الرضا جنة الدنيا ومفتاح الغنى(1)-19-11-1441هـ-مستفادة من الشيخ عبدالله الطوالة

محمد بن سامر
1441/11/18 - 2020/07/09 23:59PM
الرضا جنة الدنيا ومفتاح الغنى(1)-19-11-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبدالله الطوالة
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ أتمُ الصلاةِ والتسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
قدَّرَ اللهُ-تَعالى-أنَّ دَوامَ الحَالِ مِنْ المحالِ، وأنَّ حَياةَ العبدِ لا بدَّ أن تتقلَّبَ بين شِدَّةٍ ورَخاءٍ، وعُسْرٍ ويُسْرٍ، وفَرحٍ وحُزنٍ، ورَاحَةٍ وتَعبٍ، وصِحَةٍ ومَرضٍ، وغِنىً وفَقْرٍ، قالَ الشاعِرُ الحكِيم:
ثَمانِيةٌ تَجرِي على النَّاسِ كُلِّهِمْ*ولابُدَّ للإنسَانِ يَلقَى الثَّمَانِيَهْ
سُرورٌ وهَمٌ واجتِمَاعٌ وفُرْقَةٌ*وعُسْرٌ ويُسْرٌ ثمَّ سُقْمٌ وعَافِيهْ
وكُلُّ ذلك تمحيصٌ لإيمانِ الناسِ، قال-تعالى-: "ألم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"، ويَقُولُ: "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ"، ومن بين أكوامِ تلك الابتلاءاتِ المتنوِعَةِ، يَبحَثُ الناسُ عَنْ السَّعادةِ والطُمأنِينةِ والحياةِ الطيبةِ، وهُم في بَحثِهِم هذا مختلفونَ، وقَليلٌ مِنهُم مَنْ يُوفَقُ للهُدَى، ويُيَسَّرُ لليُسْرَى، يُقولُ-سبحانه-: "أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، ويُقُولُ: "أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ".
ما أحسنَ أنْ يَرضَى العَبدُ عَن اللهِ-تَعالى-في كُلِّ أحْيَانِهِ وأحوالِه، عَافاهُ اللهُ أو ابتلاه، أفْقَرهُ أو أغْنَاه، مَنعَهُ أو أعْطَاهُ...
الرِّضَا هو: اليَقِينُ أنَّ الخيرَ والخِيَرَةَ, فيما قَضَاهُ اللهُ وقَدَّرَهُ، وهو بابُ اللهُ الأعظمِ، وجَنَّةُ الدُّنيا، ومُستراحُ العَابدِين، مَنْ مَلأ قَلبهُ بالرِّضَا، مَلأ اللهُ صَدْرَهُ أمْنًا وغِنًى...
المؤمِنُ الرَّاضِي بما كُتبَ لهُ يجِدُ سَكِينَةَ النّفسِ، وطُمأنينةَ القلبِ، وانشراحَ الصَدْرِ، تُصيبُه المصِيبَةُ، فيَعْلَمَ أنَّها مِن عِندِ اللهِ-عزَّ وجلَّ-، فيُسَلِّمَ للهِ ويَرْضَى، فتَهونُ وتَخِفُ عَليهِ، قال-تَعالى-: "وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ".
والذينَ خَبِرُوا الحيَاةَ، وجَرَّبوا أحْوالَهَا، يَعْلَمُونَ أنَّ السَّعادَةَ والطُمأنِينةَ والحيَاةَ الطَيِّبَةَ ليسَتْ في الغِنَى وكَثْرَةِ المتَاعِ، وإنَّما في القَنَاعَةِ والرِّضَا والتَّسْلِيمِ لقَضَاءِ اللهِ، قال-عليه وآله الصلاةُ والسلامُ-: "ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ, تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ"، وقال: "ليس الغِنى عَنْ كَثْرَةِ العَرَض، ولكنَّ الغِنى غِنَى النَّفْس".
أليسَ مُلْفِتًا أنَّ أكْثَرَ مَنْ يتعَاطَى مُسَكِنَاتِ القَلقِ، ويَتنَاولُ المهدِئَاتِ بانتظامٍ، هُم مَنْ يَعِيشُونَ في القُصورِ الفَارِهَةِ، والمسَاكِنِ الفَخمَةِ، بَينمَا نَجدُ أنَّ أكثرَ مَن يَرتَسِمُ على مُحياهُم البِشْرُ والسُّرورُ، وتمتَلئُ جَوانِبُهُم بالسَّعَادَةِ والحُبورِ, هم أصحَابُ البُيوتِ العاديةِ، والحيَاةِ المتواضِعةِ، لقد كانَ النَّبيُ وأصحابهُ الكرامُ-عليه وآلهِ الصلاةُ والسلامُ ورضي اللهُ عن أصحابه-كانوا وهم