الرفق
سليمان بن خالد الحربي
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شُرور أنفسِنا وسيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأشهَدُ أنَّ لَا إلَهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومَنْ سار على نهجِهِ واقْتَفَى أثَرَه إِلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
فاتقوا الله عباد الله،{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المحْسِنِينَ} [يوسف:90].
مَعشَرَ المصَلِّينَ: ويحَ رجُلٍ دعا عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فما أقبحَه، رسولُ اللهِ الرحمةُ المهداةُ والنِّعمةُ المسْدَاةُ يَدْعُو عليه بدعوةٍ عظيمةٍ، خَاب وخَسِرَ مَنْ نالها، تُرَى ما وَصْفُهُ؟ وَلِمَ هذه الدعوةُ التي ستظلُّ إلى يوم القيامةِ وهي تدورُ فوق رأسِ صاحبِها؟!
لِنَسْتَمِعْ إلى ما رواه مسلمٌ في صحيحِه من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ تعني الأمير عليهم، فَقَالَ: مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا، إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ، وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ»([1])، وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَة فِي مستخرجه على مسلم بِلَفْظٍ: «وَمَنْ وَلِيَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللهِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا بَهْلَةُ اللهِ؟ قَالَ: «لَعْنَةُ اللهِ»([2]).
قال الصنعاني -رحمه الله-: «وَالدُّعَاءُ عَلَيْهِ مِنْهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالمشَقَّةِ جَزَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْفِعْلِ، وَهُوَ عَامٌّ لِمَشَقَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَالِي تَيْسِيرُ الْأُمُورِ عَلَى مَنْ وَلِيَهُمْ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ، وَمُعَامَلَتُهُمْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَإِيثَارِ الرُّخْصَةِ عَلَى الْعَزِيمَةِ فِي حَقِّهِمْ؛ لِئَلَّا يُدْخِلَ عَلَيْهِمُ المشَقَّةَ، وَيَفْعَلَ بِهِمْ مَا يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ اللهُ»([3]).
وقال النوويُّ -رحمه الله-: «هذا من أبْلَغِ الزَّواجِرِ عن المشقَّةِ على الناس، وأعْظَمِ الحثِّ على الرِّفقِ بهم، وقد تظاهرتِ الأحاديثُ بهذا المعْنَى»([4]).
وقد بوَّب ابْنُ حِبَّانَ في صحيحِه على هذا الحديث، فقال: «باب ذِكْرِ دعاء المصطفَى -صلى الله عليه وسلم- لمن رَفَقَ بالمسلِمينَ في أُمورِهم، مع دعائِه على من استعْمَل ضِدَّه فِيهم»([5]).
وقال الطيبيُّ: «وهو من أبلغ ما أظهرَه مِن الرأفة والشفقة والمرحمة على الأمة»([6]).
ما أعْظَمَ هذا الأصلَ في دِين المسلِمينَ، الترفُّق بِمَنْ تحتَ وِلايَتِك، سواء كانتِ الوِلايَةُ عامةً من رئيسِ دولةٍ أو حاكمٍ، أو كانت خاصةً كمُدِير دائرةٍ أو مديرِ قسمٍ في دائرةٍ، فكلُّ مَن وَلِيَ على مجموعةٍ من النَّاسِ قلُّوا أو كَثُرُوا فلْيَتَذَكَّرْ دعوةَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ وإنَّك لَتعْجَبُ مِمَّنْ اتَّخَذَ هذا المنْصِبَ، وهذه الوظيفةَ سُلَّمًا للتسلُّط على الناس، أو مُضايَقَتِهِمْ، أو التَّكْدير عليهم، ليس في قامُوسِه الوظيفيِّ، ولا عقْلِه الإداريِّ، مقامُ الرِّفق إلا معَ مَنْ يُحِبُّ، ومَنْ يميل إليه، ومَنْ لم يكُنْ على شاكِلَتِه، فهنا لا تَسَلْ عن الشدةِ والضِّيقِ الذي ولا شك يجِدُ له مساغًا في دهاليز النظام متى شاء.
تأمَّلوا أحبَّتي في الله هذه الآية التي قال عنها ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه-: «هذه أجمعُ آية في القرآنِ لخيرٍ يُمْتَثَل، ولشرٍّ يُجْتَنَب»([7])، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فتأمَّل كيف قَرَن مَعَ الأمرِ بالْعَدْل وأتبعها بالأمر بالإحسان مباشرةً، فإنه قد يلْتَبِس كثيرًا عليك العدْلُ فلْتَتَحَرَّ الإحسانَ؛ ولهذا لِتَنْظُر إلى فَهْمِ الإمامِ البخاريِّ، وكيف ترْجَمَ لهذه الآيةِ العظيمةِ، فقد بوَّب البخاريُّ في صحيحِه بعد هذه الآية فقال: «ترْكُ إِثَارَةِ الشرِّ على مسلمٍ أَوْ كافرٍ»، قال ابن بطال: «فتأوَّلَ البخاريُّ من هذه الآية ترْكَ إِثَارَةَ الشرِّ على مسلمٍ، أو كافرٍ، ووجه ذلك -والله أعلم- أنه تأوَّل في قولِ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الندبَ بالإحسان إلى المسيء، وترك معاقبته على إساءته»([8]).
