الرحلة إلى الطائف ( المحن قبل المنح)

الدكتور صالح الضلعان
1437/05/10 - 2016/02/19 13:05PM
الرحلة إلى الطائف ( المحن قبل المنح)
الخطبة الأولى
الحمد الله القائل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) [الأحزاب: 45]
أرسله الله إلينا وأطلعنا على بعض حقه علينا، فقال: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آلة وصحبه وسن سنته إلى يوم الدين صلاة وسلامًا دائمين الليل والنهار.
أما بعد: فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله تعالى وطاعته يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ)
إخوة الإيمان: ما أعذب الكلمات حينما تتعطر بذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم! وما أجمل المجالس حين تزين بأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم! فالحياة في ظلاله حياة، وأرض لا ترتوي بهديه رمسٌ وقبر..
لقد كانت حياته عليه الصلاة والسلام نهجًا ومثلاً للأمة بعده (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21] (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور: 54]، ولا تزال الأمة بخير ما دامت تقتفي أثره وتتحسس خطاه..
نقف إخوة الإيمان مع جانب من جوانب حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إنه جانب حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس، وإنقاذهم من النار، فتعالوا مع تلك المشاهد النبوية الفريدة التي تجلي لنا الرحمة المحمدية، وتبرز لنا الرأفة والحرص الذي كان يحمله النبي صلى الله عليه وسلم بين جنبيه تجاه الآخرين.
إخوة الإيمان: ها هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مهدها تلقى من أنواع الأعراض والمعاداة ما تلقى، مات عن النبي صلى الله عليه وسلم عمه ونصيره، ونالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من أنواع التعذيب والإيذاء شيئًا لا تحتمله النفوس.
هنا بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يرحل إلى الطائف ليبلغ ثقيفًا كلمة الله، ويستنصر بهم لنصرة دين الله، فخرج صلى الله عليه وسلم في حر الصيف يسير بين الشعاب والجبال حتى وصل إلى الطائف.. في شوال سنة عشر للنبوة, خرج رسول الله إلى الطائف ماشيًا على قدميه الطاهرتين ومعه مولاه زيد بن حارثة, كلما مرَّ على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام فلم يجبه أحد, ووصل إلى الطائف فعمد إلى ثلاثة أخوة من رؤساء ثقيف, فجلس إليهم ودعاهم إلى الله ونصرة الإسلام, فقال احدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة ‏[‏أي يمزقها‏]‏ وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا غيرك, وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا, إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك, ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك, فقام عنهم رسول الله وقال: ((إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني)) طلب منهم ذلك حتى لا تشمت به قريش ، وتزداد إجراما وبطشا بأصحابه..
وأقام في أهل الطائف عشرة أيام, لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه, فقالوا: اخرج من بلادنا, وأغروا به سفهاءهم, فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به, حتى اجتمع عليه الناس فوقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة, ويسبونه ورجموا عراقيبه, حتى سالت نعلاه بالدماء, وزيد بن حارثة يقيه بنفسه, فأصابه شجاج في رأسه.
