الرؤى ومُدَّعُو تعبيرها ( تعميم وزاري )
راشد بن عبد الرحمن البداح
الْحَمْدُ للهِ {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[السجدة4] أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ في ربوبيتِهِ وألوهيتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ. وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ فصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا، أمَّا بَعْدُ:
إنها آيةٌ من آياتِ اللهِ، ونعمةٌ عظيمةٌ من نِعمهِ، نَنْعَمُ في اليومِ مرةً أو مرتينِ، أتدرونَ ما هيَ؟! إنها النومُ، حينما تُطْبِقُ عينيكَ، فتَغيبُ عن الوجودِ، وربما ترَى أثناءَ نومِك رؤيا تكونُ بُشرى. ألم يقُلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ. قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.
لكنْ على مَن رأى ما يَسرُهُ ألا يَغترَّ بنفسِهِ ويُعجَبَ بعملِهِ. قالَ ابنُسيرينَ وأحمدُ بنُ حنبلٍ: رؤيا المؤمنِ تسرُّهُ ولا تغرُّهُ().
أيُها المؤمنونَ: من المؤسفِ أن بعضَ الناسِ قد أعطَى الرؤيا أكبرَ من حجمِها، حتى إنها شغلتْ بالَهُمْ، فصارتْ جُلُّ أسئلتِهم عن تأويلِها، أكثرَ من سؤالِهم عن أمورِ دينِهم، مع أنهم لو لم يَسألُوا عن رُؤاهُم فلنْيَضرَهم الجهلُ بها، ولا يأثمونَ بتركِ تأويلِها.
وزادَ الأمرَ سوءاً أن ادعَى معرفةَ تعبيرِ الرؤى فئامٌ جهالٌ طمِعُوا بالشهرةِ والأموالِ، فصارُوا يُعبِّرُونها عبرَ وسائلِ التواصلِ، مع أنهم لم يُعرَفُوا بعلمٍ، ولا صلاحٍ وتقىً، فَفَتَنُوا البُسَطاء؛ ليُرْدُوهم ولِيَلْبِسوا عليهم دينَهم.
ومِن خطرِ هؤلاءِ المعبرينَ الجهالِ تلاعبُهم بعقولِ الناسِ وعقائدِهِم، بادعائهِم علمَ الغيبِ، وبجزمِهم بالتعبيرِ، لا سيَّما عندَ حوادثِ الأمةِالمدلهمةِ، وتعليقِ الناسِ بالأوهامِ والأمانيِ.
وقد أصبحَ المعبّرُ في نظرِ بعضِنا، كأنهُ مستشارٌ في نواحِي الحياةِ، والمتابِعونَ قد يَدفعونَه لذلكَ دفعاً، حتى لو لم يُرِدْ. فليتقِ اللهَ وليعرِفْ قدرَنفسِه، ولا تغرَّه الشهرةُ والمالُ، وليَحفَظْ عوراتِ الناسِ، وليستُرْأسرارَهم.
قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: المفتيْ والمعبِّرُ والطبيبُ، يطَّلِعُونَ من أسرارِالناسِ وعوراتِهم، على ما لا يَطَّلعُ عليهِ غيرُهم، فعليهِمُ استعمالُ السَّترِفيما لا يَحسُنُ إظهارُهُ().
ثم هل يستشعِرُ طالبُ التعبيرِ والمعبِّرُ أن تعبيرَ الرؤَى قَرينُ الفُتيا في الدينِ، وقد قالَ الملِكُ في قصةِ يوسفَ: (يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).
فعلى المعبِّرينَ ولو كانُوا عالِمين، ألا يجزِمُوا بما يُعبِّرُونَ؛فالتعبيرُ ظنٌ، فهذا يوسفُ -عليهِ السلامُ- مع أنه نبيٌ إلا أنه عبَّرَبالظنِ، كما قالَ ربُّنا عنهُ: "وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ". وليعلمُوا خطورةَ هذا الجانبِ، وما يُوصلُهُ من الافتتانِ،والإعجابِ بالنفسِ، وتعظيمِ شأنهِ فوقَ شأنِ المُفتينِ وأهلِ العلمِ.