أيها الأبُ: أنت أَوْلَى النَّاس بهذه الوصيةِ مَعَ أولادِكَ وبَنَاتِكَ، الرِّفْقَ الرِّفْقَ بهم، فِي دعوتِهم وتوجِيهِهم والتودُّدِ إليهم من غيْرِ ضعْفٍ، والتبسُّطِ معهم مِن غير مذلَّةٍ، أَتُرِيدُ أولادًا لا يُخطئون؟! فهؤلاء لن يُخْلَقُوا، وإنَّما بصبرِك ورِفْقِك وأَنَاتِك تستطيعُ -بإذن الله- أن تُرَبِّيَهم تربيةً صحيحةً، مبناها على المحبةِ والاحترامِ.
كم نسمع من بعض الآباء والمعلِّمين من يتعاظَمُ خطأً سلوكيًّا يقع فيه الولدُ، ويُحَمِّلُ الأمرَ ما لا يحتمل، فيتسبَّبُ هذا العلاجُ في نظَرِهم بخطأٍ آخرَ أشدَّ منْهُ، بل قد يتجاوز الأمرَ إلى أبعدِ مِن ذلكَ؟!
يكفي في علاجِنا أن نُبَيِّن الخطأَ بحكمةٍ، ونُعالِجَه بما وضعَه الشَّارع دون تجاوزٍ، ونُوجِد بعد ذلك البديلَ، فما أكثرَ مَن يُعالج خطأً سلوكيًّا هُوَ مِن باب المرُوءَاتِ وليسَ مِن الأمور المنهيةِ شرعًا، ويجعله وكأنَّه قَتَل نَفْسًا، فيعالج هذا الخطأَ بالضَّرْبِ والتهكُّمِ والاستهتار والتَّندُّر، ظانًّا أنه يُعالج هذا الخطأَ!
أيُّها الآباء والمعلمون! إن الشارِعَ وَضع لكلِّ خطأٍ مِيزانًا، فلا يُتَجَاوَزْ، ولهذا ذَكر الله
-جل وعلا- بِمَنْ قُتِل له قَتِيلٌ أَنْ لا يُسْرِفَ فِي القتلِ، بل يأخُذُ بِقَدْرِ المظلمةِ، فلا يتجاوَزْ إلى غيرِه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالمعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان: 17، 18].
بَاركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونَفَعني وإياكُم بما فيه من الآياتِ والذِّكر الحكيم، أقولُ ما سَمِعْتُم، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكْرُ على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لَا إله إلا اللهُ؛ تعظيمًا لشانِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الدَّاعِي إلى جنَّتِه ورضوانِه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانِه.
أمَّا بَعْدُ:
مَعشَرَ المصَلِّينَ: إنَّ أصل الرِّفق ما عَزَبَ عنْ مديرٍ أو رئيسٍ إلا أصبَحَتْ مثوبَتُه وخيمَةً في الدُّنيا والآخرة، ألا تُحِبُّ أن يرْفُقَ بك النَّاسُ؟! فارْفُقْ بهم، ألا تُحِبُّ أن يصفحَ عنك النَّاسُ؟! فاصفح عنهم، أَوَمَا أمر اللهُ نبيَّه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215]، وقال له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]. بل أنزل اللهُ عليه عتابًا عندما أعْرَض عن الأعمَى، فقال له: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}[عبس:1 - 10].
روى البخاريُّ ومسلمٌ من حديث عائشة -رضي الله عنها-، أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّه»([9]).
ورى مسلمٌ عنها -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ»([10]).
ولما أرسلَ نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- مُعاذًا وأَبا موسى الأشعريَّ يقومان مقامَه في اليمن، ولهما نوعُ ولايةٍ أوْصَاهُما بالرِّفق، فقال لهما -كما في الصحيحين-: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا»([11])، ما أعظمَها من وصيةٍ! فكلُّ مسؤولٍ عليه أن يستَشْعِر أصلَ الرِّفْقِ.
فَخطَأُ العامِل الباذِلِ ليس كخطأِ المتسَاهِل، وخطأُ المجتَهِد ليس كخطأِ القاصِدِ، وإني لأنصَحُ كلَّ مسؤولٍ أن يتذَكَّر ما فعله مِسْطَحٌ -رضي الله عنه- وهو غلامٌ كان يُنْفِق عليه أبو بكر ويؤويه، وفي ذات مرةٍ تكلَّم على عائشة -رضي الله عنها- بما ليس فيها، فحلَف أبو بكر ألا يُنفِق عليه([12])، فأنزل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالمسَاكِينَ وَالمهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
فاستَشْعِر يا مَن ولَّاك اللهُ وِلايةً خاصَّةً على عَبَادِه أنَّ الله يقول لك: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] والعرب تقول: «الرِّفْقُ يُمْنٌ»([13]).