وهكذا يبقى أهل الحق في صراع مع الباطل على مرَّ العصور, في دعوته عليه السلام لأهل مكة وسيره لأهل الطائف نداء إلى كل من يحمل همَّ دينه وأمته: أن طريق الدعوة شاقٌ, طويلٌ, عسيرٌ, عقباته كؤود, وألمه شديده, ليتذكر ذلك العامل لدينه يوم يصاب في ماله, كيف بذل رسول الله دنياه كلها في سبيل دعوة الخلق إلى الحق, تذكر وأنت تدعو الناس إلى الله وقد أصابك ما أصابك من شتم يسير, أو سباب من سفيه حقير ما عرف قيمة الحياة أن إمام الأمة, وقائد الملة, وخير البشر, وأكرم الخلق, يُسب ويشتم, بل ويقال: كاهن, شاعر, مجنون, فهل رميت يومًا بمثل هذا, أو نالك من الحديث كهذا, بل أنت سالم في أهلك, معافىً في جسدك, والطاهر المطهر, المزكى من ربه ومولاه يضرب, ويرمى بالحجارة حتى يسيل دمه الطاهر, كل هذا نصرة لدين الله, ورفعًا للوائه ورايته, ولكن لابد أن يُعلم أن درب الجهاد والدعوة جماله في عنائه, وروعته في أوجاعه, ولذته في طول طريقه, ومن لم يجد هذا ولا ذاك فليراجع إيمانه وإخلاصه, وليكن نشيدك على الدوام:
دربنا المزروع بالشوك طويل وجميل ربما نعثر فيه ولياليـنا تـطول
ولم يزل أولئك السفهاء بالنبي حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة, على ثلاثة أميال من الطائف فرفع كفيه وراح يناجى ربه بدعائه الشجي المؤثر الذي يتعلّم منه كل مسلم يمرّ بشدّة أو بلاء أو محنة إلى قيام الساعة :
«اللهُمَّ إنِّي أشْكُو إليْكَ ضَعْفَ قَوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وهَوَانِي عَلى النَّاسِ. يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وأنْتَ رَبِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلَى بَعِيدٍ يُتَجَهَّمُنِي أو إلى عَدُوَ مَلَّكْتَه أمْرِي، إن لمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلاَ أُبَالِي، ولكِن عَافِيَتَكَ هي أوْسَعُ لِي. أَعوُذُ بِنُورِ وجْهِكَ الذِي أشْرَقَتْ بِه الظُلُمَاتُ وصَلُحَ عَلَيهِ أمْرُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ من أنْ تُنْزِلَ بي غَضَبَك، أو تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، و لاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ» . (1)
لا إله إلا الله, أي التجاء أعظم من هذا الالتجاء يا أهل الحق, الحق منصور فلا تجزعوا, ولكن لابد للبطولة من أبطال, ولساحات الوغي من شجعان, ومن رام العلى, وسرى نحو الثريا, لابد وأن يترفع على الثرى وغباره, ولا يُرى يلطخ عقله وجسمه في الوحل والطين... إنه الدرس العظيم في صدق اللجوء, وعمق التعلق والتذلل, مهما بلغت الأسباب والمسببات, فلا تنفع شيئًا, إذا فارقها توفيق وتيسير مسبب الأسباب سبحانه.
ما يصيب العامل لدينه من توفيق أو عدمه, من تصديق أو تكذيب, من قبول أو عناد وكله في صالحه, ومن حسن تدبير الله له, وما يدريك ففي قبول الناس للخير الفوز والفلاح, وفي عنادهم وأذاهم تكفير وتمحيص للسيئات, وعلو ورفعة في الدرجات.
فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما, فدعو غلامًا لهما نصرانيًا, يقال له عداس, وقالا له: خذ من هذا العنب واذهب به إلى هذا الرجل, فلما وضعه بين يدي رسول الله مدّ يده إليه وهو يقول: ((بسم الله)) ثم أكل فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد, فقال له رسول الله : ((من أي البلاد أنت؟)) قال: أنا نصراني, من أهل نينوى, فقال رسول الله من قرية الرجل الصالح: يونس بن متى, قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال: ((ذاك أخي, كان نبيًا وأنا نبي)) فأكب عداس على رأس رسول الله ويديه ورجليه يقبلهما.
ورجع رسول الله في طريقه إلى مكة, روى البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: ((لقيت من قومك ما لقيت, وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب, فرفعت رأسي, فإذا أنا بسحابة قد أظلتني, فنظرت فإذا فيها جبريل, فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم, فناداني ملك الجبال, فسلم علي, ثم قال: يا محمد, ذلك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين, وهما جبلا مكة يحيطان بها, قال النبي , بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئًا))
الله أكبر هكذا كانت إجابة الحليم الحكيم, هكذا كانت إجابة الرؤوف الرحيم بأمته مع كل ما قابله من تكذيب وتحريش وإغراء ومع ذلك يقول: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا. لا غرو ولا غرابة فهو الرحمة المهداة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء: 107].
هذه الكلمات الصادقة الحانية, رسالة إلى كل داعية ومعلم خير, أنت تبلغ دين الله, وشرع الله, فليكن عَرضك مقبولاً, وقولك طيبًا, وفعلك محمودًا, واعرض ما عندك, كما يعرض التاجر اللبيب بضاعته, وبعد ذلك إن لم تجد عونًا ووجدت صدًا وتجريحًا, فارفع يدك وادع رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي [طه: 25 ـ 27], اللهم اهدني واهد بي.
