الرفق والشدة [ خطبة قصيرة ومهذبة ]

السبيعي السبيعي
1436/01/27 - 2014/11/20 20:56PM
[font="]أما بعد معاشر المؤمنين/ فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى البشرية بتطهير النفس من الأخلاق الرديئة/ وحثها على الأخلاق الحسنة/ ومن أعظم الأخلاق الفاضلة/ خلق الرفق/ ذلك الخلق الرفيع/ الذي يضع الأمور في نصابها/ ويصحح الأخطاء/ ويقوم السلوك/ ويهدي إلى الفضائل بألطف عبارة/ وأحسن إشارة/ إن الرفق يعني لين الجانب بالقول والفعل/ واللطف في اختيار الأسلوب وانتقاء الكلمات وطريقة التعامل مع الآخرين/ وترك التعنيف والشدة والغلظة والأخذ بالأسهل/ والرفق عام يدخل في كل شيء/ فالرفق يكون مع نفس الإنسان أو مع أهله وأقاربه وأصحابه ومع من يشاركه في مصلحة أو جوار/ بل حتى مع أعدائه وخصومه/ فهو شامل لكل الأحوال والشؤون المناسبة له/ ولقد كان المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من أرفق الناس وألينهم وأرحمهم بعباد الله/ بل كان من أرفق الناس بأهله وأبنائه/ روى البخاري ومسلم/ أن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت/ خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره/ حتى إذا كنا بالبيداء/ انقطع عِقْد لي/ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماس العِقْد/ وأصبح الجيش كله يبحثون عن العِقْد/ ولم يكن معهم ماء للارتواء والوضوء/ فأتى الناس أبا بكر فقالوا/ ألا ترى ما صنعت عائشة/ أقامت برسول الله وبالناس وليس معهم ماء؟ تقول عائشة/ فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام/ وكأن عائشة قد شعرت ببعض الحرج من تأخير الجيش عن مسيرته وعدم توفر الماء لهم/ وكأن النبي عليه الصلاة والسلام بصنيعه هذا/ أراد أن يزيل هذا الشعور عن عائشة/ وأن الأمر يسير/ وأنهم ليسوا على عجل من أمرهم/ فنام على فخذها/ تقول عائشة/ فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام/ فقال لي/ حبستِ رسول الله والناس ليس معهم ماء/ قالت عائشة/ فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول/ وجعل يطعن بيده في خَاصِرَتِي/ ومع كل هذا/ لم تتحرك عائشة أدنى حركة/ حتى لا يستيقظ رسول الله/ تقول عائشة/ فنام رسول الله حتى أصبح على غير ماء/ فأنزل الله آية التيمم فتيمّموا/ فوجدنا العِقْد تحت البعير الذي كنت عليه/ اللهم صلي وسلم عليه/ ما أرفقه بأهله/ لم يعنف عليها/ ولم يزجرها/ بل راع شعورها وحسرتها على عقدها/ فأوقف الجيش كله من أجلها/ إنه الرفقُ الذي تضمَّنَ الرحمةَ بالمؤمنين/ ولُطفَ الرعاية لهم/ والبَشاشةَ والسماحةَ في التعامُل/ إنه الرِّفقَ الذي يجلِبُ البُعدَ عن العُنفِ بشتَّى أشكالِه ومُختلَف صُوره/ إنه الرِّفقَ الذي تخلّصَ من الغِلظَة في المقال/ والفَظاظَة في الأفعال/ والفُحشَ في جميع الأحوال/ إننا بحاجة ماسة إلى أن نتعامل بالرفق داخل بيوتنا مع أهلنا وإخواننا وأولادنا/ ذلك أدعى لإشاعة جو المحبة فيما بيننا/ نحن بحاجة إلى أن نتجنَّب الشِّدَّة والغِلظةَ مع العمال والخدم/ ليست الرجولة والله في استعمال العنف والشدة في سائر الأحوال/ أخطئ من ظن أن استعمال الرفق/ يُنقص من قدر الإنسان/ أو أنه علامة على ضعفه وخوره في طلب حقه/ إن هذا الفهم من موروثات الجاهلية/ لأن سلوك الرفق لا يقتضي ترك المطالبة بالحق/ أو السكوت عن الباطل/ أو المداهنة فيه/ أو التنازل عن الحقوق/ قال الله تعالى/ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى/ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى/ اللهم ارزقنا الرفق في أخلاقنا ومعاملاتنا/ ومع سائر الخلق يا رب العالمين/
أقولُ هذا القولَ/ وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ/ فاستغفِروه/ إنه هو الغفور الرحيم[/font][font="].[/font]






[font="]الحمد لله رب العالمين/ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له/ وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله/ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين/ والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين/ أما بعد عباد الله/ فمع أن الرفق كان غالباً على تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم/ إلا أنه استعمل الشدة في أحوال خاصة/ كانت الشدة هي اللائقة بها والمناسِبةُ لها/ وتتحقق بها المصلحة أكثر من الرفق/ ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب إذا انتهكت محارم الله/ فالرفق الذي نادى به الإسلامُ يا عباد الله وحثَّ على التَّمَسُّكِ بِهِ لَيْسَ في السُّكُوتَ عَنِ المُنْكَرَاتِ/ وَالرِّضَا بِالمَعَاصِي وَالذُّلّ وَالهَوَان/ فَإِنَّ هَذَا ضَعْفٌ وَجُبْنٌ وَخَوَرٌ/ يَنْهَى عَنْهُ الإِسْلاَمُ بِكُلِّ شِدَّةٍ/ وَيُحَذِّرُ مِنْهُ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ/ وَإِنَّمَا الرِّفْقُ الحَقِيقيُّ هُوَ وَضْعُ الأُمُورِ فِي مَوَاضِعِهَا التي تَتَطَلَّبُهَا بِعِزَّةٍ وَكَرَامَةٍ وَحُسْنِ سِيَاسَةٍ وَرِعَايَةٍ/ أسأل الله تعالى لي ولكم الهدى والتّقَى والعفافَ والغنى/
ثم صلوا [/font]
المشاهدات 3378 | التعليقات 0