الرحماء-15-10-1436هـ-محمد بن محمد المختار الشنقيطي-المنبر-بتصرف

محمد بن سامر
1436/10/14 - 2015/07/30 20:14PM
[align=justify]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-أما بعد:
فهذه قصةٌ صحيحةٌ ثابتةٌ من قصصِ النبيِ-صلى الله عليه وآله وسلم-حفظَها ورواها أبو هريرةَ عبدُالرحمنِ بنُ صخرٍ-رضي الله عنه وأرضاه,-: أنَّ امرأةً كانت عاصيةً بعيدةً عن اللهِ-سبحانه وتعالى-خرجتْ يومًا، فبينما هي تسيرُ في الطريقِ، رأتْ كلبًا أنهكه العطشُ والظمأُ، وقد وقفَ على بئرٍ من الماءِ لا يدري كيف يشربُ منها, فلما رأتْه تلك المرأةُ العاصيةُ، أشفقتْ عليه ورحمتْه, فنزلتْ إلى البئرِ وملأتْ خُفَها-حذاءَها-مِن الماءِ، ثم سقتْ ذلك الكلبَ، وأطفأتْ ظمأَه وعطشَه، فنظرَ اللهُ إلى رحمتِها بهذا المخلوقِ، فشكرَ لها معروفَها، فغفرَ ذنوبَها.
بشربةِ ماءٍ غُفرتْ ذنوبُها, وبشربةِ ماءٍ سُترتْ عيوبُها, وبشربةِ ماءٍ رضي عنها ربُها, إنها الرحمةُ التي أسكنها اللهُ القلوبَ، وفرَّجَ بها الغمومَ والهمومَ عن كلِّ مهمومٍ ومنكوبٍ، إنها الرحمةُ التي يرحمُ اللهُ بها الرحماءَ, ويفتحُ بها أبوابَ البركاتِ والخيراتِ من السماءِ, بعثَ بها سيدَ الأولينَ والآخرينَ، كما قال في كتابِه المبينِ: [وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمينَ].
هي شعارُ المسلمينَ، ودثارُ الأخيارِ والصالحينَ، وشأنُ الموفقينَ المسددينَ، كم فرَّجَ اللهُ بها من همومٍ، وكم أزالْ اللهُ بها من غُموم، إنها الرحمةُ التي إذا أسكنَها اللهُ في قلبِك فتحَ بها أبوابَ الخيرِ في وجهِك, وسددَك وألهمَك وأرشدَك، وكنتَ مَن المحسنينَ.
الرحمةُ أحوجُ من يكون إليها أقربُ الناسِ إليك، أحوجُ الناسِ إلى رحمتك وشفقتِك وإحسانِك وبرِك، وأحقُ الناسِ بذلك الوالدان: الأمُ والأبُ, ما أحوجَهما إلى الرحمةِ!, فارحمْهما ولا تعذبْهما, وسامحْهما ولا تؤاخذْهما، وتواضعْ لهما ولا تتكبرْ عليهما، [وقلْ ربِّ ارحمْهما كما ربياني صغيرًا]، يحتاجان إلى رحمتِك خاصةً عند المشيبِ والكبرِ, إذا ضعفتْ قواهُما، واشتعلَ الشيبُ في رأسيِهما, والتهبتْ بالأحاسيسِ مشاعرُهما، فهما عند ذلك أحوجُ ما يكونانِ إلى عطفِك ورحمتِك وحلمِك, يحتاجُ الوالدان إلى رحمةِ الأولادِ وهم في القبورِ, ينتظران البعثَ بعدَ النشورِ, فما أحوجَهما اليومَ إلى دعوةٍ صالحةٍ منك, ترفعُها إلى اللهِ-جل جلاله-أنْ يُفْسِحَ لهما في قبريْهِما، فقد صارا غرباءَ سفرٍ لا يُنتظرون, ورهناءَ ذُنوبٍ لا يُفكون ولا يُطلقون, فارفعِ الأكفَّ الصادقةَ إلى اللهِ أن يرحمَهما, قال صحابيٌ: يا رسولَ اللهِ هل بقي من بري لوالديَّ شيءٌ أَبِرِهُما به بعدَ موتِهما؟ قال: "نعم. الصلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما, وصلةُ الأرحامِ التي لا توصل إلا بهما".
أحوجُ الناسِ إلى رحمتِك أولادُك: أبناؤُك وبناتُك, وزوجتُك, وإخوانُك وأخواتُك، وسائرُ الأقربين, عن أنس-رضي الله عنه وأرضاه-قال: "ما رأيت أحدًا أشدَ رحمةً بالعيالِ من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، قبَّلَ الحسنَ أو الحسينَ فقالَ له رجلٌ: إني لي عشرةً مِن الولدِ ما قبَّلتُ واحدًا منهم, قال : "أوَ أملكَ أنْ نزعَ اللهُ الرحمةَ مِن قلبِك".
ولما دُعي-صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه-وقد حضرَ الموتُ ابنَه إبراهيمَ، ففاضتْ عيناه بالدموعِ وبكى, فقيل: ما هذا يا رسولَ اللهِ؟ قال: "هذه رحمةٌ أسكنَها اللهُ في قلوبِ عبادِه".
الأولادُ يحتاجون إلى العطفِ والإحسانِ, يحتاجون منك إلى البرِ والحنانِ, فارحمهم برحمةِ اللهِ.