وفي مشاهد من مشاهد هذه الرحلة: بلغ عليه الصلاة و السلام " وادي نخلة" ، بعد رجوعه للطائف وأقام فيه أيامًا‏.‏
يلتجئ الى ربه ويقوم الليل يصلي ويتلو كتاب الله سبحانه , لقد قام صلى الله عليه وسلم يصلي وهو في سفر وعناء ومشقة و إيذاء , وهذا يدعونا الى أن نتذكر قيام الليل فلا نغفل عنه فهو شرف المؤمن فمن ثمراته. الشعور بمعية الله تعالى، واستحضار أنه في كنف قوي عزيز لا يضام من لجأ إليه ولاذ به، وهو ما يعطي الداعية قوة روحية وطاقة نفسية يتزود منها في طريقه. قال مالك بن دينار: “إذا قام العبد يتهجد من الليل قرُب منه الجبار عز وجل. وكانوا يرون ما يجدون من الرقة والحلاوة في قلوبهم والأنوار من قرب الرب تعالى من القلب".
هنا بعث الله تعالى إليه نفرًا من الجنّ آمنوا به ، و ذكرهم الله سبحانه في القرآن‏:‏ ‏‏{‏وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله ِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[سورة ‏الأحقاف‏:‏29‏-‏ 31‏]‏‏.‏
وهكذا أسلم الجنّ ونصروا دين الله في وقت كان أكثر البشر فيه ضالون لا يعقلون شيئا ولا يهتدون !!
وهى ثمرة من ثمرات الرحلة للطائف والدعوة الى الله فكأن الله تعالى يثبّت فؤاد الحبيب بعدما حدث له في الطائف ، ولسان الحال يقول : لئن خذلك البشر فإن ربهم ورب كل شيء معك ، يؤيدك بمن وبما يشاء من خلقه (( وما يعلم جنود ربك إلا هو )) سورة المدثر الآية رقم 31 .
وأي إنجاز أو نجاح أعظم من إسلام الجن وتأييد الملائكة ؟! ..و هل هذا قليل ؟؟!!
وفي مشهد من مشاهد الرحلة: نأتي الآن إلى عودته عليه الصلاة السلام إلى مكة . فقد سأله زيد بن حارثة‏:‏ كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك‏؟!‏ يعنى قريشًا، فقال‏ صلى الله عليه وسلم بكل يقين :‏ ‏(‏يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه‏)‏‏.
‏(( وهذا درس في اليقين المطلق والثقة التامة بموعود الله ، ومهما طال الليل فلابد من طلوع الفجر وسطوع الشمس
وسار الرسول صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من مكة مكث بحِرَاء، فأرسل إلى الأخنس بن ليجيره، فاعتذر ، ثم أرسل إلى سهيل بن عمرو، فاعتذر‏ ، فأرسل إلى المطعم بن عدى، فأجاره، ثم تسلّح ودعا بنيه وقومه ، و أمرهم بحمل السلاح ومشاركته في حماية النبي لأنه قد أجاره .. ثم أرسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن ادخل، فأقبل صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهي إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدى على راحلته فنادى‏:‏ يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم، وانتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه، وطاف بالبيت، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته، والمطعم بن عدى وولده حوله يحمونه حتى دخل بيته‏.‏
وقيل‏:‏ أن أبا جهل سأل مطعمًا‏:‏ أمجير أنت أم متابع ـ مسلم-‏؟‏‏.‏ قال‏:‏ بل مجير‏.‏ فقال‏ الطاغية :‏ قد أجرنا من أجرت‏.‏
"وقد حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم للمطعم هذا الصنيع، فقال في أسري بدر‏:‏ ‏(‏لو كان المطعم بن عدى حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له‏)‏‏".‏
(( وهكذا يعطينا الرسول عليه الصلاة و السلام درس في الوفاء وحفظ الجميل من شيم الرجال الكرام
وهو وجوب" رد الجميل " ومكافأة من يسدى إلينا معروفا ولو كان كافرا)).
بارَك اللهُ لي ولكُم في الكِتابِ والسّنّة، ونَفَعنا بمَا فيهمَا مِنَ الآياتِ والحِكمَة، أقول قولِي هذا، وأستَغفِر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أَمَّا بَعْدُ،
عباد الله ، إنَّ رحلة الطائف، رغم ما فيها من أحداث مؤلِمة، تركَتْ لنا دروسًا هامَّة، ينبغي على المسلم الوقوفُ معها والعمل بها؛ لِيَسعد في الدُّنيا والآخرة، إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخاطبكم من خلال رحلة الطائف، ويقول لكم: يا مسلمون:
إن أردتم العون والنَّصر والفرَجَ مِن الله، فسيروا على ما سرتُ عليه، اصبروا على البلاء والمصائب كما صبرتُ في رحلة الطائف، اثبتوا على الطاعة كما ثبَتُّ في رحلة الطائف، تَمسَّكوا بدينكم وعقيدتكم كما تمسَّكت في رحلة الطائف، ضَحُّوا ولو بالشيء القليل كما ضحيت بالغالي والنفيس في رحلة الطائف.
فأين المسلم الَّذي يقتدي برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم
ايها الاحبة:
إن واجب الرسول – كل رسول- هو الدعوة والبلاغ فحسب ، وأما النتائج – الهداية- فهي بيد الله وحده لا شريك له .ولو كان نجاح الدعوة يقاس بعدد الأتباع فحسب لظنّ بعض السطحيين والجهلة أن نبيّا عظيما مثل سيدنا نوح عليه السلام قد أخفق أيضا – حاشا لله - لأنه عاش يدعو قومه إلى التوحيد ألف سنة إلا خمسين ، ولم يؤمن معه إلا عدد قليل من الناس حملتهم سفينة واحدة .
وهناك الحديث المتفق عليه الذي أخبر فيه الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم أنه يأتي يوم القيامة أكثر الأنبياء أتباعا ، وأن من الأنبياء من سوف يأتي ومعه الرجل الواحد ، ومنهم من سيأتي ومعه الرجلان ،ومنهم من سيأتي وليس معه أحد. (نص الحديث في الصحيحين)
إن الرسل عليهم السلام جميعا قد أدّوا الأمانة وبلّغوا الرسالة على أتم وأكمل وجه ، وليست الكثرة دليلا على الحق أو النجاح ، فالنبي هو الحقّ ، وهو الأمّة ولو كان وحده، ولم ولن يدخل في الإسلام إلا من شاء الله .
ومن ينشط للدعوة ويؤدى واجبه في إبلاغ الرسالة فقد نجح تماما بغض النظر عن النتائج. وهناك آيات كثيرة حاسمة تفيد صراحة أنه ليس على الرسول إلا البلاغ - أي التبليغ - أو الإبلاغ والإرشاد والإيضاح فحسب ومنها :
1- (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ [سورة المائدة: 92].
فالهداية بيد الله وحده لا شريك له :(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة القصص الآية 56 .وآية كريمة أخرى تقول صراحة : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)
سورة البقرة الآية 272 .
وعلى ضوء ما تقدم نعلم يقينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنجز المقصود الأعظم وهو دعوة القوم إلى الله ، ونجح كل النجاح في رحلته المباركةا

أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعظم محبة رسوله في قلوبنا، وأن يجعل محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم عندنا من محبة أنفسنا وأهلنا، وآبائنا وأمهاتنا، وأزواجنا وبناتنا، وأن يجعل محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طمأنينة قلوبنا، وانشراح صدورنا، وأن يجعل محبته عونًا لنا على طاعة الله - عز وجل - وحُسن الصلة به؛ إنه - سبحانه وتعالى - ولِيُّ ذلك والقادر عليه.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الْشَّرِيِفَيْنِ واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه، اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدود بلادِنا، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، ووفِّق رجال أمنِنا في كل مكان
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ،
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، ربَّنا اغفِر لنا ولوالدِينا ،وارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافية على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبرِه ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رياضِ الجنة، واجمَعنا به في دار كرامتِك.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
المشاهدات 3436 | التعليقات 0