أيُّها الْإِخْوَةُ: لقد اتَّفَقَتِ النُّظُم الإداريَّةُ، وتطويرُ الْكَفاءاتِ الإداريَّةِ على أنَّ المديرَ النَّاجحَ هو مَن يصنَعُ بينه وبين مُوظَّفِيهِ أَمَنَةً نفسيَّةً، وعلاقَةً حميميةً، يَشْعُر العاملُ معها أنَّ أول مُعِينٍ له بعدَ الله هو مُدِيرُه، لا أن يكون العْكَسُ.
دَعْك مِمَّن فَاح إهمالُه، وظَهر عِنادُه، بعد أن حاوَلْت إصلاحَه، دَعْك من هذَا، فهذا خارجَ النَّطاقِ نحنُ نتكلَّمُ عن عامِلٍ لدَيْهِ مِن الْجَهْدِ والنَّجاحات الكبيرةِ، ثم تكون مكافأَتُه أخسَّ مكافأةٍ، وأبخَسَها بسببِ زَلَّةٍ أو هفوةٍ أو تقصيرٍ.
وإن المتأمِّلَ بحالِ هؤلاء لَيَجِدُ أنَّهم بفعلِهم هَذا يَنْتَصِرونَ لأنْفُسِهم، لو كانوا يَعْلَمُون، وإلا فحقُّ الأُخُوَّةِ والوَلاء للمؤمِنينَ بأَنْ تكون ذليلًا لهم، كما أَمرك ربُّك، {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤْمِنِينَ} [المائدة:54]، رحيمًا معهم كما وجهك ربك، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] هذه صفات المؤمنين.
ولْنَتَذَكَّرْ ما رواه الترمذيُّ وغيرُه عن عائشةَ وابنِ مسعودٍ مرفوعًا وموقوفًا، وهو أصحُّ أنَّهم قالوا: «ادْرَؤُوا الْحُدُودَ عَنِ المسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ»([14])، ولا تَظُنَّ أنَّ الرِّفْقَ بأصحابِ النُّفوسِ العَلِيَّةِ مذلةٌ، بل هو أكبرُ عقوبةٍ، كما قال الأوَّلُ([15]):
تَرَفَّقْ أَيُّهَا الموْلَى عَلَيْهِمْ |
|
فَإِنَّ الرِّفْقَ بِالْجَانِي عِتَابُ |
وقال الآخر([16]):
أَحْسِنْ إِذَا كَانَ إِمْكَانٌ وَمَقْدِرَةٌ |
|
فَلَنْ يَدُومَ عَلَى الْإِنْسَانِ إِمْكَانُ |
ثمَّ صلُّوا وسلِّمُوا على رسولِ الْهُدَى، وإمام الورى، فقد أمركم ربُّكم فقال -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبه أجمعين، وارْضَ اللهُمَّ عن الخلفاء الراشدين، وَالأئِمَّةِ المهْدِيِّين أَبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وعنِ الصَّحابةِ أجْمَعين، وعنَّا معهم بعفْوِك وكَرَمِك يا أكرمَ الأكْرَمِين...
([1]) أخرجه مسلم (3/1458، رقم 1828).
([2]) مستخرج أبي عوانة (4/ 380).
([4]) شرح صحيح مسلم (12/ 213).
([5]) صحيح ابن حبان - محققا (2/ 313).
([6]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (11/ 324).
([7]) أحكام القرآن لابن العربي (5/ 221)، تفسير القرطبي (10/ 165)،
([8]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 257).
([9]) أخرجه البخاري (6/2539، رقم 6528)، ومسلم (4/1706، رقم 2165)
([10]) أخرجه مسلم (4/2003، رقم 2593).
([11]) أخرجه البخاري (3/1104، رقم 2873)، ومسلم (3/1359، رقم 1733).
([12]) أخرجه البخاري (2/942، رقم 2518)، ومسلم (4/2129، رقم 2770).
([13]) روي مرفوعا من حديث ابن مسعود، أخرجه الطبراني في الأوسط (4/242، رقم 4087). قال الهيثمي (8/19): فيه المعلى بن عرفان وهو متروك.
([14]) أخرجه ابن أبى شيبة (5/512، رقم 28502) موقوفًا بنحوه، والترمذي (4/33، رقم 1424) مرفوعًا، وقال: يزيد بن زياد الدمشقي ضعيف، وذكر أنه روى مرفوعًا وموقوفًا والموقوف أصح. والحاكم (4/426، رقم8163) مرفوعًا، وقال: صحيح. وتعقبه الذهبي قائلاً: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك. والبيهقي (8/238، رقم 16834) مرفوعًا.