أحوجُ الناسِ إلى رحمتِك من ولاك اللهُ أمرَه من العُمَّالِ والمستضعفينِ والمستخدمينِ, قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إخوانُكم خولُكم جعلهم اللهُ تحتَ أيديكم", فأمرنا أن نطعمَهم مما نَطعمَ, وأن نكسوهم مما نكتسي, فأحسنوا إليهم, واجبروا خواطرَهم, وارحموهم، ووسعوا عليهم, قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "اللهم من وَليَ مِن أمورِ أمتي شيئًا فرَفَقَ بهم فاللهم ارْفُقْ به"، فمن أراد أن تصلَه دعوةُ النبيِ-صلى الله عليه وآله وسلم-فيكونَ مرحومًا منَ اللهِ-جل وعلا-فليرحمْ هؤلاء، ومِن رحمتِهم أن يُوَسَّعَ الإنسانُ صدرَه لمن يُسيء إليه منهم، ولمن يعتدي عليه منهم، فالعفوُ والصفحُ عن الزلاتِ، وسترُ الخطيئاتِ، شأنُ أهلِ المكرماتِ والرحماتِ.
أحوجُ الناسِ إلى رحمتِك الأراملُ والأيتام, فمِن العباداتِ العظيمةِ، إطعامُ الطعامِ، والإحسانُ إلى الأراملِ والأيتامِ، والتوسيع عليهم طلبًا لرحمةِ اللهِ، قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "الساعي على الأرملةِ واليتيمِ كالصائمِ الذي لا يُفطرُ، والقائمِ الذي لا يَفْتُرُ".
أحوجُ الناسِ إلى رحمتِك الفقراءُ، فبالقليلِ مِن المالِ تُكفكفُ دموعَهم، وتجبرُ كسرَ قلوبِهم, فيُكفكفُ اللهُ به نارَ جنهمَ عنكَ يومَ القيامةَ قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "فاتقوا النارَ ولو بشِقِ تمرةٍ", وفي الصحيحِ عن أمِنا عائشةَ-رضي الله عنها وأرضاها-قالت: "إنَّ امرأةً دخلتْ عليها، ومعها صبيتانِ، فاستطعمتْها-طلبت منها طعاما-فأطعمتْها ثلاثَ تمراتٍ, فأعطتْ كلَّ صبيةٍ تمرةً, ثم رفعتِ التمرةَ الثالثةَ تُريدُ أكلَها، فاستطعمتْها إحدى البنتينِ، فأطعمتْها التمرةَ، فعجبتْ أمُنا عائشةُ من صنيعِها, فلما دخل رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- أخبرته فقال: "أتعجبينَ مما فعلتْ إنَّ اللهَ حرَّمها على النارِ بتمرتِها تلك".
الصدقاتُ والإحسانُ إلى المؤمنينِ والمؤمناتِ، مِن أعظمِ الأمورِ التي تُفرَّجُ بها الغمومُ والكرباتُ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيه.
وتَعظُمُ حاجةُ المسلمِ إذا كان مظلومًا مخذولاً, فعند ذلك يجبُ عليك نصرُه ومعونتُه ومساعدتُه لينصرَك اللهُ ويعينَك ويرحمَك.
الخطبة الثانية
فمِنْ صفاتِ اللهِ-سبحانه-أنه أرحمُ الراحمين، يرحمُ الناس جميعًا رحمةً عامةً، ويرحمُ عبادَه المؤمنينَ رحمةً خاصةً, يرحمُ المعذبين فيُزيلُ عنهم العذابَ, ويرحمُ الضالينَ فيهديِهم إلى الرشدِ والصوابِ، ويرحمُ المذنبينَ فيغفرُ ذنوبَهم، ويسترُ عيوبَهم، ويُقيلُ عثراتِ النادمينَ، ويجودُ بإحسانِه على التائبينَ.
ما أحوجَنا إلى رحمةِ اللهِ-سبحانه-بنا، فكم للهِ علينا من نعمٍ لا تُعد ولا تُحصى، ومننٍ لا تُكافَأُ ولا تُجزى، ما أحوجَنا إلى رحمةِ الله يغفرُ بها ذنوبَنا، ويسترُ بها عيوبَنا، ويُفرِّجُ عنها بها كروبَنا، ما أحسنَ الإكثارَ من سؤالِ الرحمةِ، فقد كانَ النبيُ-صلى الله عليه وآله وسلم-يقولُ: "اللهم اهدني وارحمني وعافني واجبرني"، وكان يسألُ اللهَ الرحمةَ في كثيرٍ من دعائه، ويستعيذ برحمة الله من عذابه، نسألُ اللهَ-عز وجل-لنا ولكم ولجميع المسلمينَ مِن واسعِ رحمتِه، وأن يشملَ الجميعَ بعظيم حلمه وعفوه.
[/align]
المرفقات

الرحماء-15-10-1436هـ-محمد بن محمد المختار الشنقيطي-المنبر-بتصرف.doc

الرحماء-15-10-1436هـ-محمد بن محمد المختار الشنقيطي-المنبر-بتصرف.doc

الرحماء-15-10-1436هـ-محمد بن محمد المختار الشنقيطي-المنبر-بتصرف.docx

الرحماء-15-10-1436هـ-محمد بن محمد المختار الشنقيطي-المنبر-بتصرف.docx

المشاهدات 2170 | التعليقات 1

جزاك الله خير