الرشوة
عبدالله يعقوب
1433/11/19 - 2012/10/05 06:48AM
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ).
أيها المسلمون... لقد حض الإسلامُ المؤمنين وأمرهم بالأكلِ من الطيبات والمباحات، واجتنابِ المحرمات والخبائث والمكروهات والمشتبهات، لآثارها السيئة في المجتمعات ومخالفةِ ربِ العباد.. فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً). وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السفر، أشعثَ أغبرَ يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنى يستجاب له)) رواه مسلم.
وإن من أعظم صور المال الحرام.. ما يُدفع إحقاقاً لباطل، أو إبطالاً لحق، وهو ما يعرف بالرشوة.
فالرشوة كسب خبيث، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل، وإعانةٌ على الظلم والعدوان، وهدر لكرامة الإنسان، لما يترتب عليها من ضياع الحقوق وفساد المجتمعات، وقد توعد رسول الله r أكلة الرشوة والمتعاملين بها بالطرد والإبعاد عن مظانّ الرحمة كما جاءت الأحاديث مصرحة بذلك.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله r الراشي والمرتشي) رواه أبوداود والترمذي وحسنه.
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله r الراشي والمرتشي والرائش): يعني الذي يمشي بينهما. رواه أحمد والحاكم.
الراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل، أو يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش هو الذي يمشي بينهما، وهو السفير بين الدافع والآخذ.
ومن دفع مالاً إلى ذي سلطان أو وظيفة عامة ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو، أو ينجز له عملاً، أو يؤخر لغريمه عملاً، فقد أخذ الرشوة.
الرشوةُ في الإسلام.. محرَّمةٌ بأي صورة كانت، وبأي اسم سُمِّيت، سواء سُميت هديةً أو مكافأةً أو تركةً، فالأسماء لا تغيِّر من الحقائق شيئاً، والعبرة للحقائق والمعاني.. لا للألفاظ والمباني.
ومما يلحق بالرشوة في التحريم.. هدايا العمالِ والحكام، فقد وردت أحاديثُ صحيحة بحرمة هدية الحاكم من قضاة ومسؤولين وغيرهم، واعتبرت من الرشوة التي صرح النبي r بحرمتها وأكل أموال الناس بالباطل، وخصوصاً إذا كان هناك مصلحة للمُهدي عند المُهدى إليه، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي r رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبيّة – على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله r على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد، فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيقول: هذا لكم، وهذا هدية أهديتْ إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديتُه إن كان صادقاً، والله لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفنّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرةً لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي بياضُ إبطيه فقال: اللهم هل بلغت)) متفق عليه.
وعن حذيفة بن اليمان مرفوعاً: ((هدايا العمال حرام)) وعن أبي حميد عن النبي r قال: ((هدايا العمال غلول)) رواه أحمد.
وقد كان سلفنا الصالح يتورعون عن قبول الهدايا خوفاً من الشبهة وخصوصاً إذا تقلد أحدهم عملاً من أعمال المسلمين. ولهذا بوّب البخاري في صحيحه باباً وقال: (باب من لم يقبل الهدية لعلة) ثم ساق البخاريُ أثرَ عمر بن عبدالعزيز: (كانت الهديةُ في زمن رسول الله r هدية، واليوم رشوة).
أيها المسلمون... إذا رأيتم الرشوة بجميع أشكالها منتشرة في أي بلد فاعلموا أن الفساد قد ضرب أطنابه في تلك البلاد .
وللرشوة عدة إصدارات ومسمياتٍ حسب مكانة الراشي والمرتشي، وضخامةِ الشيء الذي دُفعت من أجله الرشوة..
فقد تكون الرشوةُ على هيئة عمولةٍ دسمة، أو هديةٍ ضخمة، أو شرهةٍ معتبرة، أو شراكةٍ بنسبةٍ معينة، أو مقاولةٍ بالباطن، أو قطعِ أراضٍ.. بلك.. أو بلكيّن، وتجارية أيضاً في مخطط راقٍ.
وهناك رشاويٍ متوسطة الثمن.. فيزة، ساعةُ يد ثمينة، سيارة، تذاكر سفر لبعض الجهات الموبؤة، جوالات وهواتف ذكية... ونحو ذلك.
وثمت رشاوي (ماركة أبو ريالين).. تمشية حال.. كما يقال: خمس مائة ريال، مائتين ريال، حق تمشية، إقامة، رخصة بلدية، رخصة قيادة...الخ
وكلُّ هؤلاء... كلُّ هؤلاء.. ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرشوة هي أول مؤشر على وجود الفساد، وهما صنوان: الرشوة والفساد، فالفساد هو البيئة الحاضنة للرشوة، وفيها تنبت وتنمو وتزدهر، فإذا انعدمت الرشوة.. فثق أن الفساد بدأ يتلاشى ويضمحل، وأن البلد يسير نحو الطريق الصحيح.
لكن من الذي يصنع الآخر: هل الرشوة هي سبب الفساد؟ أو الفساد سبب الرشوة ؟
لن نخرج بجواب، ولا نريده، والذي يعنينا.. أن الرشوة هي فساد بذاته.
لكن السؤال الأهم ؟؟
ما هي أسباب الرشوة والفساد؟ أو الفساد والرشوة ؟؟
إن أهم سبب لوجود الفساد والرشوة هو انعدامُ الوازعِ الديني، وعدمُ الخوفِ من الله تعالى.
ثانيا : فقدانُ الحسِ الوطني، فالفاسد وإن أدعى حبَ الوطن.. فهو أكبرُ عدوٍ له.
ثالثا : عدمُ شفافيةِ القانون والأنظمة واللوائح أحياناً. وإن وجدت شفافيةٌ أمام الناس.. فهناك ضعف في التطبيق.
رابعاً: غموضُ الآليةِ المعمولِ بها في بعض المشاريع أو المناقصات، واختراقُها أحيانا من قبل بعض الجهات أو الأفراد.
خامساً: غيابُ مبدأ المحاسبة والمعاقبة بشكل كبير.
سادساً: قد تكون بيروقراطيةُ الأنظمةِ وتعقيدُها وتعددُها دافعاً قوياً للفساد والرشاوى، فعندما يريد شخصٌ أن ينهي معاملته، أو إجراء معين، ويجد هذا الكم الهائل من الإجراءات والتعقيدات تجده يتساهل في دفع الرشاوي.
لماذا؟؟ لتسليك الموضوع ودفعه بقوة لاختراق النظام.
يبقى سببٌ آخر يمكن تصنيفه بأنه سبب vip وهو دخول الساسة في التجارة أو دخول التجّار في السياسة بغية تحقيق المصلحة الشخصية، فإذا دخل السياسي في التجارة أو دخل التاجر في السياسة، بهذه النية الضيّقة، فهذا يعني أن البعض أصبح يملك المفاتيح والأرقامَ السريةَ للفساد والرشاوي، وقل وقتها على الدنيا السلام.
ختاماً تكبُر المصيبة ويعظم الذنب عندما يكون الفساد والرشوة موجودان، ويتعاطى معها أناس مهمتهم تنفيذ شرع الله، والفصل بين الناس، وإحقاق الحقوق، فعندما يصل الفساد لهؤلاء.. فقل على الدنيا السلام.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ونفعنا بهدي سيد المرسلين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون إذا كان الشرع الحكيم قد جعل الرشوة من كبائر الذنوب فقد دعا مقابل ذلك إلى مكافأة المحسن بما يستطيعه المسلم من أنواع الإحسان ولو كان ذلك بالكلمة الطيبة والدعاء له بالخير، واعتبر الإسلام ملاقاة المسلم لأخيه المسلم بطلاقة الوجه وبشاشة النفس اعتبره معروفاً وإحساناً له يؤجر على ذلك المحسن – وهذا من كمال هذا الدين وشموله وآدابه ومحاسنه لتبقى المودة والألفة والمحبة خلقاً للمسلمين وشعاراً لهم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: ((والكلمة الطيبة صدقة)) متفق عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)) رواه مسلم.
ومن أنواع الإحسان الهدية وقد فعلها رسول الله r وقبلها، فقد أهدى وأهدي إليه، ورغّب فيها أمته، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: ((لو دُعيت إلى كُراعٍ أو ذِراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي ذِراعٌ أو كُراعٌ لقبلت)) رواه البخاري.
الهديةُ تسهم في تقويةِ الأُلفةِ وتعزيزِ أواصرِ المحبة بين المؤمنين، وتأليفِ قلوبِ غير المسلمين؛ ولذا فرض الله سبحانه سهماً من الزكاة للمؤلفة قلوبهم طمعاً بإسلامهم وتقويةً لإيمانهم.
ومن الإحسان... بل من فضائل الأعمال... الشفاعاتُ الحسنة... بالتوسط فيما يترتب عليه الخير من دفع ضر أو جلب نفع ابتغاءَ وجه الله، روى البخاري عن النبي r أنه قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)).
ولكن من شفع شفاعة حسنة.. حرُم عليه قبول الهدية عن هذه الشفاعة، عن النبي r أنه قال: ((من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هديةً عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا)) رواه أحمد وأبو داود.
أيها المسلمون...
من أنواع التواصي على الحق ومن التعاون على البر والتقوى إبلاغ الجهات المختصة عن كل فاسدٍ يأكلُ الرشوة أو يحضُ عليها أو يمتنعُ عن تقديم الحقوق لأصحابها إلا بها.
وفي المقابل.. يجبُ شكرُ كلِّ من امتنع عن أخذها، واحترامُه وتقديرُه وتقديمُه على غيره، فهو أقل القليل في حقه، لأنه رجلٌ شريفٌ عزيزُ النفسِ كريمُ الخصالِ والسجايا، ومثلُه قليل.
ألا فاتقوا الله عباد الله.. واجتنبوا الظلمَ بعامة،، وظلمَ الأموال خاصة..
واحذروا مِنَ الانهِمَاكِ في جَمعِ المَالِ، وَنِسيَانِ ذِكرِ اللهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ خَسَارَةٌ وَوَبَالٌ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ).
وصلوا وسلموا على نبي الهدى والرحمة فقد أمركم بذلك ربكم فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي...).
وقال r : (من صلى عليّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرا)
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
وارض عن آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وارض عنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أذل الشرك والمشركين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المجاهدين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم حبب إليهم الخير وأهله، وبغض إليهم الشر وأهله.
اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مجتنبين له.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين.
اللهم اجعل لاخواننا المستضعفين المضطهدين في الشام وفلسطين وفي كل مكان من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم أنزل على قلوبهم السكينة والثبات والطمأنينة. وارحمهم برحمة من عندك تغنيهم بها عن رحمة من سواك.
اللهم العن أئمة الكفر من اليهود والنصارى والنصيرية.
اللهم لا تبلغهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عظة وعبرة وآية.
اللهم عليك بطاغية الشام بشار.. اللهم أهلكه وأعوانه.. اللهم فرق جمعهم.. وشتت شملهم.. وأزل دولتهم.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم سلم الحجاج في برك وبحرك وجوك. يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يسر لهم حجهم ومناسكهم يا ذا الجلال والإكرام..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولجميع المسلمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أيها المسلمون... لقد حض الإسلامُ المؤمنين وأمرهم بالأكلِ من الطيبات والمباحات، واجتنابِ المحرمات والخبائث والمكروهات والمشتبهات، لآثارها السيئة في المجتمعات ومخالفةِ ربِ العباد.. فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً). وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السفر، أشعثَ أغبرَ يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنى يستجاب له)) رواه مسلم.
وإن من أعظم صور المال الحرام.. ما يُدفع إحقاقاً لباطل، أو إبطالاً لحق، وهو ما يعرف بالرشوة.
فالرشوة كسب خبيث، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل، وإعانةٌ على الظلم والعدوان، وهدر لكرامة الإنسان، لما يترتب عليها من ضياع الحقوق وفساد المجتمعات، وقد توعد رسول الله r أكلة الرشوة والمتعاملين بها بالطرد والإبعاد عن مظانّ الرحمة كما جاءت الأحاديث مصرحة بذلك.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله r الراشي والمرتشي) رواه أبوداود والترمذي وحسنه.
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله r الراشي والمرتشي والرائش): يعني الذي يمشي بينهما. رواه أحمد والحاكم.
الراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل، أو يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش هو الذي يمشي بينهما، وهو السفير بين الدافع والآخذ.
ومن دفع مالاً إلى ذي سلطان أو وظيفة عامة ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو، أو ينجز له عملاً، أو يؤخر لغريمه عملاً، فقد أخذ الرشوة.
الرشوةُ في الإسلام.. محرَّمةٌ بأي صورة كانت، وبأي اسم سُمِّيت، سواء سُميت هديةً أو مكافأةً أو تركةً، فالأسماء لا تغيِّر من الحقائق شيئاً، والعبرة للحقائق والمعاني.. لا للألفاظ والمباني.
ومما يلحق بالرشوة في التحريم.. هدايا العمالِ والحكام، فقد وردت أحاديثُ صحيحة بحرمة هدية الحاكم من قضاة ومسؤولين وغيرهم، واعتبرت من الرشوة التي صرح النبي r بحرمتها وأكل أموال الناس بالباطل، وخصوصاً إذا كان هناك مصلحة للمُهدي عند المُهدى إليه، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي r رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبيّة – على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله r على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد، فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيقول: هذا لكم، وهذا هدية أهديتْ إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديتُه إن كان صادقاً، والله لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفنّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرةً لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي بياضُ إبطيه فقال: اللهم هل بلغت)) متفق عليه.
وعن حذيفة بن اليمان مرفوعاً: ((هدايا العمال حرام)) وعن أبي حميد عن النبي r قال: ((هدايا العمال غلول)) رواه أحمد.
وقد كان سلفنا الصالح يتورعون عن قبول الهدايا خوفاً من الشبهة وخصوصاً إذا تقلد أحدهم عملاً من أعمال المسلمين. ولهذا بوّب البخاري في صحيحه باباً وقال: (باب من لم يقبل الهدية لعلة) ثم ساق البخاريُ أثرَ عمر بن عبدالعزيز: (كانت الهديةُ في زمن رسول الله r هدية، واليوم رشوة).
أيها المسلمون... إذا رأيتم الرشوة بجميع أشكالها منتشرة في أي بلد فاعلموا أن الفساد قد ضرب أطنابه في تلك البلاد .
وللرشوة عدة إصدارات ومسمياتٍ حسب مكانة الراشي والمرتشي، وضخامةِ الشيء الذي دُفعت من أجله الرشوة..
فقد تكون الرشوةُ على هيئة عمولةٍ دسمة، أو هديةٍ ضخمة، أو شرهةٍ معتبرة، أو شراكةٍ بنسبةٍ معينة، أو مقاولةٍ بالباطن، أو قطعِ أراضٍ.. بلك.. أو بلكيّن، وتجارية أيضاً في مخطط راقٍ.
وهناك رشاويٍ متوسطة الثمن.. فيزة، ساعةُ يد ثمينة، سيارة، تذاكر سفر لبعض الجهات الموبؤة، جوالات وهواتف ذكية... ونحو ذلك.
وثمت رشاوي (ماركة أبو ريالين).. تمشية حال.. كما يقال: خمس مائة ريال، مائتين ريال، حق تمشية، إقامة، رخصة بلدية، رخصة قيادة...الخ
وكلُّ هؤلاء... كلُّ هؤلاء.. ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرشوة هي أول مؤشر على وجود الفساد، وهما صنوان: الرشوة والفساد، فالفساد هو البيئة الحاضنة للرشوة، وفيها تنبت وتنمو وتزدهر، فإذا انعدمت الرشوة.. فثق أن الفساد بدأ يتلاشى ويضمحل، وأن البلد يسير نحو الطريق الصحيح.
لكن من الذي يصنع الآخر: هل الرشوة هي سبب الفساد؟ أو الفساد سبب الرشوة ؟
لن نخرج بجواب، ولا نريده، والذي يعنينا.. أن الرشوة هي فساد بذاته.
لكن السؤال الأهم ؟؟
ما هي أسباب الرشوة والفساد؟ أو الفساد والرشوة ؟؟
إن أهم سبب لوجود الفساد والرشوة هو انعدامُ الوازعِ الديني، وعدمُ الخوفِ من الله تعالى.
ثانيا : فقدانُ الحسِ الوطني، فالفاسد وإن أدعى حبَ الوطن.. فهو أكبرُ عدوٍ له.
ثالثا : عدمُ شفافيةِ القانون والأنظمة واللوائح أحياناً. وإن وجدت شفافيةٌ أمام الناس.. فهناك ضعف في التطبيق.
رابعاً: غموضُ الآليةِ المعمولِ بها في بعض المشاريع أو المناقصات، واختراقُها أحيانا من قبل بعض الجهات أو الأفراد.
خامساً: غيابُ مبدأ المحاسبة والمعاقبة بشكل كبير.
سادساً: قد تكون بيروقراطيةُ الأنظمةِ وتعقيدُها وتعددُها دافعاً قوياً للفساد والرشاوى، فعندما يريد شخصٌ أن ينهي معاملته، أو إجراء معين، ويجد هذا الكم الهائل من الإجراءات والتعقيدات تجده يتساهل في دفع الرشاوي.
لماذا؟؟ لتسليك الموضوع ودفعه بقوة لاختراق النظام.
يبقى سببٌ آخر يمكن تصنيفه بأنه سبب vip وهو دخول الساسة في التجارة أو دخول التجّار في السياسة بغية تحقيق المصلحة الشخصية، فإذا دخل السياسي في التجارة أو دخل التاجر في السياسة، بهذه النية الضيّقة، فهذا يعني أن البعض أصبح يملك المفاتيح والأرقامَ السريةَ للفساد والرشاوي، وقل وقتها على الدنيا السلام.
