الرجولة 2 مستفادة من خطب المشايخ الفضلاء
Abosaleh75 Abosaleh75
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾
عباد الله : نستكمل حديثنا عن الرجولة فلأهمية الرجولة ومكانتها فقد كانت الرُّجُولَةُ أُمْنِيَّةٌ عُمَرِيَّةٌ، تَمَنَّاهَا الْمُلْهَمُ الْمُحَدَّثُ
ففي دار من دور المدينة النبوية جلس عمر رضي الله عنه , إلى جماعة من أصحابه فقال لهم : تمنوا . فقال أحدهم : أتمنى لو أن هذه الدار مملؤة ذهباً أنفقه في سبيل الله . ثم قال عمر :تمنوا.فقال رجل آخر : أتمنى لو أنها مملؤة لؤلؤاً وزبرجُداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به . ثم قال تمنوا . فقالوا:ما ندري ما تقول يا أمير المؤمنين ؟
فقال عمر رضي الله عنه : ( ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيد ة بن الجراح , ومعاذ بن جبل , وسالم مولى أبي حذيفة , فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله ).
رحم الله الفاروق ورضي عنه، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة؛ إنهم الرجال أقوياء الإيمان، أقوياء العزائم، فهم أعز من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين.
و عند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال، عند الفتن نحتاج إلى رجال يثبتون على الحق ويدافعون عن الحق ولا يخافون في الله لومة لائم؛ يقول الله -تعالى-: (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة:23].
أيها الكرام : حاصر خالد بن الوليد "الحيرة" فطلب من أبي بكر مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي، وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لَصَوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!.
ولما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه: "أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألفٍ رجلٌ منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد".
عباد الله: وَيَتَأَكَّدُ الْحَدِيثُ عَنْ الرُّجُولَةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي نَرَى فِيهِ الشباب تَتَخَطَّفُهُمْ مَوَاقِعُ وَبَرَامِجُ، هَدَفُهَا إِيجَادُ أَجْيَالٍ منسلخة من سُلُوكِيَّات وَأَخْلَاقِيَّات و تَعَالِيمِ دِينِهِمْ،وعَادَاتِ مُجْتَمَعَاتِهِمْ ومن الرجولة ومعانيها.
ولذلك فلا بد من تربية الجيل الناشئ على الرجولة وغرسها فيهم ولنعلم أن مَعَانِيَ الرُّجُولَةِ لَا تَأْتِي فَجْأَةً، وَلَا تُدْرَكُ جُمْلَةً، بَلْ هِيَ معاني وقيم تُبْذَرُ فِي نَفْسِ الصَّغِيرِ، حَتَّى تَكْبَرَ مَعَهُ وَيتربى عليها.
وَثَمَّةَ طُرُقٌ شَرْعِيَّةٌ وَعَادَاتٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ تَبْنِي هَذِهِ الرُّجُولَةَ الْمُنْتَظَرَةَ فِي شَخْصِيَّاتِ الْأَبْنَاءِ مُنْذُ بَرَاءَتِهِمْ وَزَهْرَتِهِمْ؛ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ:
تَكْنِيَةُ الطِّفْلِ وَمُنَادَاتُهُ بِأَبِي فُلَانٍ، فَهَذَا مِمَّا يُنَمِّي الْإِحْسَاسَ بِالْمَسْئُولِيَّةِ، وَيُشْعِرُ الطِّفْلَ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ سِنِّهِ، فَيَرْتَقِي شُعُورُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مُشَابَهَةِ الْكِبَارِ فِي أَخْلَاقِيَّاتِهِمْ وَهَيْئَاتِهِمْ، وَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّكُمْ وَحَبِيبِكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَكْنِيَةُ الصِّغَارِ، حَتَّى قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ.
يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، كَانَ يَأْتِينَا وَيُخَالِطُنَا، فَيَقُولُ لِأَخِي وَكَانَ صَغِيرًا: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ".
وَمِمَّا يُنَمِّي الرُّجُولَةَ فِي شَخْصِيَّةِ الطِّفْلِ: أَخْذُهُ لِلْمَجَامِعِ الْعَامَّةِ، وَمَجَالِسِ الْكِبَارِ، مِمَّا يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ فِي زِيَادَةِ عَقْلِهِ، وَتَلْقِيحِ فَهْمِهِ، وَمُحَاكَاتِهِ لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يَصْحَبُونَ أَوْلَادَهُمْ إِلَى مَجْلِسِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَمِمَّا يُنَمِّي الرُّجُولَةَ فِي حَيَاةِ الطِّفْلِ: إِتَاحَةُ الْفُرْصَةِ لَهُ لِلْحَدِيثِ مَعَ الْكِبَارِ، وَإِعْطَاؤُهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَجْلِسِ، مِمَّا يُوَلِّدُ فِي نَفْسِهِ شُعُورًا إِيجَابِيًّا بِعُلُوِّ قَدْرِهِ، وَمَكَانَتِهِ بَيْنَ الْكِبَارِ. وتجنب إهانته خاصة أمام الآخرين وعدم احتقار أفكاره.
ومما ينمي الرجولة رَبْطَ النَّاشِئَةِ بِأَخْبَارِ الصَّحَابَةِ والسلف الصالح وَسِيَرِهِمُ فقد تَمَثَّلُوا أَعْلَى الْمَكَارِمِ وأشرفها وهم القدوات .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، .....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وصلاة الله وسلامه على أشرف المرسلين.
عباد الله : وَمِمَّا يُنَمِّي الرُّجُولَةَ أَيْضًا: إِبْعَادُ الطِّفْلِ عَنْ حَيَاةِ الْكَسَلِ وَالرَّاحَةِ، وَتَكْلِيفُهُ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تُنَاسِبُ سِنَّهُ وَقُدْرَاتِهِ، مِمَّا يُنَمِّي فِي الطِّفْلِ رُوحَ الْكِفَاحِ، وَمُوَاجَهَةَ مَشَاقِّ الْحَيَاةِ وَصُعُوبَاتِهَا.
وَمِمَّا يُنَمِّي الرُّجُولَةَ أَيْضًا: تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى الْقُوَّةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَالرِّيَاضَةِ الْجِسْمِيَّةِ،
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمُ الْعَوْمَ.
وَمِنْ وَصَايَا الْفَارُوقِ أَيْضًا: "عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ الرِّمَايَةَ وَالسِّبَاحَةَ وَرُكُوبَ الْخَيْلِ".
تِلْكَ -عِبَادَ اللَّهِ-: بَعْضُ وَسَائِلِ غَرْسِ الرُّجُولَةِ وَتَنْمِيَتِهَا فِي نَفْسِ الطِّفْلِ.
فاحْرِصُوا عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ وَفَلَذَاتِ أَكْبَادِكُمْ عَلَى مَكَارِمِ الرُّجُولَةِ، وَإِبْعَادِهِمْ عَنْ سَبِيلِ الْمُيُوعَةِ، وَالتَّقْلِيدِ الْمُشِينِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم]