الرزق باليقين

يحيى جبران جباري
1439/04/17 - 2018/01/04 22:06PM

 الحمد لله الرزاق ، أحمده سبحانه وأشكره على ما تفضل به من النعم وحاق ، و أستعينه وأستهديه و أستغفره ، يعين بإشفاق ؛ ويهدي من للضلال أنساق ؛ وغافر الذنب لمن لعفو ربه أشتاق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،  ليس له ند ، ولا ولد ؛ وليس بثالث ثلاثة ؛ إن هذا  إلا اختلاق ؛  بل هو الواحد الملك القدوس السلام الخالق مقسم الأرزاق ، تعالى عز وجل عما يقوله أهل الإلحاد والكذب والنفاق ، و أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، أتم ربه خلقه ، وكمل  الأخلاق ، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على نهجه ، ما تعاقبت الظلمة والإشراق .

 

ثم أما بعد : فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله عز وجل ومراقبته ،اعتقادا وقولا وعملا ، فمن عرف حقيقة التقوى و أعتقدها وعمل بها ، سلم من الدنيا ومن مغرياتها وشهواتها ، ونجى من عذاب الآخرة وأهوالها .

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)  ( الحج )

 

 أيها المسلمون : لست من الكل أعلم ،ولا أحكم ولا أفهم ، إلا أن الله كما من عليكم بأجر الاستماع ؛ تفضل علي بأجر الوعظ والتكلم ؛ فاسمع بنهجك واعتقادك ، وفكر فيه بعقلك وجنانك ، واعمل به إن شئت الراحة في حياتك ، وكل قول يحتمل الخطأ والصواب ،  إلا ما جاء في السنة والكتاب ؛  فالقران  كلام الله سبحانه وهو الذي أنزل ما فيه ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9 (الحجر)  والسنة قول نبيه المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ، وهو الذي يوحيه ، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) (النجم)  فهل تصدقون ما جاء في الكتاب وفي صحيح السنة أم تكذبون ؟؟؟ أجزم بأنكم مصدقون ، لأن من كذب بهما ، فذاك تبع لأبي لهب وأبي جهل وأمية بن خلف وفرعون ، إذا ألم يقل الله جل وعلا في كتابه (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6 هود) وقال سبحانه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ 56مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)) (الذاريات)  وأما الرسول : ففي صحيح البخاري أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : وكل الله بالرحم ملكا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها، قال: أي رب، ذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد، فما الرزق، فما الأجل، فيكتب كذلك في بطن أمه ) وقال عليه الصلاة والسلام ، ( بسند صحيح ) (إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله) وقال ايضا عليه الصلاة والسلام (لا تستبطئوا الرزق، فإن لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب أخذ الحلال وترك الحرام) اللهم إنا نسألك الحلال ونعوذ بك من الحرام .

 

أيها الأحبة ما أسلفته عليكم من أدلة ، من الكتاب والسنة ، تثبت بأن الرزق بيد الله وحده ، ماهي في مجموع الأدلة على ذلك إلا من أقل القلة ؛ ولكن حتى لا أطيل عليكم فيستكثر أحدكم الوعظ ويمله ، ولعل الكل فهم ما أقصده أوجله ،  واليكم المراد ، لكل بلد ودولة سياستها في الاقتصاد ؛ فمهما نقص أو زاد ؛ فذاك لا يغير شيئا من رزق العبد ؛ الذي كتب له وهو في بطن أمه من رب العباد ، وقد أثبتنا ذلك بالأدلة والاستشهاد ، إنما علاقة العبد بربه ، واقترابه وبعده ، والعمل بما يرضيه سبحانه ، هو الذي يضبط ذلك كله ؛ فقد يعطي الله هذا العبد رزقا يسيرا ، فإن رضي بما قسم الله ، وانفقه بإحسان وبدون تلاعب كفاه ، ولعل الله في علمه أن هذا العبد إن وسع عليه رزقه أضله واغواه ، وله سبحانه المثل الأعلى ، فغنى قارون ، كان سببا في تكبره وكفره ، فخسف الله به وبداره الأرض وأنهاه ،  فتغير وتبدل الأوضاع ، بين انخفاض وارتفاع ، لا يعني انقطاع الأرزاق ، ولكن شدة في المعيشة ، وزيادة اهتمام بأمر الادخار والإنفاق ، ومعرفة لما كان العبد فيه من سعة ورخاء ، لم يشكر ربه عليه ، ولم يكن ينظر إلى غيره من المحتاجين ، نظرة إحسان وإشفاق ، وغير ذلك مما يقدره العظيم الرزاق ،  فلا تهتم وتغتم بما يمليه الشيطان وضعف اليقين عليك ، فما قسم الله يأتيك إن بذلت الأسباب ، وأيقنت بباريك ،

 

لَوْ أَنْ في صَخْرَةٍ صَمَّا مُلَمْلَمَةٍ * * * في البَحْر رَاسِيَةٌ مِلْسٌ نَوَاحِيْهَا
رِزْقًًا لِعَبْدٍ بَرَاهَا اللهُ لانْفَلَقَتْ * * * حَتَّى تُؤدِيْ إِلَيْهِ كُلُّ مَا فِيْهَا
أَوْ كَانَ فَوْقَ طِباقِ السَّبْعِ مَسْلَكُهَا * * * لَسَهَّلَ اللهُ في المَرْقَى مَرَاقِيْهَا
حَتَّى يَنَال الذِي في اللَّوحِ خُطَّ لَهُ * * * فَإِنْ أَتَتْهُ وإِلا سَوْفَ يَأْتِيْهَا

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) لاالإسراء .

 

بارك الله لي ولكم فيما نقول ونسمع وهدانا وهداكم لكل عمل صالح ينفع ..  و استغفروا الله العظيم اي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الحمد لله نعم المنعم والإله ، له الحمد وله الشكر وما ولاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله إن أمسك رزقه فمن ذا سيرزقنا سواه وأشهد أن محمدا رسول الله هو اختاره واصطفاه ، فعليه صلى و سلم الله وعلى آله وصحبه  ومن سار على نهجه واقتدى بهداه ، وبعد : يا كل من لدين ربه هداه الله اتق الله ، فلا رابح ولا ناجح إلا من اتقاه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ   (الحشر)

 

عباد الله : كلنا ضره الارتفاع الحاصل وغلاء الأسعار ، سواء مستهلكين أو تجار ، ولكن لا خيار ، إلا بالإمساك عن الإسراف وحسن التصرف ، وقبلها العودة إلى العظيم سبحانه والالتزام بنهج النبي المختار ، واعلموا بأنه لا يجتمعان ، عاص لربه ومطيع للشيطان وثم يطلب سعة الرزق من المنان ، ينام عن الصلاة ويغلق محله ولا يذهب لبيوت الله ، ثم يشتكي قلة الرزق ، أليس هذا من الهذيان ، فضيق الحال وغلاء الأسعار ، قد يكون ابتلاءً  وقد يكون عقابا من الجبار ، ويعلموا ذلك الأخيار ، فكلنا نقول ونردد بأن الرزق من عند الله ، ولكن ينقصنا صدق الاعتقاد في الله ، واليقين بموعود الله ، وإليكم هذه القصة عن اليقين الصادق بأن غلاء الأسعار لا يغير رزقا قد كتبه الله لك وأنت في بطن أمك ، جاء في تفسير النسفي ، عن  الأصمعي أنه قال : أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني أصمع. قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الله. قال: اتل علي. فتلوت: (والذاريات) فلما بلغت قوله: (وَفى السماء رِزْقكم وما توعدون) قال: حسبك.

 

فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى.

 

فلما حججت مع الرشيد وطفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق ، فالفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم عليّ واستقرأ السورة ، يعني طلب منه أن يعيد عليه قراءة سورة الذاريات ، يقول الأصمعي : فلما بلغت الآية ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) صاح الأعرابي وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: (فوَرَبّ السماء والارض إنه لحق). فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى حلف. قالها ثلاثاً وخرجت معها نفسه رحمه الله ، اللهم ارزقنا صدق اليقين بك يا الله ..

 

ثم السلام والصلاة على خير خلق الله ، وقد أمرتم بذلك في قول الله (إن الله وملائكته يصلون على النبي ...... ) الآية

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد ....

المشاهدات 3077 | التعليقات 0