يحفِرُونَ الخنْدَقَ، يَمرُونَ بظُروفٍ قَاسِيةٍ جِدًا: اجتَمَعَ عَليهِم الأشداءُ الأربعةُ: البَرْدُ والتَّعَبُ والجُوعُ والخَوفُ، فلمَّا بَشْرَهُم النَّبيُ-عليه وآله الصلاةُ والسلامُ-بتلكَ البَشَائِرِ العَجِيبَةِ، قالَ المؤمِنونَ: "صَدَقَ اللهُ ورسولُهُ"، وقالَ المنافِقونَ: "ما وعَدنَا اللهُ ورسُولهُ إلا غُرورًا"، الظُروفُ هيَ الظُروفُ، ولكنَّ النفوسَ ليْسَت هيَ النُّفوسُ، والإيمانُ ليْسَ هو الإيمانُ، قالَ النبيُ-عليه وآله الصلاةُ والسلامُ-: "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُم، فمَن رَضِيَ فلهُ الرضَا، ومَن سِخِطَ فلهُ السُخْطُ"، "عجبًا لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَهُ كلَّهُ لهُ خَيرٌ، إنْ أصابتُهُ سَراءُ شكرَ فكانَ خيرًا لهُ، وإن أصابتُهُ ضراءُ صَبرَ فكانَ خيرًا لهُ، وليسَ ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمنِ"، فكم من مَحبُوبٍ في طَيَّاتِ مَكْرُوهٍ، ومَكْرُوهٍ في طَيَّاتِ مَحبوبٍ، وامتحانٍ في ثَوبِ نعمةٍ، ونعمةٍ في ثَوبِ امتحانٍ، وعَطَاءٍ في صُورةِ حِرمَانٍ، وحِرمَانٍ في صُورةِ عَطاءٍ، "فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"، "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"، "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".
كُنْ عَنْ هُمومِكَ مُعْرِضا*وكِلِ الأُمُورَ إلى القَضَاءِ
فلَرُبَّ أمْرٍ مُسْخِطٍ*لكَ في عَواقِبهِ الرِّضَا
أَبْشِرْ بخَيرٍ عَاجِلٍ* تَنْسَى بِهِ مَا قد مَضَى
اللهُ يَفعَلُ مَا يشَاءُ*ومَا عَليكَ سِوى الرِضَا
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ التواكلَ والعجزَ هو أن تَستَسلِمَ لواقِعٍ يُمكِنُكَ تَغييرُهُ للأفضلِ،  وعدمَ الأخذِ بالأسبابِ المناسبةِ.
إنَّ الرِّضَا هو التَّسْلِيمُ للقَضَاءِ، مِنْ غيرِ جَزعٍ ولا تسَخُطٍ ولا شكٍ، والأخْذُ بكُلِّ الأسبابِ الممْكِنَةِ والمناسِبةِ سواءٌ قدَّرَ اللهُ نفعها أم عدمِ نفعِها، كمَا قالَ أميرُ المؤمنينَ عمرُ-رضي اللهُ عنه-: "نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إلى قَدَرِ اللهِ"، كالتداوي من المرضِ، أو السَعْيِ وراءَ الرِّزقَ، أو دَفَعِ ضَرَرٍ مَا، فإن نفعتْ فهذا هو المرادُ ونحمدُ اللهَ عليهِ، وإنْ لم تنفعْ اطمأنَ القلبُ، وسكنتِ النفسُ، وتَضَاعَفُ الأجرُ وارتفعتِ الدَّرجَاتُ، قالَ علي بنُ أبي طالبٍ-رضي الله عنه-يعزِّي رجلاً في ولدِه: "إنْ صبرتَ جرى عليك المقدورُ، وأنتَ مأجورٌ، وإنْ جَزِعتَ جرى عليكَ المقدورُ وأنت مأزورٌ"، للحديثِ بقيةٌ وقصةٌ.
لا إله إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا اللهُ ربُ العرشِ العظيمِ، لا إله إلا اللهُ ربُ السماواتِ وربُ الأرضِ وربُ العرشِ الكريمِ، لا إله إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات

جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى1-19-11-1441هـ-مستفادة-م

جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى1-19-11-1441هـ-مستفادة-م

جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى1-19-11-1441هـ-مستفادة-م-2

جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى1-19-11-1441هـ-مستفادة-م-2

المشاهدات 984 | التعليقات 0