الرضا بالله وعن الله وبقضاء الله

كامل الضبع زيدان
1436/08/19 - 2015/06/06 13:57PM
الرضا بالله وعن الله وبقضاء الله
سعادة ما بعدها من سعادة
روى الإمام مسلم في صحيحه عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول{ ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا} نعم والله إن للإيمان حلاوة وطعم يجده كل صادق في إيمانه ويتنعم به في هذه الدنيا بجده واجتهاده في طاعة الله والبعد عن معاصي الله فبهذا يزيد إيمانه لأن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فالعبد كلما ازداد من طاعة الله وكان ممن رضي بالله وعن الله وبما قدره الله عزو جل وقضاه عاش في غاية السعادة لأنه يعلم تمام العلم أن الأمور بيد الله عزو جل وهو جل جلاله مقدر الأقدار كما جاء في الأثر الإلهي الجليل يقول الله عزو جل {أنا الله لا إله إلا أنا أقدر التقادير وأدبر التدابير وأحكم الصنع فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط} وقد قال الله جل جلاله (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) وقال سبحانه (إنا كل شيء خلقناه بقدر) فالأمور كلها تجري بتقدير الله عزو جل المؤمن يوقن بذلك ويعلم كما أخبره الحبيب صلى الله عليه وسلم {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطئك لم يكن ليصيبك} وتعجب الحبيب صلى الله عليه وسلم من أمر المؤمن وقال {عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له} فهو في غاية الطمأنينة والأمن والأمان طالما أنه راض بما قدره الله عزو جل صابر على البلاء ومحتسب الأجر عند الله عزو جل شاكر للنعم التي تأتيه من عند الله عزو جل وهي لا تعد ولا تحصى فيا لها من حياة غاية في السعادة والنعيم بل هي الجنة في الدنيا متصلة بجنة الأخرة كما قال الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العارفين وقرة عيون المحبين.
الاستخارة والرضا
فالعبد يستخير الله عزو جل في كل أموره ويأخذ بكل الأسباب المشروعة لتحقيق ما يريد وما تهواه نفسه مما أحل له في هذه الدنيا فإذا اختار الله عزو جل له بخلاف مل تهواه نفسه فليعلم تما العلم أن اختيار الله له خير وأن الله عزو جل يعلم وهو لا يعلم وبخاصة إن كان هذا العبد على طاعة وإخلاص لله رب العالمين فالله عزو جل لا يمكر بعباده ولا يريد بهم إلا الخير وقد يحرمهم متع الدنيا وأموال الدنيا وما تهواه أنفسهم في هذه الدنيا لما خبأه لهم في الأخرة من النعيم المقيم في جنات النعيم ولو أعطاهم في الدنيا لكان هذا العطاء سببا لحرمان نعيم الآخرة وهذا والله هو الخسران المبين نسأل الله عزو جل السلامة والعافية.
جليبيب رضي الله عنه
كان جليبيب رضي الله عنه من صحابة رسول وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه لما يعلم من صدقه وحبه لله عزو جل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا دميما غير جميل لا تحبه النساء كلما ذهب ليخطب ويتزوج رفض فشكا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار ـ أحباب الله وأحباب رسول الله وأحباب المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين ـ وكانت له ابنة من الصالحات الصادقات فقال له رسول الله إني أخطب ابنتك فقال الرجل نعم يا رسول الله ونعمى عين يا له من شرف عظيم أن نصاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم ولكني أخطبها لجليبيب فقال الرجل جليبيب دعني يا رسول الله أستأمر أمها أي آخذ رأيها فرجع إلى امرأته وقال لها إن رسول الله يخطب ابنتنا فقالت نعم ونعمى عين يا له من شرف عظيم قال ولكنه يخطبها لجليبيب فقالت المرأة لقد جاءها فلان وفلان وفي النهاية نعطيها لجليبيب والله لن يكون اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتذر منه والفتاة تسمع من وراء الستار فصاحت وقالت على رسلك يا أبتاه أتريد أن ترد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم تعلم قول الله عزو جل {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} فوالله لن يضيعني الله أبدا وتزوجت من جليبيب ثم ما لبثت أن نادى منادي الجهاد فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ به يقتل شهيدا ويفتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يجده قد قتل سبعة من المشركين وقتلوه فيقول الحبيب صلى الله عليه وسلم قتل سبعة وقتلوه هو مني وأنا منه هو مني وأنا منه هو مني وأنا منه ويحمله الحبيب صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وينزله إلى قبره ويدعو لهذه الفتاة التي قبلت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضيت بالله وبأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال { اللهم صب عليها الأجر صبا ولا تجعل عيشها كدا} قال أنس راوي الحديث رضي الله عنه فما علمت امرأة من الأنصار أعظم بركة منها ولقد جاءتها الخطاب بعد انقضاء عدتها من جليبيب أفواجا لينالوا من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لها.
الراضي بالله وبقضاء الله بعيد عن الحسد
الصادق في رضاه قلبه سليم لا يغش ولا يحقد ولا يحسد أحدا على ما أعطاه الله عزو جل لأنه يعلم أن الله عزو جل هو الذي قسم الأرزاق وهو الذي يعطي العباد ويختبرهم بالعطاء كما يختبرهم بالمنع فلا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى جل جلاله فلماذا يحسد ولماذا يحقد وهو يعلم أن لو شاء الله أن يعطيه مثله لأعطاه فهذا قسم الله للعباد. ولهذا كان سيدنا عمر ابن عبد العزيز يقول اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته ولا تأخير شيء عجلته.
من رضي إذا مات ولده الصغير
كان في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار وكان معه ابنه طفل صغير وكان يحبه حبا شديدا تارة يجلسه بجواره وتارة يحمله على كتفيه وتارة على رجليه فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في عينيه فقال له أتحبه قال يا رسول الله أحبك الله كما أحبه أي لو أحبك الله كما أحبه لقد نلت شيئا عظيما وهذا لعظيم محبته لهذا الولد ثم إنه قد غاب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله لقد مات ولده فحزن عليه حزنا شديدا فذهب إليه الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم وطرق عليه بابه فخرج الرجل واعتنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى بكاء شديدا فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم أما ترضى أنك لو أتيت أي باب من أبواب الجنة إلا ووجدته عنده ليفتحه لك ـ يا لها من بشارة ـ فقال الرجل رضيت يا رسول الله فقال الصحابة أله خاصة يا رسول الله قال بل لأمتي كلها. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزو جل أن الله عزو جل أنه يقول لملائكته إذا قبضوا ولد من أطفال المسلمين قبضتم ولد عبدي وفلذة كبده وثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول جل جلاله وماذا قال عبدي فيقولون يا ربنا حمدك واسترجع أي قال الحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون فيقول الله عزو جل ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد.
اللهم إنا نسألك الرضا بقضائك والصبر على بلوائك والشكر على نعمائك يا أرحم الراحمين اللهم آمين.
أخوكم/ كامل الضبع محمد زيدان
المشاهدات 1277 | التعليقات 0