وقد سُئل مالكٌ: أَيَعْبُرُ الرؤيا كلُّ أحد؟ فغضِبَ وقالَ: أبِالنبوةِ يُلعَبُ؟!()
وقد كانَ إمامُ المعبِّرينَ ابنُ سيرينَ ربَّما سُئلَ عن مئةِ رؤيا، فلا يُجيبُفيها بشيءٍ، إلا أنه يقولُ: اتقِ اللهَ وأحسِن في اليقظةِ، فإنه لا يضرُّكَ ما رأيتَ في النومِ. ويقولُ: إنما أُجيبُ بالظنِ، والظنُّ يُخطئُ ويُصيبُ().
فإذا كانَ هذا قولُ ابنِ سيرينَ، فما الظنُّ بمن جاءَ بعدَهُ؟!
الحمدُ للهِ الذي هَدانا، والصلاةُ والسلامُ على مَن للهُدَى دَعانا، أما بعدُ:
فالرؤيا ثلاثةُ أنواعٍ: منها نفسانيٌ، ومنها رحمانيٌ، ومنها شيطانيٌ().
قال نبيُنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ().
والنوعُ الأولُ لا يَضُرُّ ولا يُعبَّرُ، فهو بمنزلةِ التفكيرِ في اليقظةِ، وهو أكثرُ رؤَى الناسِ؛ لأنها لا تعدُو أن تكونَ انعكاساً لما كان يَشغَلُ بالَه في يقظتِهِ. كما أن المهمومَ أكثرُ الناس رؤىً، والمرأةُ أكثرُ من الرجلِاهتماماً بالرؤيا؛ لعاطفَتِها ورقتِها، وكثرةِ همومِها.
ومَن رأى رؤيا صالحةً فيُشرعُ له أربعةُ أشياءٍ؛ دلَ عليها أنصحُالخلقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الأولُ: أن يَعلَمَ أنها منَ اللهِ. الثانيْ: أن يحمَدَ اللهَ عليها. الثالثُ: أن يُحدِّثَ بها. الرابعُ: ألا يَقُصَّها إلَّا على من يُحبُ، أو خبيرٍ بالتعبيرِ.
وأما إذا رأَى رؤيا يكرهُها فليَفعلْ سبعةَ أمورٍ أرشدَ إليها النبيُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو فعلَ بعضَها نفعَتْهُ، وهيَ كما يلي:
أولاً: الاستعاذةُ من شرِها. ثانياً: الاستعاذةُ من الشيطانِ. ثالثاً: أن يَبصُقَ عن شمالهِ. رابعاً: الإيقانُ بأنها لا تضرُهُ. خامساً: التحولُ عن جَنْبهِ. سادساً: ألا يُحدِّثَ بها أحداً. سابعاً: أن يقومَ فيصليَ. ومن قامَفصلَى فقد جَمعَ أكثرَ ما ذُكِر.
فاللهم بشِرنا بما يَسرُنا.
اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ، وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ().
اللهم ارحمْنا ووالدِينا، وارحمْ مَنْ رَحَلَ عنا، وأحْيِنا حياةً تُكسِبُ عملاً صالحًا يُرضِيكَ عنا. وبلِغْنا رمضانَ، ونحن بأمنٍ وإيمانٍ.
اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ، واهدِ ضالَهم، واكْسُ عاريَهم، واحملْ حافِيَهم، وأطعِمْ جائَعهم.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُوْرنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرُجْ لهم في المضائقِ، واكشِفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.
اللهم إنا نحمدُك، ونستغفرُك، ونسألُك. نحمدُك على سابقِ إنزالِ أمطارٍعميمةٍ عظيمةٍ. ونستغفرُكَ مما اقترفْنا واجترَحْنا، ونسألُكَ بفضلِكَ أن تُتابِعَ علينا الغيثَ، وتُرسِلَ السماءَ علينا مدرارًا.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
المرفقات
1737550910_الرؤَى ومُدَّعُو تعبيرِها.docx
1737550910_الرؤَى ومُدَّعُو تعبيرِها.pdf