصدقة تجارة مع الله، وأنعم بها من تجارة، فمن تاجر مع الله فهو الرابح المرحوم، ومن حرمها بخلاً بماله فهو المغبون المحروم ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) يقول صلى الله عليه وسلم ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوّه؛ حتى تكون مِثلَ الجبل ) ويقول تعالى ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ).
فيا مسلمون ... أروا الله من أنفسكم في أموالكم خيرًا (هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معاشر المؤمنين .. الصومال الذي كان يمثل في الماضي نموذجا للمجتمع المتجانس عقيدة وثقافة وهوية ولغة أضحى اليوم على العكس من ذلك تماما، حيث يقدم بحسبانه النمط المثالي لما تكون عليه الدولة الممزقة، حتى أصبحت لفظة "الصوملة" في الأدبيات السياسية هي تعبير عن الدولة الفاشلة، فبمجرد أن يسمع المرء عن حصول مجاعة في منطقة ما في العالم، إلا وتكون الصومال في الذاكرة وكأنها الدولة الوحيدة التي ارتبط اسمها بالمجاعات والجفاف والحروب الأهلية على الرغم من تهديد الجفاف والمجاعات لكثير من الدول، إلا أن مخاطر هذا التهديد لا تمتد لفترات طويلة مثلما هو الحال في الدولة الصومالية.
عباد الله .. كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، فتأسوا به في الجود، وضاعفوا جودكم، ولا سيما أنه صادف هذا العام مسغبة شديدة في الصومال، وقد خص الله تعالى الإطعام في المسغبة بالذكر فيما ينجي من العذاب ( فَلَا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ).
فكونوا كمن وصفهم الله تعالى بقوله ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم .
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان في الموصل وفي سوريا وفي فلسطين وفي بورما وفي اليمن .. اللهم كن لهم حافظاً ومؤيداً ومعِينا . اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم يا غني يا قوي يا متين يا محسن يا جواد يا كريم يا ذا الجلال والإكرام أن تلطف بإخواننا في الصومال اللهم اغثهم غيثا مغيثا، هنيئا مريئا، اللهم سد حاجتهم، اللهم اسق عطشاهم، اللهم اطعهم جائعهم، اللهم اكس عاريهم. اللهم اشف مريضهم، اللهم ارحم ميتهم. اللهم اجبر كسهم بمنك وكرمك وفضلك وإحسانك يا جواد يا كريم. اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعِنه على طاعتك .اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله .. صلوا وسلموا على من أمركم الله ....
المشاهدات 827 | التعليقات 0