ختاماً تكبُر المصيبة ويعظم الذنب عندما يكون الفساد والرشوة موجودان، ويتعاطى معها أناس مهمتهم تنفيذ شرع الله، والفصل بين الناس، وإحقاق الحقوق، فعندما يصل الفساد لهؤلاء.. فقل على الدنيا السلام.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ونفعنا بهدي سيد المرسلين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون إذا كان الشرع الحكيم قد جعل الرشوة من كبائر الذنوب فقد دعا مقابل ذلك إلى مكافأة المحسن بما يستطيعه المسلم من أنواع الإحسان ولو كان ذلك بالكلمة الطيبة والدعاء له بالخير، واعتبر الإسلام ملاقاة المسلم لأخيه المسلم بطلاقة الوجه وبشاشة النفس اعتبره معروفاً وإحساناً له يؤجر على ذلك المحسن – وهذا من كمال هذا الدين وشموله وآدابه ومحاسنه لتبقى المودة والألفة والمحبة خلقاً للمسلمين وشعاراً لهم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: ((والكلمة الطيبة صدقة)) متفق عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)) رواه مسلم.
ومن أنواع الإحسان الهدية وقد فعلها رسول الله r وقبلها، فقد أهدى وأهدي إليه، ورغّب فيها أمته، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: ((لو دُعيت إلى كُراعٍ أو ذِراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي ذِراعٌ أو كُراعٌ لقبلت)) رواه البخاري.
الهديةُ تسهم في تقويةِ الأُلفةِ وتعزيزِ أواصرِ المحبة بين المؤمنين، وتأليفِ قلوبِ غير المسلمين؛ ولذا فرض الله سبحانه سهماً من الزكاة للمؤلفة قلوبهم طمعاً بإسلامهم وتقويةً لإيمانهم.
ومن الإحسان... بل من فضائل الأعمال... الشفاعاتُ الحسنة... بالتوسط فيما يترتب عليه الخير من دفع ضر أو جلب نفع ابتغاءَ وجه الله، روى البخاري عن النبي r أنه قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)).
ولكن من شفع شفاعة حسنة.. حرُم عليه قبول الهدية عن هذه الشفاعة، عن النبي r أنه قال: ((من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هديةً عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا)) رواه أحمد وأبو داود.
أيها المسلمون...
من أنواع التواصي على الحق ومن التعاون على البر والتقوى إبلاغ الجهات المختصة عن كل فاسدٍ يأكلُ الرشوة أو يحضُ عليها أو يمتنعُ عن تقديم الحقوق لأصحابها إلا بها.
وفي المقابل.. يجبُ شكرُ كلِّ من امتنع عن أخذها، واحترامُه وتقديرُه وتقديمُه على غيره، فهو أقل القليل في حقه، لأنه رجلٌ شريفٌ عزيزُ النفسِ كريمُ الخصالِ والسجايا، ومثلُه قليل.
ألا فاتقوا الله عباد الله.. واجتنبوا الظلمَ بعامة،، وظلمَ الأموال خاصة..
واحذروا مِنَ الانهِمَاكِ في جَمعِ المَالِ، وَنِسيَانِ ذِكرِ اللهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ خَسَارَةٌ وَوَبَالٌ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ).
وصلوا وسلموا على نبي الهدى والرحمة فقد أمركم بذلك ربكم فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي...).
وقال r : (من صلى عليّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرا)
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
وارض عن آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وارض عنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أذل الشرك والمشركين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المجاهدين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم حبب إليهم الخير وأهله، وبغض إليهم الشر وأهله.
اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مجتنبين له.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين.
اللهم اجعل لاخواننا المستضعفين المضطهدين في الشام وفلسطين وفي كل مكان من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم أنزل على قلوبهم السكينة والثبات والطمأنينة. وارحمهم برحمة من عندك تغنيهم بها عن رحمة من سواك.
اللهم العن أئمة الكفر من اليهود والنصارى والنصيرية.
اللهم لا تبلغهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عظة وعبرة وآية.
اللهم عليك بطاغية الشام بشار.. اللهم أهلكه وأعوانه.. اللهم فرق جمعهم.. وشتت شملهم.. وأزل دولتهم.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم سلم الحجاج في برك وبحرك وجوك. يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يسر لهم حجهم ومناسكهم يا ذا الجلال والإكرام..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولجميع المسلمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.